الحمد لله الذى يحيى القلوب بنور هدايته والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد الذى اصطفاه الله لحكمته واختاره لتبليغ دعوته ونشر انوار هدايته ورضى الله تعالى عن آله وعترته
" حالة اهل الحقيقة مع الله " وهو كتاب للقطب الكبير سيدى أحمد الرفاعى رضى الله تعالى عنه الذى ينتهى نسبه إلى سيدنا ومولانا أبى عبدالله الإمام الحسين رضى الله تعالى عنه وكان رضى الله عنه عالما فقيها , محدثا مفسرا , مقرئا مجودا , وقد افاض الله عليه من العلوم اللدنية ما تفرد به فى زمانه , ونفع به كثيرين من اتباعه ومحبيه . وتوفى رضى الله عنه فى الثانى عشر من جمادى الأولى سنة 578هجريا. وهو كتاب يشتمل على اربعين حديثا من جوامع كلم نبينا المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وقد شرحها رضى الله تعالى عنه ناظرا إليها بعين البصيرة التى يمن الله تعالى بها على من يشاء من عباده فكان هذا الكتاب الذى إذا تأمله المتأمل تذكر قول الله عز وجل " يؤتى الحكمة من يشاء , ومن يؤت الحكمة فقد اوتى خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب "
فهذه جمل نذكر فيها : " حالة اهل الحقيقة مع الله " – ولا حول ولا قوة إلا بالله – وذلك لترتاض النفوس , ولتتروح القلوب , بنسبة ما ألفت إليه .
و حديثنا الاول عن : " السبيل إلى الإيمان "
عن العباس بن عبد المطلب , أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ذاق طعم الإيمان , من رضى بالله ربا , وبالإسلام دينا , و بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا "
وهذا الذوق المنبعث عن هذا الرضا , هو : المعرفة بالله تعالى , والمعرفة : نور أسكنه الله تعالى قلب من احبه من عباده , ولا شىء أجل واعظم من ذلك النور , وحقيقة المعرفة حياة القلب بالمحيى : " أو من كان ميتا فأحييناه " وقال تعالى : " لينذر من كان حيا " وقال تعالى : " فلنحيينه حياة طيبة " وقال سبحانه : " استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم " . فمن ماتت نفسه , بعدت عنه دنياه ومن مات قلبه بعد عنه مولاه . وسئل ابن السماك : متى يعرف العبد انه على حقيقة المعرفة ؟ قال : إذا شاهد الحق بعين اعتباره , فانيا عن كل من سواه
وقيل : المعرفة فقدان رؤية ما سواه , بحيث يصير مادون الله تعالى عنده اصغر من خردله قال تعالى : " قل الله ثم ذرهم " من نظر إلى الله تعالى , لم ينظر لا إلى الدنيا , ولا إلى العقبى وشمس قلب العارف أضوأ من شمس النهار وأبهج منها فى مطلع الأنوار .
طلعت شمس من أحبك ليلا*** فاستنارت فما لديها غروب إن شمس النهار تغرب ليلا*** وشموس القلوب ليست تغيب
قال ذو النون رحمه الله تعالى : اطلاع الحق سبحانه على الاسرار بمواصلة المدد , كاطلاع الشمس على الأرض بإشراق الانوار فعليكم بتصفية القلوب , فإنها مواضع نظره , ومواطن سره فإن من عرف الله , لا يختار غيره حبيبا سواه.
وفى الخبر : " إن الله تعالى خلق خلقه فى ظلمة , فألقى عليهم من نوره , فمن اصابه من ذلك النور يومئذ اهتدى , ومن اخطأه ضل ". وهو نور يخرج من سرادق المنة , فيقع فى القلب , فيستنير به الفؤاد , ويبلغ شعاعه إلى حجب الجبروت , ولا يحجبه عن الحق الجبروت , ولا الملكوت , فيصير العبد فى جميع افعاله واقواله , وحركاته وإرادته , فى حياته ومماته , صائرا إلى النور " الله نور السموات و الأرض .. يهدى الله لنوره من يشاء ".
إن كنت لست معى فالذكر منك معى قلبى يراك و إن غيبت عن بصرى
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم .
|