كتاب فوائح الجمال وفواتح الجلال

النيل الخالد · **مرسل:** الاثنين ديسمبر 29, 2014 8:36 am

اسعدنى مرورك العطر شيخنا الفاضل فراج يعقوب
جزاك الله خيرا والحمدلله رب العالمين

النيل الخالد · **مرسل:** الاثنين يناير 05, 2015 10:31 am

[وصل]
وأما خاطر النفس ، فهو الخاطر المفضى إلى الراحة ، وإن طهرت وزكت وأسلمت .
فإنها إذا زكت ، تجعل راحتها فى فنون العبادات وصنوف الخيرات ، وإذا كانت خبيثة كانت أمارة بالسوء .
ثم إذا زكت ، كان خاطرها محمودا _فعلامة ذلك أنه يجد القلب من ذلك راحة ويطمئن ، وهى أن تكون آمنة فى نفسها _
وإذا لم تكن زاكية ، كان خاطرها مذموما ، وعلامته أنك تحس فى القلب ألما ، وفى الصدر ضيقا ، وفى الأعضاء وجعا ، وفى النفس
خيفة ، فإن النفس خائفة منكرة ، مثل الصبى إذا سرق بيضا أو أبق ، خاف خيفة منكرة ... ويحس صاحبها كأن الكونين وما فيهما ،يعترضون عليه .
وأما خاطر الشيطان ، فإنه قد يكون فى صنوف العبادات وأنواع الخيرات وحب القدرة والكرامات ! وهو لا يزال مع المرء حتى يخلص
(بضم الياء)، فإذا أخلص (بضم الألف) فارقه ولم يطمع فيه. والشيطان يوافق النفس فى خواطرها ، إذا كانت خبيثة ، يحثها
ويسول لها ويمثل لها القبيح حسنا ، وخاطر الشيطان أصعب ، فإن خاطر الشيطان ذو فنون وخاطر النفس ذو فن واحد. والنفس كالصبى
، وعدوها الشيطان يسول لها الشئ فتصدقه لصغرها ...والشيطان بالغ فى المكر والحيل ، يأتى الإنسان من كل طريق ،
إلا من باب الإخلاص.
فكن_يا حبيبى_مخلصا .ولو كنت فى الإخلاص ،فلا تر فى مقام الإخلاص ، فإنه شائبة فى الإخلاص ، فيدخل عليك الشيطان .
وعلامة خاطره ، أنه إذا خطر : تستوفز وتستعجل ولا تجد فى القلب راحة منه ، وكأنك استقبلت الظلمات . ويمازجك الرياء
والالتفات إلى ما سوى الحق ، وتندق أعضاؤك من نزوله عليك.
وإن الحق _بلطيف شأنه_ربما يوصل العباد إلى مقام القرب بواسطة الشيطان !
فإن الشيطان يلقى فى قلوبهم حب العبادات لمراءاة الخلق ، فإذا عبدوا الله لأجل التفات الخلق إليهم ، فإذا التفت الخلق إليهم
_لالتفاتهم _ازدادوا رغبة ...فإذا استحلوا ذلك ، فينغمسون فى بحر التعبد ... والعبادة تأبى أن تكون إلا للحق ! فيجدون لذة العبادة للحق
،بواسطة الأذكار ، وتظهر لوازم العبادات والأذكار _من العلوم والأسرار والأنوار _فيعرضون عن الخلق ويستقبلون الحق.
ولا تأمن الشيطان ، ما دام معك شئ من دنياه.

[رواية]
جاء عن عيسى عليه السلام ، أنه كان نائما متوسدا لبنة ، فهب من منامه ، فإذا "اللعين "عند رأسه ، فقال له :
ما جاء بك إلى؟ فقال : طمعت فيك ! فقال : يا ملعون أنا روح الله ، كيف تطمع فى ؟ قال : إنك أخذت قماشى ، فطمعت فيك !
قال : وما ذاك القماش ؟ قال هذه اللبنة تحت رأسك ! فرماها عيسى _عليه السلام_حتى فارقه .

[معاينة]
كنت منقطعا إلى الله فى الخلوة ، مواظبا بذكره . فجاء "اللعين"وأكثر على الحيل ليشوش الخلوة والذكر ، فظهر فى يدى سيف الهمة
مكتوب عليه ، من ذؤابته إلى قبضته : الله ، الله ....فكنت أنفى به الخواطر المشغلة عن الله.
فخطر على قلبى ، أن أصنف كتابا _فى الخلوة_ أسميه "حيل المريد (بفتح الميم) على المريد (بضم الميم )"فقلت : لا يصح،
إلا بإذن الشيخ !
فشاورت الشيخ ، فى الغيب ، فسمعت كلامه _لصحة رابطة كانت بينى وبينه _أن انته عن هذا الخاطر ، إن الله برئ من هذا الخاطر،
فإنه خاطر شيطان ، لاطفك فى الحيلة، وسمى نفسه مريدا ،أفحسبت أنه لا يشتم نفسه ، واستبعدت عن ذلك ؟ وغرضه من ذلك
أن يشغلك عن ذكر الحق ، فيتخبط عليك الأمر ... فانتبهت وانتهيت .

