تابع فضل شهر رمضان
• كتاب الصيام – دار الإفتاء المصرية – صـ5-11 :
(فشهر رمضان هو أحد الشهور الاثنى عشر للسنة الهجرية قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} سورة التوبة 36 وهو شهر ميزه الله عن باقى شهور السنة بإنزال القرآن فيه ، وفريضة صيامه على المسلمين و اختصه بفضائل لا توجد في غيره من الشهور ، ليكون محلا للسبق ونيل أعلى الدرجات وتدارك الفائت من الأعمال والأوقات قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} البقرة 185
وقد اختص الله هذا الشهر الكريم بكثير من الفضائل والخيرات والبركات منها : 1 ـ اختصاصه بفريضة الصيام فيه : فقد فرض الله عز وجل الصيام على المسلمين قال ـ تعالى ـ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) البقرة 183
والصيام ركن من أركان الإسلام التى لا يكمل إسلام العبد إلا بالقيام بها قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( بنى الإسلام على خمس ...) ذكر منها ( .. وصوم رمضان ) .
ولما تميز الصوم عن غيره من العبادات بكونه ركنا فى الإسلام، وتميز عنها بفضائل كثيرة ستذكر فى محلها ـ بإذن الله ـ اختار الله تعلى أفضل الأوقات ليكون محلا لأداء هذه العبادة الشريفة والركن الأساس، وهو شهر رمضان؛ إذ اختصه الله عز وجل بعظيم الفضائل الكونية والربانية العميمة ، فأكثر فيه من الغفران ، ومحو السيئات ، وإقالة العثرات ، ورفع الدرجات ، ومضاعفة الحسنات ، واستجابة الدعوات ونجى فيه من النار كثيرا ممن استوجبوا دخولها ، وأفاض فيه على الصائمين نعيم الرضوان والنفحات ، فكثر فيه العفو ، وعظمت فيه البركة ، وعم فيه الخير ، وتنزلت فيه الرحمة فكان سيدا للشهور كلها ، لا يعدله سواه من الأوقات قال صلى الله عليه وآله وسلم: (سيد الشهور رمضان) . 2 ـ نزول القرآن فيه : القرآن الكريم هو المعجزة العظمى الخالدة الباقية الدالة على نبوته صلى الله عليه وآله وسلم على مر الزمان ، الجامعة للقوانين المنظمة للكون، الصالحة التطبيق فى كل زمان ومكان ، فكان حريا بأن يشرف به الزمان الذى ميزه الله وخصه بإنزاله فيه ، وقد اختص الله شهر رمضان من بين الشهور بإنزال القرآن فيه قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) البقرة 185 قال ابن عباس رضى الله عنهما : (أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ فى ليلة القدر من شهر رمضان ، فوضع فى بيت العزة فى سماء الدنيا ثم نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم منجما ـ أى مفرقا ـ بحسب الوقائع فى ثلاث وعشرين سنة ) .
وكما اختار الله تعالى هذا الشهر لإنزال القرآن الكريم فيه اختاره أيضا لإنزال غيره من الكتب المقدسة السابقة عليه فقد ورد عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ) . وفى هذا إشارة ربانية إلى تفضيل شهر رمضان ، وتمييزه على غيره من الاوقات .
3 ـ تفتح أبواب الجنة وأبواب الخير فيه : ففي شهر رمضان تفتح أبواب الخير وتغلق أبواب الشر وهو ما فسر به قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين ) فقوله (فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار) .
يحتمل أن يكون لفظ (فتحت) على ظاهره ، فيكون ذلك علامة على بركة الشهر وما يرجى للعامل فيه من الخير ، ويحتمل أن يريد بفتح أبواب الجنة كثرة الثواب على صيام الشهر وقيامه ، وأن العمل فيه يؤدى إلى الجنة ، كما يقال عند ملاقاة العدو: ( قد فتحت لكم أبواب الجنة ) بمعنى : أنه قد أمكنكم فعل تدخلونها به و ( غلقت أبواب النيران ) بمعنى كثرة الغفران والتجاوز عن الذنوب . وصفدت : أى شدت بالأصفاد ، وهى الأغلال ، وهو بمعنى سلسلت .
فإن قيل : قد تقع الشرور والمعاصي في رمضان كثيرا فلو سلسلت لم يقع شئ من ذلك فنقول : هذا في حق الصائمين الذين حافظوا على شروط الصوم وراعوا آدابه , وقيل : المسلسل بعض الشياطين وهم المردة لا كلهم والمقصود : تقليل الشرور فيه , وهذا أمر محسوس , فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره , وقيل : لا يلزم من تسلسلهم وتصفيدهم كلهم أن لا تقع الشرور ولا معصية , لأن لذلك أسبابا غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية .
ويحتمل أن يكون تصفيد الشياطين تعبيرا على سبيل المجاز , وهو عبارة عن تعجيزهم عن الإغواء وتزيين الشهوات , فيعصم الله فيه المسلمين أو أكثرهم في الأغلب من المعاصي ولا يخلص إليهم فيه الشياطين كما كانوا يخلصون إليهم في سائر السنة .
واختص الله عز وجل ليالي شهر رمضان كلها بكثرة الصلات الربانية , والنفحات الإلهية التي يتجلى بها الله على خلقه , ومن ذلك ما ورد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (إذا كان أول ليلة من رمضان , فتحت أبواب الجنان كلها , لا يغلق منها باب واحد الشهر كله , وغلقت أبواب النار , فلم يفتح منها باب واحد , وغلت عتاة الشياطين , ونادى مناد في السماء الدنيا كل ليلة إلى انفجار الصبح : يا باغي الخير هلم , يا باغي الشر انته , هل من مستغفر فيغفر له ؟ هل من تائب فيتاب عليه ؟ هل من سائل فيعطى سؤله ؟ هل من داع فيستجاب له ؟ ولله عز وجل عند وقت فطر كل ليلة من رمضان عتقاء يعتقون من النار ) .
4 ـ اشتماله على ليلة القدر: فضل الله عز وجل شهر رمضان بليلة القدر , بأن جعلها إحدى ليالي هذا الشهر الكريم , وهي الليلة التي أنزل الله عز وجل فيها القرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم , وميزها عن سائر الليالي كافة فصرح بذكرها في القرآن الكريم , ووصفها بأنها مباركة وبأنها خير من ألف شهر , قال تعالى: ( إنا أنزلنه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين ) .
وقال أيضا: ( إنا أنزلنه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر ).
والمعنى : أن العمل الصالح فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر, وإنما كان كذلك , لما يريد الله فيها من المنافع والأرزاق , وأنواع الخير والبركة .
5 ـ اختصاصه بكثير من المستحبات يتأكد فعلها فيه: نظرا لما اختص الله عز وجل به هذا الشهر العظيم من الكرامات والبركات والنفحات وتنزل الرحمات وكثرة التجليات , أكد فيه على فعل كثير من المستحبات تعرضا لمنن الله في هذا الشهر الكريم , ومن هذه المستحبات التي يتأكد فعلها في رمضان , ويعظم أجرها فيه أكثر مما لو أديت في غيره: مدارسة القرآن وكثرة تلاوته , وختمه , والإعتكاف , والصدقة , وصلاة التراويح , وتفطير الصائم , والعمرة , وإحياء ليلة القدر , والإكثار من فعل النوافل , على ما سيأتي الكلام عليها بالتفصيل – إن شاء الله تعالى - فيما يتعلق بهذا الشهر الكريم من طاعات " .) اهـ .
_________________ مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم
الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم
الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم
|