بسم الله , والحمد لله , والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله , وآله ومن والاه
أما بعد .. نتابع مع الأحباب أول الشبهات الواقعة فى الكون .. فنقول وبالله التوفيق .
(2) ذكر أول شبهة وقعت فى الخليقة , ومن مصدرها الأول , ومن مظهرها فى الآخر , وكيف تشعبت كل البدع والشبهات من هذه الشبهة الأولى .
اعلم أن أول شبهة وقعت فى الخليقة هى شبهة إبليس لعنه الله , ومصدرها ومنبعها هو استبداده بالرأى فى مقابلة النص , واختياره الهوى فى معارضة الأمر من الله تعالى , واستكباره بالمادة التى خلق منها وهى النار على مادة آدم عليه السلام وهى الطين .
وتشعب من هذه الشبهة سبع شبهات , وصارت فى الخليقة , وسرت فى أذهان الناس حتى صارت مذاهب بدعة وضلالة .
وقد نقل فى الكتب القد يمة أن إبليس لعنه الله قال : إنى سلمت أن الله تعالى إلهى وإله الخلق , عالم قادر , ولا يسأل عن قدرته ومشيئته , وأنه إذا أراد شيئا قال له كن فيكون .
وهو حكيم إلا أنه يعترض على جريان حكمته بعض الاعتراضات والأسئلة , قالت الملائكة : ما هى ؟ وكم هى ؟ قال لعنه الله : سبع . الأول منها : أنه علم قبل خلقى أى شيئ يصدر عن , ويحصل منى , فلماذا خلقنى أولا ؟ وما الحكمة فى خلقه إياى ؟
والثانى : إذا خلقنى على مقتضى إرادته ومشيئته , فلماذا كلفنى بمعرفته وطاعته ؟ وما الحكمة فى هذا التكليف بعد أن لا ينتفع بطاعة , ولايتضرر بمعصية ؟
والثالث : إذا خلقنى وكلفنى فالتزمت بتكليفه بالمعرفة والطاعة , فعرفت وأطعت , فلماذا كلفنى بطاعة آدم والسجود له ؟ وما الحكمة فى هذا التكليف على الخصوص بعد أن لايزيد ذلك فى معرفتى وطاعتى إياه .
والرابع : إذا خلقنى وكلفنى على الإطلاق , ثم كلفنى بعد ذلك بالسجود لآدم , فإذا لم أسجد لآدم , فلماذا لعننى وأخرجنى من الجنة , وما الحكمة فى ذلك , ولم أرتكب خطيئة إلا قولى لا أسجد إلا لك يارب .
والخامس : إذا خلقنى وكلفنى مطلقا وخصوصا , فلم أطع , فلعننى وطردنى , فلماذا جعل لى طريقا حتى دخلت الجنة مرة أخرى وغررت آدم بوسوستى , فأخرجه من الجنة معى ؟ وما الحكمة فى ذلك بعد أن لو منعنى من دخول الجنة لاستراح منى آدم , وبقى خالدا فيها ؟
والسادس : إذا خلقنى وكلفنى عموما وخصوصا , ولعننى , ثم جعل لى طريق إلى الجنة , وكانت الخصومة بينى وبين آدم , فلماذا سلطنى على أولاد آدم حتى أراهم من حيث لا يروننى , وتؤثر فيهم وسوستى , ولا يؤثر فىّ حولهم وقوتهم , وما الحكمة فى ذلك بعد أن لو خلقهم على الفطرة دون من يحولهم عنها , فيعيشوا طاهرين مطيعين , كان ذلك أفضل .
السابع : سلمت بأن الله خلقنى وكلفنى , وعلمت أنه إذا لم أطعه طردنى , ثم إذا أردت دخول الجنة بعد الطرد , جعل لى طريقا للدخول , ثم سلطنى بعد ذلك على بنى آدم , فلماذا عندما استمهلته أمهلنى فقلت له ( أنظرنى إلى يوم يبعثون . قال فإنك من المنظرين . إلى يوم الوقت المعلوم ) وما الحكمة فى هذا التأخير , مع أنه لو أهلكنى فى الحال لاستراح آدم والخلق منى , وما بقى شر فى العالم ؟ أليس بقاء العالم على الخير فقط أفضل من وجود الشر معه ؟ ثم قال اللعين : فهذه حجتى على ما ادعيته فى كل مسألة .
فأوحى الله تعالى إلى الملائكة عليهم السلام : قولوا له إنك فى تسليمك الأول أنى إلهك وإله الخلق غير صادق و لا مخلص , إذ لو صدقت أنى إله العالمين ما احتكمت على بلم فأنا الله الذى لا اله إلا أنا , لا أسأل عما أفعل والخلق مسئولون .
ومن المعلوم الذى لا مرية فيه أن كل شبهة وقعت لبنى آدم فإنما وقعت من إضلال الشيطان الرجيم ووساوسه , ونشأت من شبهاته .
وإذا كانت الشبهات محصورة فى سبع عادت كبار البدع والضلالات إلى سبع , ولا يجوز أن تعدو شبهات فرق الزيغ والكفر والضلال هذه الشبهات , وإن اختلفت العبارات وتباينت الطرق , فإنها بالنسبة إلى أنواع الضلالات كالبذور , وترجع جملتها إلى إنكار الأمر بعد الاعتراف بالحق , وإلى الجنوح إلى الهوى فى مقابلة النص
هذا ومن جادل نوحا وهودا وصالحا وإبراهيم ولوطا وشعيبا وموسى وعيسى ومحمدا صلوات الله عليهم أجمعين كلهم نسجوا على منوال اللعين الأول فى إظهار شبهاته . وحاصلها يرجع إلى دفع التكليف عن أنفسهم , وجحد أصحاب الشرائع والتكاليف بأسرهم .
إذ لا فرق بين قولهم ( أبشر يهدوننا ) وبين قوله ( أأسجد لمن خلقت طينا )
وسبب الخلاف ومحل الافتراق ما هو فى قوله تعالى ( وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا )
فبين أن المانع من الإيمان هو هذا المعنى , كما قال اللعين فى الأول (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين )
وقال المتأخر من ذريته وهو فرعون كما قال اللعين ( أنا خير من هذا الذى هو مهين ولا يكاد يبين ) وكذلك لو تعقبنا أقوال المتقدمين منهم وجدناها مطابقة لأقوال المتأخرين ( كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم ) ( فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل ) فاللعين الأول لما حكم العقل على من لا يحكم عليه العقل لزمه أن يجرى حكم الخالق فى الخلق أو حكم الخلق فى الخالق والأول غلو , والثانى تقصير .
ثم تشعبت الفرق بعد ذلك من خلال تلك الشبهات الإبليسية , وسنذكر فى المشاركة التالية - بحول الله وقوته – تلك الفرق وشبهاتها .
وصل اللهم وسلم وعظم وشرف وكرم مولانا رسول الله وآل بيته الطاهرين .
|