موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 93 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أكتوبر 12, 2005 2:40 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين ديسمبر 20, 2004 11:42 am
مشاركات: 12928
يرفع للفائدة

_________________
المواجهة النبوية الشريفة

صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت أكتوبر 15, 2005 12:23 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

25 – ومنهم لسان المحبة والوفاء ، وزين طريقة الولاء ،
أبو زكريا يحيى بن معاذ الرازى ، عالى الحال ، طيب
السيرة له قدم ثابتة فى مقام الرجاء .

وقد قال الحصرى عنه : " إن لله يحيان : أحدهما نبى ، والآخر ولى " ،
فيحيى بن زكريا سلك طريق الخوف حين كثر أدعياء هذا الطريق ،
وفقدوا الأمل فى الخلاص . ويحيى بن معاذ سلك طريق الرجاء ،
حتى ادعاه أهل الباطل ، قال بعضهم للحصرى : إنا نعلم ما كان
عليه يحيى بن زكريا من الخوف ، فما هو حال يحيى بن معاذ ؟
فقال : " أخبرت أنه لم تسبق له جاهلية ولم يعمل كبيرة ما ".

وكانت له مراقبة شديدة فى العبادات ، تكاد تكون فوق طاقة البشر
حتى أن أحد مريديه قال له : " يا مولاى إن مقامك مقام الرجاء ،
ولكنا نرى أعمالك أعمال الخائفين ". فقال له يحيى : " اعلم يا ولدى
أن من ترك عبادة الله فقد ضل ". فالخوف والرجاء هما عمادا الإيمان ،
ومن المستحيل أن يقع الإنسان فى محظور ما دام يعمل بهما ، لأن
الخائفين يعبدون الله تعالى مخافة البعد عنه ، والراجين يعبدونه رغبة
فى الوصول إليه ، ولولا العبادة لم يشعر الإنسان بلذة الخـوف ولا الرجاء ،
وحيث كان ذلك فلا فائدة من الخوف والرجاء إلا إذا اقترنا بالعبادة .

وله تآليف كثيرة وعبارات رقيقة ، وتعاليم رشيدة ، وهو أول من ارتقى على
المنبر من أهل الذوق بعد الخلفاء الراشدين ، وأنى لمغرم بأقواله السلسة
العبارة اللذيذة السماع . يروى أنه قال " الدنيا دار الأشغال ، والآخرة دار الأهوال ،
ولا يزال العبد بين الأشغال والأهوال حتى يستقر به القرار إما إلى الجنة وإما
إلى النار " فطوبى للنفس التى خلصت من الأشغال ، وتخلصت من الأهوال
والأغيار ، وتجردت من الأفكار فى الدارين جميعاً ووصلت إلى الله .

هذا وأن يحيى هو صاحب الرأى القائل بأن الغنى أفضل من الفقر . ولما سافر
إلى خراسان ترك عليه ديوناً كثيرة فى الرى ، وبعد وصوله إلى بلخ حبسه
أهلها ليعظهم وليعلمهم الحكمة ، وأعطوه مائة ألف درهم فلما رجع إلى الرى
اخترطته اللصوص مما كان معه فوصل إلى نيسابور وهو فى حالة رثة حيث توفى
هناك ، وكان يجله أكثر الناس .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد أكتوبر 16, 2005 12:38 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

26 – ومنهم شيخ شيوخ خراسان ، ونادرة العالم أبو حفص
عمرو بن سالم النيسابورى الحداد
.


كان من كمل الصوفية ، ممدوحاً عندهم ، وقد اجتمع بأبى عبد الله الأبيوردى
وأحمد بن خضرويه ، وأتاه الشيخ شاه بن شجاع ليزوره من كرمان . وكان قليل
المعرفة بالعربية ، ولما قدم بغداد لزيارة المشايخ هناك قال مريدوه : أنه لمن
المخجل أن يحتاج شيخ خراسان إلى مترجم ليبين له ما يقوله المشايخ ، فلما
اجتمع بالصوفية فى بغداد ، وكان معهم الجنيد فى جامع الشونيزية تكلم معهم
بالعربية الفصحى حتى أعجزهم من بلاغته ، فسألوه عن الفتوة ، فقال لهم :
ليبتدئ أحدكم فى الحديث عنها . فقال الجنيد : " الفتوة ترك الرؤية وإسقاط
النسبة ". فقال أبو حفص : ما أحسن ما قاله الشيخ ، ولكن الفتوة عندى أداء
الانصاف وترك مطالبة الانتصاف . فقال الجنيد : رحمكم الله يا أصحابنا فقد زاد
أبو حفص على آدم وذريته .

