اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 1:53 pm مشاركات: 1070
|
الشفا بتعريف حقوق المصطفى القاضي عياض ج 2
(2/)
--------------------------------------------------------------------------------
(2/1)
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم القسم الثاني (فيما يجب على الأنام من حقوقه صلى الله عليه وسلم) قال القاضى أبو الفضل وفقه الله وهذا قسم لخصنا فيه الكلام في أربعة أبواب على ما ذكرناه في أول الكتاب ومجموعها في وجوب تصديقه واتباعه في سنته وطاعته ومحبته ومناصحته وتوقيره وبره وحكم الصلاة عليه والتسليم وزيارة قبره صلى الله عليه وسلم. (الباب الأول) (في فرض الإيمان به ووجوب طاعته واتباع سنته) إذا تقرر بما قدمناه ثبوت نبوته وصحة رسالته وجب الإيمان به وتصديقه فيما أتى به * قال الله تعالى: (فآمنوا بالله ورسوله والنور الذى أنزلنا)، وقال: (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، لتؤمنوا بالله ورسوله) وقال (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي) الآية، فالإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم واجب متعين لا يتم إيمان إلا به ولا يصح إسلام إلا معه قال تعالى: (ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا
(2/2)
--------------------------------------------------------------------------------
للكافرين سعيرا) * حدثنا أبو محمد الخشنى الفقيه بقراءتي عليه حدثنا إمام أبو على الطبري حدثنا عبد الغافر الفارسى حدثنا ابن عمرويه حدثنا ابن سفيان حدثنا أبو الحسين حدثنا أمية بن بسطام حدثنا يزيد بن زريع حدثنا روح عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إلا إلا الله ويؤمنوا بى وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) * قال القاضى أبو الفضل وفقه الله، والإيمان به صلى الله عليه وسلم هو تصديق نبوته ورسالة الله له وتصديقه في جميع ما جاء به وما قاله ومطابقة تصديق القلب بذلك شهادة اللسان بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا اجتمع التصديق به بالقلب والنطق بالشهادة بذلك باللسان تم الإيمان به والتصديق له كما ورد في هذا الحديث نفسه من رواية عبد الله بن عمر رضى الله عنهما (أمرت) أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) وقد زاده وضوحا في حديث جبريل إذ قال أخبرني عن الإسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) وذكر أركان الإسلام ثم سأله عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله) الحديث، فقد قرر أن الإيمان به محتاج إلى العقد بالجنان والإسلام به مضطر إلى النطق باللسان __________ (قوله ابن بسطام) بكسر الموحدة وفتحها. (*)
(2/3)
--------------------------------------------------------------------------------
وهذه الحالة المحمودة التامة، وأما الحال المذمومة فالشهادة باللسان دون تصديق القلب وهذا هو النفاق، قال الله تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) أي كاذبون في قولهم ذلك عن اعتقادهم وتصديقهم وهم لا يعتقدونه فلما لم تصدق ذلك ضمائرهم لم ينفعهم أن يقولوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم فخرجوا عن اسم الإيمان ولم يكن لهم في الآخرة حكمه إذ لم يكن معهم إيمان ولحقوا بالكافرين في الدرك الأسفل من النار وبقى عليهم حكم الإسلام بإظهار شهادة اللسان في أحكام الدنيا المتعلقة بالأئمة وحكام المسلمن الذين أحكامهم على الظواهر بما أظهروه من علامة الإسلام إذ لم يجعل للبشر سبيل إلى السرائر ولا أمروا بالبحث عنها بل نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التحكم عليها وذم ذلك وقال (هلا شققت عن قلبه ؟) والفرق بين القول والعقد ما جعل في حديث جبريل: الشهادة من الإسلام والتصديق من الإيمان، وبقيت حالتان أخريان بين هذين إحداهما: أن يصدق بقلبه ثم يخترم قبل اتساع وقت للشهادة بلسانه فاحتلف فيه فشرط بعضهم من تمام الإيمان القول والشهادة به وراه بعضهم مؤمنا مستوجبا للجنة لقوله صلى الله عليه وسلم (يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان فلم يذكر سوى ما في القلب وهذا مؤمن بقلبه غير عاص ولا مفرط بترك غيره وهذا هو الصحيح في هذا الوجه. الثانية __________ (قوله ثم يخترم) بضم أوله وسكون المعجمة مبنى للمفعول. (*)
(2/4)
--------------------------------------------------------------------------------
أن يصدق بقلبه ويطول مهله، وعلم ما يلزمه من الشهادة فلم ينطق بها جملة ولا استشهد في عمره ولا مرة، فهذا اختلف فيه أيضا فقيل هو مؤمن لأنه مصدق والشهادة من جملة الأعمال فهو عاص بتركها غير مخلد، وقيل ليس بمؤمن حتى يقارن عقده شاهدة اللسان، إذ الشهادة إنشاء عقد والتزام إيمان وهى مرتبطة مع العقد ولا يتم التصديق مع المهلة إلا بها وهذا هو الصحيح وهذا نبذ يفضى إلى متسع من الكلام في الإسلام والإيمان أبوابهما وفى الزيادة فيهما والنقصان، وهل التجزى ممتنع على مجرد التصديق لا يصح فيه جملة وإنما يرجع إلى ما زاد عليه من عمل، أو قد يعرض فيه لاختلاف صفاته وتباين حالاته من قوة يقين وتصميم اعتقاد ووضوح معرفة ودوام حالة وحضور قلب ؟ وفى بسط هذا خروج عن غرض التأليف وفيما ذكرنا غنية فيما قصدنا إن شاء الله تعالى __________ (قوله مهله) المهل بفتح الميم والهاء النؤدة (قوله مع المهلة) بضم الميم وإسكان الهاء هي الاسم من أمهله إذا أنظره (قوله وهذا نبذ) بفتح النون وسكون الموحدة بعدها ذال معجمة أي شئ يسير وفى بعض النسخ وهذه نبذ بضم النون وفتح الموحدة جمع نبذة وهى القطعة (قوله أو قد يعرض فيه) في الصحاح عرض له أمر كذا يعرض أي ظهر وعرض العود على الإناء والسيف على فخذه يعرضه ويعرضه أيضا فهذه وحدها بالضم وعرضت له القول وعرضت أيضا بالكسر يقال مرنى فلان فما عرضت وما عرضت ولا يعرض له ولا يعرض له لغتان جيدتان (*)
(2/5)
--------------------------------------------------------------------------------