[وصل]
يتبع

النيل الخالد · **مرسل:** الجمعة يناير 09, 2015 6:57 pm

[وصل]
فإذا خطر خاطر بقلبك_أو فضاء صدرك _فشاور فيه الشيخ ، فإن قال : "هذا خاطر الحق"
فاعلم أنه كذلك . وهذا ضابط لك ، ما لم تصل إلى الذوق ،فإن وصلت إلى الذوق ، ذقت الخاطر فعرفته وميزته عن غيره
_حسب الفرق بين الشهد والحنظل_بالذوق.. أما بالعبارة ، فيصعب نوع صعوبة ! فإنك تقول فى الفرق :
ذاك حلو وهذا مر. ثم يقال لك : ما الحلو وما المر؟فلا تقدر أن تكشف حقيقة الحلاوة والمرارة ، سوى أن تذكر علاماتهما
وتمراتهما ،فتقول : المرارة تأباها النفس وتنقبض عنها ، والحلاوة ترضاها النفس وتنبسط بها . وتقول :
ذاك طيب موافق ، وهذا مخالف غير طيب ، وهذا يقطع ويفرق ويزعج ، وهذا يرم ويجمع ويسكن ، وهذا تقبله المعدة،
وهذا لا تقبله...وكذلك بين الحلوين والمرين ، يفرق بينهما إذا كان الذوق سليما ، أما إذا فسد الذوق ،فقد تجد الحلو مرا
كما قال الشاعر
ومن يك ذا فم مر مريض يجد مرا به الماء الزلالا
وكذلك ،نسبة مبدأ هذا الأمر إلى منتهاه ، فإن مبدأه مرض ومنتهاه صحة.
فإن القلب ذو مرض فى الأبتداء ،فإذا داواه الشيخ الطبيب الحاذق ، صح وصار سليما ، فيذوق فى الأول حلاوة العبادة مرارة ،
ومرارة المعصية حلاوة ، فإذا صح القلب وسلم ذوقه سلمت الأتباع كلها .
مسألة
هل يسقط التكليف عن عبادة الخواص؟ نعم .بمعنى أن التكليف ماخوذ من الكلفة ، وهى المشقة .فيعبدون الله تعالى بلا مشقة
وكلفة ،بل يتلذذون بها ويطربون !
فإن الصلاة مناجاة ، ولكن مهما كان العابد موافقا للشيطان مخالفا للرحمن ، لم يجد لذة المناجاة ، بل يشق عليه ذلك ،
فإن مناجاة المخالف صعبة شاقة على البدن ، أما إذا وافق الرحمن وعادى الشيطان ! كانت الصلاة فى حقه مناجاة الحبيب ....
وهو ألذ الأشياء.
[رواية]
حكى عن الحضرمى أنه كان يقول : إن الناس يقولون إنى حلولى ، وإنى أقول بسقوط التكاليف عن عباد الله....
وكيف أكون حلوليا ، ولا أرى لى الوجود سوى الله ! وكيف أقول بسقوط التكليف ولى ورد فى حال صباي ما فاتنى إلى
هذا الوقت ! ولكنى أقول : لا كلفة فى عبادة عباده الخواص .

فصل : فى تبديل الذوق
والذوق والمشاهدة ثابتان معا ، إلا أن المشاهدة سببها فتح البصيرة ، بكشف الغطاء عنها....والذوق سببه تبديل الوجود والأرواح.
والذوق هو "الوجدان بما يأتيك" ويدخل فى هذا التبديل تبديل الحواس ، فإن الحواس الخمس تتبدل بحواس أخر(بضم الألف)
ومثاله النوم ، وهو ثابت فى حق العامة ، فإنه مهما نام واستخلص قليلا عن أثقال الوجود ، وانسدت حواسه ببحار الوجود،
انفتحت حواس أخر إلى الغيب _من عين وسمع وشم وفم ويد ورجل ووجود آخر_فيرى ويسمع ،ويأخذ من لقم الغيب ويأكل....
وربما يقوم من نومه بعد الأكل ، فيجد لذة الطعام فى فمه! ويتكلم ويمشى ويبطش ويصل إلى البلاد القاصية _ولا يحجبه
البعد_وذلك_وجود أكمل من هذا .
وربما يجد فى ذلك قوة الوجود قوة الطيران ، والمشى على الماء ، والدخول فى النار ،ولا يحترق ، ولا تحتسب هذا جزافا ،
بل حقيقة ، وهو أخ الموت.
يتبع

