موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 2 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: البغض في الله
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة أكتوبر 24, 2014 11:45 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 27, 2011 3:10 pm
مشاركات: 2296
مكان: مصر المحروسة
بيان البغض في الله :
يقول الإمام أبو حامد الغزالي :

اعلم أن كل من يحب في الله لا بد أن يبغض في الله فإنك إن أحببت إنسانا لأنه مطيع لله ومحبوب عند الله فإن عصاه فلا بد أن تبغضه لأنه عاص لله وممقوت عند الله ومن أحب بسبب فبالضرورة يبغض لضده وهذان متلازمان لا ينفصل أحدهما عن الآخر وهو مطرد في الحب و البغض في العادات ولكن كل واحد من الحب و البغض داء دفين في القلب وإنما يترشح عند الغلبة ويترشح بظهور أفعال المحبين و المبغضين في المقاربة و المباعدة وفي المخالفة و الموافقة فإذا ظهر في الفعل سمي موالاة ومعاداة ولذلك قال الله تعالى هل واليت في وليا وهل عاديت في عدوا كما نقلناه وهذا واضح في حق من لم يظهر لك إلا طاعاته تقدر على أن تحبه أو لم يظهر لك إلا فسقه وفجوره وأخلاقه المسيئة فتقدر على أن تبغضه وإنما المشكل إذا اختلطت الطاعات بالمعاصي فإنك تقول كيف أجمع بين البغض و المحبة وهما متناقضان وكذلك تتناقض ثمرتهما من الموافقة و المخالفة و الموالاة و المعاداة و أقول ذلك غير متناقض في حق الله تعالى كما لا يتناقض في الحظوظ البشرية فإنه مهما اجتمع في شخص واحد خصال يحب بعضها ويكره بعضها فإنك تحبه من وجه وتبغضه من وجه فمن زوجة حسناء فاجرة أو ولد ذكى خدوم ولكنه فاسق فإنه يحبه من وجه ويبغضه من وجه ويكون معه على حالة بين حالتين إذ لو فرض له ثلاثة أولاد أحدهم ذكي بار و الآخر بليد عاق و الآخر بليد بار أو ذكى عاق فإنه يصادف نفسه معهم على ثلاثة أحوال متفاوتة بحسب تفاوت خصالهم فكذلك ينبغي أن تكون حالك بالإضافة إلى من غلب عليه الفجور ومن غلبت
عليه الطاعة ومن اجتمع فيه كلاهما متفاوتة على ثلاث مراتب وذلك بأن تعطى كل صفة حظها من البغض و الحب و الإعراض و الإقبال و الصحبة و القطيعة وسائر الأفعال الصادرة منه
فإن قلت كل مسلم فإسلامه طاعة منه فكيف ابغضه مع الإسلام فأقول تحبه لإسلامه وتبغضه لمعصيته وتكون معه على حالة لو قستها بحال كافر أو فاجر أدركت تفرقة بينهما وتلك التفرقة حب للإسلام وقضاء لحقه وقدر الجناية على حق الله و الطاعة له كالجناية على حقك و الطاعة لك
فمن وافقك على غرض وخالفك في آخر فكن معه على حالة متوسطة بين الانقباض و الاسترسال وبين الإقبال و الأعراض وبين التودد إليه و التوحش عنه ولا تبالغ في إكرامه مبالغتك في إكرام من يوافقك على جميع أغراضك ولا تبالغ في إهانته مبالغتك في إهانة من خالفك في جميع أغراضك
ثم ذلك التوسط تارة يكون ميله إلى طرف الإهانة عند غلبة الجناية وتارة إلى طرف المجاملة والإكرام عند غلبة الموافقة فهكذا ينبغي أن يكون فيمن يطيع الله تعالى ويعصيه ويتعرض لرضاه مرة و لسخطه أخرى
فإن قلت فيماذا يمكن إظهار البغض فأقول أما في القول فبكف اللسان عن مكالمته ومحادثته مرة وبالاستخفاف و التغليظ في القول أخرى
وأما في الفعل فبقطع السعي في إعانته مرة وبالسعي في إساءته وإفساده مآربه أخرى
وبعض هذا أشد من بعض وهي بحسب درجات الفسق و المعصية الصادرة منه
أما ما يجري مجرى الهفوة التي يعلم انه متندم عليها ولا يصر عليها فالأولى فيه الستر و الإغماض
أما ما أصر عليه من صغيرة أو كبيرة فإن كان ممن تأكدت بينك وبينه مودة وصحبة وأخوة فله حكم آخر وسيأتي وفيه خلاف بين العلماء وأما إذا لم تتأكد أخوة وصحبة فلا بد من إظهار أثر البغض إما في الإعراض و التباعد عنه وقلة الالتفات إليه وإما في الاستخفاف وتغليظ القول عليه
وهذا أشد من الإعراض وهو بحسب غلظ المعصية وخفتها وكذلك في الفعل أيضا رتبتان إحداهما قطع المعونة و الرفق و النصرة عنه وهو اقل الدرجات و الأخرى السعي في إفساد أغراضه عليه كفعل الأعداء المبغضين وهذا لا بد منه ولكن فيما يفسد عليه طريق المعصية
أما ما لا يؤثر فيه فلا مثاله رجل عصى الله بشرب الخمر وقد خطب امرأة لو تيسر له نكاحها لكان مغبوطا بها بالمال و الجمال و الجاه إلا أن ذلك لا يؤثر في منعه من شرب الخمر ولا في بعث وتحريض عليه فإذا قدرت على إعانته ليتم له غرضه ومقصوده وقدرت على تشويشه ليفوته غرضه فليس لك السعي في تشويشه
أما الإعانة فلو تركتها إظهارا للغضب عليه في فسقه فلا بأس وليس يجب تركها إذ ربما يكون لك نية في أن تتلطف بإعانته وإظهار الشفقة عليه ليعتقد مودتك ويقبل نصحك فهذا حسن وإن لم يظهر لك ولكن رأيت أن تعينه على غرضه قضاء لحق إسلامه فذلك ليس بممنوع بل هو الأحسن إن كانت معصيته بالجناية على حقك أو حق من يتعلق بك
وفيه نزل قوله تعالى ولا يأتل أولوا الفضل منكم و السعة إلى قوله تعالى ألا تحبون أن يغفر الله لكم إذ تكلم مسطح بن أثاثة في واقعة الإفك // حديث كلام مسطح في الإفك وهجر أبي بكر له حتى نزلت ولا يأتل أولوا الفضل منكم الآية متفق عليه من حديث عائشة //
فحلف أبو بكر أن يقطع عنه رفقه وقد كان يواسيه بالمال فنزلت الآية مع عظم معصية مسطح وأية معصية تزيد على التعرض لحرم رسول الله صلى الله عليه و سلم وإطالة اللسان في مثل عائشة رضي الله عنها إلا أن الصديق رضي الله عنه كان كالمجني عليه في نفسه بتلك الواقعة و العفو عمن ظلم و الإحسان إلى من أساء من أخلاق الصديقين
وإنما يحسن الإحسان إلى من ظلمك فأما من ظلم غيرك وعصى الله به فلا يحسن إحسانك إليه لأن في الإحسان إلى الظالم إساءة إلى المظلوم
وحق المظلوم أولى بالمراعاة وتقوية قلبه بالإعراض عن الظالم أحب إلى الله من تقوية قلب الظالم فأما إذا كنت أنت المظلوم فالأحسن في حقك العفو و الصفح وطرق السلف قد اختلفت في إظهار البغض مع أهل المعاصي وكلهم اتفقوا على إظهار البغض للظلمة و المبتدعة وكل من عصى الله بمعصية متعدية منه إلى غيره فأما من عصى الله في نفسه فمنهم من نظر بعين الرحمة إلى العصاة كلهم ومنهم من شدد الإنكار واختار المهاجرة
فقد كان أحمد بن حنبل يهجر الأكابر في أدنى كلمة حتى هجر يحيى بن معين لقوله إني لا أسأل أحدا شيئا ولو حمل السلطان إلي شيئا لأخذته
وهجر الحارث المحاسبي في تصنيفه في الرد على المعتزلة و قال إنك لا بد تورد أولا شبهتهم و تحمل الناس على التفكر فيها ثم ترد عليهم وهجر أبا ثور في تأويله قوله صلى الله عليه و سلم أن الله خلق آدم على صورته // حديث أن الله خلق آدم على صورته أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة //
وهذا أمر يختلف باختلاف النية وتختلف النية باختلاف الحال فإن كان الغالب على القلب النظر إلى اضطرار الخلق وعجزهم وأنهم مسخرون لما قدروا له أورث هذا تساهلا في المعاداة و البغض وله وجه ولكن قد تلتبس به المداهنة فأكثر البواعث على الإغضاء عن المعاصي المداهنة ومراعاة القلوب و الخوف من وحشتها ونفارها وقد يلبس الشيطان ذلك على الغبي الأحمق بأنه ينظر بعين الرحمة ومحك ذلك أن ينظر إليه بعين الرحمة إن جنى على خاص حقه ويقول إنه قد سخر له و القدر لا ينفع منه الحذر وكيف لا يفعله وقد كتب عليه فمثل هذا قد تصح له نية في الإغماض عن الجناية على حق الله وإن كان يغتاظ عند الجناية على حقه ويترحم عند الجناية على حق الله فهذا مداهن مغرور بمكيدة من مكايد الشيطان فليتنبه له
فإن قلت فأقل الدرجات في إظهار البغض الهجر و الإعراض وقطع الرفق و الإعانة فهل يجب ذلك حتى يعصي العبد بتركه
فأقول لا يدخل ذلك في ظاهر العلم تحت التكليف و الإيجاب فإنا نعلم أن الذين شربوا الخمر و تعاطوا الفواحش في زمان رسول الله صلى الله عليه و سلم والصحابة ما كانوا يهجرون بالكلية بل كانوا منقسمين فيهم إلى من يغلظ القول عليه ويظهر البعض له و إلى من يعرض عنه ولا يتعرض له و إلى من ينظر إليه بعين الرحمة ولا يؤثر المقاطعة و التباعد
فهذه دقائق دينية تختلف فيها طرق السالكين لطريق الآخرة ويكون عمل كل واحد على ما يقتضيه حاله ووقته ومقتضى الأحوال في هذه الأمور إما مكروهة أو مندوبة فتكون في رتبة الفضائل ولا تنتهي إلى التحريم و الإيجاب فإن الداخل تحت التكليف أصل المعرفة لله تعالى وأصل الحب وذلك قد لا يتعدى من المحبوب إلى غيره وإنما المتعدى إفراط الحب و استيلاؤه وذلك لا يدخل في الفتوى وتحت ظاهر التكليف في حق عوام الخلق أصلا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إحياء علوم الدين

_________________
يارب بالمصطفى بلـــغ مقاصدنا واغفر لنا ما مضى ياواســع الكرم
واغفر إلهى لكل المسلمين بما يتلون فى المسجد الأقصى وفي الحرم
بجاه من بيته فى طيبة حرم واسمـــه قسم من أعظم القســم
اللهم استعملنا ولا تستبدلنا بجــــاه سيــــدنـا ومـولانــا رسول الله ﷺ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: البغض في الله
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت أكتوبر 25, 2014 2:44 am 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 8038
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلم
جزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 2 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: [AhrefsBot] و 14 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط