سيدنا محمد
صلى الله عليه وسلم
لا نملك حين الدخول إلى هذه الرحاب إلا أن نبعث بأفضل الصلوات وأزكى التسليمات إلى سيدنا وسيد كل سيد من سائر المخلوقات، فنقول: أفضل الصلوات وأزكى التسليمات عليك يا سيدي يا رسول الله، يا من زكى الله عقلك فقال:( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى)[النجم/2].
أفضل الصلوات وأزكى التسليمات عليك يا سيدي يا رسول الله، يا من زكى الله لسانك فقال:( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى)[النجم/3].
أفضل الصلوات وأزكى التسليمات عليك يا سيدي يا رسول الله، يا من زكى الله شريعتك فقال:( إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[النجم/4].
أفضل الصلوات وأزكى التسليمات عليك يا سيدي يا رسول الله، يا من زكى الله علمك فقال:( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى)[النجم/5].
أفضل الصلوات وأزكى التسليمات عليك يا سيدي يا رسول الله، يا من زكى الله فؤادك فقال:( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى)[النجم/11].
أفضل الصلوات وأزكى التسليمات عليك يا سيدي يا رسول الله، يا من زكى الله بصرك فقال:( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى)[النجم/17].
أفضل الصلوات وأزكى التسليمات عليك يا سيدي يا رسول الله، يا من زكى الله خلقك فقال:( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم/4].
أفضل الصلوات وأزكى التسليمات عليك يا سيدي يا رسول الله، يا من زكى الله رسالتك فقال:( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الأنبياء/107].
أفضل الصلوات وأزكى التسليمات عليك يا سيدي يا رسول الله، يا من زكى الله أمتك فقال:( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)[آل عمران/110].
أفضل الصلوات وأزكى التسليمات عليك يا سيدي يا رسول الله، يا من زكى الله أهل بيتك فقال:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[الأحزاب/33].
أفضل الصلوات وأزكى التسليمات عليك يا سيدي يا رسول الله، يا من عرّفت نفسك لأهلك وأمتك فقلت: «المعرفة رأس مالي، وَالْعَقْلُ أَصْلُ دِينِي، وَالْحُبُّ أَسَاسِي، وَالشَّوْقُ مَرْكَبِي، وَذِكْرُ اللَّهِ أَنِيسِي، وَالثِّقَةُ كَنْزِي، وَالْحُزْنُ رَفِيقِي، والعلم سلاحي، والصبر ردائي، والرضاء غَنِيمَتِي، وَالْعَجْزُ فَخْرِي، وَالزُّهْدُ حِرْفَتِي، وَالْيَقِينُ قُوَّتِي، وَالصِّدْقُ شَفِيعِي، وَالطَّاعَةُ حَسْبِي، وَالْجِهَادُ خُلُقِي، وَقُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ».(الشفا بتعريف حقوق المصطفى(1/ 289)
وعلى الجملة، هو رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم رسل الله إلى جميع خلق الله، أرسله ربه برسالة عامة إلى الناس كافة، قال تعالى (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)[الأحزاب/40].
نسب شريف صلى الله عليه وسلم
هو سيدنا محمد بن عبدالله أصغر أولاد عبد المطلب العشرة وأحبهم إلى قلبه وأهل بيته، بل إلى كل أهل مكة وجميع من لقيه وعرفه صلى الله عليه وسلم، وقد جاء اسمه ووصفه مع النخبة من صحبه في الكتب السماوية السابقة كالإنجيل والتوراة. قال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا). [الفتح: 29]
وأما أجداده فعبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤىّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وعلى ذلك فعدنان هذا هو الجد العشرون لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو من ذرية سيدنا إسماعيل الذبيح ابن سيدنا إبراهيم الخليل أبي الأنبياء عليهم السلام، وهذا باتفاق أهل العلم من أصحاب التواريخ والتراجم والسِير وغيرهم من علماء الأمة.
وأما أمه صلى الله عليه وسلم فهي السيدة آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، الجد الخامس في سلسلة نسب الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم.