النيل الخالد · **مرسل:** الاثنين يناير 12, 2015 10:17 am

فما يجده العامى فى منامه _بحسب قوة وجوده الأدنى ، يجده السيار بين اليقظة والمنام ،لضعف وجوده الخسيس ،
وقوة وجوده النفيس .
ثم يقوى هذا الوجود الشريف ، فيقع الفعل إلى عالم الشهادة ، فيطير ، ويمشى على الماء ، ويدخل فى النار فلا تضره، ويرى ويسمع
ويأخذ ويصعد بيد الهمة ....والحاضر معه ، محجوب بالوجود الكثيف لا يجد ذلك.
واعلم أن المشاهدة فى الأول تكون بالصور والخيال ، ثم بالذوات _إذا ظهرت الألوان_
ثم تفنى الذوات فى الذات الواحدة . وسبب الصورة والخيال ، قوتان خادمتان للعقل فى الرأس ، لضبط الأشياء له_مثل
الحبالة والشبكة للصياط_فتأخذان الأشياء ، فيتصرف هو فيها ! والنظر مثل كلب الصياد .
فإذا وردت المعانى بذواتها ، رمى العقل إليها حبالتى المصورة والمخيلة ، أو عدا إليها كلب النظر ، فاصطادها بنابى المصورة والمخيلة ،
ثم تحفظها الممسكة المذكرة للعقل حتى يتصرف فيها ، ويسألها : من أين هى ؟ وإلى أين ؟ وما غرضها ؟
ثم يقضى منها العجب .
فالمخيلة تحيل المعنى بلباسه اللائق به ، والمصورة تصوره ، فتصور العدو الخسيس بصورة الكلب ، والعدو الشريف بصورة الأسد
والرجل العظيم بالجبل ، والسلطان بالبحر ، والرجل النافع بالشجرة المثمرة ،وغير النافع بالشجرة غير المثمرة ، والنفع والرزق بالطعام
والدنيا بالنجاسة ،والمرأة العجوز ،وهلم جرا إلى غير ذلك ....وهذا هو سر علم التعبير.
فإذا قضى العقل وطره ، وحده ، وطرب ، وعجب كل العجب ، علم أن الحس الأول كذبه حين قال :
لا شئ سوى ما ترى وتسمع وتذوق وتجد ، وقد طالت محبته معه ، وكان مصدقا له تصديقا عارضيا ، فلما وجد علما آخر ،
صدقه ...حتى إنه لو أنكر علي الحس الغيبى ، فعل به رقباء الغيب ما يعمل مدعى الحقائق عل السفسطى ،
من بعج بطنه بسكين ، وترضيض رأسه ، والضرب بالسيف والقيد ...حتى يجد الألم فيصدق الحقائق.
فإذا علم ذلك كذب الحس الأول وأعرض عنه ، وقعد عن الصيد الحسى . وضعف عن التصرف _بمدة مديدة _فيسأم عن عالم الصور والخيال ، فتقعد كلابه وحباله عن الاصطياد ، فتظهر المعانى فى الألوان _لثبوت الرابطة بينها وبين البصيرة _ثم تفنى المعانى
فى ينبوع المعانى ، وهو القلب ، فيستقيم الأمر على لون واحد ، وهو الخضرة ، وهو لون حياة القلب ،
ثم يبقى بعده لون العقيق ، وهو لون العقل الكبير ....من اتصف به حمله على ما يحب أن يوجد ، ويمنعه عما يحب عدمه ،
شاء صاحبه أم أبى ، بل لا يأبى عليه ، كما لا _تأبى على الروح إذا احترزت من النار!
وهذا اللون ، إنما يظهر باليسر بعد العسر..... وهو عسر المجاهدة ، فإن المجاهد إذا رابط ثغر الصدق والإخلاص ،
نزل عليه من الواردات الثقال كالجبال الراسيات ، حتى يندق فى الأرض ويصير بها .
فلم يضطرب ولم يتحرك ، فيبقى بذلك زمانا ، وهو حقيقة نزول العقل الكبير عليه ، ويبدو لونه _بحذاء الجبهة _كأنه لوح أسود
عليه نقط حمراء كالعقيق ، يكبر ويصغر بقدر خرق حجابه ...وهو أمتن الحجب وأصعبها .
وإذا شوهد هذا اللون فى الغيبة ، فتت السيار ومزقه وزلزله ونفضه ، وسببه أن الضعيف لا يطيق نظر القوى .
وهذا إنما يكون فى النهايات ، لا فى البدايات.

