بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على خير الخلق اجمعين سيدنا محمد و على اله و صحبه و سلم
قالت نملة : أن سيدنا سليمان عليه السلام قد خرج فى موكبه وجنوده فأتى على وادى النمل فقالت نملة : يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فلما سمع سيدنا سليمان قولها نزل عليها وقال : ائتوني بها ، فأتوه بها فقال لها : لم حذرت النمل ، هل سمعتم أنى ظالم ؟ أما علمتم أنى نبى عدل ؟ فلم قلت "لا يحطمنكم سليمان وجنوده " ؟ قالت النملة : يانبى الله أما سمعت قولى ( وهم لايشعرون ) مع أنى ما أردت حطم النفوس وإنما أردت حطم القلوب ، خشيت أن يتمنين ما أعطيت فيفتتن ويشتغلن بالنظر إليك عن التسبيح لله الخالق الرازق.
وكذلك حال الذاكرين إذا انشغلوا بالدنيا عن الذكر أو انشغلوا بما فى أيدى الناس تحطمت قلوبهم , ويتحقق قول الحق تبارك وتعالى فى حديثه القدسى : (عبدى خلقتك لنفسى وخلقت الدنيا لك فانشغلت بما خلقته لك عما خلقتك له ) . وهذا الحديث القدسى يحذر عباد الله مما يقطعهم عن ربهم , والقواطع عن المهيمن أربعة وهى العراقيل التى تعترض سبيل المؤمن الذاكر لله السائر إلى الله ؛ ألا وهى : الدنيا ، الأنفس ، الهوى , و إبليـس ... كل منهم يحاول أن تكون له الهيمنة والسيطرة على مركز القيادة فى الإنسان ؛ ألا وهو القلب...
فكما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم (ألا إن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد سائر الجسد , ألا وهى القلب ) وكلام نملتنا العزيزة اليوم عن القاطع الأول والعقبة الأولى فى الطريق إلى الله وهى دخول الدنيا إلى قلب الذاكر لله , وإذا دخلت الدنيا إلى القلب إنشغل إما بالجاه وحب الرياسة أو بجمع المال , ولذا خافت النملة على مملكتها القائمة على الذكر والتسبيح أن تنشغل فيها قلوب المريدين بما أعطى الله لسيدنا سليمان من الملك والجاه والسلطان الذى ينم عنه موكبه البهيج الذى تحمله الرياح .
وتحطيم القلب يكون عند المؤمن بتبدل حاله فتهبط الهمة ويعلو الهم ، فالمؤمن الحق هو من أراد أن يمتثل لقول رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم ( المجاهد من جاهد نفسه ) وقال أيضا رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم حينما رجع من إحدى غزواته ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر, فسألوه : وما الجهاد الأكبر يارسول الله ؟ قال : جهاد النفس). والهمة هى حصان المؤمن, فكما يحتاج المجاهد في الجهاد الأصغر إلى سيف ودرع وحصان ليدخل الحرب فإن المؤمن فى جهاده الأكبر يحتاج أيضا إلى سيف وهو الإسم الذى يذكر به ودرع وهو التحصين الذى علمه له شيخه وحصان وهو همته على المواظبة على أوراده وأذكاره فى أوقاتها. فتكون النتيجة فراسة مؤمن ، وقال عليـه الصلاة والسلام ( إتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ) .
والهمة هى انشغال القلب بحب الله ورسوله .., ونورد مثالا واحداً على الهمة فقد كان سيدنا سلمان الفارسى رضى الله عنه يجلس بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب النبى صلى الله عليه وسلم على فخذ سلمان وقال { لو كان أحدكم ذا همة مثل قوم هذا وأراد الثريا لنالها } فمن علو همة سيدنا سلمان أى من شدة حبه لله ولرسوله أضيف لآل بيت النبى رضى الله عنهم وقال فيه : ( سلمان منا آل البيت ) .
أما الهم والعياذ بالله فهو حال انشغال القلب بسوى الله وهى الدنيا وهى إما جمع مال أو حب رئاسة أو كلاهما , وذلك حطم القلوب الذى قصدته نملتنا العزيزة . وكما نعلم قصة الصحابى ثعلبة وما فعلت به الدنيا , فقد كان فقيرا لا يملك من الدنيا إلا شاة واحدة ولكنه يواظب على كل الصلوات والمجالس مع النبى صلى الله عليه وسلم ولكنه كان دائم الإلحاح على النبى صلى الله عليه وسلم بأن يدعو له بكثرة المال , والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم دائم التحذير له من الدنيا ولكـن التحذير لم يثنه عن إلحاحه ، فدعا له صلى الله عليه وسلم بكثرة المال فكثرت أغنامه حتى غطـت شعاب الجبل وانشغل ثعلبة عن مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاة خلفه ثم انشغل قلبه بحب ماله فبخل بالزكاة . وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما ذئبان ضاريان جائعان فى زرابى غنم غاب عنها رعاتها بأشد فتكاً على دين المرء من جمع مال وحب رئاسة ) .
_________________ اللهم صلي و سلم و بارك على سيدنا محمد و على اله و صحبه اجمعين
|