تبيين العجب بما ورد في شهر رجب (ص: 3-5)
تبيين العجب بما ورد في شهر رجب للحافظ ابن حجر العسقلاني
(بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
شاهدت بخط سيدي الأخ في الله- تعالى- الشيخ شمس الدين السخاوي، كان الله له. وجدت بخط شيخي شيخ الإسلام، حافظ الوقت أبي الفضل أحمد بن الإمام أبي الحسن، على بن محمد، العسقلاني الأصل، المصري، الشافعي، ابن حجر- رحمه الله تعالى- ما نصه:
الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأكبره تكبيرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي أرسل بالحق بشيرا ونذيرا- صلى الله وسلم عليه وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وآل كل وصحبه، قديما وأخيرا.
أما بعد:
فقد تكرر سؤال جماعة من الإخوان في جميع ما ورد في فضائل شهر رجب الفرد، وصيامه والصلاة فيه، وبيان صحيح ذلك من سقيمه، فسطرت في هذه الأوراق ما وصلت إليه بحسب العجلة.
قال ابن دحية: رجب. جمعه أرجاب، ورجبانات، وأرجبة وأراجب ورجابي. قال: وله ثمانية عشر اسما: الأول: رجب؛ لأنه كان يرجب في الجاهلية، أي يعظم.
الثاني: الأصم؛ لأنه ما كان تسمع فيه قعقعة السلاح.
الثالث: الأصب؛ لأنهم كانوا يقولون: إن الرحمة تصب فيه.
الرابع: رجم - بالميم - لأن الشياطين ترجم فيه.
الخامس: الشهر الحرام.
السادس: الحرم، لأن حرمته قديمة.
السابع: المقيم؛ لأن حرمته ثابتة.
الثامن: المعلى؛ لأنه رفيع عندهم.
التاسع: الفرد، وهذا اسم شرعي.
العاشر: منصل الأسنة، ذكره البخاري، عن أبي رجاء العطاردي.
الحادي عشر: منصل الآل، أي الجواب. وقع في شعر الأعشى.
الثاني عشر: منزع الأسنة.
الثالث عشر: شهر العتيرة؛ لأنهم كانوا يذبحون.
الرابع عشر: المبرى.
الخامس عشر: المعشعش.
السادس عشر: شهر الله. هذه ستة عشر.
ثم ذكر ابن دحية. السابع عشر: سمي رجبا؛ لترك القتال: يقال. أقطع لله الرواجب.
الثامن عشر: سمي رجبا؛ لأنه من الرواجب. وهذان ليسا اسمين زائدين، بل هذا اختلاف في اشتقاق اسم رجب.
ثم قال: وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب. قال: وذلك كذب.
قال الحربي: كان الإسراء ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول.
فصل لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه، - معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه - حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه عن غيره، ولكن اشتهر أن أهل العلم يتسامحون في إيراد الأحاديث في الفضائل وإن كان فيها ضعف، ما لم تكن موضوعة.
وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفا، وأن لا يشهر بذلك؛ لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف، فيشرع ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة.
وقد صرح بمعنى ذلك الأستاذ أبو محمد بن عبد السلام وغيره.
وليحذر المرء من دخوله تحت قوله صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين". فكيف بمن عمل به.
ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام، أو في الفضائل، إذ الكل شرع.
ثم نرجع فنقول: إن أمثل ما ورد في ذلك: ما رواه النسائي من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من الشهور ما تصوم في شعبان. قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ... "الحديث.
فهذا فيه إشعار بأن في رجب مشابهة برمضان، وأن الناس يشتغلون من العبادة بما يشتغلون به في رمضان، ويغفلون عن نظير ذلك في شعبان. لذلك كان يصومه.
وفي تخصيصه ذلك بالصوم- إشعار بفضل رجب، وأن ذلك كان من المعلوم المقرر لديهم.
ومن ذلك: ما رواه أبو داود في السنن، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد - يعني ابن سلمة - عن سعيد الجريري، عن أبي السليل- يعني ضريب بن نفير- عن مجيبة الباهلية، عن أبيها- أو عمها، أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ثم انطلق فأتاه بعد سنة، وقد تغير حاله وهيئته، فقال: يا رسول الله، أما تعرفني؟ قال صلى الله عليه وسلم: ومن أنت؟ قال: أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول. قال صلى الله عليه وسلم: فما غيرك وقد كنت حسن الهيئة؟ قال: ما أكلت طعاما منذ فارقتك إلا بليل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: لما عذبت نفسك؟ ثم قال: صم شهر الصبر، ويومان من كل شهر. قال: زدني، فإن بي قوة. قال صلى الله عليه وسلم: صم يومين فإن بي قوة. قال صلى الله عليه وسلم: صم ثلاثة أيام. قال: زدني. قال صلى الله عليه وسلم: صم الحزم واترك. صم من الحرم واترك. فقال: بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها.
ففي هذا الخبر - وإن كان في إسناده من لا يعرف - ما يدل على استحباب صيام بعض رجب، لأنه أحد الأشهر الحرم.
وأما حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من صام من شهر حرام: الخميس والجمعة، والسبت - كتبت له عبادة سبعمائة سنة "فرويناه في فوائد تمام الرازي. وفي سنده ضعفاء ومجاهيل.
وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب، أو فضل صيامه، أو صيام شيء منه صريحة، فهي على قسمين: ضعيفة، وموضوعة. ونحن نسوق الضعيفة ونشير إلى الموضوعة إشارة مفهمة). اهـ
_________________ مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم
الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم
الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم
|