حدثنا عبد الرحمن بن علي, نبأ عبد الوهاب الحافظ, انا المبارك بن عبد الجبار, نبأ علي بن أحمد الملطي, نبأ ابن دوست, نبأ ابن صفوان, نبا القرشي, نبأ محمد بن الحسين, حدثنا بعض أصحابي قال : جاءني بهيم العجلي فقال : تعلم لي رجلا من جيرانك وإخوانك يريد الحج ترضاه لمرافقتي ؟ قلت :نعم, فذهبت به إلي رجل به من صلاح ودين, فجمعت بينهما, وتواطآ علي المرافقة, ثم انطلق بهيم إلي أهله, فلما كان بعد أتاني الرجل فقال : أريد أن تزوي عني صاحبك, ويطلب رفيقا غيري. فقلت : ولما ؟ فوالله ما أعلم بالكوفة له نظيرا في حسن الأخلاق والإحتمال. قال :حدثت أنه طويل البكاء لا يكاد يفتر , فهذا ينغص علينا العيش. فقلت له : إنما يكون البكاء أحيانا عند التذكرة, أوما تبكي أنت ؟ قال : بلي. ولكنه بلغني أنه أمر عظيم من كثرة بكائه. قلت : أصحبه فلعلك أن تنتفع به. قال :أستخير الله. فلما كان اليوم الذي أرادا أن يخرجا فيه جئ بالإبل, فوطئ لهما, فجلس بهيم يبكي في ظل حائط, فوضع يده تحت لحيته, وجعلت دموعه تسيل علي خديه, ثم علي لحيته, ثم علي صدره, حتي والله رأيت دموعه علي خديه ثم علي الأرض. فقال لي صاحبي :يا مخول, قد ابتدأ صاحبك, ليس هذا لي برفيق. فقلت له :ارفق لعله ذكر عياله ومفارقته إياهم. فسمعها بهيم فقال: يا أخي, والله ما هو ذاك, وما هو إلا أني ذكرت بها الرحلة إلي الآخرة, وعل صوته بالنحيب, فقال لي صاحبي :ما هذا بأول عداوتك لي, مالي ولبهيم ؟ إنما كان ينبغي أن ترافقوا بين بهيم وبين داود الطائي وسلام أبي الأخوص, حتي يبكي بعضهم إلي بعض فيستشفون أو يموتون. فلم أزل أرفق به, وأقول له :لعلها خير سفرة سافرتها, وكل ذلك لا يعلم به بهيم, ولو يعلم ما صاحبه, فخرجا وحجا ورجعا. فلما جئت أسلم علي جاري قال لي : جزاك الله عني خيرا, ما ظننت أن في هذا الخلق مثل أبي بكر, كان والله يتفضل علي في النفقة وهو معدوم وأنا موسر, وفي الخدمة وأنا شاب وهو شيخ, ويطبخ لي وأنا مفطر وهو صائم. قلت : كيف كان أمرك معه في الذي تكرهه من طول البكاء ؟ قال : والله ألفت ذلك البكاء, وسر قلبي حتي كنت أساعده عليه حتي تأذي بنا الرفقة, ثم ألفوا ذلك, فجعلوا إذا سمعونا نبكي يبكون, وجعل بعضهم يقول لبعض : ما الذي جعلهم أولي بالبكاء منا, والمصير واحد؟ فيبكون ونبكي. ثم خرجت من عنده وأتيت بهيما, وقلت : كيف رأيت صاحبك؟ قال : خير صاحب, كثير الذكر لله عز وجل, طويل التلاوة, سريع الدمعة, جزاك الله عني خيرا. من كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار لسيدي ابن العربي
_________________ أيا ساقيا على غرة أتى يُحدثني وبالري يملؤني ، فهلا ترفقت بى ، فمازلت في دهشة الوصف ابحث عن وصف لما ذُقته ....
|