فصل وأما وجوب طاعته: فإذا وجب الإيمان به وتصديقه فيما جاء به وجبت طاعته لأن ذلك مما أتى به قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله) وقال (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) وقال: (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون) وقال (وإن تطيعوه تهتدوا) وقال (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وقال (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقال (ومن يطع الله والرسول فأولئك) الآية، وقال (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) فجعل تعالى طاعة رسوله طاعته وقرن طاعته بطاعته ووعد على ذلك بجزيل الثواب وأوعد على مخالفته بسوء العقاب وأوجب امتثال أمره واجتناب نهيه، قال المفسرون والأئمة طاعة الرسول في التزام سنته والتسليم لما جاء به وقالوا: ما أرسل الله من رسول إلا فرض طاعته على من أرسله إليه وقالوا من يطع الرسول في سنته يطع الله في فرائضه، وسئل سهل بن عبد الله عن شرائع الإسلام فقال (وما آتاكم الرسول فخذوه): وقال السمرقندى يقال: أطيعوا الله في فرائضه والرسول في سنته وقيل: أطيعوا الله فيما حرم عليكم والرسول فيما بلغكم ويقال: أطيعوا الله بالشهادة له بالربوبية، والنبى بالشهادة له بالنبوة * حدثنا أبو محمد بن عتاب بقراءتي عليه حدثنا حاتم بن محمد حدثنا أبو الحسن على بن محمد بن خلف حدثنا محمد بن
(2/6)
--------------------------------------------------------------------------------
يوسف حدثنا البخاري حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أطاعنى فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع أميرى فقد أطاعنى ومن عصى أميرى فقد عصاني) فطاعة الرسول من طاعة الله، إذ الله أمر بطاعته، فطاعته امتثال لما أمر الله به وطاعة له * وقد حكى الله عن الكفار في دركات جهنم (يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا) فتمنوا طاعته حيث لا ينفعهم التمنى، وقال صلى الله عليه وسلم (إذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) * وفى حديث أبى هريرة رضى الله عنه، عنه صلى الله عليه وسلم (كل أمتى يدخلون الجنة إلا من أبى) قالوا يا رسول الله ومن يأبى ؟ قال: (من أطاعنى دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) وفى الحديث الآخر الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم (مثلى ومثل ما بعثنى الله به كمثل رجل أتى قوما فقال يا قوم إنى رأيت الجيش بعينى وإنى أنا النذير العريان فالنجاء فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا وكذبت __________ (قوله وأنى أنا النذير العريان) هذا مثل ضربه عليه السلام مبالغة في صدق النذارة لأن النذير إذا كان عريانا كان أبين وقيل كان النذير يجرد ثيابه ويلوح بها ليجتمع إليه (قوله فالنجاء) بالمد (قوله فأدلجوا) في القاموس الدلجة بالضم والفتح السير من أول الليل وقد أدلجوا إذا ساروا من آخره فادلجوا بالتشديد (قوله على مهلهم) بفتح الميم والهاء أي تؤدتهم. (*)
(2/7)
--------------------------------------------------------------------------------
طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعنى واتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق) وفى الحديث الآخر في مثله: كمثل من بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ومن يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة فالدار الجنة والداعى محمد صلى الله عليه وسلم فمن أطاع محمد فقد أطاع الله ومن عصى محمدا فقد عصى الله ومحمد فرق بين الناس). فصل وأما وجوب اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهدية فقد قال الله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) وقال (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذى يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) وقال (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم - إلى قوله - تسليما) أي ينقادوا لحكمك، يقال سلم واستسلم وأسلم إذا انقاد. وقال تعالى (لقد كان لكم في رسول __________ (قوله واجتاحهم) بالجيم في أوله والحاء المهملة في آخره أي استأصلهم (قوله مأدبة) بضم الدال المهملة وفتحها، في القاموس: هي طعام صنع لدعوى أو عرس (قوله فرق بين الناس) بإسكان الراء أي يفرق بين المؤمنين والكافرين بالإيمان من المؤمنين وعدمه من الكافرين (قوله بهدية) بفتح الهاء وسكون الدال أي بطريقه ومذهبه. (*)
(2/8)
--------------------------------------------------------------------------------
الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) الآية، قال محمد بن على الترمذي: الأسوة في الرسول الاقتداء به والاتباع لسنته وترك مخالفته في قول أو فعل وقال غير واحد من المفسرين بمعناه وقيل هو عتاب للمتخلفين عنه وقال سهل في قوله تعالى (صراط الذين أنعمت عليهم) قال بمتابعة السنة فأمرهم تعالى بذلك ووعدهم الاهتداء باتباعه لأن الله تعالى أرسله بالهدى ودين الحق ليزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويهديهم إلى صراط فمستقيم ووعدهم محبته تعالى في الآية الأخرى ومغفرته إذا اتبعوه وآثروه على أهوائهم وما تجنح إليه نفوسهم وأن صحة إيمانهم بانقيادهم له ورضاهم بحكمه وترك الاعتراض عليه، وروى عن الحسن أن أقواما قالوا يا رسول الله إنا نحب الله فأنزل الله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله) الآية، وروى أن الآية نزلت في كعب بن الأشرف وغيره وأنهم قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ونحن أشد حبا لله، فأنزل الله الآية، وقال الزجاج معناه (إن كنتم تحبون الله) أن تقصدوا طاعته فافعلوا ما أمركم به، إذ محبة العبد لله والرسول طاعته لهما ورضاه بما أمرا ومحبة الله لهم عفوه عنهم وإنعامه عليهم برحمته، ويقال الحب من الله عصمة وتوفيق ومن العباد طاعة، كما قال القائل: تعصى الإله وأنت تظهر حبه ؟ * هذا لعمري في القياس بديع !
(2/9)
--------------------------------------------------------------------------------
لو كان حبك صادقا لأطعته * إن المحب لمن يحب مطيع ! ويقال محبة العبد لله تعظيمه له وهيبته منه ومحبة الله له رحمته له وإرادته الجيل له وتكون بمعنى مدحه وثنائه عليه، قال القشيرى فإذا كان بمعنى الرحمة والإرادة والمدح كان من صفات الذات وسيأتى بعد في ذكر محبة محبة العبد غير هذا بحول الله تعالى حدثنا أبو إسحاق إبراهيم ابن جعفر الفقيه قال حدثنا أبو الأصبغ عيسى بن سهل وحدثنا أبو الحسن يونس بن مغيث الفقيه بقراءتي عليه قالا حدثنا حاتم بن محمد قال حدثنا أبو حفص الجهنى حدثنا أبو بكر الآجرى حدثنا إبراهيم بن موسى الجوزى حدثنا داود بن رشيد حدثنا الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو الأسلمي وحجر الكلاعى عن العرباض بن سارية في حديثه في موعظة النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) زاد __________ (قوله الجوزى) بالجيم المفتوحة والزاى المكسورة إبراهيم بن موسى كذا ذكره ابن ماكولا وغيره (قوله عن عبد الرحمن بن عمرو الأسلمي) كذا في بعض النسخ وصوابه السلمى بضم السين المهملة وفتح اللام كما في سنن أبى داود وجامع الترمذي وأطراف المزى وكتب الأسماء (قوله بالنواجذ) بالذال المعجمة قال النووي هي الأنياب وقيل الأضراس وفى النهاية أن النواجذ مشتهرة بأواخر الأسنان وفى الصحاح الناجذ آخر الأضراس، ولإنسان أربعة نواجذ في أقصى الأسنان بعد الأرجاء ويسمى ضرس الحلم لأنه ينبت بعد البلوغ وكمال العقل. (*)
(2/10)
--------------------------------------------------------------------------------
في حديث جابر بمعناه (وكل ضلالة في النار) وفى حديث أبى رافع عنه صلى الله عليه وسلم (لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمرى مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدرى ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) وفى حديث عائشة رضى الله عنها صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ترخص فيه فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله ثم قال (ما بال قوم يتنزهون عن الشئ أصنعه ؟ فو الله إنى لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية، وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (القرآن صعب مستصعب على من كرهه، وهو الحكم، فمن استمسك بحديثي وفهمه وحفظه جاء مع القرآن، ومن تهاون بالقرآن وحديثي خسر الدنيا والآخرة، أمرت أمتى أن يأخذوا بقولى ويطيعوا أمرى ويتبعوا سنتى، فمن رضى بقوله فقدر رضى بالقرآن) قال الله تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه) الآية وقال صلى الله عليه وسلم (من اقتدى بى فهو منى ومن رغب عن سنتى فليس منى) وعن أبى هريرة رضى الله عنه __________ (قوله وفى حديث أبى رافع) هو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل اسمه إبراهيم وقيل ثابت وقيل هرمز (قوله لا ألفين) بضم الهمزة وكسر الفاء وفتح المثناة التحتية وتشديد النون أي لا أجدن (قوله على أريكته) الأريكة السرير في الحجلة من دونه ستر ولا يسمى السرير منفرد أريكة وقيل هو كل ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة قاله ابن الأثير، وفى الصحاح الأريكة سرير مزين في قبة أو بيت وإذا لم يكن فيه سرير فهو حجد والجمع الأرائك (قوله مستصعب) بكسر العين من استصعب الأمر بمعنى صعب (قوله وهو الحكم) بفتح الحاء والكاف. (*)
(2/11)
--------------------------------------------------------------------------------
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رصي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم (العلم ثلاثة فما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة) وعن الحسن بن أبى الحسن رحمهما الله تعالى قال صلى الله عليه وسلم عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة) وقال صلى الله عليه السلام وسلم (إن الله تعالى يدخل العبد الجنة بالسنة تمسك بها) وعن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (المتمسك بسنتى عند فساد أمتى له أجر مائة شهيد) وقال صلى الله عليه وسلم (إن بنى اسرائيل افترقوا على اثنتين وسبعين ملة وإن أمتى تفترق على ثلاث وسبعين كلها في النار إلا واحدة) قالوا ومن هم يا رسول الله ؟ قال (الذى أنا عليه اليوم وأصحابي) وعن أنس، قال صلى الله عليه وسلم (من احيا سنتى فقد أحيانى ومن أحيانى كان معى في الجنة) وعن عمرو بن عوف المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال بن الحارث (من أحيا سنة من سنتى قد أميتت بعدى فإن له من الأجر مثل __________ (قوله وخير الهدى) بفتح الهاء وسكون الدال بمعنى السمت والطريقة، أو بضم الهاء وفتح الدال ضد الضلال (قوله أو فريضة عادلة) قال ابن الأثير أراد العدل في القسمة أي معدلة على السهام المذكور في الكتاب والسنة من غير جور، ويحتمل أن يريد أنها مستنبطة من الكتاب والسنة فتكون هذه الفريضة تعدل بما أخر عنها انتهى (قوله وعن الحسن بن أبى الحسن) هو البصري. (*)
(2/12)
--------------------------------------------------------------------------------