فصل : فى الإستغراق
يتبع

النيل الخالد · **مرسل:** السبت يناير 17, 2015 10:05 am

فصل : فى الاستغراق
الاستغراق الأول ، استغراق الوجود فى الذكر.وهذا إنما يكون ، إذا احترقت الأجزاء الخبيثة وبقيت الأجزاء الطيبة ،
سمعت حينئذ "ذكر الوجود"فتسمع من كل جزء ذكرا ، كأنه ينفخ فى بوق أو يضرب دبدبة(الطبلة) .
وإذا أستقام ذكرهن ، صار كرنة النحل .
وقبل الاستقامة ، يقع الذكر أولا فى دائرة الرأس _لأنها مصعدة _فتجد فيه صوت الدبادب والكوس(الطبل) والبوق .
والذكر سلطان ، إذا نزل موضعا ، نزل بدبادبه وبوقاته ، حتى ربما ينتهى الأمر إلى أن يجن ويخاف عليه من الموت......
ولكن الصادق لا يضره ذلك .

[معاينة]
كنت فى الخلوة ذاكرا ، فوجدت فى رأسى مثل هذه الأصوات ، مع أوجاع شديدة ، وكنت فى ذلك صادقا ، باذلا المهجة
لتراب أقدام تلك الحضرة .
فحكيت الأصوات والأوجاع للشيخ ، فقال لى : اخرج من الخلوة ودع الذكر ، حتى لا تجن أو تموت ! فقلت للشيخ :
لأن أموت فى الطريق ، أحب إلى من أن أموت فى المقام ...
فقال : كنت أستخبر باطنك على ما أنت عليه ، فمهما كنت صادقا عازما على بذل المهجة فلا تبالى !
فما عبر أسبوع ،حتى حل الله تلك العقدة ، ونزل الذكر الرأس ، وأقام به ،وظهرت قرة الأعين ومنى الأنفس
ولذاذة الأرواح وطيبة القلوب .
وما أدرى سبب لفتح هذا الباب على ، إلا توفيقه ، لصدقى وثباتى على قدم الإخلاص فى تلك الأيام.

[إشارة]
وسر هذه الأصوات الشديدة ، أن الذكر ضد كل ما سوى الحق ، فإذا وقع فى موقع ، اشتغل بنفى الضد ....
كما تجده فى اجتماع الماء والنار .

[وصل]
وبعد هذه الأصوات _أصوات الدبادب والبوقات_تسمع أصواتا مختلفة ، مثل خرير الماء ودوى الرياح ، وصوت النار
إذا تأججت ، وصوت الأرحية(جمع رحى -حجر عظيم يطحن به) ،وخبط الجيل والرجل ، وصوت أوراق الأشجار إذا هب عليها
ريح عاصفة . وسر ذلك ، أن الأدمى مركب من كل جوهر _شريف ووضيع_ هذه هى الأركان والأرض والسماء وما بينهما ،
فهذه الأصوات أذكار كل أصل وعنصر من هذه الجواهر.....
ومن سمع هذه الأصوات ، فقد سبح الله وقدسه بكل لسان ، وهو من شرائط الطريق ،
وهذا الاستغراق ، نتيجة ذكر اللسان بقوة .

