مريم وعيسى بن مريم عليهم السلام
قال ابن إسحاق: هو عمران بن باسهم بن أمون بن منسى بن حزقيا بن أحزيق بن يوثام بن عزاريا بن أنصيا بن ناوش بن يارم بن يهفاشاط بن أنبا بن لبنا بن رحبعم بن سليمان بن داود. وكان زكريا وعمران متزوجين بأختين، فامرأة زكريا أسباع، وقيل بليشفع بنت فاقود وهي أم يحيى. وامرأة عمران حنة بنت فاقود وهي أم مريم بنة عمران. قالوا: وكان زكريا نجارا قبل أن يبعث نبيا، وكان كثير العبادة، وكان بيت المقدس قد خلا من الأنبياء، فبينا زكريا في محراب جده داود - ع - وقد انفتل عن صلاه إذ هبط عليه جبريل بوحي الله تعالى ونبوته، وأعلمه أن الله تعالى بعثه رسولا إلى بني إسرائيل. فخر زكريا ساجدا لله تعالى على ذلك، وخرج إلى بني إسرائيل ودعاهم، فكذبه بعضهم وصدقه آخرون. فأقام زكريا في بني إسرائيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر وعمران يعبد الله. وكان زكريا وعمران لم يرزقا الولد. فبينا حنة ذات يوم جالسة إلى جانب عمران إذ رأت حمامة تزق فرخا لها، فبكت شوقا منها إلى الولد، وذكرت ذلك لزوجها عمران فقال: قومي ندعوا الله ربنا في ذلك، فقاما جميعا وصليا ودعوا الله تعالى أن يرزقهما ولدا، فرأى عمران في منامه إن الله قد استجاب دعاءك. فقام إلى زوجته فواقعها فحملت منه، وقالت ما أخبر الله تعالى عنها. قال الله تعالى: " إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم " . قال: وكان الناس في ذلك الزمان يتقربون إلى الله عز وجل بتحرير أولادهم، وكانوا يخدمون بيت المقدس في صغرهم إذا بلغوا، فمن أحب أن يقيم على الخدمة أقام، ومن اختار الانصراف انصراف. ميلاد مريم
قال الكسائي: ولما حررتها أمها لله تعالى قال لها زوجها: إنك حررت ما في بطنك، فإن كان أنثى كيف يكون محررا؟ فاغتمت لذلك حتى وضعت مريم. قال الله تعالى: " فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " ثم قالت: رب أن كنت نذرت لك ما في بطني محررا فتقبلها مني. قال الله تعالى: " فتقبلها ربها منها وأنبتها نباتا حسنا " . قال: ثم حملتها حتى دخلت بيت المقدس وزكريا هناك في نفر من عباد بني إسرائيل، فقال لها: ما هذه يا حنة؟ قالت: هذه ابنتي مريم، قد جعلتها محررة وقد قبلها الله مني فاقبلوها ولا تردوها، فأقبل بنو إسرائيل على زكريا وقالوا: ما تقول في هذه؟ قال: لا بد لها من مكفل إلى أن تبلغ مبلغ الخدمة ثم تكون خادمة في المسجد. قالوا: أينا يكفلها؟ قال زكريا: أنا أولى بها لأني زوج خالتها، ولكنا نقترع، فأخذوا أقلامهم وصاروا إلى عين سلوان وقالوا: نرمي بأقلامنا فيها فأينا وقف قلمه فهو الذي يكفلها؛ فألقوا فرسيت أقلامهم جميعا إلا قلم زكريا فإنه طفا وغالب الجرية، فأخذها واسترضع لها بعض نساء بني إسرائيل. ثم مات عمران والد مريم. قال: وبنى لها زكريا بيتا لا يصعد إليه إلا بسلم، وكان لا يصعد إليها إلا زكريا يحمل إليها الطعام، وابن خال لها يقال له يوسف بن يعقوب النجار، وكان من العباد المحررين، وكان زكريا إذا صعد إليها وجد عندها في الصيف فواكه الشتاء، وفي الشتاء فواكه الصيف، فيعجب من ذلك. قال الله تعالى: " وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب " . دعاء زكريا أن يرزقه الله عز وجل الولد مولد يحيى بن زكريا قال الكسائي: فلما نظر ذكريا إلى ما رزق الله عز وجل من الفاكهة في غير وقتها قال: إن الذي رزق هذه الفواكه لقادر على أن يرزق من العجوز العقيم والشيخ الكبير الولد. قال الله تعالى: " هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء " . قال: ولما أراد زكريا أن يدعو استحيا من الله تعالى، فجلس سبعة أيام ثم قام إلى المحراب ووافق ذلك يوم عاشوراء، فكلمه المحراب بإذن الله تعالى وقال: يا زكريا، أوجدت ربك بخيلا! يا زكريا إن ربك أبدا رحيم. فعند ذلك عزم على الدعاء واجتهد في العبادة، ثم رفع يديه " ونادى ربه نداء خفيا " معناه أخفاه عن قومه " قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا " يعني غلب بياضه على سواده " ولم أكن بدعائك رب شقيا " معناه لم تخيبني في الدعاء " وإني خفت الموالي من ورائي " يعني الذرية من بعدي أن تصير الحبورية في غير أولاد الأنبياء " فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب " يعني مكاني وحبوريتي والتابوت الذي فيه وأقلام المحررين ومفاتيح القربان، ثم قال: " واجعله رب رضيا " في بني إسرائيل. فاستجاب الله تعالى دعاءه وأمر جبريل أن ينزل عليه بالبشرى فأتاه وأتته الملائكة وأحدقوا بالمحراب. قال الله تعالى: " فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى " الآية. وقال تعالى: " يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا، قال رب إنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا، قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا " . " قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تلكم الناس ثلاث أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار " . قال الكلبي: كان زكريا يوم بشر بالولد ابن اثنتين وتسعين سنة. وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان ابن مائة وعشرين سنة. وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين. قالوا: ولما جامع زكريا امرأته اغتسل وعاد إلى محرابه، فجاءته نساء بني إسرائيل وقالوا له: نرى أمرك أعجب من امرأتك، فذهب زكريا ليتكلم فلم يقدر على الكلام، فعلم أن امرأته قد حملت فكتب لهم في الأرض، إني لا أقدر على الكلام ثلاث أيام.
قال الثعلبي رحمه الله. فإن قيل: لم أنكر زكريا ذلك وسأل الآية بعد ما بشرته الملائكة؟ أكان ذلك شكا في وحيه؟، أم إنكارا لقدرته، وهذا لا يجوز أن يوصف به أهل الإيمان فكيف الأنبياء؟! فالجواب عنه ما قال عكرمة والسدي: إن زكريا لما سمع نداء الملائكة جاءه الشيطان فقال: يا زكريا إن الصوت الذي سمعت ليس من الله إنما هو من الشيطان سخر بك، ولو كان من الله لأوحاه إليك خفيا كما ناديته خفيا وكما يوحى إليك في سائر الأمور؛ فقال ذلك دفعا للوسوسة. قال: وفيه جواب آخر، وهو أنه لم يشك في الولد وإنما شك في كيفيته والوجه الذي يكون منه الولد فقال: " أنى يكون لي " أي كيف يكون لي ولد؟ أتجعلني وامرأتي شابين أو ترزقنا على كبرنا، أو ترزقني من امرأة عاقر، أم من غيرها من النساء؟ فقال ذلك مستخبرا لا مستنكرا. وهذا قول الحسن. " قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس " تكف عن الكلام ثلاثة أيام وتقبل بكليتك على عبادتي وطاعتي؛ لأنه ما حبس لسانه عن الكلام ولكنه نهى عنه؛ ويدل عليه قوله: " واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار " . هذا قول قوم من أهل المعاني. وقال آخرون: عقل لسانه عقوبة له لسؤاله الآية بعد مشافهة الملائكة إياه، فلم يقدر على الكلام ثلاثة أيام، لأنهم كانوا إذا صاموا لم يتكلموا إلا رمزا. قال: وفي بعض الأخبار أنه لما ولد يحيى رفع إلى السماء فغدى بأنهار الجنة حتى فطم ثم أنزل إلى أبيه، فكان يضيء البيت لنوره.
يتبع
_________________
مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم
|