الدرس الأول:
المقدمة النظرية:
المبادئ العشرة لعلم الميراث:-
1-الفضل:
العلم يكتسب شرفه من شرف موضوعه, وعلم الميراث يتعامل مع حدود الله تعالي وفروضه التي قدرها للورثة, ويتعلق بالقرآن والسنة, وهذا شرف كبير.
علم الميراث له فضل عام وخاص:
أما العام فكل ما ورد في فضل العلم في الكتاب والسنة يدخل فيه علم الفرائض ومنه :
أ- فضل تعلم العلوم الشرعية والتفقه في الدين, قال صلي الله عليه وآلهوسلم: (من يرد الله به خيرا يفقه في الدين) (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلي الجنة)
ب- فضل تعليمه للناس, قال صلي الله عليه وآلهوسلم : (بلغوا عني ولو آية).
وأما الفضل الخاص بعلم الميراث فمنه:
أ-طاعة واتباع للنبي صلي الله عليهوآله وسلم, فقد حثنا صلي الله عليه وسلم علي تعلمه وتعليمه, فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآلهوسلم : (تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنه نصف العلم, وهو يُنسي وهو اول شئ ينزع من امتي)
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ان رسول الله صلي الله عليهوآله وسلم قال:( العلم ثلاثة وما سوي ذلك فهو فضل, آية محكمة, وسنة قائمة, أو فريضة عادلة)
ب-اهتم الصحابه بتعلمه وتعليمه للمسلمين, قال عمر رضي الله عنه: (تعلموا الفرائض فإنها من دينكم)
ج-اهتمام السلف بهذا العلم وشغل أوقاتهم في تعلمه وتعليمه, قال الإمام مجاهد : الاعتناء بعلم الفرائض والاشتغال به مصلحة في الدين والدنيا وفي إهماله وتضييعه مفسدة فيها.
ويروي أن الوليد بن مسلم رأي في منامه أنه دخل بستانا فأكل من جميع ثماره إلا العنب الأبيض, فقص رؤياه علي شيخه الأوزاعي رحمه الله فقال : تصيب من العلوم كلها إلا علم الفرائض, فإنها جوهر العلم كما أن العنب الأبيض جوهر العنب.
2-الموضوع:
كيفية قسمة التركة بين المستحقين, إذن موضوعه له أربعة قضايا:
1-تحديد ما يدخل في التركة وما لا يدخل فيها.
2-تحديد من يرث ومن لا يرث وسبب ذلك.
3-مقدار ما لكل وارث.
4-الطريقة الحسابية التي نستخرج بها نصيب كل وارث.
3- الثمرة:
أ- إيصال الحقوق لأصحابها
ب- القدرة علي تقسيم التركة بين المستحقين بالوجه الشرعي
ج-التعبد بالعلم والفهم والتفقه في الدين
4-المسائل:
أصحاب الفروض, والعصبات , والحجب , وأصول المسائل , والعول , والرد , وغيرها.
5-تعريف علم الميراث:
الميراث لغة : مصدر ورث , وله معنيان:
الأول: البقاء, ومنه قوله تعالي (رب لا تذرني فردا وانت خير الوارثين) (الأنبياء 89) والوارث اسم من اسماء الله الحسني.
الثاني: الانتقال، يقال ورث زيد مال ابيه إذاانتقل المال له ، ويقال ورث عنه الكرم.
اصطلاحا : هو قواعد عامة يُعرف بها المستحقون للتركة ونصيب كل مستحق فيها.
6- أسماءه:
علم الفرائض- الميراث – المواريث – التركات-الأنصبة . وكثرة الأسماء تدل علي شرف المسمي.
7- النسبة:
هو من العلوم الشرعية, وهو بعض علم الفقه, وإنما أفرد في علم مستقل لسببين:
الأول لمزيد من الاهتمام لأنه علم هام ومستقل , والثاني لتعلقه بعلوم أخري منها :
علم الحساب: لمعرفة الأنصبة وأصول المسائل وتصحيحا وعدد الأسهم... وهكذا)
علم الأنساب: لمعرفة الصلة والقرابة بالمتوفي ودرجة القرابة منه..
8- الواضع:
واضع العلم هو أول من دون فيه وقعد القواعد وأصل مسائله, وواضع علم الميراث هو الله جل وعلا, فالله تعالي تكفل بقسمة الفروض والأنصبة بنفسه.
9- الحكم:
هو فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الإثم عن الآخرين وأصبح مستحبا في حقهم , وإذا لم يتعلمه أحد أثم الجميع, وهو فرض عين علي المتخصص.
10- المصادر (الاستمداد):
مصادر علم الميراث من الكتاب والسنة وإجماع واجتهادات الصحابة والفقهاء.
1– القرآن الكريم: أحكام الميراث في القرآن الكريم: نوعان:
النوع الأول: آيات الأحكام عامة:
كان العرب في الجاهلية لا يورثون المرأة ولا الطفل, وكانت حجتهم أنه لا يرث إلا من يحمل السلاح ويركب الفرس, وعندما جاء الإسلام بأحكام الميراث جاء بها التدرج حتي تتقبل النفس البشرية هذه الأحكام رويدا رويدا.
وحدث أن توفي صحابي يدعي أوس بن ثابت وترك زوجة وثلاث بنات, فأخذ ابنا عمه ماله, فذكرت امرأته ذلك للنبي صلي الله عليه وآلهوسلم , فنزلت الآيات العامة لتهيئة المسلمين للأحكام. قال تعالي (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا( 7) وإذا حضر القسمة أولو القربي واليتامي والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولاً معروفاً) (النساء7-8)
فعلموا أن النساء لهن نصيب في الميراث , وأرسل النبي صلي الله عليه وسلم لأقارب الرجل أن يوقفا تقسيم المال قائلا: لا تفرقا من مال أوس شيئا فإن الله جعل لبناته نصيباً) فلما هدأتنفوسهم واستقرت وتقبلوا الأمر ترقبوا تفصيل الميراث فكان ذلك تشويقاً لهم، ثم نزلت الآيات الخاصة .
النوع الثاني: آيات الأحكام الخاصة :
وهي أحكام تفصيلية تبين نصيب كل فرد من الورثة غلى سبيل الفرض، وذلك في ثلاث آيات من سورة النساء:
1-فالآية (11) توضح ميراث الفروع والأصول (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)
2-والآية (12) توضح ميراث الزوجين والإخوة لأم (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12))
3-والآية(176) توضح ميراث الإخوة الأشقاء والإخوة لأب (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)
2-السنة النبوية:
السنة الشريفة كما هو معلوم شارحة ومفصلة ومفسرة للأحكام، وهناك بعض الأحاديث التي تفسر الآيات، منها:
-عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر)
-وعن ابن مسعود رضي الله عنه في بنت وبنت ابن وأخت شقيقة قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( للابنة النصف ولبنت الإبن السدس وما بقي فللأخت)
3-الإجماع:
مثل الإجماع على أن فرض الجدة السدس حتى وإن تعددت الجدات، وأن ابن الإبن يأخذ مكان الإبن عند عدم وجوده، وأن الجد يأخذ مكان الأب عند عدم وجوده.
4-الإجتهاد:
وبدأ منذ عهد الصحابة فيما لم ينزل فيه نص، فاجتهدوا في مسائل قليلة، وكل مجتهد فيهم على صواب عندنا، فهم الصحابة رضوان الله عليهم وكل منهم أعمل عقله وفهمه في النصوص واجتهد بما عنده من العلم، ثم اجتهد الفقهاء من بعدهم، ومنهم من كان اجتهاده موافق لصحابي مثل موافقة اجتهاد الشافعي لمذهب زيد بن ثابت رضي الله عنه، ومنهم من اختار ما رآه صواباً بالنسبة له، وكل بلد تختار مذهبها والمذاهب كلها صحيحة لأنها اجتهادات بشرية.
يتبع بمشيئة الله.....