وكان سبب توبته أنه أحب فتاة وأشار عليه أصحابه أن ينشد مساعدة يهودى يعيش
فى شاريستان من أعمال نيسابور فأمره ذلك اليهودى ألا يصلى أربعين يوماً .
ولا يذكر الله تعالى ، ولا يعمل صالحاً حتى يدله بعد ذلك على عمل ينيل مطلوبه ،
فعمل أبو حفص بما أمره اليهودى ، وبعد تمام الأربعين كتب اليهودى طلسماً له ،
لكنه لم يجد نفعاً . فقال له اليهودى : لا بد أنك عملت عملاً صالحاً ، فانظر ما هو
هذا العمل . فقال أبو حفص : " لا أرانى عملت شيئاً صالحاً ، إلا أننى التقطت
حجراً من طريق المسلمين مخافة أن يعثر فيه الناس . فقال اليهودى له : أما
تستحى من الله سبحانه وتعالى ، الذى لم يضيع لك عملاً صغيراً ، مع أنك
أهملت أمره أربعين يوماً ؟. فتاب أبو حفص وأسلم اليهودى .

وقد كان أبو حفص يشتغل بالحدادة ، حتى سافر إلى أبيورد واتبع أبا عبد الله
الباوردى ؛ فلما رجع إلى نيسابور سمع ذات يوم رجلاً أعمى يقرأ القرآن فى
السوق ، فأصغى إليه حتى غلبه السماع فوضع يده فى النار والتقط قطعة
من الحديد المحمى بلا ملقاط ، فلما رأى صبيانه ذلك سقطوا مغشياً عليهم ،
وحينما عاد أبو حفص إلى صحوة نفسه ترك العمل ولم يعد إلى الاشتغال .

يروى أنه قال ، تركت العمل ورجعت إليه ثم تركنى فلم أرجع إليه .

لأنه من ترك شيئاً بحوله وقوته فتركه ليس خيراً من العمل ، ما دام العمل فاسداً ،
لأن قيمة العمل صادرة عن القدرة الإلهية ، التى تفاض علينا من الغيب بلا حول
منا ، فإذا نسب الإنسان هذه القدرة لنفسه كان خلوا من الصفاء الروحانى ، إذ لا
حول للإنسان أن يترك أو أن يمسك أى عمل إلا بقدرة الله تعالى وتدبيره ، لأن الله
سبحانه وتعالى قد أعطى وأخذ فى سابق علمه ، فالإنسان لا يأخذ إلا ما أعطاه
الله ، ولا يترك إلا ما أخذه الله ، ولو عمل السالك ألف سنة لنيل رضوان الله تعالى
لكان ذلك أقل بكثير مما يناله بفضل الله فى نفس واحد ، لأن سعادة الإنسان متوقفة
على سابقة الفضل الإلهى ، والعناية الربانية ، ولا خلاص للإنسان إلا بفضل الله
ورحمته ، فهنيئاً ، لمن أخرج المسبب من قلوبهم كل الأسباب .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء أكتوبر 18, 2005 10:59 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

27 – ومنهم قدوة الملامة ، ومن رضى بالبلاء على السلامة ،
أبو صالح حمدون بن أحمد بن عمارة القصار .


وينسب إلى كبار السلف الصالح ، وكان من الذين جاهدوا أنفسهم فى ذات
الله ، وبلغ درجة عالية فى الفقه والعبادة متبعاً فى ذلك مذهب الثورى .
أما فى الطريقة فإنه كان مريداً لأبى تراب النخشبى . وله رموز دقيقة فى
المعاملة ، وكلمات رقيقة فى المجاهدة ، فلما اشتهر بها طلب منه أئمة
نيسابور أن يخطب الناس فى الجمعة ، فلم يقبل ذلك وقال " لا يزال قلبى
متمسكاً بالدنيا ولذلك فإن كلماتى لا تؤثر فى قلوب الآخرين ، فإذا تكلمت
بشئ لا يثمر كان ذلك ضعة للدين ، وضياعاً للشريعة السمحاء ، إنما يتكلم
من يضر بالدين سكوته ومن يشفى الأمراض كلامه ".

ولما سئل لماذا كان كلام السلف أوقع فى القلوب قال :" لأنهم كانوا يتكلمون
لعز الإسلام ، ونجاة النفوس ، ورضا الرحمن ، ونحن نتكلم لعز النفس وطلب
الدنيا وقبول الخلق " فاعلم أن كل من تكلم عن أمر الله بدافع دينى أثرت
موعظته فى قلوب العصاة والمذنبين ، وأما إذا أصدر كلامه عن هوى فإنه يكون
ضغثاً على إبالة ولا يثمر – وهكذا اعلم أن هذا العظيم قد دفع الدنيا عن نفسه
ولم يرغب فى اسم أو جاه .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أكتوبر 19, 2005 11:38 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

28 – ومنهم الشيخ ذو الوقار ، الواقف على الخواطر والأسرار ،
أبو سرى منصور بن عمار .


كان من نوابغ العراق ، وأئمة خراسان ، ولم يسبقه أحد فى بلاغة مواعظه
وحسن موقعها ، كان عالماً بكل فروع العبادة والحديث وعلوم الأصول
والمعاملات. وقد غالى فى مدحه بعض طلاب المتصوفة .