وقد أشار القرآن الكريم إلى طهارة سلسلة نسبه، بدءًا من أبيه آدم وانتهاءً بأبيه عبدالله، مرورًا بكل آبائه وأمهاته وأجداده وجداته، حيث قال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).[الشعراء: 217 - 220]
وفي سنن الترمذي جَاءَ العَبَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّهُ سَمِعَ شَيْئًا، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ: «مَنْ أَنَا؟»، فَقَالُوا: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْكَ السَّلَامُ. قَالَ: «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ فِرْقَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ فِرْقَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ قَبَائِلَ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ قَبِيلَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ بُيُوتًا فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ بَيْتًا وَخَيْرِهِمْ نَسَبًا»(سنن الترمذي(5/ 543)
وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال :سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول :«إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ»(صحيح مسلم(4/ 1782)
وعلى ذلك فرسول الله صلى الله عليه وسلم خيار من خيار من خيار، حيث هذا الاصطفاء المؤكد لكل من دخل في سلسلة نسبه، سواء من جهة الآباء أو الأمهات، فقد انتقلت نطفته الزكية عبر الأصلاب والأرحام الطاهرة، ولم يصبه صلى الله عليه وسلم من سفاح الجاهلية ولا غيرها شيء.
رحلة مباركة
ولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول وذلك عام الفيل، والذي يوافق من أعوام الميلاد سنة (571)، أي قبل الهجرة النبوية - على صاحبها أفضل الصلاة وأبهى السلام - بنحو(53)عاما.
ولما بلغ صلى الله عليه وسلم من العمر(25) خمسة وعشرين عاما تزوج من السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها، ورزق منها بكل أولاده خلا ابنه إبراهيم عليهم السلام.
وحين بلغ سن الأربعين والتي وافقت يومئذ سنة (610م)، أوحى الله تعالى إليه بختام الرسالات، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)[الشورى/7].
وبعد نحو ثلاثة عشر عاما من عمر الدعوة قضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، أذن له تعالى بالهجرة إلى يثرب، والتي سُميت من بعد بالمدينة المنورة، وهناك قامت أول عاصمة للدولة الإسلامية التي امتدت شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وبلغت جميع الأنحاء بفضل الفهم السديد والتطببيق الرشيد لمباديء الدين القويم.
وبعد نحو عشر سنين أو يزيد قليلا لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، وقد بلغ أمته رسالة ربه على أكمل ما يكون البلاغ، وترك لهم ما يضمن سلامتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة.
ويؤكد هذا ما رَوَى النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ بِسَنَدِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: لما رَجَعَ رَسُول الله مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ: " كَأَنِّي قَدْ دُعِيتُ فأجبت، إنى قد تركت فِيكُم الثقلَيْن: كِتَابُ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا، فَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ".(السيرة النبوية لابن كثير (4/ 416)
زين الوجود:
روى القاضي عياض عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد صلى الله عليه وسلم إلا غفرت لي، قال وكيف عرفت محمدا» قال: لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، قال: صدقت يا آدم، ولولا محمد لما خلقتك».(السيرة الحلبية (1/ 315)
وروى عبد الرزاق بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قلت يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء. قال: يا جابر، إن الله تعالى قد خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى، ولم يكن فى ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جني ولا أنسي. فلما أراد الله تعالى أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول القلم، ومن الثانى اللوح، ومن الثالث العرش. ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول حملة العرش، ومن الثانى الكرسي، ومن الثالث باقي الملائكة، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الأول السماوات، ومن الثانى الأرضين، ومن الثالث الجنة والنار، ثم قسم الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الأول نور أبصار المؤمنين، ومن الثانى نور قلوبهم- وهى المعرفة بالله، ومن الثالث نور أنسهم- وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله".(المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (1/ 48)
وهكذا تنطق الأدلة والبراهين والحجج بأن أصل الوجود والسبب الأعظم في كل موجود، هو خير مولود وأشرف موجود سيدنا محمد أفضل حامد وخير محمود، وصدق الشاعر:
لولاك يا أحمد المحمود ما طلعت * شمس ولم تخرج الدنيا من العدم
ومدحه آخر فقال:
الحق أنت وأنت إشراق الهدى * ولك الكتاب الخالد الصفحات
من يقصد الدنيا بغيرك يلقها * تيها من الأهوال والظلمات
أهداك ربك للورى يا سيدي * فيضا من الخيرات والرحمات
وذكر الشيخ علي الخواص عن سيدي عبدالوهاب الشعراني رضي الله عنهما قال: إذا سألتم الله حاجة فاسألوه بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن لله ملكا يبلّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فيسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه في قضاء حاجته فيجاب.
وورد عنه رضي الله عنه أنه قال: من كانت له حاجة فليصل على النبي ألف مرة، تقضى حاجته بإذن الله.
حبذا لو بدأ الدعاء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وختم الدعاء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه تعالى يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يرد ما بينهما.
وأفضل صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الإبراهيمية، لاشتمالها على ذكر النبي وآله السابقين واللاحقين إلى يوم الدين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.