من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضى الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئا) (فصل) وأما ورد عن السلف والأئمة من اتباع سنته والاقتداء بهديه وسيرته فحدثنا الشيخ أبو عمران موسى بن عبد الرحمن بن أبى تليد الفقيه سماعا عليه قال حدثنا أبو عمر الحافظ حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ ووهب بن مسرة قالا حدثنا محمد بن وضاح حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا مالك عن ابن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد أنه سأل عبد الله بن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة السفر فقال ابن عمر رضى الله عنهما يا ابن أخى إن الله بعث إلينا محمدا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئا وإنما نفعل كما رأيناه يفعل، وقال عمر بن عبد العزيز سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سننا الأخذ بها تصديق بكتاب الله واستعمال لطاعة الله وقوة على دين الله ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في رأى من خالفها، من اقتدى بها فهو مهتد ومن انتصر بها فهو منصور ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا، وقال الحسن بن أبى الحسن: عمل قليل في سنة خير من __________ (قوله خالد بن أسيد) بفتح الهمزة وكسر السين المهملة. (*)
(2/13)
--------------------------------------------------------------------------------
عمل كثير في بدعة، وقال ابن شهاب بلغنا عن رجال من أهل العلم قالوا: الاعتصام بالسنة نجاة، وكتب عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى عماله بتعلم السنة والفرائض واللحن أي اللغة وقال إن ناسا يجادلونكم - يعنى بالقرآن - فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله، وفى خبره حين صلى بذى الحليفة ركعتين فقال أصنع كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع، وعن على حين قرن فقال له عثمان ترى أنى أنهى الناس عنه وتفعله ؟ قال لم أكن أدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس، وعنه: ألا إنى لست بنبى ولا يوحى إلى ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ما استطعت، وكان ابن مسعود يقول: القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة، وقال ابن عمر: صلاة السفر ركعتان من خالف السنة كفر، وقال أبى بن كعب عليكم بالسبيل والسنة فإنه ما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه ففاضت عيناه من خشية ربه فيعذبه الله أبدا، وما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه فاقشعر جلده من خشية الله إلا كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها فهى كذلك إذ __________ (قوله واللحن) بإسكان الحاء المهملة (قوله بذى الحليفة) ماء من مياه بنى جشم على ستة أميال وقيل سبعة من المدينة (قوله القصد في السنة) أي الوسط بين الطرفين الإفراط والتفريط (قوله من خالف السنة كفر) أي من خالفها مستحلا مخالفتها أو المراد بالكفر كفر النعمة. (*)
(2/14)
--------------------------------------------------------------------------------
أصابتها ريح شديدة فتحات عنها ورقها إلا حط عنه خطاياه كما تحات عن الشجرة ورقها، فإن اقتصادا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة وموافقة بدعة، وانظروا أن يكون عملكم إن كان اجتهدا أو اقتصادا أن يكون على منهاج الأنبياء وسنتهم * وكتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز إلى عمر بحال بلده وكثرة لصوصه: هل يأخذهم بالظنة أو يحملهم على البينة وما جرت عليه السنة ؟ فكتب إليه عمر خذهم بالبينة وما جرت عليه السنة فإن لم يصلحهم الحق فلا أصلحهم الله، وعن عطاء في قوله تعالى (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) أي إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى اله عله وسلم، وقال الشافعي: ليس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اتباعها، وقال عمر ونظر إلى الحجر الأسود إنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ثم قبله، رؤى عبد الله بن عمر يدبر ناقته في مكان فسئل عنه فقال لا أدرى إلا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله ففعلته، وقال أبو عثمان الحيرى: من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة، وقال __________ (قوله فتحات) بالحاء المهملة أي فتناثر (قوله بالظنة) بكسر الظاء المعجمة المشالة وتشديد النون المفتوحة أي التهمة (قوله وقال أبو عثمان الحيرى) بحاء مهلمة مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فراء وياء للنسبه إلى محلة بنيسابور تعرف بالحيرة هو شيخ الصوفية بنيسابور، ذكره القشيرى في الرسالة وذكر هذا الحديث عنه. (*)
(2/15)
--------------------------------------------------------------------------------
سهل التسترى أصول مذهبنا ثلاثة: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الأخلاق والأفعال، والأكل من الحلال، وإخلاص النية في جميع الأعمال، وجاء في تفسير قوله تعالى: (والعمل الصالح يرفعه) أنه الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكى عن أحمد بن حنبل قال كنت يوما مع جماعة تجردوا ودخلوا الماء فاستعملت الحديث (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر) ولم أتجرد فرأيت تلك الليلة قائلا لى يا أحمد أبشر فإن الله قد غفر لك باستعمالك السنة وجعلك إماما يقتدى بك، قلت من أنت ؟ قال: جبريل. فصل ومخالفة أمره وتبديل سنته ضلال وبدعة متوعد من الله عليه بالخذلان والعذاق قال الله تعالى (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) وقال: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى) الآية، حدثنا أبو محمد عبد الله بن أبى جعفر وعبد الرحمن بن عتاب بقراءتي عليهما قالا حدثنا أبو القاسم خاتم بن محمد حدثنا أبو الحسن القابسى حدثنا أبو الحسين بن مسرور الدباغ حدثنا أحمد بن أبى سليمان حدثنا سحنون ابن سعيد حدثنا ابن القاسم حدثنا مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن
(2/16)
--------------------------------------------------------------------------------
عن أبيه عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة وذكر الحديث في صفة أمته وفيه (فليذادن رجال عن حوضى كما يذاد البعير الضال فأناديهم ألا هلم ألا هلم فيقال إنهم قد بدلوا بعدك فأقول فسحقا فسحقا فسحقا) وروى أنس أنت النبي صلى الله عليه وسلم قال (فمن رغب عن سنتى فليس منى) وقال (من أدخل في أمرنا ما ليس منه فهو رد) وروى ابن أبى رافع عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمرى مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدرى ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) زاد في حديث المقداد (ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله) وقال صلى الله عليه وسلم وجئ بكتاب في كتف (كفى بقوم حمقا - أو قال ضلال - أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى غير نبيهم أو كتاب غير كتابهم) فنزلت (أو لم يكفهم أنا أنزنا عليك الكتاب يتلى عليهم) الآية، وقال صلى الله عليه وسلم (هل كالمتنطعون) وقال أبو بكر __________ (قوله فيلذادن) كذا رواه أكثر الرواة عن مالك الموطأ ومعناه ليطردن ورواه يحيى وابن أبى نافع ومطرف فلا يذادن ومعناه فلا تفعلوا فعلا يوجب ذلك ومنه فلا ألفين أحدكم على رقبته بعير أي لا تفعلوا ما يوجب ذلك (قوله ألا هلم) أي تعالوا وأقبلوا لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث في لغة الحجازيين خلافا لنبى تميم وبلغة الأولين جاء القرآن قال الله تعالى (قل هلم شهداءكم) وقال تعالى (والقائلين لإخوانهم هلم إلينا) (قوله فسحقا) بإسكان الحاء المهملة وضمها أي فبعدا (قوله المتنطعون) قيل معناه المتعمقون المبالغون في الأمور. (2 - 2) (*)
(2/17)
--------------------------------------------------------------------------------
الصديق رضى الله عنه لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به ألا عملت به إنى أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ الباب الثاني: في لزوم محبته صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها) الآية، فكفى بهذا حصا وتنبيها ودلالة وحجة على إلزام محبته ووجوب فرضا وعظم خطرها واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم إذ قرع تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله وأوعدهم بقوله تعالى (فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ثم فسقهم بتمام الآية وأعلمهم أنهم من ضل ولم يهده الله، حدثنا أبو على الغساني الحافظ فيما أجازنيه وهو مما قرأته على غير واحد قال حدثنا سراج بن عبد الله القاضى حدثنا أبو محمد الأصيلي حدثنا المروزى حدثنا أبو عبد الله محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا يعقوب ابن ابراهيم حدثنا ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) وعن أبى هريرة رضى الله عنه نحوه وعن أنس عنه صلى الله عليه وسلم (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب __________ (قوله وعظم) بكسر العين وفتح الظاء المعجمة.
(2/18)
--------------------------------------------------------------------------------
المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال للنبى صلى الله عليه وسلم لأنت أحب إلى من كل شئ إلا نفسي التى بين جنبى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه) فقال عمر والذى أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلى من نفسي التى بين جنبى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (الآن يا عمر) قال سهل من لم ير ولاية الرسول عليه في جميع الأحوال ويرى نفسه في ملكه صلى الله عليه وسلم لا يذوق حلاوة سنته لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه) الحديث. فصل في ثواب محبته صلى الله عليه وسلم حدثنا أبو محمد بن عتاب بقراءتي عليه حدثنا أبو القاسم حاتم بن محمد حدثنا أبو الحسن على بن خلف حدثنا أبو زيد المروزى حدثنا محمد ابن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا عبدان حدثنا أبى حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبى الجعد عن أنس رضى الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال متى الساعة يا رسول الله ؟ قال: __________ (قوله أن رجلا) في الدارقطني من حديث ابن مسعود أن هذا السائل هو الأعرابي الذى بال في المسجد، وفى جزء أبى الحميم أنه عمير بن قتادة وفى المعلم الذهبي إنه عمر بن الخطاب. (*)
(2/19)
--------------------------------------------------------------------------------
ما أعددت لها ؟) قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله قال: (أنت مع من أحببت) وعن صفوان ابن قدامة هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته فقلت: يا رسول الله ناولنى يدك أبايعك فناولني يده فقلت: يا رسول الله إنى أحبك قال (المرء مع من أحب) وروى هذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ابن مسعود وأبو موسى وأنس وعن أبى ذر بمعناه وعن على أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد حسن وحسين فقال (من أحبنى وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معى في درجتي يوم القيامة) وروى أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لأنت أحب إلى من أهلى ومالى وإنى لأذكرك فما أصبر حتى أجئ فأنظر إليك وإنى ذكرت موتى وموتك فعرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبين وإن دخلتها لا أراك فأنزل الله تعالى (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) فدعا به فقرأها عليه * وفى حديث آخر كان رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليه لا يطرف فقال (ما بالك ؟) قال بأبى أنت وأمى أتمتع من النظر إليك فإذا كان يوم القيامة رفعك الله __________ (قوله وروى أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأنت أحب إلى من أهلى) قال البغوي في تفسيره: إن الآية نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن النقاش أنها نزلت في عبد الله بن زيد بن عبد ربه. (*)