يروى أنه قال " سبحان من جعل قلوب العارفين أوعية الذكر ، وقلوب الزاهدين
أوعية التوكل ، وقلوب المتوكلين أوعية الرضا ، وقلوب الفقراء أوعية القناعة ،
وقلوب أهل الدنيا أوعية الطمع ". من المعلوم أن الله تعالى قد جعل فى كل
عضو من الأعضاء صفة خاصة به ، فجعل مثلاً اليد للبطش ، وجعل القدم
للسعى ، والعين للنظر ، والأذن للسمع ، واللسان للنطق ، فلا اختلاف
هناك إلى اليسير فى وظيفة كل منها .

وشغل القلوب بشواغل مختلفة ، فسبحان من أقام العباد فيما أراد . فترى
قوماً اشتغلوا بمعرفة الله ، وآخرون اشتغلوا بالخطيئة ، وآخرون بالقناعة ،
وآخرون بالغفلة ، وهلم جرا . فلذلك كانت معاملة القلوب هى القسطاس
المستقيم التى يثاب عليها ، أو يعاقب بها . وقد قال : " الناس رجلان : عارف
بنفسه فشغله فى المجاهدة والرياضة ، وعارف بربه فشغله بخدمته وعبادته
ومرضاته ". فعبادة الأول رياضة ، وعبادة الثانى رياسة ، والأول يعبد ليصل إلى
درجة الكمال ، والثانى يعمل مع بلوغه الكمال ، فما أكبر الفرق بينهما . أحد
هاتين الفئتين باق فى مجاهدة نفسه ، والآخر باق فى مشاهدة ربه .

يروى أنه قال : " الناس رجلان : مفتقر إلى الله فهو فى أعلى الدرجات على
لسان الشريعة ، وآخر لا يرى الافتقار لما علم من فراغ الله من الخلق والرزق
والأجل والحياة والسعادة والشقاوة فهو فى افتقاره إليه واستغنائه به " فهم
يطلبونه ولا يطلبون غيره ، فإذا نالوه لم يفقدوا شيئاً ، فالأولون لوقوع نظرهم
على حاجاتهم حجبوا بها عن الجمال الإلهى . والآخرون لعدم نظرهم إلى
حاجتهم كوشفوا وصاروا أحراراً . الأولون ينعمون بالنعم والآخرون ينعمون
بواهب النعم .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين أكتوبر 24, 2005 10:30 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

29 – ومنهم ممدوح الأولياء ، وقدوة أهل الرضا ، أبو عبد الله
أحمد بن عاصم الأنطاكى
، من أعيان القوم وساداتهم ،
وكان عالماً بعلوم الشريعة والأصول والفروع .

عمر طويلاً واجتمع بأكابر السلف من تابعى التابعين ، وكان معاصراً لبشر
والسرى السقطى ، مريداً للحارث المحاسبى ، وقد اجتمع بالفضيل
وتذاكر معه . وقد قال : " إن أنفع الفقر ما كنت به متجملاً وبه راضياً "
لأن غنى العوام فى إثبات الأسباب ، وغنى الخواص فى نفى الأسباب
وإثبات مسببها ، وأن تنسب كل أمر إليه ، وأن ترضى بقضائه وقدره .
فالفقر هو ترك الأسباب الثانوية ، أما الغنى فهو وجودها . والفقر بعد
التجرد عن الأسباب الثانوية غنى بالله تعالى ، ولهذا فإن الغنى بالأسباب
حجاب عن الله والعكس . هذا بيان كاف فى فضل الفقر على الغنى .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء أكتوبر 25, 2005 11:25 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

30 – ومنهم سالك طريق الورع والتقوى ، وكان فى الأمة على
زهد يحيى ، أبو محمد عبد الله بن خبيق ، وكان زاهدا عابدا
ناسكا ، وقد كان من رواة الصحيح من الحديث . فقيهاً فى
علوم الدين ، من العبادات والمعاملات والأصول ، ومتابعاً فى
ذلك مذهب الثورى ، الذى اجتمع بتلاميذه .

قال : " من أراد أن يكون موسعاً عليه فى حياته فلا يسكن الطمع فى قلبه "
إذ أن الطامع فى قيد ، يجعل للغفلة سلطاناً على قلبه وهى كالخاتم على
قلبه ، والقلب المختوم عليه ميت لا محالة ، طوبى لقلب يكون ميتاً عن الأغيار
حياً به ، ذلك أن الله خلق الذل وهو الطمع ، وخلق العز وهو الذكر ، وفى هذا
المعنى يقول عبد الله : " خلق الله تعالى القلوب مساكن للذكر ، فصارت مساكن
للشهوات ، ولا يمحو الشهوات من القلوب إلا خوف مزعج أو شوق مقلق "
فالخوف والشوق هما عمادا الإيمان ، لأنه إذا سكن الإيمان فى قلب امرىء
اتبعه الذكر والقناعة ، ولم يتبعه الشهوة والغفلة ، فالشهوة هنا نتيجة الإعراض
عن معية الله تعالى ؛ والقلب الذى يكون معرضاً عن الله سبحانه وتعالى ليس
له نصيب من الإيمان ، وذلك لأن الإيمان أنس بالله تعالى ، وإعراض عمن سواه .
كما قالوا : الطامع مستوحش منه كل أحد . والله أعلم .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس أكتوبر 27, 2005 11:50 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435