الأستغراق الثانى
يتبع

النيل الخالد · **مرسل:** الأربعاء يناير 21, 2015 10:01 am

الأستغراق الثانى
وبعد هذا ،يفتح بابا من فود الرأس (جانباه والجمع أفواد) ، قوارة شبه الدائرة ، فينزل عليه من الفوق ظلمة ،ثم نار ،ثم خضرة....
وهى ظلمة الوجود ،ونار الذكر ،وخضرة القلب .
وإنما يفتح الباب أولا من فوق الرأس ،لأن الذكر كلمة طيبة تصعد إليه بذاتها .
وجهة الهوية الفوق ،فود الرأس ،فتصعد الكلمة الطيبة إليه .والحق يجازيه _بالفضل والرحمة_من الواردات الروحانية والأنوار القدسية،
فيملؤه من فوقه إلى قدمه أمنا وإيمانا ورغبة وشوقا ومحبة وإيقانا وإتقانا وعرفانا ،فيمتلئ.
وعند ذلك ينطلق القلب،ويرغب إلى الرب جل جلاله _عند الصيحة _فيستغرق الذكر فى القلب ، لا أستغراق الفناء،
بل استغراق الوقوع فيه، فيحس من القلب كأنه قليب ، والذكر دلو يقع فيه ،فيسقى الماء منه .
وعند ذلك يقع الطيران فى الأعضاء وحركات ضرورية غير معهودة مثل حركة المرتعش.
وكلما سكت عن الذكر ، تحرك القلب فى الصدر حركة الولد لى بطن الأم يطلب الذكر ، فإن القلب مثل عيسى ابن مريم ،
والذكر لبنه .وإذا قوى وكبر ،صعد منه حنين إلى الحق ، صوت ، وصعقات ضرورية ،شوقا إلى الذكر والمذكور ،وإن كان صاحبه
غافلا عن الذكر والمذكور....وذكر القلب يشبه رنة النحل ، بلا صوت رفيع مشوش ، ولا خفى شديد الخفاء.
ومن علامات وقوع الذكر فى القلب ، أن تشاهد من قدامك ينبوعا ، ينبع نورا سريع النبعان ،يجد إليه السيار طمأنينة ، ويتخذها مؤنسا .
ومن العلامات أن الذكر يفتح الجب الأيمن ، فيسم على الجنب مثل أثر الجراحة إذا أندملت ،فتخرج منه أنوار الذكر ....
ثم يدور ذالك الوسم بحذاء عمل الذكر على القلب ، فيرجع من الجنب إلى ما وراء الظهر ، فيحس السيار بالداخل والخارج منه.
ومن ذاك الباب ، يخرج القلب والروح القدسى ، فيعلو الراكب على المركب ، وقد كان تحته ، وأعنى بالراكب :
اللطيفة الناطقة ، وبالمركب :القالب ... وحينئذ يعرج به إلى المحاضر ، محاضر الحق.

الأستغراق الثالث ، وقوع الذكر إلى السر :
يتبع

فراج يعقوب · **مرسل:** الأربعاء يناير 21, 2015 2:12 pm

اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلم
متابَعة
جزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

خلف الظلال · **مرسل:** الأربعاء يناير 21, 2015 7:27 pm

جزاكي الله كل خير بجاه سيدنا النبي صل الله عليه وسلم على مجهودك في النقل ومشاركة كلام أهل الله
كله بركة ونور
أول مرة اقرأ مشاركتك لهذا الكتاب القيم..فشكرا جزيلا

النيل الخالد · **مرسل:** الأربعاء يناير 21, 2015 10:15 pm

اشكر لك شيخى الفاضل فراج يعقوب مرورك الطيب المبارك
جزاك الله خيرا
وشكرا لك الاخت الفاضلة خلف الظلال مرورك الطيب المبارك
جزاكى الله خيرا على دعائك ولك بمثل وزيادددددددددة اللهم امين
ربنا يكرمك بكرمه ويزيدك من فضله

النيل الخالد · **مرسل:** السبت يناير 31, 2015 9:48 am

الإستغراق الثالث ، وقوع الذكر إلى السر

وهو غيبة الذكر عن الذاكر ، فى المذكور ، فذكره : الهيمان فيه ، والغرق فيه .
ومن علاماته ، انك إذا تركت الذكر لم يتركك الذكر ، وذلك طيران الذكر فيك ، لينبهك عن الغيبة إلى الحضور .
ومن علاماته :شد الذكر رأسك وأعضاءك جميعها ، فتكون كالمشدود بالسلاسل والقيود . ومن علاماته أنه لا تخمد نيرانه ،
ولا تذهب أنواره ، بل ترى أبدا أنوارا صاعدة وأخرى نازلة ، والنيران حواليك صافية تتأجج وتتقد.
فذكر الحروف بلا حضور ، ذكر اللسان.
وذكر الحضور فى القلب ،ذكر القلب.
وذكر الغيبة عن الحضور فى المذكور ،ذكر السر .
فإذا رجعت إلى الحضور وفهم الذكر ،نزلت درجة .فإذا ذهلت عن المذكور والحضور ، واختصرت بمجرد لقلقة اللسان ،
نزلت درجة أخرى.
....واعلم ،أن للذكر _وإن كان بمجرد اللسان _سلطانا عظيما ، ولكنه لا يظهر عند الوجود ،لقوة احتجاجه عن سلطان الذكر ،
فإذا عرى السيار عن الوجود _بالنوم أو بالغفلة عند ضعف الوجود_ظهر سلطان الذكر. وهو نور يقع عليه من فوق ، أو من وراء !
أو من قدام ،فيتزلزل وينتفض ، ويقول عند ذلك _ضرورة المخافة :"لا إله إلا الله "ويجد قوة عظيمة وشدة شديدة، حتى إنه يسجد وينيب حينئذ إلى الله_عز اسمه _ويسلم ويؤمن ، وهذا يظهر خدمته للذكر ومواظبته عليه.

[مراتب النفس]
النفوس ثلاثة:النفس الآمارة بالسوء ،وهى العامة..تكون مظلمة ،فإذا وقع الذكر ،كان الذكر مثل السراج الموقد فى البيت المظلم.
فحينئذتصير لوامة ،لأنها تبصر أن البيت ملآن من نجاسة ، وكلب ، وخنزير ، وفهد ،ونمر، وحمار، وثور،وفيل،
وكل شئ مذموم فى الوجود.
ثم تجتهد فى إخراجهم عن هذا البيت ،بعد أن تلطخت بأنواع النجاسات ،وتجرعت من أنواع السباع ،فتلازم ذكر الحق ،والإنابة ،
حتى يظهر سلطان الذكر عليهم ....فيخرجهم .
ثم تقترب من المطمئنة ، فلا تزال تجتهد فى جمع أثاث البيت ،حتى يتزين البيت بأنواع المحمودات ،فتتحلى بها ،ويصلح البيت لنزول
السلطان فيه،فينزل....فإذا نزل فيه السلطان ،وتجلى الحق ،اطمأنت.
واعلم أن للنفس الآمارة علامة فى المشاهدة ،وهى دائرة كبيرة تطلع من قدامك مسودة كأنها قير ،ثم تفنى ، ثم تطلع من قدامك
كأنها غيم ، ثم تطلع وقد انكشف عن حافاتها شئ كالهلال يبدو طرف منه أثناء الغيوم ،ثم تكون هلالا .
ثم إذا لامت نفسها ،فتطلع من الخد الأيمن كأنها شمس حمراء _يجد الخد حرارتها _وتارة تكون بحذاء الأذن ،
وتارة بحذاء الجبهة ، وتارة فوق الرأس ...وهذه النفس اللوامة هى العقل.
وأما النفس المطمئنة ،فلها علامة فى المشاهدة ،وهى أنها تطلع تارة قدامك مثل الينبوع الكبير ،فتفيض منها الأنوار،
وتارة تشاهدها فى الغيبة دائرة وجهك من نور ،صافية مثل السجنجل المصقول ،وهذا إذا صعدت إلى الوجه ، وفنى فيها الوجه ،
فيكون وجهك _حينئذ_هو النفس المظمئنة .
وتارة تشاهدها بعيدة عنك فى الغيبة ، وبينك وبين دائرتها ألف منزل ،لو دنوت من واحد منها احترقت .
واعلم أن فى الوجه دوائر تظهر فى نهايات السير ،منها"دائرتا العينين من نور"تظهران فى كل ملتفت يمينا وشمالا ، ودائرة أخرى
"دائرة نور الحق"تظهر ما بين العينين والحاجبين ،وهذه الدائرة لا نقطة فى وسطها _بخلاف دائرة العينين ،ففى وسطها نقطة
_وربما تفنى دائرة العينين فى النقطة ،فتبقى النقطة وتفنى الدائراتان ....
و"دائرة الروح"وهى تظهر بحذاء الأنف . ونور اللسان ليس له دائرة ،وإنما هو نور مطلق ، ورش محض ،لا دائرة فيه.
ولا دائرة لنور السمع ، وإنما ذلك نقطتان من نور تظهران وراء دائرتى العينين .

[معاينة]
كنت فى الخلوة ،فغبت ،ثم عرجت إلى أن كان بين يدى شمس طالعة ،فأدخلت فى الشمس بعد أن قاسيت من قواها شدة عظيمة،
فسألت الشيخ ،فقال :الحمدلله ،
وأنا رأيت فى المنام كأنى أمشى فى حرم مكة ،وأنت معى _والشمس فى وسط السماء_وتقول :أيها الشيخ ،
اتعرفنى من أنا؟قال: فقلت من أنت؟ فقلت : أنا ذاك الشمس فى السماء ! ففرح شيخى عمار لتطابق الواقعتين.
وقال :أدخلت فى عالم القلب ، جاهدت ليالى ، فكنت أنظر إلى السماء إلى أن دخلت السماء فى داخلى ،
حتى ذقت أنى السماء ، وكنت أنظر إليها ليالى أخر ، إلى أن أبصرتها تحتى بمثل ما أبصرتها فوقى ،
وكنت أنظر إلى الأرض ليالى ،وأستكشف على ماذا هى !
حتى فنيت فى دائرة من نور.
[تفسير]
يتبع

النيل الخالد · **مرسل:** الأربعاء فبراير 11, 2015 9:57 am

[تفسير]
وحظ العلم ، من هذه الواقعات : أن الروح القدسى لطيفة سماوية ، فإذا فاضت بقوة الهمة ، لحقت بالسماء وغرقت السماء فيها ،
بل السماء والروح شئ واحد .....
وهذا الروح لا يزال يطير ويربو وينمو ،إلى أن يكسب شرفا فوق شرف السماء فيعلوها .

