[font=Tahoma][align=justify] هذه رسالة في الرد على ابن تيمية في مسألة الجهة ، وهي من تصنيف الإمام العلامة ابن جَهبل الشافعي .
وهي منقولة من ترجمته الواردة في طبقات الشافعية الكبرى للإمام شيخ الإسلام التاج السبكي والذي صدرها بقوله :
ووقفت له على تصنيف صنفه في نفي الجهة رداً على ابن تيمية لا بأس به وهو هذا :
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله العظيم شأنه القوي سلطانه القاهر ملكوته الباهر جبروته الغني عن كل شيء وكل شيء مفتقر إليه فلا معول لشيء من الكائنات إلا عليه
أرسل محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) بالمحجة البيضاء والملة الزهراء فأتى بأوضح البراهين ونور محجة السالكين ووصف ربه تعالى بصفات الجلال ونفى عنه ما لا يليق بالكبرياء والكمال فتعالى الله الكبير المتعال عما يقوله أهل الغي والضلال لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بلطيف قدرته مقهورون في قبضته أحاط بكل شيء علماً وأحصى كل شيء عدداً مطلع على هواجس الضمائر وحركات الخواطر فسبحانه ما أعظم شأنه وأعز سلطانه {يسأله من في السماوات والأرض} لافتقارهم إليه {كل يوم هو في شأن } لاقتداره عليه .
و صلى الله على سيدنا محمد خاتم أنبيائه ومبلغ أنبائه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد :
فالذي دعا إلى تسطير هذه النبذة ما وقع في هذه المدة مما علقه بعضهم في إثبات الجهة واغتر بها من لم يرسخ له في التعليم قدم ولم يتعلق بأذيال المعرفة ولا كبحه لجام الفهم ولا استبصر بنور الحكمة فأحببت أن أذكر عقيدة أهل السنة والجماعة ثم أبين فساد ما ذكره مع أنه لم يدع دعوى إلا نقضها ولا أطد –أي ثبت – قاعدة إلا هدمها ثم استدل على عقيدة أهل السنة وما يتعلق بذلك وها أنا أذكر قبل ذلك مقدمة يستضاء بها في هذا المكان فأقول وبالله المستعان .
مذهب الحشوية في إثبات الجهة مذهب واه ساقط يظهر فساده من مجرد تصوره حتى قالت الأئمة لولا اغترار العامة بهم لما صرف إليهم عنان الفكر ولا قطر القلم في الرد عليهم وهم فريقان فريق لا يتحاشى في إظهار الحشو{ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون} وفريق يتستر بمذهب السلف لسحت يأكله أو حطام يأخذه أو هوى يجمع عليه الطغام الجهلة والرعاع السفلة لعلمه أن إبليس ليس له دأب إلا خذلان أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ولذلك لا يجمع قلوب العامة إلا على بدعة وضلالة يهدم بها الدين ويفسد بها اليقين .
فلم يسمع في التواريخ أنه خزاه الله جمع غير خوارج أو رافضة أو ملاحدة أو قرامطة وأما السنة والجماعة فلا تجتمع إلا على كتاب الله المبين وحبله المتين وفي هذا الفريق من يكذب على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ويزعم أنهم يقولون بمقالته ولو أنفق ملء الأرض ذهباً ما استطاع أن يروج عليهم كلمة تصدق دعواه وتستر هذا الفريق بالسلف حفظا لرياسته والحطام الذي يجتليه {يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم} وهؤلاء يتحلون بالرياء والتقشف فيجعلون الروث مفضضاً والكنيف مبيضاً ويزهدون في الذرة ليحصلوا الدرة .
أظهروا للناس نسكاً وعلى المنقوش داروا
ومذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه دون التجسيم والتشبيه والمبتدعة تزعم أنها على مذهب السلف . وكل يدعون وصال ليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
وكيف يعتقد في السلف أنهم يعتقدون التشبيه أو يسكنون عند ظهور أهل البدع وقد قال الله{ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}وقال الله تعالى {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه} وقال الله تعالى {لتبين للناس ما نزل إليهم}. ولقد كانت الصحابة رضي الله عنهم لا يخوضون في شيء من هذه الأشياء لعلمهم أن حفظ الدهماء أهم الأمور مع أن سيوف حججهم مرهفة ورماحها مشحوذة ولذلك لما نبغت الخوارج واثبهم حبر الأمة وعالمها وابنا عم رسولها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس فاهتدى البعض بالمناظرة وأصر الباقون عنادا فتسلط عليهم السيف
ولكن حكم السيف فيكم مسلط فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيا
وكذلك لما نبغ القدر ونجم به معبد الجهني قيض الله تعالى له زاهد الأمة وابن فاروقها عبد الله عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ولو لم تنبغ هاتان البدعتان لما تكلمت الصحابة رضي الله عنهم في رد هذا ولا إبطال هذا ولم يكن دأبهم إلا الحث على التقوى والغزو وأفعال الخير ولذلك لم ينقل عن سيد البشر ( صلى الله عليه وسلم ) ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم أنه جمع الناس في مجمع عام ثم أمرهم أن يعتقدوا في الله تعالى كذا وكذا وقد صدر ذلك في أحكام شتى وإنما تكلم فيها بما يفهمه الخاص ولا ينكره العام .
وبالله أقسم يمينا برة ما هي مرة بل ألف ألف مرة أن سيد الرسل ( صلى الله عليه وسلم ) لم يقل أيها الناس اعتقدوا أن الله تعالى في جهة العلو ولا قال ذلك الخلفاء الراشدون ولا أحد من الصحابة بل تركوا الناس وأمر التعبدات والأحكام ولكن لما ظهرت البدع قمعها السلف أما التحريك للعقائد والتشمير لإظهارها وإقامة ثائرها فما فعلوا ذلك بل حسموا البدع عند ظهورها.
ثم الحشوية إذا بحثوا في مسائل أصول الدين مع المخالفين تكلموا بالمعقول وتصرفوا في المنقول فإذا وصلوا إلى الحشو تبلدوا وتأسوا فتراهم لا يفهمون بالعربية ولا بالعجمية كلا والله والله لو فهموا لهاموا ولكن اعترضوا بحر الهوى فشقوه وعاموا وأسمعوا كل ذي عقل ضعيف وذهن سخيف وخالفوا السلف في الكف عن ذلك مع العوام ولقد كان الحسن البصري رضي الله عنه إذا تكلم في علم التوحيد أخرج غير أهله وكانوا رحمهم الله تعالى لا يتكلمون فيه إلا مع أهل السنة منهم إذ هي قاعدة أهل التحقيق وكانوا يضنون به على الأحداث وقالوا الأحداث هم المستقبلون الأمور المبتدئون في الطريق فلم يجربوا الأمور ولم يرسخ لهم فيها قدم وإن كانوا أبناء سبعين سنة.
وقال سهل رضي الله عنه لا تطلعوا الأحداث على الأسرار قبل تمكنهم من اعتقاد أن الإله واحد وأن الموحد فرد صمد منزه عن الكيفية والأينية لا تحيط به الأفكار ولا تكيفه الألباب.
وهذا الفريق لا يكتفي من إيمان الناس إلا باعتقاد الجهة وكأنه لم يسمع الحديث الصحيح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ) الحديث .
أفلا يكتفي بما اكتفى به نبيهم ( صلى الله عليه وسلم ) حتى إنه يأمر الزمنى بالخوض في بحر لا ساحل له ويأمرهم بالتفتيش عما لم يأمرهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالتفتيش عنه ولا أحد من أصحابه رضي الله عنهم لا تنازل واكتفى بما نقل عن إمامه الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه حيث قال لا يوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا نتجاوز القرآن والحديث ونعلم أن ما وصف الله به من ذلك فهو حق ليس فيه لغو ولا أحاج بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه وهو مع ذلك {ليس كمثله شيء}في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته ولا في أفعاله فكان ينبغي أن الله سبحانه له ذات حقيقية وأفعال حقيقية وكذلك له صفات حقيقية وهو {ليس كمثله شيء} لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وكل ما أوجب نقصاً أو حدوثاً فإن الله عز وجل منزه عنه حقيقة فإنه سبحانه مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه وممتنع عليه الحدوث لامتناع العدم عليه واستلزام الحدوث سابقة العدم وافتقار المُحدَث إلى مُحدِث ووجوب وجوده بنفسه سبحانه وتعالى هذا نص إمامه فهلا اكتفى به.
ولقد أتي إمامه في هذا المكان بجوامع الكلم وساق أدلة المتكلمين على ما يدعيه هذا المارق بأحسن رد وأوضح معانٍ مع أنه لم يأمر بما أمر هذا الفريق .
وقد قال الشافعي رضي الله عنه سألت مالكاً عن التوحيد فقال : محال أن نظن بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه علم أمته الاستنجاء ولم يعلمهم التوحيد وقد قال ( صلى الله عليه وسلم ) ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ) الحديث .
فبين مالك رضي الله عنه أن المطلوب من الناس في التوحيد هو ما اشتمل عليه هذا الحديث ولم يقل من التوحيد اعتقاد أن الله تعالى في جهة العلو.
