و من كراماته -سيدي أبي مدين الغوث- أيضا ما نقل عنه أنه كان رضي الله عنه يتكلم في الحقائق بعد صلاة الفجر فسمع به رهبان دير يعرفون بدير الملك و كانوا 70 فجاء من أكابرهم 10 بسبب الامتحان فتنكروا و لبسوا زي المسلمين و دخلوا المسجد و جلسوا مع الناس يستمعون و لم يعلم اذ ذاك أحد بهم . فلما أراد الشيخ أن يتكلم سكت حتى دخل رجل خياط فقال له الشيخ ما أبطأك قال له يا سيدي حتى فرغت من 10 طواقي التي أوصيتني عليها البارحة فأخذها الشيخ منه و نهض قائما و ألبس كل واحد من الرهبان طاقة فتعجب الناس و من ذلك لم يعلموا ما الخبر ثم شرع الشيخ في الكلام فكان من جملة قوله يا فقراء اذا هبت نسمة التوفيق من جانب الحق تعالى على القلوب المشرقة أطفأت كل النور ثم تنفس الشيخ رضي الله عنه فانطفأت قناديل المسجد كلها و كانت تفوق 30. ثم سكت الشيخ و أطرق فلم يجسر أحد أن يتكلم لعظم هيبته ثم رفع رأسه و قال لا الاه الا الله يا فقراء اذا أشرقت أنوار العناية على القلوب الميته عاشت و ضاء لها كل ظلمة ثم تنفس فاشتعلت القناديل و عاد اليها نورها و تطاربت و تمايلت حتى كاد أن يلحق بعضها ببعض. ثم تكلم الشيخ في اية السجدة فسجد و سجد الناس و سجد الرهبان مع الناس خشية الافتضاح فقال الشيخ في سجوده اللهم انك أعلم بتدبير خلقك و مصالح عبادك و ان هؤلاء الرهبان وافقوا المسلمين في لباسهم و السجود لك و انا قد غيرنا ظواهرهم و لن يقدر على تغير بواطنهم غيرك و قد أجلستهم على مائدة كرمك فانقذهم من الشرك و الطغيان و أخرجهم من ظلام الكفر الى نور الايمان فلما رفع الرهبان رؤسهم من السجود الا و قد مضى ما تقدم من الهجران و تخلصوا من الضلالة و الطغيان ثم تقدموا الى الشيخ و تابوا على يديه ببكاء و قلب حزين فصرخ الناس و بكوا لبكائهم و كان يوما مشهوداً.
المصدر:كتاب كرامات الأولياء , رسائل الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوه المستغانمي , لأحمد بن مصطفى بن محمد ( ص 27 - 28)