موقع د. محمود صبيح

على مشبع الجم الغفير من القرص

يبيت ويضحي ثم يطوي على خمص

ولا هو من جان عليه بمقتص

كذلك قال الله في محكم النص

على كل ما يرضي المهيمن ذو حرص

بتكليمه في حضرة القدس مختص

ومن عجب أن يجمع الفضل في شخص

تقاصر عن إحصائها كل مستقص

إله البرايا ليت شعري من يحص ؟!

فقد جل عما حل فينا من النقص

رأيت له الأكوان تهتز بالرقص

يقص جناح الكفر قصاً على قص

فطوبى لمن يدني وويل لمن يقص

فقوموا على مدح الحبيب إلى الرقص

سلامي إلى الهادي وأشواقنا نصي

فجاءت كنقش للخواتم في الفص

نسيم الصبا قص صبابته قص

وقبر أبي بكر وقبر أبي حفص

عصيت فما عذري وما عذر من يعص ؟

بدنياي بعت الدين يالك من رخص

وأحمد أرجو يوم عرضي على المحص

***

بل النور من وجه المشفع في العرض

وكنا غموضاً فانتبهنا من الغمض

كشمس أتخفى الشمس تكسو على الأرض

وجبريل بالأملاك في نصره يمض

عبوس ولكن عندما الدين في قبض

ويضحى لدينا واجب الفرض في رفض

وبالحق بين الناس قاض ومستقض

فإن لم يكن يقض بحق فمن يقض

ولا بعضه كلا ولا البعض من بعض

ختام على الأحقاب ليس بمقتض

ألا فانهضوا تلقوا رضى الله في النهض

عذاب لظى يوماً بتعذيبها يقض

فيشفع فيكم والإله له يرض

إذا وضع الميزان للرفع والخفض

نقضت عهود الله نقضاً على نقض

فكن ساتراً في العرض يا سيدي عرضي

أجرني فإن الله يمض الذي تمض

لتؤمن خوفي ليس فعلي بالمرض

بما كسبت نفس إلى خالقي مفض

أرى الحب في علياك من أوكد الفرض

أخاف أقض العمر والشوق لم أفض

***

فنلنا منى ما ناله أحد قط

بوجه به نسقى إذا وقع القحط

فطوبى لنا عنا بك الذنب ينحط

به المجد يعلو والمفاخر تشتط

إذا ما خطا فالنور من قبله يخطو

وقد مهدت خلف الحجاب له بسط

فيا لو رأيتم كيف تطوى وتنحط

هنالك كان العقد والعهد والشرط

علونا به عزاً ونحن به نسطوا

إذا الأرض مدت والسماء لها كشط

تفور وتغلي بالعذاب وتنغط

له في الندى أيد عوائدها البسط

لقد طاب منه الأصل والفرع والرهط

وأضحى له في طي أكبادنا ربط

حببناه حتى حبه الطفل والسقط

سوى دمعة في الخد من حرها خط

وطيبة فيها النور للعرش مشتط

فذلك قبر عنده يرفع السخط

وكان لهم في لثم تربته قسط

فشطت بي الأوزار وانتزح الشط

لأمحو ما الأملاك من زللي خطوا

***

فأنت الذي للكفر والشرك غائظ

بعز علاك العرش والفرش لا فظ

فنحن به الأعداء طراً نغائظ

شديد على الكفار في الله غالظ

إذا نظرت شذراً إلينا اللواحظ

تخاطب أرباب الخطى وتلاحظ

علينا ويرعى عهدنا ويحافظ

فنروى به يوماً به الحر قائظ

إذا النار منها للعصاة تغالظ

وتشفى به للمؤمنين المغائظ

فما خاب عبد دونه الأهل لافظ

وفي على عهد وعقد محافظ

متى أنا للزوار يوماً أحاظظ ؟

متى طرف عيني قبر أحمد لاحظ ؟

وودعتهم والروح مني فائظ

وعين عصت كيف الحبيب تلاحظ ؟

وقد جاءني من عند أحمد واعظ

يسامح عبداً لم تفده المواعظ

أقاسم أرباب التقى وأحاظظ

وأمداحه عند الرقى والحفائظ

يكون لفقري من غناه تلاحظ

***

نبيكم أعلى نبي وأرفع

وأمس بوحي الله سراً يمتع

له الأرض تطوى والمعارج توضع

إلى موضع ما فيه للخلق مطمع

ومن ربه يلقى الكلام ويسمع

بذاك ابن عباس يدين ويقطع

على وجهه نور من الله يلمع

حيي حليم ذو جلال مرفع

وهل هو إلا للفضائل مجمع

له الزهد زاد والتورع مشرع

إليه يحن الجذع والضب يخضع

أناملها من بينها الماء ينبع

وأمس به إيوان كسرى يزعزع

إلى سيد للخلق في الحشر يشفع

أداء سلام للحبيب يشيع

إليه وما لي للحبيب مودع

ذنوباً بها عمري العزيز مضيع

منعت بها عنه ومثلي يمنع

