نعم سيد الشريف هو عك وضرب تحت الحزام
والمقال التالى مثال آخر للعك والصرب تحت الحزام
==============================
بدايات تبلور معارضة للسيسي؟
ربما على استحياء وبتمهل تتبلور في مصر بدايات معارضة من نوع خاص، فهي ليست من «الإخوان المسلمين» أو حلفائهم وإنما من القوى المدنية ومن داخل معسكر 30 حزيران (يونيو) الذي انقسم على نفسه. لذلك، فهذه المعارضة تنفي رغبتها في الحكم ولا تعترض على شخص وأداء الرئيس عبدالفتاح السيسي، وقد عبرت عن نفسها من خلال تجمعين، الأول عنوانه «البديل الوطني المدني» ويقوده حمدين صباحي ويدعو إلى تقديم بدائل وسياسات للحكم، لأن ما يهمه ليس من يحكم وإنما كيف يحكم، ما يفيد عدم الاتفاق على السياسات المتبعة. أما التجمع الثاني، فيقوده عمرو موسى حيث دشَّن «مؤسسة حماية الدستور» التي تدعو إلى تفعيل الدستور ورصد التشريعات والممارسات التي تخالفه، في إشارة ضمنية إلى أن الدستور معطل.
وعلى رغم اللغة المعتدلة والعبارات المراوغة للمبادرتين والسقف السياسي المتواضع لهما، إلا أنهما نوع من المعارضة للرئيس، لذلك تعرضتا لانتقادات واسعة من بعض الأقلام الموالية، والتي تعتقد أن أي نوع من المعارضة يصب في مصلحة «الإخوان» ويهدد الاستقرار، ويعتبر نوعاً من المؤامرة على مصر، أو على الأقل يصب في مصلحة المؤامرة الخارجية. المعنى أننا بصدد معارضة منقسمة على نفسها لأنه لا يوجد بين المبادرتين أي نوع من التنسيق، وإنما اختلاف واضح في أفق وطموح كل منهما، بغض النظر عن تواضع مطالبهما.
وتواجه المبادرتان صعوبات، لذلك من الصعب الحكم على قدرتهما على الاستمرار والتأثير في الساحة السياسية التي تعاني أصلاً من سكون غريب نتيجة تفاعلات ذاتية، إضافة إلى تقييد المجال العام. لذلك أتصور أن وجود هذه المعارضة في حد ذاتها ظاهرة إيجابية تصب في مصلحة مصر والرئيس السيسي الذي يقترب من إنهاء العام الثاني من فترة رئاسته الأولى، وأصبح في حاجة ماسة لأن يكون رئيساً طبيعياً وليس بطلاً أسطورياً كما تمناه الشعب وصوَّره الإعلام. لقد صنع الخيال الإعلاموي من السيسي بطلاً أطاح «الإخوان»، وبالتالي يستطيع أن يحل مشكلات مصر المتراكمة بسرعة ويحقق ثورة تطلعات المصريين. وقناعتي أن السيسي نفسه لم يكن راغباً في ذلك وكان حريصاً على استخدام لغة بسيطة، تخلو من الوعود، وتعترف بثقل مشكلات مصر وضرورة أن يعمل المصريون جميعاً - وليس شخصه فقط أو حكومته - على مواجهتها، لأنهم قادرون على الانتصار على كل المشكلات والتحديات الداخلية والخارجية.
توقيت ظهور المبادرتين ونوعية النقاش العام حولهما لا يخلو من دلالات وملاحظات، أهمها أولاً: الطابع غير الحزبي للمبادرتين اللتين يمكن اعتبارهما شكلين جديدين للمعارضة، فهما مفتوحتان لانضمام أي مواطن بغض النظر عن انتمائه الحزبي أو أفكاره السياسية. والمفارقة هنا أن كثيراً من المنضمين إليهما يقودون أحزاباً، ما يؤكد ضعف وهشاشة عشرات الأحزاب السياسية، والتي اقتصر وجودها على الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وبدت بعدها غائبة عن الفعل السياسي والقدرة على التأثير في الشارع. من هنا، فإن المبادرتين تشيران إلى رهان معظم النخبة السياسية على الأشكال الجبهوية المفتوحة التي تتسم بمرونة الفكر والتنظيم، وبالتالي القدرة على الحشد والتجمع خلف مطالب متفق عليها، مثل تفعيل مواد الدستور التي بدت شبه مجمدة حيث لم تصدر القوانين التي تُفَعّل نصوص الدستور، ربما بسبب تأخر إجراء الانتخابات البرلمانية وبطء تحرك البرلمان وانشغاله بأمور إجرائية ومعارك جانبية.
ثانياً: ارتباط توقيت المبادرتين بشيوع مناخ عام من الإحباط وعدم الثقة في المستقبل، فالدولة غير قادرة على إصلاح وتحديث أجهزتها، أو التنسيق في ما بينها لجذب الاستثمار واستعادة السياحة. كما أن هناك تعثراً فادحاً في تحقيق التوازن بين متطلبات الأمن ومحاربة الإرهاب وبين احترام حقوق الإنسان ومتطلبات التحول الديموقراطي. في هذا السياق، بدأت محاكمة جمعيات حقوق الإنسان بتهم تلقي تمويل أجنبي للإساءة إلى سجل مصر في هذا المجال. وساد اتجاه عام معاد للسياسة باعتبارها تفرق ولا تجمع، وأن مصر في معركة ضد الإرهاب وضد أطراف دولية تتآمر عليها، ما يستدعي توحيد الصف وتوحيد الخطاب الإعلامي. وبالطبع تُستعمل آلية المؤامرة على نطاق واسع لتبرير سوء الأداء العام وتحميل الآخر المتآمر المسؤولية عن كل مظاهر التعثر والفشل.
ثالثاً: استفادت المبادرتان من زيادة الانتقادات لأداء الحكومة والبرلمان والعجز عن مواجهة المشكلات الاقتصادية، علاوة على تبدد قدر من الأمل لدى غالبية المصريين في تحسن الأحوال بعد إنجاز مشروعات عملاقة. لكن مردود تلك المشروعات لم يشعر به المواطنون، لأسباب كثيرة تتعلق بخسارة مصر معظم دخلها من السياحة بعد سقوط الطائرة الروسية، وانخفاض أسعار النفط وتراجع معدلات التجارة العالمية، وزيادة ديون مصر الخارجية والداخلية والفجوة الهائلة بين الصادرات والواردات، ما أدى إلى خفض متوالٍ في قيمة الجنيه والذي خسر الأسبوع الماضي 14 في المئة من قيمته. القصد أن هناك عوامل موضوعية تبرر ظهور معارضة ليس من منظور استغلال الأزمة الاقتصادية وإنما لتحسن الأداء ومراجعة السياسات المتبعة والتي لم تؤدّ فعلياً لإحداث تحولات في مجمل الأوضاع الاقتصادية والسياسية.
رابعاً: في ضوء الملاحظة السابقة يمكن القول بتراجع شعبية الرئيس، بخاصة بعد حديث الحكومة عن قرب اتخاذ إجراءات قاسية لإصلاح الخلل في الموازنة وميزان المدفوعات، ما يثير مخاوف من زيادة الأعباء على المواطنين. وهناك مؤشرات عدة إلى تراجع شعبية السيسي، إلا أنه تراجع نسبي قياساً إلى ما يشبه حالة الإجماع التي كان يحظى بها قبل عامين. لذلك نفى أصحاب المبادرتين وجود أي مشكلة لهم مع شخص الرئيس، كما لم يطرحوا فكرة تغيير الرئيس، لأن غالبية المصريين تؤيد السيسي وتدرك أنه يحاول جاهداً وبإخلاص تحسين أوضاع الاقتصاد وتوفير فرص عمل ومواجهة الإرهاب. وأعتقد أن خسارة السيسي لما يشبه الإجماع تصب في مصلحته، فالمصريون ليسوا في حاجة إلى بطل ملهم أو فرعون جديد، وإنما إلى رئيس طبيعي ترتفع شعبيته وتهبط، يخطئ ويصيب. وبالتالي، تتراجع ثورة التطلعات والرهانات غير المعقولة على شخصية الرئيس وقدراته على حل كافة المشاكل.
خامساً: الاستقبال السلبي للمبادرتين والتشكيك في نيات أصحابهما، بداية من اتهامهم بمحاولة فرض وصاية على الشعب وادعاء الحديث باسمه، وانتهاء بضرب الاستقرار والعمل بوعي أو من دون وعي في خدمة المؤامرة على مصر والتي عبَّر عنها أخيراً قرار البرلمان الأوروبي، على خلفية مقتل الطالب الإيطالي. وقد ربط بعض أنصار المؤامرة بين تصعيد الهجوم الغربي في الأمم المتحده على انتهاكات حقوق الإنسان في مصر وبين توقيت طرح صبَّاحي وموسى لمبادرتيهما. وتعكس هذه النوعية من الاتهامات المناخ غير السياسي والمعادي للحوار والتنوع، في وقت تبدو فيه مصر في حاجة إلى إبداء قدر أكبر من التسامح والانفتاح على الآراء كافة، بل وربما تنظيم حوار مجتمعي عام لمناقشة أولويات العمل في المرحلة المقبلة في ظل قلة الموارد وكثرة المشكلات، وضرورة تحقيق توافق سياسي عام على تلك الأولويات. وقناعتي أن هذا الحوار قد يطور من أداء الحكم ولا ينتقص من مشروعيته التي تبدو في حاجة إلى الحوار مع خبراء وشخصيات من خارج الدوائر الحالية لصنع القرار وتنفيذه.http://www.alhayat.com/Edition/Print/14 ... 9%8A%D8%9F