31 – ومنهم شيخ المشايخ فى الطريقة ، وإمام الأئمة
فى الشريعة ، أبو القاسم الجنيد بن محمد ،
البغدادى القواريرى ، كان مقبولاً عند أهل الظاهر والباطن
على السواء ، كاملاً فى كل فن ، ثقة فى التوحيد ، والشريعة
والحقيقة وكان تلميذاً للثورى ، وعباراته عالية ، وحاله كامل ،
حتى أن كل الصوفية اعترفوا له بالإمامة فى المعرفة .

كانت والدته شقيقة للسرى السقطى ، الذى كان الجنيد مريده . سئل ذات
يوم عما إذا كان المريد يبلغ درجة أكمل من الأستاذ ؟. فقال : نعم !
وإن أوضح دليل على ذلك أن مرتبة الجنيد أفضل من مرتبتى هذا وإن ذلك
لمن بعد نظر السرى ، وشدة تواضعه وانقياده للحق ، وكان الجنيد يتحاشى
أن يدارس تلاميذه مدة حياة السرى ، حتى طلب منه مريدوه أن يعلمهم
فقال : " أما وشيخى موجود فلا ، حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذات ليلة ، فقال له : يا جنيد تكلم للناس فإن كلامك راحة للقلوب وإن الله جعل
كلامك سبباً فى نجاة كثير من أمتى فلما استيقظ من منامه ظن أن مقامه
أكبر من مقام السرى لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالدعوة فلما
أرسل إليه السرى مريداً بالرسالة الآتية : إنك لم تقبل أن تدارس تلاميذك إذ
طلبوا منك ذلك ، ورفضت وساطة مشايخ بغداد ، وحيث أمرك رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأطع الأمر . فقال الجنيد فأخرجت هذا الرأى من
قلبى ، وعلمت أن السرى أعلم بظاهرى وباطنى ، وأن مرتبته أكبر من
مرتبتى ، حيث أنه علم بسرى ، وتحققت جهلى بمقامه ، فذهبت إليه
وسألته السماح وأن يخبرنى من أين علم أنى رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، قال لى : يا بنى رأيت رب العزة عز وجل فأخبرنى بأنه أرسل
رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك بالدعوة . ومن هذه الحادثة تعلم
صريحاً بأن للعارفين معرفة تامة بأسرار مريديهم .

يروى أنه قال : " كلام الأنبياء نبأ عن حضور وكلام الصديقين إشارة عن
المشاهدات " ، والمعرفة الحقة ناتجة عن النظر ، ومن المستحيل أن
تتبين حقيقة أى شىء لم تشاهده ، بينما أن الإشارة تدلك على شىء
آخر ، لذلك فنهاية الصديقين بداية النبيين . والفرق بين النبى والولى
كالشمس فى رابعة النهار ، وإنى لأعجب من شعوذة أهل الفئتين
الضالتين ، اللتين زعمتا أن الأولياء فاقوا الأنبياء فى الكمال .

يروى أنه قال : كنت أرغب فى رؤية إبليس عليه لعنة الله ، فرأيت ذات يوم
رجلاً طاعناً دميماً ، دخل إلى الجامع ، وأنا فى وسطه ، متجهاً إلىّ فانتابنى
رعب شديد لما اقترب منى ، فسألته : من أنت ، لا أب لك !. لأنى لا أحتمل
النظر إليك ، ولا الفكر فيك فقال لى : أنا طلبتك . فقلت : وعليك لعنة الله !
ما منعك أن تسجد لآدم ؟. فقال : يا جنيد ! كيف تتخيل أن أسجد لأحد غيره
تعالى ؟. فاندهشت لمقالته ونوديت من قلبى ؛ قل له : كذبت ! لو كنت عبداً
لما خرجت من أمره ونهيه . فسمع إبليس صوت الكلام من قلبى فصرخ بأعلى
صوته : لقد أحرقتنى يا هذا . واختفى . يدلك هذا على أن الله سبحانه وتعالى
يحفظ قلوب أوليائه ، فى كل الأحوال ، من الميل إلى حيل الشيطان اللعين .