(2/20)
--------------------------------------------------------------------------------
بتفضيله فأنزل الله الآية * وفى حديث أنس رضى الله عنه (من أحبنى كان معى في الجنة) فصل فيما روى عن السلف والأئمة (من محبتهم للنبى صلى الله عليه وسلم وشوقهم له) حدثنا القاضى الشهيد حدثنا العذري حدثنا الرازي حدثنا الجلودى حدثنا ابن سفيان حدثنا مسلم حدثنا قتيبة حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن سهيل عن أبيه عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أشد أمتى لى حبا ناس يكونون بعدى يوم أحدهم لو رأني بأهله وماله) ومثله عن أبى ذر، وتقدم حديث عمر رضى الله عنه وقوله للنبى صلى الله عليه وسلم لأنت أحب إلى من نفسي وما تقدم عن الصحابة في مثله، وعن عمرو بن العاص رضى الله عنه ما كان أحد أحب إلى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن عبدة بنت خالد بن معدان قالت ما كان خالد يأوى إلى فراش إلا وهو يذكر من شوقه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أصحابه من المهاجرين والأنصار يسميهم ويقول هم أصلى وفصلي واليهم يحن قلبى طال شوقي إليهم فعجل رب قبضي إليك حتى يغلبه النوم، وروى عن أبى بكر رضى الله عنه __________ (قوله هم أصلى وفصلي) في الصحاح قال الكسائي قولهم لا أصل له ولا فصل: الأصل الحسب والفصل اللسان انتهى، وقال ثعلب قولهم لا أصل له ولا فصل: الأصل الوالد والفصل الولد. (*)
(2/21)
--------------------------------------------------------------------------------
أنه قال للنبى صلى الله عليه وسلم والذى بعثك بالحق لإسلام أبى طالب كان أقر لعيني من إسلامه - يعنى أباه أبا قحافة - وذلك أن إسلام أبى طالب كان أقر لعينك ونحوه عن عمر بن الخطاب قال للعباس رضى الله عنه أن تسلم أحب إلى من أن يسلم الخطاب لأن ذلك أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن ابن إسحاق أن امرأة من الأنصار قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا خيرا هو بحمد الله كما تحبين قالت أرنيه حتى أنظر إليه فلما رأته قالت كل مصيبة بعدك جلل، وسئل على بن أبى طالب رضى الله عنه كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمإ، وعن زيد بن أسلم خرج عمر رضى الله عنه ليلة يحرس الناس فرأى مصباحا في بيت وإذا عجوز تنقش صوفا وتقول: على محمد صلاة الأبرار * صلى عليه الطيبون الأخيار __________ (قوله يعنى أباه أبا قحافة) هو والد أبى بكر الصديق واسمه عثمان بن عامر أسلم يوم الفتح وتوفى سنة أربع عشرة بعد وفاة أبى بكر رضى الله عنه وخصه من تركة أبى بكر رضى الله عنه السدس فرده في أولاده وليس لنا والد خليفة تأخرت وفاته عن أبيه الخليفة وورث منه إلا أبو قحافة رضى الله عنه، وفى الصحابة آخر يسمى قحافة وهو ابن عفيف المزني (قوله جلل) بفتح الجيم واللام الأولى أي هين وضعة ويطلق الجلل أيضا ويراد به العظيم فهو من الأضداد (قوله على الظلماء) بالهمزة مع القصر والمد. (*)
(2/22)
--------------------------------------------------------------------------------
قد كنت قواما بكا بالأسحار * يا ليت شعرى والمنايا أطوار هل تجمعني وحبيبي الدار تعنى النبي صلى الله عليه وسلم، فجلس عمر رضى الله عنه يبكى وفى الحكاية طول * وروى أن عبد الله بن عمر خدرت رجله فقيل له اذكر أحب الناس إليك يزل عنك فصاح يا محمداه فانتشرت، ولما احتضر بلال رضى الله عنه نادت امرأته: واحزناه فقال واضرباه غدا ألقى الأحبة محمدا وحزبه * ويروى أن امرأة قالت لعائشة رضى الله عنها اكشفي لى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكشفته لها فبكت حتى ماتت، ولما أخرج أهل مكة زيد بن الدثنة من الحرم ليقتلوه قال له أبو سفيان بن حرب أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك يضرب عنقه وأنك في أهلك ؟ فقال زيد: والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذى هو فيه تصيبه شوكة وإنى جالس في أهلى، فقال أبو سفيان ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا * وعن ابن عباس كانت المرأة إذا أتت النبي صلى الله عليه وسلم حلفها بالله ما خرجت من بغض زوج __________ (قوله تنفش) بضم الفاء (قوله خدرت) بالخاء المعجمة والدال المهملة المكسورة (قوله ابن الدثنة) بدال مهملة مفتوحة فمثلثة مكسورة وقد تسكن فنون، قال ابن دريد هو من قولهم دثن الطائر إذ طار حول وكره ولم يسقط عليه (قوله أنشدك الله) أي أسألك بالله، ذكر أبو الفتح اليعمرى في سيرته عن ابن اسحاق كما قال المصنف، وذكر ابن عقبة أن الذى قيل له أتحب هو حبيب بن عدى حين رفع على الخشمة. (*)
(2/23)
--------------------------------------------------------------------------------