ووجهي بأثواب المعاصي مبرقع

وأنت كما تدري إلى الذنب تسرع

يداركني بالعفو والجود أوسع

***

مديح رسول الله بل هو أبلغ

به كل جان للجنان مبلغ

وجه عليه الله بالجاه مسبغ

حليم كريم بالجلال مسوغ

وشمس بأنوار الجلالة تبزغ

وكم نعمة من كفه كان يسبغ

بلى جوده من وابل الغيث أسبغ

وحلم وعلم بين جنبيه مفرغ

فأضحت دمائهم للصوارم تصبغ

وعدنا به مما الشياطين تنزغ

وباطلهم بالحق يعلي ويدفغ

وفي وجهه ماء الحياة مسوغ

متى صحن خدي في ثراه أمرغ ؟

فوالله ما عن حبه أتورغ

تذوب وقلبي بالصبابة يلدغ

وفوق الثرى تلك الخدود تمرغ

وقد فرغوا إلا أنا لست أفرغ

وصاحب قيد أين بالقيد يبلغ ؟

شغلت بها عنه وعز التفرغ

فويلي فما غيري عن الحق أزوغ

وأرجوك لي سبل النجاة تسوغ

***

رجوت به جنات عدن تزخرف

عليهم لنا جاه ومجد مضعف

رسول على الكرسي والعرش مشرف

ولا شبهه بين النبيين يعرف

وجبريل يدنو بالجيوش ويزحف

وقلد أسيافاً لها النصر يصرف

فما شئتم قولوا فأحمد أشرف

ونوح وإدريس به قد تشرفوا

فلا مرسل إلا وراءك يردف

بدنيا وفي يوم المعاد يضعف

تكون لديه بالشفاعة تتحف

ويرضيك فينا حين للحشر نوقف

وها هو وعد الله ما هو مخلف

إذا النار للعاصي تنادي وتهتف

عسى عزكم للذل عني يكشف

إليك فأنت الكهف للكل تكنف

وجان أنا عاص على النفس مسرف

تصدق على المحتاج زاد التلهف

فمن عليه لم تزل تتعطف

لجاهك يا خير الورى أتشرف

فكن لي إذا ما الأرض بالعرض ترجف

***

رسول صدوق عن هوى ليس ينطق

فإن قدموا بعثاً ففي الفضل يسبق

ولا أحد منهم بأحمد يلحق

عليه لواء الحمد في الحشر يخفق

ومن حوله صفوا وحفوا وأحدقوا

قديماً ولا في آخر هو يخلق

وكان مع التقوى من الله يشفق

رفيق ولكن بالمساكين أرفق

لأحمد حجاباً ولا الباب يغلق

كما أولاً عنه الثرى يتشقق

فبادر وقل لا لا فإنك تصدق

ومذ حل فيها فهي بالمسك تعبق

بلى منه نور الغرب والشرق مشرق

بأحمد لوذوا تسعدوا وتوفقوا

فبالله عزوني فإني موثق

فقيدني عنه وغيري مطلق

غريق أنا بالمصطفى أتعلق

فكن شافعي ما زلت بالخلق ترفق

سوى حبكم إني به أتوثق

فإن قليلاً منه للذنب يمحق

ولو سبعة من أبحر تتدفق

***

ألا فاسمعوا ما عن فضائله أحكي

فها هو بين الرسل واسطة السلك

أتخفى على النشاق رائحة المسك ؟

فذل بها من ضل في ظلم الشرك

متى واجه الجاني يواجه بالترك

ولا هدى فاق الناس بالهدي والنسك

ولا شك هل في الشمس في الظهر من شك ؟

له هيبة ذلت لها هيبة الملك

وأحمد في جاه يجل عن الدرك

هو الستر في الدنيا وأخرى من الهتك

يبادر أسرى الضيق والضنك بالفك

ولا مال حاشاه لمال ولا ملك

يخفف أثقالاً ليسرع في الفلك

حملنا ثقيلاً كيف بالله لا نبكي

ولولاه عوجلنا من الله بالهلك

فسيروا بنا نسعى إلى القمر المكي

لقد ضم مولى العرب والعجم والترك

إليه وخلي كل شاغلة عنك

فذاك الذي يرجو المصر على الإفك

فإن هو لم يشفع فلي موقف مبكي

فأرجوه ينجيني من الموقف الضنك

***

يناجى بليل والأنام غفول

له كان في نور الحجاب نزول

تقول لكم ما للحبيب عديل

ولكن ما مثل الحبيب رسول

وناداه منها بالهناء جليل

تذلل علينا ما علاك قليل

فأنت حبيب عندنا وخليل

وسلني فإني بالعطاء كفيل

بما لا إليه للأنام سبيل

ومولاً تجلى والحديث يطول

فما شئتم عن فضل أحمد قولوا

لموسى وعيسى والخليل مقيل

وأحمد يعلو فوقهم ويطول

وليس لنور الهاشمي أفول

يحول وما نور الحبيب يحول

وتبريء مرضى والزلال يسيل

ثوابكم عند الإله جزيل

وظل بها إذ زرتموه ظليل

فعندي ذنوب قيدهن ثقيل

فظني وحق الله فيه جميل

دخيل أنا ما خاب فيه دخيل

