موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 3 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: حقيقة الرجاء
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 19, 2013 2:28 am 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:22 pm
مشاركات: 3186


أعلم أن الرجاء من جملة مقامات السالكين وأحوال الطالبين وإنما يسمى الوصف مقاما إذا ثبت وأقام وإنما يسمى حالا إذا كان عارضا سريع الزوال وكما أن الصفرة تنقسم إلى ثابتة كصفرة الذهب وإلى سريعةالزوال كصفرة الوجل وإلى ما هو بينهما كصفرة المريض فكذلك صفات القلب تنقسم هذه الأقسام فالذى هو غير ثابت يسمى حالا لأنه يحول على القرب وهذا جار في كل وصف من أوصاف القلب وغرضنا الآن حقيقة الرجاء فالرجاء أيضا يتم من حال وعلم وعمل فالعلم سبب يثمر الحال والحال يقتضى العمل وكان الرجاء اسما من جملة الثلاثة وبيانه أن كل ما يلاقيك من مكروه ومحبوب فينقسم إلى موجود في الحال وإلى موجود فيما مضى وإلى منتظر في الاستقبال فإذا خطر ببالك موجود فيما مضى سمى ذكرا وتذكرا وإن كان من خطر بقلبك موجودا في الحال سمى وجدا وذوقا وإدراكا وإنما سمى وجدا لأنها حالة تجدها من نفسك وإن كان قد خطر ببالك وجود شىء في الاستقبال وغلب ذلك على قلبك سمى انتظار وتوقعا فإن كان المنظر مكروها حصل منه ألم في القلب سمى خوفا وإشفاقا وإن كان محبوبا حصل من انتظاره وتعلق القلب به وإخطار وجوده بالبال لذة في القلب وارتياح سمى ذلك الارتياح رجاء فالرجاء هو ارتياح القلب لانتظار ما هو محبوب عنده ولكن ذلك المحبوب المتوقع لا بد وأن يكون له سبب فإن كان انتظاره لأجل حصول أكثر أسبابه الرجاء عليه صادق وإن كان ذلك انظارا مع انخرام أسبابه واضطرابها فاسم الغرور والحمق عليه أصدق من اسم الرجاء وإن لم تكن الأسباب معلومة الوجود ولا معلومة الانتقاء فاسم التمنى أصدق على انتظاره لأنه انتظار من غير سبب وعلى كل حال فلا يطلق اسم الرجاء والخوف إلا على ما يتردد فيه أما ما يقطع به فلا إذا لا يقال أرجو طلوع الشمس وقت الطلوع وأخاف غروبها وقت الغروب لأن ذلك مقطوع به نعم يقال أرجو نزول المطر وأخاف انقطاعه وقد علم أرباب القلوب أن الدنيا مزرعة الآخرة والقلب كالأرض والإيمان كالبدر فيه والطاعات جارية مجرى تقليب الأرض وتطهيرها ومجرى حفر الأنهار وسياقه الماء إليها والقلب المستهتر في الدنيا المستغرق بها كالأرض السبخة التى لا ينمو فيها البذر ويوم القيامة يوم الحصاد ولا يحصد أحد إلا ما زرع ولا ينمو زرع إلا من بذر السبخة التى لا ينمو إيمان مع خبث القلب وسوء أخلافه كما لا ينمو بذر في أرض سبخة فينبغى أن يقاس رجاء العبد المغفرة برجاء صاحب الزرع فكل من طلب أرضا طيبة وألقى فيها بذرا جيدا غير عفن ولا مسوس ثم أمده بما يحتاج إليه وهو سوق الماء إليه في أوقاته ثم نقى الشوك عن الأرض والحشيش وكل ما يمنع نبات البذر او يفسده ثم جلس منتظرا من فضل الله تعالى دفع الصواعق والآفات المفسدة إلى أن يتم الزرع ويبلغ غايته سمى انتظاره رجاء وإن بث البذر في أرض صلبة سبخة مرتفعة لا ينصب إليها الماء ولم يشتغل بتعهد البذر اصلا ثم انتظر الحصاد منه سمى انتظاره حمقا وغرورا لا رجاء وإن بث البذر في أرض طيبة ولكن لا ماء لها وأخذ ينتظر مياه الأمطار حيث لا تغلب الأمطار ولا تمتنع أيضا سمى انتظاره تمنيا لا رجاء فإذن اسم الرجاء إنما يصدق على انتظاره محبوب تمهدت جميع أسبابه الداخلة تحت اختيار العبد ولم يبق إلا ما ليس يدخل تحت اختياره وهو فضل الله تعالى بصرف القواطع والمفسدات فالعبد إذا بث بذر الإيمان وسقاه بماء الطاعات وطهر القلب عن شوك الأخلاق الردئية وانتظر من فضل الله تعالى تثبيته على ذلك إلى الموت وحسن الخاتمة المفضية إلى المغفرة وكان انتظاره رجاء حقيقا محمودا في نفسه باعثا له على المواظبة القيام بمقتضى أسباب الإيمان في إنمام أسباب المغفرة إلى الموت وإن قطع عن بذر الإيمان تعهده بماء الطاعات وترك القلب مشحونا برذائل الأخلاق وانهمك في طلب لذات الدنيا ثم انتظر المغفرة فانتظاره حمق وغرور قال صلى الله عليه وآله وسلم الأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الجنة وقال تعالى فخلف من بعدهم أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا وقال تعالى فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وذم الله تعالى صاحب البستان إذا دخل جنته وقال ما أظن تبيده هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربدى لأجدن خيرا منها منقلبا فإذا العبد المجتهد في الطاعات المجتنب للمعاصى حقيق بإن ينتظر من فضل الله تمام النعمة وما تمام النعمة إلا بدخول الجنة وأما العاصى فإذا تاب وتدارك جميع ما فرط منه من تقصير فحقيق بأن يرجو قبول التوبة وأما قبل التوبة إذا كان كارها للمعصية تسوءه السيئة وتسره الحسنة وهو يذم نفسه ويلومها ويشتهى التوبة ويشتاق إليها فحقيق بأن يرجو منا لله التوفيق للتوبة لأن كراهيتة للمعصية وحؤصه على التوبة يجرى مجرى السبب الذى قد يفضى إلى التوبة وإما الرجاء بعد تأكد الأسباب ولذلك قال تعالى إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله معناه أولئك يستحون أن يرجوا رحمة الله وما أراد به تخصيص وجود الرجاء لأن غيرهم أيضا قد يرجو ولكن خصص بهم استحقاق الرجاء فأما من ينهمك فيما يكرهه الله تعالى ولا يذم نفسه عليه ولا يعزم على التوبة والرجوع فرجاؤه المغفرة حمق كرجاء من بث البذر في أرض سبخة وعزم على أن لا يتعهده بسقى ولا تنقية قال يحيى بن معاذ من أعظم الإغترار عندي التمادي في الذنوب مع رجاء العفو من غير ندامة وتوقع القرب من الله تعالى بغير طاعة وانتظار زرع الجنة ببذر النار وطلب دار المطيعين بالمعاصي وانتظار الجزاء بغير عمل والتمني على الله عز وجل مع الإفراط ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس فإذا عرفت حقيقة الرجاء ومظنته فقد علمت أنها حالة أثمرها العلم بجريان أكثر الأسباب وهذه الحالة تثمر الجهد للقيام ببقية الأسباب على حسب الإمكان فإن من حسن بذره وطابت أرضه وغزر ماؤه صدق رجاؤه فلا يزال يحمله صدق الرجاء على تفقد الأرض وتعهدها وتنحية كل حشيش ينبت فيها فلا يفتر عن تعهدها أصلا إلى وقت الحصاد وهذا لأن الرجاء يضاده اليأس واليأس يمنع من التعهد فمن عرف أن الأرض سبخة وأن الماء معوز وأن البذر لا ينبت فيترك لا محالة تفقد الأرض والتعب في تعهدها والرجاء محمود لأنه باعث واليأس مذموم وهو ضده لأنه صارف عن العمل والخوف ليس بضد للرجاء بل هو رفيق له كما سيأتي بيانه بل هو باعث آخر بطريق الرهبة كما أن الرجاء باعث بطريق الرغبة فإذن حال الرجاء يورث طول المجاهدة بالأعمال والمواظبة على الطاعات كيفما تقلبت الأحوال ومن آثاره التلذذ بدوام الإقبال على الله تعالى والتنعم بمناجاته والتلطف في التملق له فإن هذه الأحوال لابد وأن تظهر على كل من يرجو ملكا من الملوك أو شخصا من الأشخاص فكيف لا يظهر ذلك في حق الله تعالى فإن كان لا يظهر فليستدل به على الحرمان عن مقام الرجاء والنزول في حضيض الغرور والتمنى فهذا هو البيان لحال الرجاء ولما أثمره من العلم ولما استثمر منه من العمل ويدل على إثماره لهذه الأعمال حديث زيد الخيل إذ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم جئت لأسألك عن علامة الله فيمن لا يريد وعلامته فيمن لا يريد فقال كيف أصبحت قال أصحبت أحب الخير وأهله وإذا قدرت على شىء منه سارعت إليه وأيقنت بثوابه وإذا فاتني منه شيىء حزنت عليه وحننت إليه فقال هذه علامة الله فيمن يريد ولو أرادك للأخرى هيأك لها ثم لا يبالى في أي أوديتها هلكت فقد ذكر صلى الله عليه وسلم علامة من أريد به الخير فمن ارتجى أن يكون مرادا بالخير من غير هذه العلامات فهو مغرور حديث قال زيد الخيل جئت لأسألك عن علامة الله فيمن يريد وعلامته فيمن لا يريد الحديث أخرجه الطبراني في الكبير من حديث ابن مسعود بسند ضعيف وفيه أنه قال أنت زيد الخير وكذا قال ابن أبي حاتم سماه النبي صلى الله عليه وسلم زيد الخير يروى عنه حديث وذكره في حديث يروى فقال زيد الخير فقال يا رسول الله الحديث سمعت أبي يقول ذلك.

==========================
إحياء علوم الدين لحجة الإسلام الإمام الغزالي


_________________
يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم

بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: حقيقة الرجاء
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 19, 2013 10:34 am 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 8032
جزاك الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: حقيقة الرجاء
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين ديسمبر 23, 2013 8:14 am 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:22 pm
مشاركات: 3186
وجزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل / فراج يعقوب

ويسعدني دائما مروركم الطيب

_________________
يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم

بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 3 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 23 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط