جامع سليمان باشا ( القلعة )
أثر رقم 142 ( سنة 535هـ / 1140 م )
هذا الجامع داخل قلعة القاهرة ، وهو مسجد قديم الوضع ، أنشأه الأمير قسطة الأرمنى المظفرى والى مدينة الأسكندرية فى العصر الفاطمى فى سنة 535هـ / 1140م وهذا ما يثبته النص المسطور به فى مذكرة تاريخية بالخط الكوفى هذا نصها :
بسم الله الرحمن الرحيم
( في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ* رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصلاةِ وَإِيتَآءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ والأبصار* لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يشاء بِغَيْرِ حِسَابٍ)
أنشأ هذا المسجد المبارك الأمير المرتضى المنصور مجد الخلافة ، عمدة الإمامة
فخر الدين عز المجاهدين ذى الفضلين
خالصة أمير المؤمنين إبى المنصور قسطة .
كان الله له وليا وحافظا وأثابه فى الآخرة جنات ورضوانا
ابتغاء مرضاة الله سبحانه . وذلك فى رجب من شهرو سنة خمسة وثلثين وخمس مائة
ثم جدده سليمان باشا (1) حاكم مصر العثمانى فى سنة 935هـ/1528م ، كما جاء بالمذكرة التاريخية التى تعلو أسكفة بابه ، ونصها :
قد بنى وعمر الجناب العالى مملوك سلطان السلاطين سلطان . سليمان بن سليم خان من آل عثمان أدام اللهدولته إلى يومالدين . وهو أمير الأمراء المصرية سليمان بابا اللهم أجعله من الفائزين مجد , الوجه الله الملك المعين طلبا لرمضات رب العالمين ليعبدوا فيه عباد . الله الصالحين . وكان تاريخه فاركعوا لله مع الراكعين سنة 935
ووجد من مخلفات هذا الأثر شمعدان بالمتحف الإسلامى ، قرأ ما فيه هذا النص :
﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )
وقف هذا الشمعدان راجيا فى الله الغفران سليمان وجعل مستقره بالجامع الذى بناه بمصر القاهرة بالقرب من مرقد سيدى سارية عليه الرحمة من الملك البارى (2) وقع التاريخ فى أول الجماد من سنة سبع وأربعين وتسعمائة من هجرة نبوية
وهذا الجامع من أبهج الجوامع العثمانية وأميزها بما فيه من زخارف ومفردات ، وما عليه من تنظيم وتنسيق ، ويلفت النظر فيه مئذنته العثمانية الرشيقة ، وهو ككل المساجد العثمانية الراقية ، وقد استخدمته الحملة الفرنسية فى سنة 1215هـ / 1800م مركزا لإدارة المحتسب وأعوانه بإشراف الجنرال فورييه وفى هذا الصدد يقول الجبرتى :
( وفى رابع عشر القعدة سنة 1215هـ / 1800م ) نقلوا حسن أغا المحتسب من البرج ( بالقلعة ) إلى جامع سارية صحبة المشايخ وكذلك فورييه ، الوكيل لضيق المكان وازدحام الفرنسيس (3)
وقد عرف هذا المسجد بسارية نسبة إلى خط سارية ، أحد أخطاط هذه المنطقة منذ القرن الثالث الهجرى ، وقد جدد هذا الأثر فى سنة 1913م تجديدا اعاد إليه بهاءه ورونقه ، لمي يوضح على مبارك باشا هذا الأثر بما أوضحناه
منشىء المسجد
كان غلاما أرمنيا من ارمينيا الروسية الصغرى ، وهى مدينة تفليس الشهيرة بالقوقاز من غلمان المظفر بن أمير الجيوش ، وكان يلقب بأبى منصور قسطة الأرمنى ، وتقلب فى الوظائف الحكومية حتى صار محافظا لمدينة الإسكندرية ، وقد أجتمع به الحافظ أبو الطاهر السلفى ، وكان قسطة هذا من عقلاء الأمراء الماثلين إلى العدل المثابرين على مطالعة الكتب ، وأكثر ميله إلى التواريخ وسير المتقدمين ، وكان مسجده بعد مسجد شقيق الملك ، والمظفر مولى قسطة هذا هو المظفر بن أمير الجيوش بدر الجمالى اسمه جعفر (4) ، وكان يكنى بأبى محمد ويلقب بالمظفر ؛ وقد شارك أخاه الأفضل فى الوزارة ؛ وكان يلى العلامة عنه ( وزير قلم ) ، مات فى جمادى الأولى سنة 514هـ / 1120 م ودفن بتربة أبيه خارج باب النصر ، وهى المعروفة الآن بالشيخ يونس – وقد أكتشفناهذا لرجال الآثار منذ عام 1026 م
=============================
(1) تولى سليمان باشا علىمصر سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة ، فأقام بها واليا عشر سنوات إلى أن عزل فى سنة إحدى وأربعين وتسعمائة ، وفى أيامه عين المساحة لضبط الأقاليم وحرر بها دفترا باقيا بالخزينة العامرة المصرية ، وهو المعروف بدفتر التربيع سنة 933هـ / 1530 م والعمل على ذلك الدفتر إلى الآن ومن الخيرات التى فعلها سليمان باشا بمصر انه عمر مقام سيدى سارية بقلعة الجبل وجامعه ، وعمر تكية بقوصون ، وعمر التكية والجامع ببولاق المعروفة بالسليمانية ،وأوقف عليهم أوقافا كثيرة ، ثم ورد عليه أمر سلطانى بالسفر إلى بلاد الهند وتولى على مصر خسرو باشا ، كما تولى مرة أخرى فى حادى عشر رجب الحرام سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة ، فاستمر واليا عليها سنة وخمسة أشهر إلى أن عزل فى حادى عشر محرم سنة خمس وأربعين وتسعمائة ، وتولى داود باشا الخادم ،
(2) عبد الرحمن بن حسن الجبرتى ، عجائب الآثار فى التراجم والأخبار
(3) هو صدر الدين ابو الطاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن غبراهيم سلفة ، عالم من أعلام الفكر الإسلامى ، كان شافعيا أصلله فارسى من أصبهان ، وفد الإسكندرية فى سنة 511هـ /1117م عاصر السلفى عددا من تلاميذ الطرطوشى وبخاصة أبو الطاهر بن عوف وسند بن عنان ، اشتغل السلفى عند نزوله بالإسكندرية بالتدريس ، وتدريس الحديث بوجه خاص ، وفى عام 540هـ / 1145م ولى حكم الاسكندرية أبوالحسن على بن السلار ، وكان ابن السلار سنيا على المذهب الشافعى ، ولهذا قرب إليه السلفى وأكرمه ، وأنشأ له فى سنة 544هـ / 1149 م مدرسة خاصة سميت بالمدرسة السلفية ، وكانت ثانىمدرسة أنشئت بمدينة الإسكندرية بل فى مصر كلها ، وكانت المدرسة الأولى فى المدرسة التى أنشأها الوزير رضوان بن ولخشى وزير الحافظ لأبى الطاهر بن عوف ، عاش الحافظ السلفى بالإسكندرية حيث فضى نحو أربع وستون عاما معتكفا على العم فى داره ومدرسته ، ومن مؤلفاته فى الحديث ( أجزاء السلفيات ) وكتاب الربعين البلدانية ، توفى العالم الجليل الحافز السلفى فى عام 576هـ / 1180م ودفن بالاسكندرية فى مقبرة قريبة من داره
(4) وإليه ينسب مسجد جعفر بجارة برجوان بالقاهرة