اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm مشاركات: 5435
|
25 – ومنهم لسان المحبة والوفاء ، وزين طريقة الولاء ، أبو زكريا يحيى بن معاذ الرازى ، عالى الحال ، طيب السيرة له قدم ثابتة فى مقام الرجاء .
وقد قال الحصرى عنه : " إن لله يحيان : أحدهما نبى ، والآخر ولى " ، فيحيى بن زكريا سلك طريق الخوف حين كثر أدعياء هذا الطريق ، وفقدوا الأمل فى الخلاص . ويحيى بن معاذ سلك طريق الرجاء ، حتى ادعاه أهل الباطل ، قال بعضهم للحصرى : إنا نعلم ما كان عليه يحيى بن زكريا من الخوف ، فما هو حال يحيى بن معاذ ؟ فقال : " أخبرت أنه لم تسبق له جاهلية ولم يعمل كبيرة ما ".
وكانت له مراقبة شديدة فى العبادات ، تكاد تكون فوق طاقة البشر حتى أن أحد مريديه قال له : " يا مولاى إن مقامك مقام الرجاء ، ولكنا نرى أعمالك أعمال الخائفين ". فقال له يحيى : " اعلم يا ولدى أن من ترك عبادة الله فقد ضل ". فالخوف والرجاء هما عمادا الإيمان ، ومن المستحيل أن يقع الإنسان فى محظور ما دام يعمل بهما ، لأن الخائفين يعبدون الله تعالى مخافة البعد عنه ، والراجين يعبدونه رغبة فى الوصول إليه ، ولولا العبادة لم يشعر الإنسان بلذة الخـوف ولا الرجاء ، وحيث كان ذلك فلا فائدة من الخوف والرجاء إلا إذا اقترنا بالعبادة .
وله تآليف كثيرة وعبارات رقيقة ، وتعاليم رشيدة ، وهو أول من ارتقى على المنبر من أهل الذوق بعد الخلفاء الراشدين ، وأنى لمغرم بأقواله السلسة العبارة اللذيذة السماع . يروى أنه قال " الدنيا دار الأشغال ، والآخرة دار الأهوال ، ولا يزال العبد بين الأشغال والأهوال حتى يستقر به القرار إما إلى الجنة وإما إلى النار " فطوبى للنفس التى خلصت من الأشغال ، وتخلصت من الأهوال والأغيار ، وتجردت من الأفكار فى الدارين جميعاً ووصلت إلى الله .
هذا وأن يحيى هو صاحب الرأى القائل بأن الغنى أفضل من الفقر . ولما سافر إلى خراسان ترك عليه ديوناً كثيرة فى الرى ، وبعد وصوله إلى بلخ حبسه أهلها ليعظهم وليعلمهم الحكمة ، وأعطوه مائة ألف درهم فلما رجع إلى الرى اخترطته اللصوص مما كان معه فوصل إلى نيسابور وهو فى حالة رثة حيث توفى هناك ، وكان يجله أكثر الناس .
|
|