موقع د. محمود صبيح

شــــــــــا طر ومشطــــــــــــــــور

أحست بقلبها يتوجع وأمتلات مآقيها بالدمع المحجوز وسحبت بنفسها الى الوراء وتقهقرت خروجا من مكان كان جنتها التى حلمت ....هامسة متوجعة هيهات لامثالى رى على وجه التراب
عادت الى بيتها الذى كان مرآة لمعاناتها ...اولاد وزوج لا يعرفون الا اياها قبلة لهم فيما يحتاجون .....تعمل وتاتى بكل ما يمكن ان تحمل ليس لها من المطالب شيىء سوى هذا الرداء الذى لا يتغيرزهدا أو قل صرفا....ليس لها فى البيت إلا كتب تتلمس فيها من تهوى ومكان تصلى ...وبكاء لا يهدأمن فقد من لا تجد.....وتعود لردائها المعتاد المترب والمملوء برائحة عرق الجهد والمعاناة تلبس حذائها الذى لاتأبه ان كان لامعا أم يحمل كل تراب الطريق ...فقط لها عصا تساعدها فى حمل جسدها المحمل المثقل بالفقد والوجد والحرمان ......كانت هذه السيدة الغريبة فى زمن ينكر أمثالها ...
تعشق الذهاب الى المقابر والانس بالسير بين الموتى وكأن الارواح تحت التراب تشتاقها...لكن بينهما برزخ لايبغيان تسير فى طرق المقابر بين زرع لا يتكلم ...وصخر وتراب صامت ....تصل الى الضريح تدخل وكأنها ثقل يرمى على الارض وتسند رأسها المهموم على سياج الضريح الخشبى تبكى وتبكى بحرقة من فقد الاهل والاصحاب ....قلبها يتوجع...اهاتها تمزق السكون ....أنات تحدث عن الحرمان.....تناجى يـــــــــا الله متى الراحة...كيف السبيل...تظل تبكى حتى يأتى زوجها هيا نغادر فقد غطت ظلمة الليل المقابر .....تقوم وكأنها جبل ثقيل لتخرج فى حالا اصعب مما جاءت...فقد فى حرمان .....دمع فى حزن ......وجد فى ألم .....ولكن لا احد يستوعب ربما أهل النور قد لا يدركن .....تعود وليس لها إلا الكتاب تمسكه بين يديها وتقرأ...تقرأ...تستهلك كل مابها فى القراءة ..ولكن هذه القراءة تأخذها الى باحات مفتوحة ترى فيها اهل الله يروحن فيها.. فكيف ...كيف لها من دواء ....تكبر الصورة وتبكى وتذهب لتبحث عن هؤلاء الذين ربما هم قرأنا يمشى على الارض ....صورة من الحبيب الانور.....
خرجت فى اليوم التالى بملابسها التى تخفى مافيها من اى شيىء جميل بالعكس تعطيها مسحة مزعجة لكل من رآهاتمسك بعصاها وتمشى خارجة من منازل الفقراء تذهب بعيدا ....بحثا عن قصر يسكنه من قيل عنه ان له من ملك الله الظاهر والباطن ........نظرت من بعيد إذاقصر مشيد ..ذو أنوار وزينات يحيط به حجاب وحراس ....
نظرت الباحثة الفقيرة....كيف الدخول ...ربما يمنعوها يسألون من أنت ولماذا أنت هنا ....تختار مكان بعيد متوارى يتيح لها النظر .....ترى مركبات فاخرة تأتى الواحدة تلو الاخرى ينزل منها رجال لهم ملابس فاخرة ووجوه جميلة .....أطفال تملاها السعادة والبهجة الكل فرح ....وكأن لا هم يشغلهم ...تنظر من بعيد ....كأن لا حق لها حتى الحلم بالوصول الى ساكن القصر....
عادت السيدة أدراجها تجرقدميها بثقل مستندة على عصاها ...دخلت منزلها والعشاء قد أذن وبصمت دخلت مكان تعبدها والدمع يسبق قدميها والوجع يجيش بالقلب ....تقف تجاه القبلة ..تتوجه للصلاة تنظر لاعلاها وكأن الملكوت أمامها مفتوح....تبكى....يــــــا الله أشتاقك ...كيف وقد قسمت لى زمن أعيشه فوق التراب ....متى اللقاء يادهر ..ياديهور يا دهيار....بابك الاعظم بعيد الزمان والمكان ....أبواب بابك ليس لى مكان بينهم ...كيف ياسيدى الوصول....أين ياسيدى القوت .....ياسيدى المنتقلون يبكونى والاحياء باسيدى لا يتحملونى ..... كيف يا ربى وتأخذ فى البكاء والمناجاه حتى يأخذها النوم فى مكان صلاتها ......نامت ذات الجسد المتعب....فجأة رأت فيما يرى النائم من يهزها أحست انه ساكن القصر
قائلا انتبهى ..هزها بقوة أرهبتها .....إسمعى لا كيل لك عندى ..فلا تزعجينى...ليس لامثالك مكان فى من أهتم .....ليس لك منى إن أردت إلا صدقات ....قد أتصدق عليك بمال يعينك وأولادك لتعيشى وتأكلى أما الشاطر والمشطورووصال النوروسادن البيت المعمور ..ليس لك عندى من هذا إطعام .......اذهبى...إذهبى فلا أريد منك إزعاجا ولا شغلا لأذهان المترفين ممن حولى ...وأنتبهت وكأن هناك من يخنقها يمنع عنها النفس ..
قامت وتحاملت ...جمعت أشلائها وذهبت بعد أن إرتدت ملابسها المعهودة ......ومشت كما هى صامتة كالحة محملة مهمومة تفكر فيما رأته من رؤيا....ولكن العطش والجوع للعيش فى العشق التبريزى كان يغلب فقدها وحاجتها ......ليس أمامها الا ساكن القصر سأذهب واحاول طرق الطرقات بل ربما الابواب .....خرجت تمشى من بيتها حتى الاعالى ...لمعت أنوار القصر تتلالا تقشع الظلمات ....ووجدت كثير من العربات ينزل منها أصحابها ..يدلفون تجاه القصر .....هرولت بسرعة مختبأة ..دلغت بينهم دون ان يشعر بها من قد يمنعها .....نظر إلي من حولها باستغراب وقلبت احداهن شفتيها قائلة لها أين تذهبين ...من انت....لم نرك من قبل......
ردت السيدة الباحثة الفقيرة....أنى اعمل هنا جئت الى سيدات القصر ربما يحتجن خدمتى فى يوم الجمع هذا ...وافسحت لهن والصقت نفسها بالجدار حتى لا يتاذين منها ....ودائماتسير والدمع ملأ المآقى ...صعد الحميع الى مكان الاستقبال فى القصروالكل يتضاحك ويبتسم وهى تنظر إليهم نظر المحروم من جوار من يعشق ....ودخل الجميع ....وقفت على طرف من الجميع لا يظهر من مظهرها الرث سوى ما يسمح برؤية السيد...
وفى لحظة نظرت من بعيد التقى طرفها بنظركبير القصر سألها من انت من اين اتيت وكيف دخلت الى هنا ...قهرها الجميع ان اجيبى ...تلعثمت قالت انا....ياسيدى قادمة من بلاد العشق أسأل عن شاطر ومشطور بينها لجة من نور.....رد بصوت من انت وما المشطور ومن ادراك بلجة النور .ردت ياسيدى انا المشطوربسيف من عشاق النور....رد ماذا تريدين منى وممن أحوط وأرعى ......قاطعته يا سيدى أسأل عن مجداف البحور عن حلقة فلاة المسطور...... عنفها وبعد ....ياسيدى احسبكم اتيتم من وادى التبريز....احسبكم الادنى والاقصى..منكم فيكم الاسرا...وديان العشق ملك لكم....ردعليها كان هذا يشغلنى من زمن مضى ولكن الان اهتمامى بمن ترين هل انت منهم ..هل انت مثلهم ليس لهم مثل عصاك الخشنة ولا ثيابك الرثة ولاعطرك الرخيص ....ليس هذا مكان حوارك ولازمان ماتسألين....اذهبى اذهبى ....فكل ما يهمنى عائلتى .....وهؤلاء الذين ترين
وجوه نضرة ابحث لهم عن دائم النضرة ....احفظ لهم ملابسهم الفاخرة ادبر لهم دائم طعامهم الدسم ...مراكبهم الفاخرة...كل ما يهمنى حفظ القصرومن فيه ومن هم فى زيارته.......اما ما يشغل امثالك فلا كيل لكم عندى.....
وعنفها آذيت من أجالس وأزعجت أمنهم ...لا سؤال لك عندى وليس لك منى كلام تسمعيه فقط خذى وقذف لها بعملات... إنحت السيدة المثقلة تجمع العملات وامسكت بهم بشدة وكانها تخشى ان تهرب من كفيها همست قبضة من قبس النور ....وقالت شكرا ايها المتفضل.......رد والان اذهبى من حتى لا تزعجى من أحوط وأهتم ...خرجت ونزلت وهى تسمع ضحكاتهم وثرثرتهم ...كالطير المذبوح ذهبت......
مضت ايام ليست بالطويلة واحست السيدة باشياء غريبة وكأن أيامها بين الاشياء قاربت على النهاية.....تحاملت على نفسها واستأذت من فى بيتها وذهبت حيث ساكن القصر ......وصعدت حيث كان .....وبصوت هادىء ضعيف قالت له قبل ان يعنفها ...ايها السيد حان اللقاء ...اريد ان يكون اخر عهدى فوق التراب هو دفتيك فلا تحرم امثالى من ذلك ايها اليوسفى ....
قال لها بهدوء غير معهود الم اقل ليس لك عندى من شيىء او بمعنى مش مقسوم لك .......ان تكونى فى قصرى .....ردت اعلم ايها الشمس ولكن هكذا اتيتك
وترنحت وكادت ان تقع لولا انه اسندها بذراعيه ولاول مرة يشرق وجهها بالسعادة وهى تقول كم كنت اتمنى ان أكون فى جوارك ...فى رحابك ....فى خيمتك اوربما فى عبائتك ....ولو فى القبر ......كنت اتمنى ان تشبعنى حديثا عن شاطر ومشطور ولجة النور ..عن عالم سادن البيت المعمور ....اغمضت عيناها ..اسندت راسها فى عمق عظام اكتافه ولفظت انفاسها بعد ذكر ...ربى انى لما انزلت الى من خير فقير........وكشف للسيد القصر ماهو مخبوء فرأى الرداء الرث المترب بدل برداء من نور والوجه المعنى المتعب اصبح مشرق جميل ...الجسد المتعب المثقل وكأنه طير فى الحضرة ....
وللحظة راى السيد من كشف الملكوت عربة لها بريق الذهب تكللها الورود تجرها خيل لها بروق وجمال من فى السماوات وكأن ملائكة جاءت تحمل هذا الجسد الذى كانت كل حياته آلام وتفتت من كبد العشق ....حملته ووضعته بخفة وحنان فى المركبة التى طارت بها فى غيب الملكوت حتى يروى الجسد والروح من شاطر النور وسادن البيت المعمور