حتى لا تحرم من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام
درة من درر مولانا الدكتور محمود صبيح حفظه الله و زاده نورا و بركة و علما و قربا من سيدنا النبى صلى الله على حضرته و آله الكرام الطيبين و سلم تسليما كثيرا
الحضور واليقظة فى إمكانية رؤية النبى صلى الله عليه وآله وسلم فى المنام واليقظة
إمكانية رؤية النبى صلى الله عليه وآله وسلم يقظة أمر عظيم , لا يكون إلا لأهل التسليم ممن يرون أنفسهم غير أهل لأى فضل ونعمة ، أهل التواضع والمحبة والفناء. قوم بسطاء، ما عندهم فى الكون إلا الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، سَرَتْ نورانية حب الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم فى كيانهم وتخللت ذواتهم ، أشرقت عليهم الأنوار المحمدية فبدَّدت ظلمات نفوسهم ، وطَهَرَّت أرواحهم ، وتعقبت أدران النفس ، والحجب فَنَقَتْ وصَفَتْ سرائرهم ولِمَ لا ؟! وقد أصبحوا وأمسوا - ما دام لهم ليل ونهار - ليس لهم غاية ولا راحة ولا قرار إلا بالمثول بين يدى النبى صلى الله عليه وآله وسلم . خبأوا أحوالهم وآمالهم وأنفسهم وكينونتهم فى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ما عندهم أمان إلا فيه وبه وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (الأنفال 33) ، يستغفرون من كل شىء يُستغفر منه ، ويستغفرون من عدم رؤيتك وأنت قد ملأت الدنيا بإذن الله بأنوارك ، فما كان الله معذبهم وهم يستغفرون . تَنَقَّل بعضهم من شدة الذكر وخاصة الصلاة على النبى صلى الله عليه وآله وسلم لشدة الحضور ، حتى سمح لهم النبى صلى الله عليه وآله وسلم وتكرم عليهم برؤيته الشريفة . وبعضهم تَنَقَّل فى أحوال ومقامات الفَقْد ، حتى فقدوا الفَقْد فوجدوه ، وبعضهم رأوه محض فضل من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم فليس لهم فى أنفسهم شيئا ، فى أعلى درجات العبودية . بعضهم اختير فى حضرة اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ (الشورى 13) وبعضهم اختير فى حضرة وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (الشورى 13) ، وبعضهم رأوه ويقولون أبحث عنه منذ سنين وبعضهم ... ، وبعضهم ... ، وبعضهم ... المحروم المسكين من يظن أنه يرى بنفسه وبقدرته وبحوله وبقوته . يقولون : هل يجوز ، هل يمكن أن يرى الإنسان النبى صلى الله عليه وآله وسلم يقظة ؟ المؤدب يقول : ننظر من كلام الأئمة الأعلام هل هذا الأمر شرعى أم لا ؟ وهذا صحيح لا اعتراض عليه ، وغير المؤدب يقول : خبل ، وتخيلات !! الكل ناقش قدرة ابن آدم ، ولا تجد أحدهم تَذَكَّر قدرة الله عز وجل ، ولا الإمكانيات المستودعة فى الذات النبوية الشريفة . هل يمكن للنبى صلى الله عليه وآله وسلم أن يُرِى أحداً نفسه الشريفة أم لا ؟ مسكين ابن آدم ، لو أنه أخذ الرؤيا يقظة على أنها باب ، وعالم من العوالم المحجوبة عنه لكسب كثيراً . فالعوالم كثيرة والحجاب على ابن آدم شديد ، فالبهائم نفسها ترى ما لا يراه ابن آدم . عن عائشة رضى الله عنها قالت : دخلت عَلَىَّ عجوزان من عجز يهود المدينة فقالتا لى : إن أهل القبور يعذبون فى قبورهم فكذبتهما ، ولم أنعم أن أصدقهما، فخرجتا ودخل علىَّ النبى صلى الله عليه وآله وسلم فقلت له : يا رسول الله إن عجوزين وذكرت له فقال " صدقتا إنهم يعذبون عذابا تسمعه البهائم كلها " فما رأيته بعد فى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر . النبى صلى الله عليه وآله وسلم عَلَّم أصحابه بالإشارة وبالعبارة ، وأراهم الكثير من العوالم ، وأحكام الغيب - وهذا الكتاب ليس محلا للاستفاضة فى هذا الأمر- ، وقد جعلهم النبى صلى الله عليه وآله وسلم يعاينون أمورا من أمور العوالم الأخرى ، معاينة أمور من أمور الآخرة فى الدنيا. من ذلك : ما رواه الإمام مسلم عن أبى هريرة قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ سمع وَجْبَةً فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم " تدرون ما هذا " قال قلنا الله ورسوله أعلم قال " هذا حجر رمى به فى النار منذ سبعين خريفا فهو يهوى فى النار الآن حتى انتهى إلى قعرها ". فببركة صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وببركة أن يكونوا بين يديه كأن على رؤوسهم الطير من شدة الأدب والإصغاء ، سمعوا حجرا أُلِقى فى جهنم حين وصوله قعرها . ومن ذلك : حديث الكتابين اللذين فيهما أسماء أهل الجنة وأهل النار ، فإن قلت كيف يستطيع النبى صلى الله عليه وآله وسلم أن يحملهما ؟ قلنا لك : لا يلزم أن يكون الكتابان من أوراق ، ومجلدات كما هو حال كتب أهل الدنيا ، ولكنه كتاب من البرزخ . عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : خرج علينا رسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفى يده كتابان فقال : " أتدرون ما هذان الكتابان ؟ " فقلنا : لا يا رسول الله ، إلا أن تخبرنا. فقال للذى فى يده اليمنى " هذا كتاب من رب العالمين ، فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ، ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً – ثم قال للذى فى شماله – هذا كتاب من رب العالمين ، فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ، ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً " فقال أصحابه : ففيم العمل يا رسول الله إن كان أمر قد فُرغ منه ؟ فقال " سددوا وقاربوا ، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أى عمل ، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أى عمل " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيديه فنبذهما ثم قال " فرغ ربكم من العباد ، فريق فى الجنة وفريق فى السعير " . خرافة كان رجلا من الإنس أسرته الجن ومن ذلك : ما أخبرهم به صلى الله عليه وآله وسلم عن حياة رجل من الإنس فى عالم الجن ، فعن السيدة عائشة قالت : حدث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نساءه ذات ليلة حديثا فقالت امرأة: منهن يا رسول الله كأن الحديث حديث خرافة ، فقال " أتدرون ما خرافة ، إن خرافة كان رجلا من عذرة أسرته الجن فى الجاهلية ، فمكث فيهن دهرا طويلا ثم ردوه إلى الإنس ، فكان يحدث الناس بما رأى فيهم من الأعاجيب ، فقال الناس حديث خرافة ". يدخل رجل من هذه الأمة الجنة قبل موته ومن العوالم أيضا التى نَبَّه النبى صلى الله عليه وآله وسلم عليها ، ومن معجزاته . ما ورد عن شريك بن خباشة النميرى أنه ذهب يستقى من جب سليمان الذى فى بيت المقدس، فانقطع دلوه ونزل فى الجب ؛ ليخرجه فبينا هو يطلبه بذاك الجب إذا هو شجرة ، فتناول ورقة من الشجرة فإذا هى ليست من شجر الدنيا فأتى بها عمر بن الخطاب فقال : أشهد أن هذا هو الحق ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " يدخل رجل من هذه الأمة الجنة قبل موته " فأخذها عمر فجعلها بين دفتى المصحف قصة أبى مخرمة الذى رأى الحور العين فى اليقظة ويجدر بنا أن نذكر قصة أبى مخرمة التى ذكرها الإمام عبد الله بن المبارك ، - وكان مـن كبار السلف فى كتابـه الجهاد - ، وكذلك الحافظ ابن عساكـر فى تاريخ دمشق : قال أصحاب أبى مخرمةَ وكان من التابعينَ : لا نعلم أحدا رأى الحور العين عيانا إلا فى المنام إلا ما كان من أبى مخرمة ، فإنه دخل كرما - وهو شجر العنب - فرأى الحور عيانا فى قبتها ، وعلى سريرها ، فلما رآها صرف وجهه عنها فقالت : إلىَّ يا أبا مخرمة فإنى أنا زوجتك ، وهذه زوجة فلان ، وهذه زوجة فلان، فانصرف إلى أصحابه فأخبرهم ، فكتبوا وصاياهم ولم يكتب أحد وصيته إلا استشهد ، وقال بعضهم : فرجع إلى أصحابه ، ولم يأتهم بشىء ، فقلنا له : ما لك أجننت !! ورأينا به حالا غير الحال التى فارقنا عليها من نور وجهه ، وحسن حاله فسألناه ما منعك من ذلك فقص عليهم ما رأى فاعتجم قالوا : فتقدم بين أيدينا، فكان