بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ولله درّ القائل: أملياني حديث من سكن الجز ... ع ولا تكتباه إلا بدمعي فاتني أن أرى الدّيار بطرفي ... فلعلّي أرى الديار بسمعي
أسماء هذه البلدة الشريفة. أثرب الأول: أثرب- كمسجد، بفتح الهمزة وسكون المثلاثة وكسر الراء وباء موحدة- لغة في «يثرب» الآتي، وأحد الأسماء كألملم ويلملم، قيل: سميت بذلك لأنه اسم من سكنها عند تفرّق ذرية نوح عليه السلام في البلاد، وهل هو اسم للناحية التي منها مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم أو للمدينة نفسها، أو لموضع مخصوص من أرضها؟ أقوال، الأول لأبي عبيدة، والثاني عن ابن عباس رضي الله عنهما، ومشى عليه الزمخشري، والثالث هو المعني بقول محمد بن الحسن أحد أصحاب مالك ويعرف بابن زبالة: وكانت يثرب أم قرى المدينة، وهي ما بين طرف قناة إلى طرف الجرف، وما بين المال الذي يقال له البرني إلى زبالة، وقد نقل ذلك الجمال المطري عنه، وزاد في النقل أنه كان بها ثلاثمائة صائغ من اليهود، وابن زبالة إنما ذكر أن ذلك كان بزهوة، وقد غاير بينها وبين يثرب، وكأن الجمال فهم اتحادهما، وقد قال عقب نقله لذلك عنه: وهو يعني يثرب معروفة اليوم بهذا الاسم، وفيها نخيل كثيرة ملك لأهل المدينة وأوقاف للفقراء وغيرهم، وهي غربي مشهد سيدنا حمزة، وشرقي الموضع المعروف بالبركة مصرف عين الأزرق، ينزلها الحاج الشامي في وروده وصدوره، وتسميها الحجاج عيون حمزة، وهي إلى اليوم معروفة بهذا الاسم، أعني يثرب، وربما قالوا فيها «أثارب» بصيغة الجمع، وبه عبر البرهان ابن فرحون في مناسكه، فلك أن تعده اسما آخر، وهذا الموضع يثرب قال المطري: كان به منازل بني حارثة بطن ضخم من الأوس، قال: وفيهم نزل قوله تعالى في يوم الأحزاب: وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا [الأحزاب: 13] ورجح به القول الثالث، وذلك أن قريشا ومن معهم نزلوا يوم الأحزاب ويوم أحد أيضا على ما ذكره المطري برومة وما والاها بالقرب من منازل بني حارثة من الأوس ومنازل بني سلمة من الخزرج، وكان الفريقان مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مركز الحرب، ولذلك خافوا على ذراريهم وديارهم العدو يوم أحد؛ فنزل فيها: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما [آل عمران: 122] قال عقلاؤهم: ما كرهنا نزولها لتولي الله إيانا، ودفع الله عنهم ببركة النبي صلّى الله عليه وسلّم وصدق نياتهم، وقيل: إن القائل لبني حارثة: «يا أهل يثرب لا مقام لكم» هو أوس بن قيظي ومن معه، وقيل: غير ذلك. قلت: ويرجح القول الثالث أيضا قول الحافظ عمر بن شبّة النميري : قال أبو غسان: وكان بالمدينة في الجاهلية سوق بزبالة في الناحية التي تدعى يثرب، انتهى. ولا شك في إطلاق يثرب على المدينة نفسها، كما ثبت في الصحيح، وشواهده أشهر من أن تذكر، وسيأتي في الفصل الرابع عشر من الباب الثاني ما يقتضي أن الله تعالى سماها قبل أن تعمر وتسكن، فإما أن يكون موضوعا لها، أو هو من باب إطلاق اسم البعض على الكل، أو من باب عكسه على الخلاف المتقدم. وروى ابن زبالة وابن شبة نهيه صلّى الله عليه وسلّم عن تسمية المدينة يثرب، وفي تاريخ البخاري حديث: من قال يثرب مرة فليقل المدينة عشر مرات» ، وروى أحمد وأبو يعلى حديثا: «من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله، وهي طابة» ورجاله ثقات، وفي رواية «فليستغفر الله ثلاثا» ولهذا قال عيسى بن دينار: من سمى المدينة يثرب كتبت عليه خطيئة، وكره بعض العلماء تسميتها بذلك، وما وقع في القرآن من تسميتها به إنما هو حكاية عن قول المنافقين، ووجه كراهة ذلك إما لأنه مأخوذ من الثّرب- بالتحريك- وهو الفساد، أو لكراهة التثريب وهو المؤاخذة بالذنب، أو لتسميتها باسم كافر، وقد ينازع في الكراهة بما في حديث الهجرة في الصحيحين من قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فذهب وهلي إلى اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب» وحديث مسلم: «إنه وجهت إلى أرض ذات نخل لا أراها إلا يثرب» وكذا جاء في غيرهما من الأحاديث، وقد يجاب بأن ذلك كان قبل النبي.