[تفسير آخر]
أو نقول :إن فى الآدمى جواهر من كل معدن ،فالطالب لكل معدن جنسه من الجواهر ، فإذا صدقت إرادته وطلبه وجد،
وجد الأصل ولحق به .
وما رأيت السماء تحتى ولا فى داخلى ، إلا بعد أن قام فى داخلى طلب وعتاب :"أنى لأيش ما كنت فى السماء ،
أو أكبر من السماء ، أو فوق السماء بحسب ما هى فوق ؟"
فصدقت الجواهر الغريبة فى الحنين إلى معادنها ،فلحقت بها ...والدائرة التى فنيت فيها الأرض :دائرة القدرة

[طبقات المشاهدات]
اعلم أن المشاهدات مشاهدتان ، أدنى ،وأعلى .فالمشاهدة التى هى أدنى ،مشاهدة ما تشمل به الأرض _اعنى بها فى الغيب
لا فى عالم الشهادة_من صور وألوان وبحار ونيران ومفازات وقرى وآبار وصروح وغير ذلك ...
والمشاهدة العليا مشاهدة ما تشمل به السماء من الشمس والقمر والكواكب والبروج والمنازل وكل شئ ،
فلا ترى ولا تشاهد إلا ببعضه _كما قلنا : إن الجواهر لا يشاهد إلا معدنه ، ولا يريد إلا معدنه ، ولا يحن إلا إلى معدنه_فإذا
شاهدت سماءا او أرضا أو شمسا او كواكب أو قمرا ، فاعلم أنه قد زكا فيك الجزء من ذلك المعدن ...
ولا تعتقد أن السماء التى تشاهد فى الغيب ، هذه السماء!بل فى الغيب سماوات أخر ألطف ،
وأخضر ،وأصفى ، وأنضر ، بلا عد ولا حصر .
وكلما زدت صفاء، بدت لك سماء أصفى وأبهى ، إلى أن تسير فى صفاء الله _وذلك فى نهاية السير_وصفاء الله لا
نهاية له، فلا تعتقد أن الذى نلته ليس شئ وراءه أعلى منه !
[المحاضر الربانية]
يتبع

فراج يعقوب · **مرسل:** الأربعاء فبراير 11, 2015 2:25 pm

اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلم
متابعة
جزاك الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

النيل الخالد · **مرسل:** الأربعاء فبراير 18, 2015 10:05 am

المشاركة نورت بمروركم الكريم شيخنا الفاضل فراج يعقوب
بارك الله فى حضرتك وجزاك الله كل خير
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

النيل الخالد · **مرسل:** الاثنين فبراير 23, 2015 9:55 am

[المحاضر الربانية]
اعلم أن للحق محاضر،وهى محاضر الصفات وتميز المحضر عن المحضر بحالتك ،فإنك إذا عرجت إلى ذلك المحضر ،
جرى على لسانك_بلا اختيارك_اسم ذلك المحضر وصفته ،إلى أن تدور على المحضر وصفته ،فتسبح الله تعالى به،فتارة تسبحه
بسبحان العلى الكبير،وتارة تسبحه بسبحان العلى الأعلى،
وتارة بربى وقادرى، وتارة :أحد أحد..وهكذا إلى أن تدور على المحاضر .
وللقلب نصيب من كل صفة من صفات الله -عز وجل-ولا تزال تزداد...
وأرباب القلوب متفاوتون فى ذلك .وكل صفة على المحاضر ،وللقلب نصيب من كل صفة من صفات الحق،
فيتجلى للقلب بواسطة نصيب القلب منها ،فتتجلى الصفات للصفات ،والذات للذات..وتارة تشهده الصفات ،
وتارة يشهد فى محاضر الصفات .
والتجلى فى الأول ،بالعلم .ثم بالمشاهدة -بأن تشهده الصفات أو يشهد فى محاضر الصفات-ثم التجلى بالاتصاف،
وهو أن يتخلق القلب بهذه الصفات، بأن يكون ويوجد ويحيى ويميت ويرحم ويعاقب إلى غير ذلك من صفات الفضل والعدل.
ثم فى الأتصاف ثلاث درجات:
الأولى:يتصف بالصفات بالنسبة إلى نفسه فى تغيير المعانى.
الثانية:يتصف بالصفات بالنسبة إلى نفسه ، وغيره فى تغيير المعانى.
الثالثة:الاتصاف بالصفات بوجه يتصرف مطلقا فى الأكوان والألوان والمعانى ...والكمال فى ذلك لله عز اسمه.
واعلم أن من للأنوار ما يصعد ،ومن الأنوار ما ينزل،
فالأنوار التى تصعد قلبية،
والتى تنزل عرشية،
والوجود حجاب بين العرش والقلب ،فإذا خرج الوجود ،وفتح من القلب باب إلى العرش ،
حن الجنس إلى الجنس ،فيصعد النور إلى النور ،وينزل النور على النور ..نور على نور.
وحقيقة الجمعية أنه مهما حن القلب إلى العرش ،حن العرش إلى القلب ،فيلتقيان ،فيجتمع ما بينهما من الوجود والنفس،
بل يفنى ما بينهما مثل الهواء الحاصل بين اليدين،إذا صفقت بهما فنى الهواء فيما بينهما ،
ومثل الطعام بين الحجرين ،إذا دار بعضه على بعض خرج الطعام من البين.
[سر السير والجذب]
يتبع

النيل الخالد · **مرسل:** الخميس يونيو 04, 2015 8:44 pm

[سر السير والجذب]
وكل ما فيك من جوهر نفيس ، يوجب لك حالة أو مشاهدة في السماء مثله من نار شوق ومحبة وعشق .
وكلما صعد منك نور ، نزل إليك نور ، وكلما صعدت منك نيران ، نزلت عليك نيران مثلها .
غير أن الجواهر في السماء محدودة لا تجاوز حدها ، بخلاف الجواهر منك ، فإنها تقبل التربية والإزدياد .
فإن كان جوهر السماء أقوي من مثله فيك ، حن جوهرك الناقص إلي الزائد وجذبه القوي ، وإن تساويا ، حنا وجذبا ، فيلتقيان في وسط الطريق
_والحنين من صفة الرحمة ، والجذب من قوة القدرة _وإذا كثر الجوهر فيك ، صار كلا بالنسبة إلي جوهره الذي هو من جنسه في السماء ،
فيحن الجوهر من السماء ، ويجذبه جوهرك إلي نفسه ، فينزل عليك ....وهذا سر السير والجذب ،
فإن السير ليس إلا تصفية الجوهر ليعلم ، إن كان زائدا جذب ، وإن كان ناقصا حن .

[إشارة]
قال أبو بكر الواسطي ، قدس الله روحه : تصادمت صفة الجلال وصفة الجمال ، فتولد منهما الروح .
فالابن إشارة إلي الجزء ، والأب والأم إشارة إلي الكل.

[وصل]
إذا صفت دائرة الوجه ، فاضت بالأنوار _كالينبوع بالمياة _حتي يحس السيار نبعان الأنوار من وجهه ، ويكون النبعان من بين العينين
والحاجبين ، ثم يستغرق الوجه كله .
ويكون حينئذ من قدامك _بحذاء وجهك _وجه من نور ، كذلك ، ينبع بالأنوار...
وتري من وراء ستره الرقيق شمس تجئ وتذهب ، مثل الأرجوحة تجئ وتذهب ،
فذلك الوجه في الحقيقة وجهك ! وتلك الشمس شمس الروح تتردد في البدن .
ثم يستغرق الصفاء جميع البدن ، فتشاهد بين يديك حينئذ شخصا من نور تتولد منه الأنوار ، ويحس السيار تولد الأنوار من جميع بدنه كذلك ،
وربما يكشف الحجاب عن كل الأنانية ، فتري بكل البدن الكل ،
وأول فتح البصيرة من العين ، ثم من الوجه ، ثم من الصدر ، ثم البدن كله ...
ويسمي هذا الشخص النورانى بين يديك ، تسمية القوم "المقدم"ويسمونه أيضا"شيخ الغيب"ويسمونه "ميزان الغيب"،
وقد يستقبلك هذا بغيب عنك ، بل أنت هو ، فيدخل فيك ويتحد بك .
وإنما ذلك أسود ،لأجل لباس الوجود الظلماني ، فإذا أفنيت الوجود عنه ، وأحرقت لباسه نيران الذكر والشوق ، عري الجوهر عن اللباس ،
فصار نورانيا كذلك .

[حقيقة]
يتبع [/color]

موقع د. محمود صبيح

كتاب فوائح الجمال وفواتح الجلال

الموجودون الآن