أول الناس استشهد يومئذ. مرة أخرى الأدب يجعلك تفهم كثيرا. قال بعض الصالحين : محبة وأدب وصول بلا تعب. إذا كان عندك - والعياذ بالله - النبى صلى الله عليه وآله وسلم محبوسا محصورا فى قبره ، فكيف تراه مناما أو يقظة ، أو كيف يفتح الله عليك من الأصل ، فالأنبياء فى السماوات وفى قبورهم ، وأرواحهم منطلقة ، ونبيك صلى الله عليه وآله وسلم محبوس محصور ؟!! شَنَّع أناس على بعض الصالحين فى قولهم أن روح النبى صلى الله عليه وآله وسلم تتجه حيث تشاء، وذلك أمر لا يحتاج إلى دليل ، فالإسراء والمعراج خير دليل ، وقد قدمنا ذلك فى الباب السابق عن حياة الأنبياء ، إلا إننا نذكر الآن نبذة بسيطة عن هذا ، وكل ذلك يصب فى توضيح هذا الباب " الرؤيا يقظة ". حضور النبى صلى الله عليه وآله وسلم لبعض أصحابه قبل موتهم أو بعد موتهم أشار النبى صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن أرواح الصالحين غير محبوسة فى حادثة مرور جعفر بن أبى طالب عليه . فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " مر بى جعفر الليلة فى ملأ من الملائكة وهو مخضب الجناحين بالدم ، أبيض الفؤاد " وروى الإمام الحاكم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس وأسماء بنت عميس قريبة منه إذ رد السلام ثم قال " يا أسماء هذا جعفر بن أبى طالب مع جبريل وميكائيل وإسرافيل سلموا علينا فردى عليهم السلام ، وقد أخبرنى أنه لقى المشركين يوم كذا وكذا قبل ممره على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثلاث أو أربع فقال : لقيت المشركين فأصبت فى جسدى من مقاديمى ثلاثا وسبعين بين رمية وطعنة وضربة ، ثم أخذت اللواء بيدى اليمنى فقطعت ، ثم أخذت بيدى اليسرى فقطعت فعوضنى ، الله من يدى جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل ، أنزل من الجنة حيث شئت وآكل من ثمارها ما شئت " فقالت أسماء : هنيئا لجعفر ما رزقه الله من الخير ولكن ، أخاف أن لا يصدق الناس فاصعد المنبر ، فأخبر به فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال " يا أيها الناس إن جعفر مع جبريل وميكائيل له جناحان عوضه الله من يديه سلم على " ثم أخبرهم كيف كان أمره حيث لقى المشركين ، فاستبان للناس بعد اليوم الذى أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن جعفر لقيهم فلذلك سمى الطيار فى الجنة . وقد حَسَّن الحافظ المنذرى فى الترغيب والترهيب الحديث الذى رواه الطبرانى عـن عبد الله بن جعفر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " هنيئا لك يا عبد الله أبوك ، يطير مع الملائكة فى السماء " . قلت : من الواضح فى هذا الحديث أن جعفر بن أبى طالب هو الذى مر على النبى صلى الله عليه وآله وسلم وأنه كان قريبا جداً حتى أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال لأسماء " سلموا علينا فردى عليهم السلام " . وفى بعض الروايات " ردى عليه السلام " . بلا شك .. إن اعتقدت أن ذلك يحدث لأن جعفر استشهد فى معركة مؤتة ولا يحدث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قلنا لك : أنت تحتاج تجديد إيمانك برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكيف يستقيم الظل والعود أعوج . ونقول كما قالوا : ولربما جهل الفتى أثر الهدى والشمس بازغة ولها أنوار ونذكر الآن بمشيئة الملك الديان حضور النبى صلى الله عليه وآله وسلّم 1- لصحابى جليل من أصحاب غزوة بدر وهو زيد بن خارجة ، والذى أثبت له الإمام البخارى وابن أبى الدنيا وابن أبى حاتم وابن عبد البر والبيهقى وابن عساكر وابن كثير والسيوطى وغيرهم أنه تكلم بعد موته 2- الصحابى الجليل ضمرة بن ثعلبة 3- على بن الحسين رضى الله عنهما عند مقتله مع أبيه رضى الله عنه قصة الصحابى الجليل زيد بن خارجة - الذى تكلم بعد الموت - يتبع
_________________
مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم
|