أرض الله الثاني: «أرض الله» قال الله تعالى: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها [النساء: ] ذكر مقاتل والثعلبي وغيرهما أن المراد به المدينة، وفي هذه الإضافة من مزيد التعظيم ما لا يخفى.
الهجرة الثالث: «أرض الهجرة» كما في حديث «المدينة قبّة الإسلام» .
أكالة البلدان الرابع: «أكالة البلدان» لتسلطها على جميع الأمصار، وارتفاعها على سائر بلدان الأقطار، وافتتاحها منها على أيدي أهلها فغنموها وأكلوها.
أكالة القرى الخامس: «أكالة القرى» لحديث الصحيحين «أمرت بقرية تأكل القرى» وقد استدل به مثبتو الاسم قبله، وهو أصرح في هذا؛ للفرق بين البلدة والقرية.
الإيمان السادس: «الإيمان» قال الله تعالى مثنيا على الأنصار وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ [الحشر: 9] وأسند ابن زبالة عن عثمان بن عبد الرحمن وعبد الله بن جعفر قالا: سمّى الله المدينة الدار والإيمان، وأسند ابن شبة عن الثاني فقط. وقال البيضاوي في تفسيره، قيل سمى الله المدينة بالإيمان لأنها مظهره ومصيره. وروى أحمد الدينوري في كتابه المجالسة في قصة طويلة عن أنس بن مالك «أن ملك الإيمان قال: أنا أسكن المدينة، فقال ملك الحياء: وأنا معك» فأجمعت الأمة على أن الإيمان والحياء ببلد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسيأتي في حديث «الإيمان يأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها».
البارة والبرة السابع: «البارة» ، الثامن «البرة» هما من قولك: امرأة بارة وبرة، أي: كثيرة البر، سميت بذلك لكثرة برها إلى أهلها خصوصا وإلى جميع العالم عموما؛ إذ هي منبع الأسرار وإشراق الأنوار، وبها العيشة الهنية، والبركات النبوية.
البحرة والبحيرة التاسع: «البحرة» بفتح أوله وسكون المهملة. العاشر: «البحيرة» تصغير ما قبله. الحادي عشر: «البحيرة» بفتح أوله- نقلت ثلاثتها عن منتخب كراع، والأولان عن معظم ياقوت، والاستبحار: السعة، ويقال: هذه بحرتنا، أي: أرضنا أو بلدتنا، سميت بذلك لكونها في متسع من الأرض، وفي الصحيح قول سعد في قصة ابن أبيّ «1» «ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه» رواه ابن شبة بلفظ «أهل هذه البحيرة» وقال عياض في المشارق: البحرة مدينة النبي صلّى الله عليه وسلّم ويروى البحرة، والبحيرة: بضم الباء مصغرا وبفتحها على غير التصغير، وهي الرواية هنا، ويقال «البحر» أيضا بغير تاء ساكن الحاء، وأصله القرآن وكل قرية بحرة. انتهى. الثاني عشر: «البلاط» بالفتح- نقل عن كتاب ليس لابن خالويه، وهو لغة الحجارة التي تفرش على الأرض، والأرض المفروش بها والمستوية الملساء، فكأنها سميت به لكثرته فيها، أو لاشتمالها على مواضع تعرف به كما سيأتي في الباب الرابع إن شاء الله تعالى.
[color=]البلد[/color] الثالث عشر: «البلد» قال تعالى: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ [البلد: 1] قال الواسطي فيما نقله عن عياض: أي: يحلف لك بهذا البلد الذي شرفته بمكانك فيه حيا وببركتك ميتا، يعني المدينة، وقيل: المراد مكة، ونقل عن ابن عباس، وبه استدل من ذكره في أسمائها، ورجّحه عياض لكون السورة مكية، والبلد لغة صدر القرى.
بيت الرسول الرابع عشر: «بيت الرسول» صلّى الله عليه وسلّم قال تعالى: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ [الأنفال: 5] ، قال المفسرون: أي: من المدينة لأنها مهاجره ومسكنه فهي في اختصاصها به كاختصاص البيت بساكنه، أو المراد بيته بها.
ندد وتندر الخامس عشر: «تندد» بالمثناة الفوقية والنون وإهمال الدالين. السادس عشر: «تندر» براء بدل الدال الأخيرة مما قبله، وسيأتي دليلهما في يندد ويندر بالمثناة التحتية، وأن المجد صوّب حذف ما عدا يندر بالتحتية.
الجابرة السابع عشر: «الجابرة» لعده في حديث «للمدينة عشرة أسماء» سميت به لأنها تجبر الكسير، وتغني الفقير، وتجبر «1» على الإذعان لمطالعة بركاتها، وشهود آياتها: وجبرت البلاد على الإسلام.
جبار الثامن عشر: «جبار» كحذام، رواه ابن شبة بدل الجابرة في الحديث المذكور.
الجبارة التاسع عشر: «الجبارة» نقله صاحب كتاب أخبار النواحي مع الجابرة والمجبورة عن التوراة.
جزيرة العرب العشرون: «جزيرة العرب» قال ابن زبالة: كان ابن شهاب يقول: جزيرة العرب المدينة، وسيأتي في حديث ابن عباس: «خرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من المدينة، فالتفت إليها وقال: إن الله برّأ هذه الجزيرة من الشرك» ونقل الهروي عن مالك أن المراد من حديث «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» المدينة خاصة، والصحيح عن مالك كقولنا أن المراد الحجاز.
الجنة الحصينة الحادي والعشرون: «الجنة الحصينة» بضم الجيم، وهي الوقاية؛ لما حكاه بعضهم من قوله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة أحد «أنا في جنة حصينة- يعني المدينة- دعوهم يدخلون نقاتلهم» وروى أحمد برجال الصحيح حديث: «رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت بقرا تنحر، فأولت الدرع الحصينة المدينة» وهذا هو المذكور في كتب السير.
الحبيبة الثاني والعشرون: «الحبيبة» لحبه لها صلّى الله عليه وسلّم وقال: «اللهم حبّب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد» وسيأتي مزيد بيان لذلك في اسمها المحبوبة.
[color=]الحرم[/color] الثالث والعشرون: «الحرم» بالفتح بمعنى الحرام؛ لتحريمها، وفي حديث مسلم «المدينة حرم» وفي رواية «إنها حرم آمن» .
حرم رسول الله الرابع والعشرون: «حرم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» لأنه الذي حرمها، وفي الحديث: «من أخاف أهل حرمي أخافه الله» ، وروى ابن زبالة حديث: «حرم إبراهيم مكة وحرمي المدينة» .
[color=]حسنة[/color] الخامس والعشرون: «حسنة» بلفظ مقابل السيئة، قال تعالى: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً [النحل: 41] قال المفسرون: مباءة حسنة» ، وهي المدينة، وقيل: حسنة اسم المدينة، وقد اشتملت على الحسن الحسي والمعنوي.
الخيرة السادس والعشرون: «الخيّرة» بتشديد المثناة التحتية كالنيرة. السابع والعشرون: «الخيرة» كالذي قبله إلا أن الياء مخففة، تقول: رجل خيّر وخير، وامرأة خيّرة وخيرة، بالتشديد والتخفيف، بمعنى، وهو الكثير الخير، وإذا أردت التفضيل قلت: فلان خير الناس، وفي الحديث: «والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» وسيأتي حديث «المدينة خير من مكة» .
الدار الثامن والعشرون: «الدار» لقوله تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ [الحشر: 9] على ما سبق في الإيمان، سميت به لأمنها والاستقرار بها وجمعها البناء والعرصة.
[color=]دار الأبرار[/color] التاسع والعشرون: «دار الأبرار» . الثلاثون «دار الأخيار» لأنها دار المصطفى المختار، والمهاجرين والأنصار، ولأنها تنفي شرارها ومن أقام بها منهم فليست في الحقيقة له بدار، وربما نقل منها بعد الدفن على ما جاء في بعض الأخبار.
دار الإيمان الحادي والثلاثون: «دار الإيمان» كما في حديث «المدينة قبة الإسلام ودار الإيمان» إذ منها ظهوره وانتشاره، وسيأتي في حديث «الإيمان يأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها» .
يتبع إن شاء الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى صلّى الله عليه وسلّم
_________________ يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم
واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم
بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم
|