ولا رغبة بأرض عن أرض وما خرجت إلا حبا لله ورسوله، ووقف ابن عمر على ابن الزبير رضى الله عنهما بعد قتله فاستغفر له وقال كنت والله ما علمت صواما قواما تحب الله ورسوله. فصل في علامة محبته صلى الله عليه وسلم أعلم أن من أحب شيئا آثره وآثر موافقته وإلا لم يكن صادقا في حبه وكان مدعيا فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم من تظهر علامة ذلك عليه وأولها: الاقتداء به واستعمال سنته واتباع أقواله وأفعاله وامتثال أوامره واجتناب نواهيه والتأدب بآدابه في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه وشاهد هذا قوله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحبكم الله) وإيثار ما شرعه وحض عليه على هوى نفسه وموافقة شهوته قال الله تعالى (والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) وإسخاط العباد في رضى الله تعالى * حدثنا القاضى أبو على الحافظ حدثنا أبو الحسين الصيرفى وأبو الفضل بن خيرون قالا حدثنا أبو يعلى البغدادي حدثنا أبو على السنجى حدثنا محمد ابن محبوب حدثنا أبو عيسى حدثنا مسلم بن حاتم حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري عن أبيه عن على بن زيد عن سعيد بن المسيب قال أنس بن __________ (قوله ومنشطه ومكرهه) بفتح أولهما وثالثهما مصدران. (*)
(2/24)
--------------------------------------------------------------------------------
مالك رضى الله عنه قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا بنى إن قدرت أن تصبح وتمسى ليس في قلبك غش لأحد فافعل) ثم قال لى (يا بنى وذلك من سنتى، ومن أحيا سنتى فقد أحبنى ومن أحبى كان معى في الجنة) فمن اتصف بهذه الصفة فهو كامل المحبة لله ورسوله ومن خالفها في بعض هذه الأمور فهو ناقص المحبة ولا يخرج عن اسمها، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم للذى حده في الخمر فلعنه بعضهم وقال ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله) ومن علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم كثرة ذكره له فمن أحب شيئا أكثر ذكره ومنها كثرة شوقه إلى لقائه فكل حبيب يحب لقاء حبيبه وفى حديث الأشعريين عند قدومهم المدينة أنهم كانوا يرتجزون (غدا نلق الأحبة * محمدا وصحبه) وتقدم قول بلال ومثله قال عمار قبل قتله وما ذكرناه من قصة خالد بن معدان * ومن علاماته مع كثرة __________ (قوله الذى حده في الخمر) في صحيح البخاري هو عبد الله الملقب بحمار وقال الحافظ الدمياطي في حواشيه على البخاري: هذا وهم واسمه نعيمان تصغير نعمان شهد العقبة مع السبعين وبدرا وأحدا والخندق وسائر المشاهد وأتى به في شرب الخمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجلده أربعا أو خمسا فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يشرب وأكثر ما يجلد فقال عليه السلام لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله، وكان صاحب مزاح انتهى (قوله قال عمار قبل قتله) الذى قتل عمارا هو أبو العادية يسار بالمثناة التحتية المفتوحة والسين المهملة ابن سبع، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام وسمع منه (لا ترجعوا بعدى كفارا) الحديث. وكان إذا استأذن على معاوية يقول: قاتل عمار بالباب. (*)
(2/25)
--------------------------------------------------------------------------------
ذكره تعظيمه له وتوقيره عند ذكره وإظهار الخشوع والانكسار مع سماع اسمه، قال إسحاق التجيبى كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعده لا يذكرونه إلا خشعوا واقشعرت جلودهم وبكوا وكذلك كثير من التابعين منهم من يفعل ذلك محبة له وشوقا إليه، ومنهم من يفعله تهيبا وتوقيرا * ومنها محبته لمن أحب النبي صلى الله عليه وسلم ومن هو بسببه من آل بيته وصحابته من المهاجرين والأنصار وعداوة من عاداهم وبغض من أبغضهم وسبهم فمن أحب شيئا أحب من يحب وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحسن والحسين (اللهم إنى أحبهما فأحبهما) وفى رواية في الحسن (اللهم إنى أحبه فأحب من يحبه) وقال (من أحبهما فقد أحبنى ومن أحبنى فقد أحب الله ومن أبغضهما فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله) وقال (الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدى فمن أحبهم فيحبى أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذانى ومن آذانى فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه) وقال في فاطمة رضى الله عنها (أنها بضعة من يغضبني ما أغضيها) وقال لعائشة في أسامة بن زيد (أحيه فإنى أحبه)، وقال: (آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغضهم) وفى حديث ابن عمر (من أحب العرب فبحبي __________ (قوله اسحاق التجيبى) تجيب بضم أوله عند المحدثين وكثير من الأدباء وبفتحه عنه الباقين، والتاء عند هؤلاء أصلية، اسم لقبيلة من كنده (قوله غرضا) بفتح العين المعجمة والراء أي هدفا يرمى عليه (قوله يوشك) أي يقرب ويسرع. (*)
(2/26)
--------------------------------------------------------------------------------
أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم فبالحقيقة من أحب شيئا أحب كل شئ يحبه) وهذه سيرة السلف حتى في المباحات وشهوات النفس وقد قال أنس حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حوالى القصعة فما زلت أحب الدباء من يومئذ، وهذا الحسن بن على وعبد الله ابن عباس وابن جعفر أتوا سلمى وسألوها أن تصنع لهم طعاما مما كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ابن عمر يلبس النعال السبتية ويصبغ بالصفرة إذ رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعل نحو ذلك * ومنها بغض من أبغض الله ورسوله ومعاداة من عاداه ومجانبة من خالف سنته وابتدع في دينه واستثقاله كل أمر يخالف شريعته قال الله تعالى (لا نجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) وهؤلاء أصحابه صلى الله عليه وسلم قد قتلوا أحباءهم وقاتلوا آباءهم وأبناءهم في مرضاته وقال له عبد الله بن عبد الله بن أبى: لو شئت لأتيتك برأسه __________ (قوله الدباء) بالمد وحكى المصنف فيه القصر أيضا جمع دباة وهو الفرع (قوله من حوالى) بفتح اللام (قوله أتوا سلمى وسألوها) قال المزى في الأطراف كانت سلمى مولاة للنبى صلى الله عليه وسلم ويقال مولاة لصفية وهى زوج أبى رافع وداية فاطمة الزهراء أو قابلة إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وغاسلة فاطمة الزهراء مع أسماء بنت عميس (قوله السبتية) السبت بكسر السين المهملة جلود البقر المدبوغة بالقرظ يتخذ منها النعال، سميت بذلك لأن شهرها قد سبت عنها أي أزيل وحلق، وقيل لأنها أسبتت بالدباغ أي لانت وقال ابن قرقول عن الدراوردى منسوبة إلى موضع يقال له سوق السبت. (*)
(2/27)
--------------------------------------------------------------------------------
يعنى أباه. ومنها أن يحب القرآن الذى أتى به صلى الله عليه وسلم وهدى به واهتدى وتخلق به حتى قالت عائشة رضى الله عنها كان خلقه القرآن وحبه للقرآن تلاوته والعمل به وتفهمه ويحب سنته ويقف عند حدودها، قال سهل بن عبد الله: علامة حب الله حب القرآن وعلامة حب القرآن حب النبي صلى الله عليه وسلم وعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب السنة وعلامة حب السنة حب الآخرة وعلامة حب الآخرة بغض الدنيا وعلامة بغض الدنيا أن لا يدخر منها إلا زادا وبلغة إلى الآخرة، وقال ابن مسعود لا يسأل أحد عن نفسه إلا القرآن فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله ورسوله. ومن علامات حبه للنبى صلى الله عليه وسلم شفقته على أمته ونصحه لهم وسعيه في مصالحهم ورفع المضار عنهم، كما كان صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوفا رحيما. ومن علامة تمام محبته زهد مدعيها في الدنيا وإيثاره الفقر واتصافه به وقد قال صلى الله عليه وسلم لأبى سعيد الخدرى: (إن الفقر إلى من يحبنى منكم أسرع من السيل من أعلى لوادى أو الجبل إلى أسفله) وفى حديث عبد الله بن مغفل قال رجل للنبى صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إنى أحبك فقال (أنظر ما تقول) قال والله إنى أحبك - ثلاث مرات - قال (إن كنت تحبنى فأعد للفقر تجفافا) ثم ذكر نحو حديث أبى سعيد بمعناه. __________ (قوله وبلغة) بضم الموحدة ما يتبلغ به من العيش (قوله ابن مغفل) بضم الميم وفتح الغين المعجمة والفاء المشددة (قوله تجفافا) بكسر المثناة الفوقية بعدها جيم = = ساكنة شئ من سلاح يترك على الفرس يقيه الأذى وقد يلبسه الإنسان أيضا، وجمعه تجافيف ويروى جلباب وهو الإزار، قال القتيبى معناه أن يرفض الدنيا ويزهد فيها ويصبر على الفقر والتقلل فكنى بالتجفاف والجلباب عن الصبر لأنه يستر الفقير كما يستران البدن. (*)
(2/28)
--------------------------------------------------------------------------------
فصل في معنى المحبة للنبى صلى الله عليه وسلم وحقيقتها اختلف الناس في تفسير محبة الله ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم وكثرت عباراتهم في ذلك وليست ترجع بالحقيقة إلى اختلاف مقال ولكنها اختلاف أحوال فقال سفيان المحبة اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم كأنه التفت إلى قوله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني) الآية، وقال بعضهم محبة الرسول اعتقاد نصرته والذب عن سنته والانقياد لها وهيبة مخالفته، وقال بعضهم المحبة دوام الذكر للمحبوب، وقال آخر: إيثار المحبوب، وقال بعضهم المحبة الشوق إلى المحبوب، وقال بعضهم المحبة مواطأة القلب لمراد الرب يحب ما أحب ويكره ما كره، وقال آخر: المحبة ميل القلب إلى موافق له وأكثر العبارات المتقدمة إشارة إلى ثمرات المحبة دون حقيقتها وحقيقة المحبة الميل إلى ما يوافق الإنسان وتكون موافقته له إما لاستلذاذه بإدراكه كحب الصور الجميلة والأصوات الحسنة والأطعمة والأشربة الذيذة وأشباهها مما كل طبع سليم مائل إليها لموافقتها له، أو لاستلذاذه بإدراكه بحاسة عقله وقلبه معاني باطنة شريفة كحب الصالحين والعلماء وأهل المعروف
(2/29)
--------------------------------------------------------------------------------
المأثور عنهم السير الجميلة والأفعال الحسنة فإن طبع الإنسان مائل إلى الشغف بأمثال هؤلاء حتى يبلغ التعصب بقوم لقوم والتشيع من أمة في آخرين ما يؤدى إلى الجلاء عن الأوطان وهتك الحرم واخترام النفوس أو يكون حبه إياه لموافقته له من جهة إحسانه له وإنعامه عليه فقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها، فإذا تقرر لك هذا نظرت هذه الأسباب كلها في حقه صلى الله عليه وسلم فعلمت أنه صلى الله عليه وسلم جامع لهذه المعاني الثلاثة الموجبة للمحبة. أما جمال الصورة والظاهر وكمال الأخلاق والباطن فقد قررنا منها قبل فيما مر من الكتاب مالا يحتاج إلى زيادة. وأما إحسانه وإنعامه على أمته فكذلك قد مر منه في أوصاف الله تعالى له من رأفته بهم ورحمته لهم وهدايته إياهم وشفقته عليهم واستنقاذهم به من النار وأنه بالمؤمنين رؤف رحيم ورحمة للعالمين ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه ويتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويهديهم إلى صراط مستقيم، فأى إحسان أجل قدرا وأعظم خطرا من إحسانه إلى جميع المؤمنين، وأى إفضال أعم منفعة وأكثر فائدة من إنعامه على كافة المسلمين ؟ إذ كان ذريعتهم إلى الهداية ومنقذهم من العماية وداعيهم إلى الفلاح والكرامة ووسيلتهم إلى ربهم وشفيعهم والمتكلم عنهم والشاهد لهم والموجب لهم البقاء الدائم والنعيم السرمد فقد استبان لك أنه صلى الله عليه وسلم مستوجب للمحبة الحقيقة شرعا __________ (قوله واخترام النفوس) بالخاء المعجمة.
(2/30)
|
|