وحكى أن أحد مريدى الجنيد حقد عليه إلى حد أن أعرض عنه ، وبعد أن تركه
رجع إليه ليسأله امتحاناً له فعلم الجنيد ذلك منه ، فقال له رداً على سؤاله :
هل تريد جواب أهل الرسوم ، أو جواباً روحانياً ؟ فقال له التلميذ : أريد كليهما .
فأجابه الجنيد ، عن الجواب الأول : أنك إذا سألت نفسك لما كانت لك حاجة
بسؤالى ، والجواب الروحانى إنك مبعد من ديوان الولاية . فأسود وجه الطالب
بعد ذلك ونادى : قد ذهبت من قلبى حلاوة اليقين . وتذلل له واستسمحه بعد
أن ترك غش نفسه ، فقال له : هل علمت أن لأهل الله أسراراً خفية وإنك لا
تحتمل ضرباتهم . فألقى عليه نفساً ، فرجع إلى ما كان عليه ، وتاب من أن
يحرج المشايخ . والله أعلم .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد أكتوبر 30, 2005 11:21 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

32 – ومنهم ملك أهل التصوف ، البرىء من آفة التكلف ،
أبو الحسن أحمد بن محمد النورى.

كانت له أحسن المعاملات وأبين الكلمات ، وأظرف المجاهدات . وهو شيخ
الطائفة النورية وهى إحدى الإثنى عشر طريقة التى منها عشرة مقبولة
وإثنتان مردودتان ، فالمقبولة هى : المحاسبية ، والقصارية ، والطيفورية ،
والجنيدية ، والسهيلية ، والحكيمية ، والخرازية ، والخفيفية ، والسيارية ؛
كل هؤلاء يؤكدون الحق وهم من أهل السنة . والإثنتان المردودتان هما :
الحلولية الذين يذهبون إلى الحلول والامتزاج وتشبع بهذا المذهب السليمية ،
وهم أهل الكلام ، والحلاجية الذين خرجوا عن دائرة الشرع الشريف ، وتمسكوا
بالبدع ، ويدخل فيهم الإباحية ، والفارسية ، وبمشيئته تعالى أخصص قسماً
من هذا الكتاب ، لكل طائفة من هذه الطوائف ، بجمع مذاهب كل طائفة ،
ومعتقداتهم ، والفرق بينهم ، والخلاف بينهم وبين هاتين الفرقتين . وللنورى
مذهب ممدوح فى ترك المداهنة ، ورفع المسامحة ، دوام المجاهدة .

يروى أنه قال حضرت حلقة الجنيد وكان جالساً على كرسى للتدريس فقلت له :
يا أبا القاسم غششتهم فصدروك ، ونصحتهم فرمونى بالحجارة . ذلك لأن
الملق يوافق هوى النفوس والإخلاص ضد ذلك ، والناس يكرهون كل من خالف
هواهم ، ويميلون عنه ، ويحبون كل من وافقهم .

وكان النورى معاصراً للجنيد ، وتلميذاً للسرى ، وقد اجتمع بكثير من المشايخ ،
وقابل أحمد بن أبى الحوارى . وله عبارات وحكم لطيفة ، فى علوم الحقيقة .
يروى أنه قال : " الجمع بالحق تفرقة عن غيره ، والتفرقة عن غيره جمع به "
لأن كل قلب اتصل بالله فر من كل شىء سواه ، وبالعكس . لذلك ترى أن
اتحاد القلب مع الله يوجب عدم التفكر فى المخلوقات ، وهذا الترك قرب إليه
سبحانه لأن " الضدين لا يجتمعان ".

قرأت فى بعض الحكايات أن النورى وقف فى خلوته ثلاثة أيام بلياليها ، لا يتحرك
من مكانه ولا يترك الصياح فذهب إليه الجنيد وقال له " يا أبا الحسن إذا كنت
تعرف أن هذا الجؤار ينفعك فأخبرنى حتى أعمل مثلك ، ولكن إذا علمت أنه
لا يجدى نفعاً فسلم له نفسك بالرضى عنه ، حتى يفرح قلبك ويهدأ روعك " .
فسكن وقال : قد نفعنى الله بك يا أبا القاسم .

يروى أنه قال : أعز الشياء فى زماننا شيئان : عالم يعمل بعلمه ، وعارف ينطق
عن حقيقته . لأن العالم والعارف بهذا المعنى أندر من الكبريت الأحمر ، حيث
أن العالم لا يكون عالماً إلا بعد عمله بعلمه ، والعارف لا يكون عارفاً إلا بعد
معرفته حقيقة نفسه . والنورى يقول هذا الكلام فى عصره ، ولقد صدق
لأنهما نادران فى كل زمان ، وهما نادران الآن لأن من يشغل نفسه بالبحث
عن الرجل العارف يضيع وقته سدى ، ولا يجد مقصده . ويجب عليه أن يهتم
بنفسه حتى يجد العلم فى كل مكان ، إذ العلم كله فى العالم كله ، ثم عليه
أن يتحول عن نفسه متجهاً إلى الله تعالى ، حتى يرى العلم فى كل مكان .

