[2] المجلد (35) صـ (68)
الكاتب : عبد الظاهر أبو السمح
المنار و الإصلاح
بقلم فضيلة الأستاذ الشيخ عبد الظاهر أبو السمح إمام الحرم المكي .
كانت مجلة المنار مجلة إصلاح إسلامي لا يجاريها في مضمارها مُجَارٍ ، ولا يسبقها في حلبتها سابق ، كانت تُعْنَى بتفسير القرآن الكريم وشرحه من السنة المحمدية على طريقة الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده - رحمه بالله ؛ فبعد أن تُقَرِّر المعنى تفضِي بما في الآيات من العبر ، مقارنةً بين ما كان عليه المسلمون الأولون وتمسكهم بالقرآن وعملهم به ، وما عليه مسلمو هذا الزمان ، مهيبةً بهم ، منذرةً لهم ، مبينةً ما يحدثه المبتدعون في الدين من البدع ، مجليةً شُبه الضلال والملحدين من الأمة بالأدلة الواضحة والحجج الساطعة .
وكان صاحبها أستاذنا العلاّمة السيد رشيد - رحمه الله - لا يخشى في الحق لومة لائم ولا سطوة حاكم ، ولا يجامل صديقًا ، ولا يصانع عدوًّا ، ولا يرعى غنيًّا لغناه ، ولا فقيرًا لفقره ، وكانت خاتمته الحسنى ما علمه الخاص والعام مما انتهى إليه تفسيره {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}(يوسف : 101).
يا لها من خاتمة حسنى ! وموقف جميل ! لم يكن إلا بتوفيق من الله لعبد رضي الله عنه وتولاه ، وأدخله في عباده الصالحين وأوليائه ، ولما توفي السيد - رحمه الله – قلت وقال الناس معي :
شعلة أطفئت وشمس توارت ... وكأن الحياة لمع سراب
ووقف المنار , وتوارى عن الظهور وخلا الكرسي , ولم نجد من يملؤه بعده , ولا من يسد مسده ذبًّا عن الإسلام , ودرءًا لشبهات , وبيانًا لحقيقة الإسلام , حتى مضت ثلاث سنين أو أكثر ونحن ندعو الله أن يهب الإسلام مرشدًا رشيدًا يضيء النهج وليل الجهالات قاتم , وكأن الله سمع دعاءنا , فقيض لمجلة المنار من يبعثها بعثًا جديدًا ، مصقعًا إذا خطب ، مدرهًا إذا كتب ، ذكي الفؤاد , قادرًا على حمل الأعباء ، عالمًا ألمعيًّا وشجاعًا عبقريًّا , ذلك هو الأستاذ المرشد الجليل الشيخ حسن البنا المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين - حفظه الله .
فنهنئه بهذا التوفيق ، ونهنئ مجلة المنار وقراءها بتولي حضرته رياسة تحريرها , ونسأل الله له التوفيق والسداد والعون على القيام بها .
وقد انتدبني حضرته للكتابة فيها بحسن ظنه ، وما كنت لأخالفه ، لولا أشغال كثيرة وأعمال متواصلة تستنفذ الوقت كله ؛ ولكن لا بد من تلبية الطلب كلما وجدت إلى ذلك سبيلاً بحول الله وقوته - وإن كنت مزجى البضاعة عاجز اليراعة ، والله المستعان ، وعليه التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وسيكون موضوع كتابتي - إن شاء الله - الكتاب والسنة ، والدعوة إلى الله ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والإصلاح ما استطعت ، وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب .