بسم الله الرحمن الرحيم
العمليات الأساسية لبناء الأسرة
مقدمة:
يعتبر الزواج عملية ذات اهمية محورية بالنسبة لبناء الاسرة واستمرار المجتمع, ونظرا لارتباط الزواج بالسياق الاجتماعي, فإنه من الضروري التفرقة بين الزواج كعملية اجتماعية ذات طبيعة إنسانية وبين التزاوج كسلوك بيولوجي بحت, ويتمثل الفارق بينهما في ان الزواج له متضمناته ووظائفه بالنسبة للفرد والأسرة والمجتمع, ثم إنه منضبط بمجموعة من المنظومات القيمية والقواعد والمعايير التي تحافظ علي طبيعته وأهدافه, وتجنبه الدخول في نطاق الانحراف والحرام, ويوصف الزواج بإنه عملية اجتماعية لأنه كواقعة يتحقق في اطار سياقات اجتماعية تساهم في انجازه كأسرة التوجية والجماعة القرابية الأوسع والجيرة والمجتمع المحلي, إضافة إلي أن الزواج له وظائفه البيولوجية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والنفسية, علي عكس التزاوج الذي يقتصر علي الوظيفة الجنسية البيولوجية فقط,فيشترك فيه الإنسان مع الحيوان, وهو لا يرتقي لكي يكون عملية اجتماعية كالزواج , ولكنه مجرد سلوك تتدفق من خلاله الطاقة الجنسية بين اثنين, وفي كثير من الاحيان يكون هذا السلوك عاريا عن أية ضوابط ثقافية أو اجتماعية, اللهم إلا في النادر.
ونحن إذا تأملنا الزواج كمدخل لتشكيل الأسرة, فإننا نجد أنه يتضمن كثيرا من العمليات الاجتماعية الفرعية التي تجعله يتميز بالطابع الانساني, وهي عملية التعارف, ثم القبول والخطبة, ثم توفير المتططلبات المادية, ثم عقد القران والزفاف,ونحن إذا تأملنا جملة العمليات المتضمنة في الزواج, فسوف نجد أنه كلما كانت العملية الفرعية في بدايتها, كانت القيود والضوبط الاجتماعية المفروضة أقل؛ ففي التعارف مساحة واسعة من الحرية,ثم تبدأ القيود مع الخطبة, وعند الزفاف لابد من مراعاة كافة الضوابط التي يقرها المجتمع في هذا الصدد, بالإضافة إلي ذلك فإننا نلاحظ أن العمليات الفرعية للزواج تبدأ بطابع جماعي ثم تنتهي بالطابع الفردي, ففي الماضي كانت الجماعة القرابية هي التي تتفق علي الزواج وعلي إنجاز كل عملياته, بينما دور أطراف الزواج له طبيعته الهامشية, وحتي في الزواج في الوقت الحاضر, فإن التعارف كعملية فرعية في الزواج قد يشارك فيها الأخرون, إلا أن عمليات الزواج وتفاعلاته تتم بعد ذلك بصورة فردية من قبل طرفي الزواج ,بالاضافة الي ذلك فإننا نجد أن للزواج شروطه ومتطلباته ووظيفته بالنسبة للفرد والأسرة والمجتمع.
وقد تعرضت الأسرة المسلمة للعديد من التغيرات التي اثرت علي بنائها ووظائفها وكذلك علي المعايير التي تحكم عملية الزواج بسبب التحولات الأقتصادية والسياسية والاجتماعية التي مرت بها المجتمعات العربية الاسلامية في النصف الثاني من القرن العشرين, غير أنه في ظل المؤثرات الثقافية والتعقيدات الاقتصادية وثورة الاتصالات التي صاحبت نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة ظهرت أنماط جديدة وتحولات للاسرة العربية والمسلمة- يمكن اعتبارها مؤشرا لبعض الاختراقات الأخلاقية للتصور الإسلامي للأسرة- تمثلت في النزوع لإشباع الرغبة العاطفية والجنسية مع التحلل من مسؤوليات الزواج والأسرة من خلال بعض الممارسات الخاطئة مثل : الزواج العرفي الفاقد للشرعية, والزواج المؤقت, والزواج السري, وزاوج الدم... وغير ذلك من الظواهر السلبية. غير أن هذه الممارسات والاختراقات مازالت ظواهر محدودة يرفضها المجتمع, وينظر إليها باعتبارها غير شرعية, الأمر الذي حولها إلي ممارسات سرية, مثال علي ذلك: الزواج العرفي الذي كان يتم بمرآي ومسمع من أسرة الفتاة وبموافقة الولي, أصبح يتم الآن بين الشباب بعيدا عن معرفة الأهل, والاكتفاء بشهادة الشباب علي زواج بعضهم ببعض, وتحت إشراف محامين فاسدين, ولا توجد إحصائيات دقيقة عن هذه الأشكال الفاسدة من العلاقات الجنسية غير المشروعة علي مستوي المجتمع العربي الإسلامي, غير أنه برغم ذلك فإن منظومة القيم الاسلامية الاصلية مازالت تحكم وتضبط وتراقب سلوكيات أفراد المجتمع الاسلامي رغم هذه الانحرافات.
ومما هو معلوم أن للزواج في الاسلام فوائد عديدة منها: التحصن من الشيطان بدفع غوائل الشهوة، ومنها: ترويح النفس بمخالطة الزوجة، ومنها: تفريغ القلب عن تدبير المنزل والتكفل به وتهيئة أسباب العيش، فإن الإنسان يتعذر عليه تحقيق ذلك مع الوحدة ولو تكفل بهذه الامور وحده لتبدد أكثر وقته ولم يتفرغ للعلم والعمل، فالمرأة الصالحة عونُ على هذا الدين بهذه الطريقة، ومن فوائد الزواج أيضاً مجاهدة النفس ورياضتها بالرعاية والولاية والقيام بحقوق الأهل والسعي في إصلاحهن وإرشادهن إلى طريق الدين والاجتهاد في كسب الحلال لأجلهن والقيام بتربية الأولاد وكل هذه الأعمال عظيمة الفضل.
لذلك كان الميل إلى حالة الإجتماع بالآخرين ميلاً نظرياً في الإنسان، والزواج تكثيف لهذا الميل، أجازه الله سبحانه وتعالى تلبيةً لهذا الميل، فهو الطريق الوحيد لحل العلاقة بين الرجل والمرأة.