يروى أن النورى قال : " من عقل الأشياء بالله فمرجوعه فى كل شىء إلى الله "
لأنه لا يرتاح إلا لمشاهدة الخالق ، ويكون فى بلية إذا شاهد أن الأسباب تنتج
الأعمال ، حيث أن إثبات ذلك شرك ، وذلك لأن السبب لا وجود له بنفسه بلا
مسبب فإذا رجعوا إليه خلصوا من كل الأغيار .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت نوفمبر 05, 2005 1:17 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435


33 – ومنهم مقدم الخلف ، وخير الخلف للسلف ،
أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الحيرى
، من قدماء
وأجلة الصوفية كان فريد عصره ، وقدره رفيع فى كل القلوب . وكان من كمل
الصوفية ، وقد اجتمع بيحيى بن معاذ ، والشيخ شاه بن شجاع الكرمانى ؛
وقد صحبه إلى نيسابور لزيارة أبى حفص ، وبقى معه حتى توفاه الله .

يروى عن مصدر ثقة أنه قال : " كنت أطلب الحق من طفولتى ، وأهل الظاهر
ينتقدوننى ، وكنت أعتقد أن للشريعة السمحاء سراً خفياً ، ينطوى تحت هذه
الرسوم ، التى اقتدى بها العامة بلا تدبر ولا تفكر . فلما كبرت سمعت مذاكرة
من يحيى بن معاذ الرازى ، فوجدت هناك السر الذى كنت أبحث عنه . وصحبته
حتى سمعت عن الشيخ شاه بن شجاع ممن كانوا معه ، فاشتقت إلى زيارته ،
فتركت الرى وذهبت إلى كرمان ، فلم يصرح لى الأستاذ بحضور مجلسه ، وكانت
حجته فى ذلك أنه يقول :" لقد سلكت على مذهب الرجاء الذى وقف عنده يحيى ،
ولا يمكن لمن وقف عند هذا المقام أن يسلك طريق التخلية ، لأن الاعتقاد الآلى
فى الرجاء يوجب الكسل والتراخى ، فتشفعت إليه ، ووقفت على بابه عشرين
يوماً ، وأنا أسأل الله تعالى أن يعطف على قلب الأستاذ ، حتى قبلنى لصحبته
ومكثت أخدمه ، حتى أخذنى لزيارة أبى حفص النيسابورى ، وكان الأستاذ فى
هذه السياحة قد لبس القباء ، فلما رآه أبو حفص قام له من مجلسه ، وتقدم
لمصافحته قائلاً : " وجدت فى القباء ما طلبت فى العباء " . وكنت مدة إقامتنا
فى نيسابور أجد فى نفسى رغبة شديدة فى الاجتماع بأبى حفص ، ولكن
خشيت غيرة الشيخ ، وكنت فى صلاتى أسأل الله تعالى أن يمتعنى بصحبة
أبى حفص ، بدون أن أغير قلب الأستاذ علىّ ، لأنه كان رجلاً غيوراً . وكان أبو
حفص يعلم برغبتى فى صحبته ، فلما آن الرحيل لبست ملابس السفر وتركت
قلبى مع أبى حفص ، فقال الشيخ : " أنا مسرور بهذا الفتى ، فدعه يقيم معى ".
فالتفت إلىّ الأستاذ ، وقال : " أقم حيث أمرك السيد " فمكثت مع أبى حفص ،
وشاهدت عجائب كثيرة فى صحبته .

قال المؤلف : فالله سبحانه وتعالى قد تفضل على أبى عثمان بأن يتلقى ثلاث
مقامات على يد ثلاثة مشايخ ، وهذه المقامات التى تلقاها عنهم جعلها مقاماً
له ؛ فمقام الرجاء ناله بصحبته ليحيى ، والغيرة بصحبته للشيخ شاه بن شجاع ،
والشفقة بصحبته لأبى حفص . وقد يسمح للمريد بأن يجتمع بالعارفين وأن ينال
من مقاماتهم المختلفة . ولكنه من الأحسن للمريد ألا يخلط مكانه بمقامهم ،
وعليه أن يشير إلى كمالهم فى مراتبهم ويحفظ الأدب بأن ينسب الفضل إليهم .
وقد كان لأبى عثمان قسط وافر فى انتشار الصوفية فى خراسان ونيسابور ،
وقد اجتمع بالجنيد ورويم ويوسف بن الحسين ومحمد بن الفضل البلخى ؛ ولم
يحصل أحد على ما حصل عليه الشيخ من أساتذته ، وكان يدرس لأهل نيسابور
التصوف ، ويجلسونه على كرسى إكراماً له ، وله كلام دقيق فى فروع هذا العلم .

يروى أنه قال " حق لمن أعزه الله بالمعرفة أن لا يذله بالمعصية ". ويدلك هذا
على شدة مراقبته ، لأنك تعلم أن الله سبحانه وتعالى أجلّ وأعظم من أن يهين
من أكرمه بمعرفته ، ويجعله يعصاه ، ومع ذلك فإن المعرفة هبة من الله ، والعصيان
عمل الإنسان ، ومن المستحيل أن من أكرمه الله بفضله يهان بعمل نفسه لأن
الله سبحانه وتعالى أكرم آدم بمعرفته ولم يهنه بالمعصية .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء نوفمبر 09, 2005 11:28 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

34- ومنهم سهيل المعرفة ، وقطب المحبة ، أبو عبد الله
أحمد بن يحيى ابن الجلاء
.


اجتمع بالجنيد ، وأبى الحسين النورى ، وكثير من المشايخ ، وقد قال :
" همة العارف ارتفعت إلى مولاه فلم يعطف على شىء سواه ". لأن
العارف ليس له هم غير المعرفة ، إذ بها حياة قلبه ، ولهذا فهمه عاكف
على مشاهدة الله ، لأن كثرة الاشتغال يوجب الهموم ، والهموم تبعد
الإنسان عن الله .

وقد حكى عن نفسه أنه رأى يوماً غلاماً فى غاية الجمال ، فوقف أمامه
حتى مر به الجنيد فقال له : يا سيدى : هل يحرق الله هذا الوجه بالنار ؟.
فقال له يا ولدى هذه نظرة فى شهوة ، وليست نظرة فى عبرة ، ولو أنك
نظرت باعتبار لوجدت نفس هذا الإعجاز فى كل ذرة من ذرات الوجود .
إن الله سيعاقبك قريباً لهذا العمل الذى يعوزه الاحترام . قال : فما حول
الجنيد وجهه عنى حتى أنسيت القرآن ، ولم أعد أحفظ شيئاً منه سنين
عديدة ، حتى كثر ابتهالى وتضرعى إليه واعترافى بذنبى ، فاسترددت
القرآن . والآن لا أتجاسر بعد ذلك على أن أنظر إلى مخلوق ، ولا أن أضيع
وقتى بالنظر إلى الأشياء .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت ديسمبر 10, 2005 8:45 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435


35- ومنهم وحيد العصر ، وإمام الدهر ، أبو محمد
رويم بن أحمد .


كان صديقاً حميماً للجنيد ، وكان على مذهب داود الظاهرى
فى الفقه . وكان عالماً كبيراً فى تفسير القرآن وقراءاته ،
مشهوراً بعلو حاله ونزاهة مقامه ، وعرف سائحاً متجرداً من الدنيا ،
وهو – مع شدة الورع – لا مثيل له .

ولما كان فى آخر أيامه أخفى نفسه بين الأغنياء ، ونال ثقة الخليفة ،
فولى القضاء . ولكن روحانيته كانت من الكمال بحيث لم يحجبه
وضعه هذا عن الله تعالى ، قال الجنيد " نحن نعبد الله تعالى مشتغلين
بالدنيا ، ورويم يعبده خالصاً لذاته ". وقد كتب كتباً كثيرة فى السماع
أحدها سماه " غلط الواجدين " يستحق النظر ، وأنى مشغوف به كثيراً .

وقد سئل ذات يوم : كيف حالك ؟. فقال " كيف حال من دينه هواه ،
وهمته الدنيا ، ليس بصالح تقى ، ولا بعارف نقى " يدلك هذا على قمعه
أهواء النفس التى تميل إلى لذة الدنيا وزخرفها ، لأن أهلها يعتقدون
أن كل من وافق هواهم صار صالحاً ولو كان ملحداً ، وكل من خالفها
صار طالحاً ولو كان تقياً ، وقد انتشر هذا المبدأ فى عصرنا هذا
حفظنا الله من صحبة الشريرين . ولا شك أن الشيخ أجاب بهذا القول
بعد أن نظر إلى مرآة السائل ، وكاشفه بما فيه ، أو أن الله سبحانه وتعالى
أوقفه على دسائس نفسه فى ذلك الوقت ، وتكلم بذلك عن نفسه ،
وبما كان عليه فى الحقيقة .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 11, 2005 8:57 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

36 – ومنهم بديع العصر ، رفيع القدر أبو يعقوب
يوسف بن الحسين الرازى
.


هو أحد كبار السلف وأئمة عصره ، عاش طويلاً ، واجتمع بذى النون
المصرى ، وتلقى عنه ، وخدم كثيراً من المشايخ . يروى أنه قال :
" أذل الناس الفقير الطامع ، والمحب لمحبوبه " وذلك كما أن أشرف
الناس الفقير الصادق فإن الطمع يجعل الإنسان حقيراً فى الدارين ،
لأن الطامع مهان فى نظر أهل الدنيا ، ويزداد هوانه كلما وثق فيهم .
فالغنى مع الكرامة أكمل بكثير من الفقير مع الإهانة ، والطمع يوقع
الإنسان فى الطلب والاستجداء ، أما من يعشق محبوبه فهو أحقر
الناس أيضاً ، لأن العاشق الحقيقى يتذلل لحبيبه ، ويضحى نفسه له
وهذا أمر ناتج عن الرغبة ، فعندما كانت زليخا ترغب فى يوسف ،
ازدادت فى كل يوم مهانة وذلاً واحتقاراً ، فلما تركت الرغبة أعطاها
الله تعالى شباباً وجمالاً ، ومن المعلوم أنه كلما دنا المحب بعد المحبوب
بدلاله ، فإذا اكتفى العاشق بالمحبة اقترب المحبوب ، والعاشق يفوز
بالكرامة ، مادام ليس له مراد فى الوصال ، ومالم تحوله محبته عن أى
رغبة فى الوصال أو الفراق كان حبه ضعيفاً .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء ديسمبر 13, 2005 1:42 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435



37 – ومنهم شمس سماء المحبة ، وقدوة أهل المعاملة ،

أبو الحسن سمنون ابن عبد الله الخواص.