***

يحاكيه بدر والصحاب نجوم

ومن ذا بإحصاء الرمال يقوم

دليل بأن الشأن منك عظيم

يناديك من منه الدنو تروم

لك الدهر عبد والزمان خديم

فأنت على المولى الكريم كريم

ألا فاقض قد أمضى القضاء حكيم

لجاءك عيسى تابعاً وكليم

وفي الحجب أمست للرسول رسوم

إلى بحر نور ليس فيه يعوم

تقدم ودعني قد دعاك عليم

وربك تبدو من لدنه علوم

وأملاكها تسعى له وتقوم

بها الله ساق والشراب قديم

وقرب ووصل للحبيب يدوم

فشوقي إليه مقعد ومقيم

وأبكي ذنوباً بينهن أهيم

فيا مرسلاً بالمؤمنين رحيم

فعجل علاجي إنني لسقيم

فعبدك يأتي الحشر وهو عديم

ليوم به يجفو الحميم حميم

***

رجائي به عفو وفوز وغفران

فضاءت له بالشرق والغرب بلدان

وكم هتفت بالبعث جن وكهان

وشق له في ليلة الوضع إيوان

أضاءت له بالنور بصرى وكنعان

لكي لا يراه حين يختن إنسان

يسير بها بين الخلائق ركبان

إلى أن كفى وانفك وانكف عطشان

يرى كل من يدنو ويعلم إن بانوا

ومن قبله ما كان يرجم شيطان

وإن هجعت عيناه فالقلب يقظان

وأعلى له ديناً على الخلق ديان

لقد خصه بالحب والقرب رحمن

عليه من العز الإلهي تيجان

فثم له شان إذا عظم الشان

ليوم بروز النار والرب غضبان

إليك ليغشانا من الرب غفران

وعبدك عاص مثقل الظهر حيران

فخذ بيد العاصي فكم لك إحسان

فكن إذا للقسط يوضع ميزان

يبشر بالرضوان في الحشر رضوان

***

مديح الذي أم السما وعلاها

له رفعة عم الأنام علاها

لحضرة قدس ما سواه أتاها

ومن حل في متن السما وذراها

تجلى على حجب العلى وجلاها

نما شرفاً في أرضها وسماها

رسول كريم ما علاه يضاها

وكم آية قد أمها ورواها

فمن نوره نارت ونار ضحاها

يناجي فينجي من عذاب لظاها

فكم فتنة عنا الشفيع نفاها

ترى قبل أن أفنى أزور قباها ؟

تمر على واد الحبيب هواها

وهل فاح إلا من شذاه شذاها

فلله ما أحلا هبوب صباها

فمحبوب قلبي في عزيز ثراها

فقد كان أوصى مهجتي بتقاها

عدمتك من نفس تريد شقاها

ملاذ به ترجو العصاة نجاها

بسطت يداً بالفقر فيه غناها

رجوه فما والله خاب رجاها

***

فسرنا إليها البيد من أجلها نطوي

فترقص بالبيداء من طرب الحدو

تحن وتبكي وهي للمصطفى تهوى

وأكوارها تهتز من شدة العدو

فلا شغل إلا في الرواح وفي الغدو

وفاض بها ماء لأصحابه مروي

تسير وتلوي حيث ما أحمد يلوي

وأهوت له الأشجار في الخبر المروي

وكم آية في الأرض بانت وفي الجو

وفي ليلة المعراج عن ربه يروي

لقد قام بالإكرام في الموقف العلو

ولا مرسل من ذا لموقفه يأوي

له سره في طي أسراره مطوي

ولاقاه بالحسنى وعومل بالعفو

أرى عز كل الرسل سيدنا يحوي

ولي سكرة بالشوق جلت عن الصحو

مع الشوق والأشجان والدمع في غزو

فعندي له شوق وشجو على شجو

متى توبتي تقضى وينحو التقى نحوي ؟

إذا لم أبادر سطر ذنبي بالمحو

فيا رب بلغني زيارة من أنوي

***

ومن ذا يعد القطر أو يحصي الرملا

وأوفاهم عزاً وأعلاهم فضلا

يرى كله نوراً إذا جاء أو ولا

وفي وجه حوا حين فرت به حملا

وأنور من شمس وإشراقه أجلا

ومن عجب شخص ولا يشخص الظلا

لأصدقهم قولاً وأحسنهم فعلا

وإن هو لم يعدل فمن ينشر العدلا!

إذا هو ماشى الخلق قامته أعلا

ومن قبله نادى بأسمائها الرسلا

يباهي به الأملاك في الملأ الأعلى

وكان لما يثني عليه له أهلا

وجود وبرهان وأخباره تتلى

رأوا وجهه ما بين أظهرهم يجلى

ونادى به أهلاً بمحبوبنا أهلا

فلولاك أسقينا العصاة لنا مهلا

تحط به من ثقل أوزارها حملا

أظنك مثلي ويح من كان لي مثلا

ومن كان ذا قيد فقد منع الوصلا

فوالله إن الذنب ألحقني ذلا

ليلحقني عزاً إذا ذل من ذلا

***