[وصل] وأما خاطر النفس ، فهو الخاطر المفضى إلى الراحة ، وإن طهرت وزكت وأسلمت . فإنها إذا زكت ، تجعل راحتها فى فنون العبادات وصنوف الخيرات ، وإذا كانت خبيثة كانت أمارة بالسوء . ثم إذا زكت ، كان خاطرها محمودا _فعلامة ذلك أنه يجد القلب من ذلك راحة ويطمئن ، وهى أن تكون آمنة فى نفسها _ وإذا لم تكن زاكية ، كان خاطرها مذموما ، وعلامته أنك تحس فى القلب ألما ، وفى الصدر ضيقا ، وفى الأعضاء وجعا ، وفى النفس خيفة ، فإن النفس خائفة منكرة ، مثل الصبى إذا سرق بيضا أو أبق ، خاف خيفة منكرة ... ويحس صاحبها كأن الكونين وما فيهما ،يعترضون عليه . وأما خاطر الشيطان ، فإنه قد يكون فى صنوف العبادات وأنواع الخيرات وحب القدرة والكرامات ! وهو لا يزال مع المرء حتى يخلص (بضم الياء)، فإذا أخلص (بضم الألف) فارقه ولم يطمع فيه. والشيطان يوافق النفس فى خواطرها ، إذا كانت خبيثة ، يحثها ويسول لها ويمثل لها القبيح حسنا ، وخاطر الشيطان أصعب ، فإن خاطر الشيطان ذو فنون وخاطر النفس ذو فن واحد. والنفس كالصبى ، وعدوها الشيطان يسول لها الشئ فتصدقه لصغرها ...والشيطان بالغ فى المكر والحيل ، يأتى الإنسان من كل طريق ، إلا من باب الإخلاص. فكن_يا حبيبى_مخلصا .ولو كنت فى الإخلاص ،فلا تر فى مقام الإخلاص ، فإنه شائبة فى الإخلاص ، فيدخل عليك الشيطان . وعلامة خاطره ، أنه إذا خطر : تستوفز وتستعجل ولا تجد فى القلب راحة منه ، وكأنك استقبلت الظلمات . ويمازجك الرياء والالتفات إلى ما سوى الحق ، وتندق أعضاؤك من نزوله عليك. وإن الحق _بلطيف شأنه_ربما يوصل العباد إلى مقام القرب بواسطة الشيطان ! فإن الشيطان يلقى فى قلوبهم حب العبادات لمراءاة الخلق ، فإذا عبدوا الله لأجل التفات الخلق إليهم ، فإذا التفت الخلق إليهم _لالتفاتهم _ازدادوا رغبة ...فإذا استحلوا ذلك ، فينغمسون فى بحر التعبد ... والعبادة تأبى أن تكون إلا للحق ! فيجدون لذة العبادة للحق ،بواسطة الأذكار ، وتظهر لوازم العبادات والأذكار _من العلوم والأسرار والأنوار _فيعرضون عن الخلق ويستقبلون الحق. ولا تأمن الشيطان ، ما دام معك شئ من دنياه.
[رواية] جاء عن عيسى عليه السلام ، أنه كان نائما متوسدا لبنة ، فهب من منامه ، فإذا "اللعين "عند رأسه ، فقال له : ما جاء بك إلى؟ فقال : طمعت فيك ! فقال : يا ملعون أنا روح الله ، كيف تطمع فى ؟ قال : إنك أخذت قماشى ، فطمعت فيك ! قال : وما ذاك القماش ؟ قال هذه اللبنة تحت رأسك ! فرماها عيسى _عليه السلام_حتى فارقه .
[معاينة] كنت منقطعا إلى الله فى الخلوة ، مواظبا بذكره . فجاء "اللعين"وأكثر على الحيل ليشوش الخلوة والذكر ، فظهر فى يدى سيف الهمة مكتوب عليه ، من ذؤابته إلى قبضته : الله ، الله ....فكنت أنفى به الخواطر المشغلة عن الله. فخطر على قلبى ، أن أصنف كتابا _فى الخلوة_ أسميه "حيل المريد (بفتح الميم) على المريد (بضم الميم )"فقلت : لا يصح، إلا بإذن الشيخ ! فشاورت الشيخ ، فى الغيب ، فسمعت كلامه _لصحة رابطة كانت بينى وبينه _أن انته عن هذا الخاطر ، إن الله برئ من هذا الخاطر، فإنه خاطر شيطان ، لاطفك فى الحيلة، وسمى نفسه مريدا ،أفحسبت أنه لا يشتم نفسه ، واستبعدت عن ذلك ؟ وغرضه من ذلك أن يشغلك عن ذكر الحق ، فيتخبط عليك الأمر ... فانتبهت وانتهيت .
[وصل] يتبع
_________________ أيا ساقيا على غرة أتى يُحدثني وبالري يملؤني ، فهلا ترفقت بى ، فمازلت في دهشة الوصف ابحث عن وصف لما ذُقته ....
|