المجلس الثاني في يوم عاشوراء في الصحيحين [ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن يوم عاشوراء فقال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم صام يوما يتحرى فضله على الأيام إلا هذا اليوم ـ يعني يوم عاشوراء ـ و هذا الشهر ـ ـ يعني رمضان ] يوم عاشوراء له فضيلة عظيمة و حرمة قديمة و صومه لفضله كان معروفا بين الأنبياء عليهم السلام و قد صامه نوح و موسى عليهما السلام كما سنذكره إن شاء الله تعالى و روي [ عن إبراهيم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : يوم عاشوراء كانت تصومه الأنبياء فصوموه أنتم ] خرجه بقي بن مخلد في مسنده و قد كان أهل الكتاب يصومونه و كذلك قريش في الجاهلية كانت تصومه قال دلهم بن صالح : قلت لعكرمة : عاشوراء ما أمره ؟ قال : أذنبت قريش في الجاهلية ذنبا فتعاظم في صدورهم فسألوا ما توبتهم ؟ قيل : صوم عاشوراء يوم العاشر من المحرم و كان للنبي صلى الله عليه و سلم في صيامه أربع حالات : الحالة الأولى : أنه كان يصومه بمكة و لا يأمر الناس بالصوم ففي الصحيحين [ عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية و كان النبي صلى الله عليه و سلم يصومه فلما قدم المدينة صامه و أمر بصيامه فلما نزلت فريضة شهر رمضان كان رمضان هو الذي يصومه فترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه و من شاء أفطره ] و في رواية للبخاري [ و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من شاء فليصمه و من شاء أفطر ] الحالة الثانية : أن النبي صلى الله عليه و سلم لما قدم المدينة و رأى صيام أهل الكتاب له و تعظيمهم له و كان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر به صامه و أمر الناس بصيامه و أكد الأمر بصيامه و الحث عليه حتى كانوا يصومونه أطفالهم ففي الصحيحين [ عن ابن عباس قال : قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ قالوا : هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى و قومه و أغرق فرعون و قومه فصامه موسى شكرا فنحن نصومه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فنحن أحق و أولى بموسى منكم فصامه رسول الله صلى الله عليه و سلم و أمر بصيامه ] و في مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : مر النبي صلى الله عليه و سلم بأناس من اليهود قد صاموا عاشوراء فقال : ما هذا من الصوم ؟ ! قالوا : هذا اليوم الذي نجى الله عز و جل موسى عليه السلام و بني إسرائيل من الغرق و غرق فيه فرعون و هذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي فصام نوح و موسى عليهما السلام شكرا لله عز و جل فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أنا أحق بموسى و أحق بصوم هذا اليوم فأمر أصحابه بالصوم [ و في الصحيحين ] عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر رجلا من أسلم : أن أذن في الناس : من أكل فليصم بقية يومه و من لم يكن أكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء [ و فيهما أيضا ] عن الربيع بنت معوذ قالت : أرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة : من كان أصبح صائما فليتم صومه و من كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه [ فكنا بعد ذلك نصومه و نصوم صبياننا الصغار منهم و نذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه إياها حتى يكون عند الإفطار و في رواية فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة نلهيهم حتى يتموا صومهم و في الباب أحاديث كثيرة جدا و خرج الطبراني ] بإسناد فيه جهالة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يدعو يوم عاشوراء برضعائه و رضعاء ابنته فاطمة فيتفل في أفواههم و يقول لأمهاتهم : لا ترضعوهم إلى الليل و كان ريقه صلى الله عليه و سلم يجزئهم [ و قد اختلف العلماء رضي الله عنهم هل كان صوم يوم عاشوراء قبل فرض شهر رمضان واجبا أم كان سنة متأكدة ؟ على قولين مشهورين و مذهب أبي حنيفة أنه كان واجبا حينئذ و هو ظاهر كلام الإمام أحمد و أبي بكر الأثرم و قال الشافعي رحمه الله بل كان متأكد الاستحباب فقط و هو قول كثير من أصحابنا و غيرهم
_________________ اللهم صل على سيدنا محمد باب الاستجابة نبي التوبة و الإنابة صاحب طيبة المستطابة والرفعة المهابة وعلى آله وسلم
|