وسئل الشافعي رضي الله عنه) عن صفات الله فقال : حرام على العقول أن تمثل الله تعالى وعلى الأوهام أن تحد وعلى الظنون أن تقطع وعلى النفوس أن تفكر وعلى الضمائر أن تعمق وعلى الخواطر أن تحيط إلا ما وصف به نفسه على لسان نبيه ( صلى الله عليه وسلم ).
وقول المدعي إنهم أظهروا هذا ويقول علم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كل شيء حتى الخرأة وما علم هذا.
المهم هذا بهرج لا يمشي على الصيرفي النقّاد أو ما علم أن الخرأة يحتاج إليها كل واحد وربما تكررت الحاجة إليها في اليوم مرات وأي حاجة بالعوام إلى الخوض في الصفات؟!!!
نعم الذي يحتاجون إليه من التوحيد قد تبين في حديث ( أمرت أن أقاتل الناس ) ثم هذا الكلام من المدعي يهدم بنيانه ويهد أركانه فإن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) علم الخرأة تصريحاً وما علم الناس أن الله تعالى في جهة العلو وما ورد من العرش والسماء في الاستواء قد بنى المدعي مبناه وأوثق عرى دعواه على أن المراد بهما شيء واحد وهو جهة العلو فما قاله هذا المدعي لم يعلمه النبي (صلى الله عليه وسلم) أمته وعلمهم الخرأة فعند المدعي يجب تعليم العوام حديث الجهة وما علمها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ).
وأما نحن فالذي نقوله أنه لا يخاض في مثل هذا ويسكت عنه كما سكت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه ويسعنا ما وسعهم ولذلك لم يوجد منا أحد يأمر العوام بشيء من الخوض في الصفات والقوم وقد جعلوا دأبهم الدخول فيها والأمر بها فليت شعري من الأشبه بالسلف وها نحن تذكر عقيدة أهل السنة فنقول :
عقيدتنا أن الله قديمٌ أزليٌ لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء ليس له جهة ولا مكان ولا يجري عليه وقت ولا زمان ، ولا يقال له أين ولا حيث ، يرى لا عن مقابلة ولا على مقابلة كان ولا مكان ، كَوّن المكان ودبر الزمان وهو الآن على ما عليه كان.
هذا مذهب أهل السنة وعقيدة مشايخ الطريق رضي الله عنهم .
قال الجنيد رضي الله عنه : متى يتصل من لا شبيه له ولا نظير له بمن له شبيه ونظير؟.
وكما قيل ليحيى بن معاذ الرازي أخبرنا عن الله عز وجل قال :
إله واحد .
فقيل له : كيف هو؟
فقال : مالك قادر.
فقيل له: أين هو؟
فقال بالمرصاد.
فقال السائل : لم أسألك عن هذا.
فقال : ما كان غير هذا كان صفة المخلوق فأما صفته فما أخبرت عنه.
وكما سأل ابن شاهين الجنيد رضي الله عنهما عن معنى مع فقال :
مع على معنيين : مع الأنبياء بالنصرة والكلاءة قال الله تعالى{إنني معكما أسمع وأرى}.
ومع العالم بالعلم والإحاطة قال الله تعالى{ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} .
فقال ابن شاهين مثلك يصلح دالاً للأمة على الله.
وسُئل ذو النون المصري رضي الله عنه عن قوله تعالى{الرحمن على العرش استوى} فقال : أثبت ذاته ونفى مكانه فهو موجود بذاته والأشياء بحكمته كما شاء.
وسُئل عنه الشبلي رضي الله عنه فقال : الرحمن لم يزل والعرش محدث والعرش بالرحمن استوى.
وسًئل عنها جعفر بن نصير فقال : استوى علمه بكل شيء وليس شيء أقرب إليه من شيء .
وقال جعفر الصادق رضي الله عنه : من زعم أن الله في شيء أو من شيء أو على شيء فقد أشرك إذ لو كان في شيء لكان محصوراً ولو كان على شيء لكان محمولاً ولو كان من شيء لكان محدثاً.
وقال محمد بن محبوب خادم أبي عثمان المغربي قال لي أبو عثمان المغربي يوما يا محمد لو قال لك قائل أين معبودك أيش تقول؟
قلت : أقول حيث لم يزل.
قال : فإن قال فأين كان في الأزل أيش تقول؟
قلت حيث هو الآن.
يعني أنه كان ولا مكان فهو الآن كما كان قال فارتضى ذلك مني ونزع قميصه وأعطانيه.
وقال أبو عثمان المغربي كنت أعتقد شيئاً من حديث الجهة فلما قدمت بغداد زال ذلك عن قلبي فكتبت إلى أصحابي بمكة أني أسلمت جديداً.
قال : فرجع كل من كان تابعه عن ذلك.[/align][/font]
_________________ رضينا يا بني الزهرا رضينا بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا
يا رب
إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ
|