كان يجله جميع المشايخ ، وكانوا يلقبونه سمنون المحب .
ولكنه كان يقول عن نفسه : سمنون الكذاب ، وقد لقى اضطهاداً
من غلام خليل ، الذى تعرف بالخليفة ، وتقرب من أهل مجلسه ،
مدعياً التقوى ، لابساً حلة التصوف ، كان هذا المنافق يوشى
بالمشايخ إلى الأمراء ، رجاء أن يسقطوا من عين أهل السلطان ،
وتبقى له الكلمة . وقد كان سمنون والمشايخ محظوظين فى
الحقيقة ، فلم يكونوا يعانون إلا من واحد من هذا الطراز من الناس .
أما فى يومنا هذا فهناك مئات من أمثال غلام خليل يرمقون كل عالم
روحانى ، ولا ضير فماذا يأخذون ؟. الجيف أولى بالنسور .

لما ذاع صيت سمنون ، واشتهر فى بغداد تدخل غلام خليل ،
أحمد بن غالب ، ووشى به إلى الخليفة ، وصادف أن امرأة
أحبت سمنون ، وطلبت منه أن يتزوجها ، فلما وجدت منه صداً
ذهبت إلى الجنيد ، رجاء أن يقنع سمنون بنصحه ، فلما طردها
الجنيد ، ذهبت إلى غلام خليل ، واتهمت سمنون بأنه أراد اغتصابها ،
فأصغى إلى أكاذيبها ، وبلغها الخليفة ، وطلب منه أن يقتله ، فلما أراد
الخليفة أن ينطق بالحكم عليه إلى الجلاد وقف لسانه فى حلقه ،
ولما بات تلك الليلة رأى من ينذره بزوال ملكه إن قتل سمنون ، فلما
أصبح استسمحه ورد عليه كرامته .

ولسمنون أقوال عالية ، وعبارات دقيقة ، فى معنى حقيقة الحب .
وفى سفره إلى الحجاز طلب منه أهل فيد أن يذاكرهم فى هذا الموضوع ،
فلما ارتقى إلى المنبر تركه السامعون ، فالتفت إلى المصابيح ، وقال :
إنما أتكلم لكم فسقطت المصابيح فى الحال وصارت تراباً .

ويروى أنه قال " لا يعبر عن شىء إلا بما هو أرق منه ، ولا شىء أرق
من المحبة فبم يعبر عنها " ومعنى ذلك – والله أعلم – أن المحبة الصادقة
لا يمكن التعبير عنها ، لأن التعبير صفة المعبر ، والمحبة صفة الحبيب ،
ولذلك لا توجد عبارة تناسبها مطلقاً .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء ديسمبر 14, 2005 4:21 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

38 – ومنهم سيد الشيوخ الذى صار التغير عن أيامه منسوخاً
أبو الفوارس شاه بن شجاع الكرمانى .


هو من نسل الأمراء ، اجتمع بأبى تراب النخشبى وكثير من
المشايخ ، وقد ذكرنا عنه نبذة فى ترجمة أبى عثمان الحيرى ،
وله رسائل عديدة فى الصوفية ، أخص منها كتاباً سماه " مرآة
الحكماء ".

يروى أنه قال :" لأهل الفضل فضل ما لم يروه ، فإذا رأوه فلا فضل
لهم . ولأهل الولاية ولاية ما لم يروها ، فإذا رأوها فلا ولاية لهم ".

معنى ذلك أنه من نظر إلى كمال نفسه فقد حقيقة الكمال ، وكل من
ارتكن إلى ولاية سلبت منه الرعاية فالفضل صفة لا ترى . وأيضاً الولاية ،
فإذا قال أحد : أنا فاضل ، وولى ، فلا هو فاضل ولا هو ولى . ويروى أنه
مكث أربعين سنة لا ينام ، فنام مرة ورأى ربه فى الرؤيا ، فقال لله
سبحانه وتعالى :" يا رب أننى كنت أبحث عنك فى قيام الليل ، وقد
وجدتك فى النوم ". فقال له الله سبحانه وتعالى :" يا شاه لقد وجدتنى
بقيام الليالى ، لأنك لو لم تبحث عنى هناك لما وجدتنى هنا ".



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 93 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 6 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط