والمؤمنون يرون الله في الآخرة ولا يرونه في الدنيا.
أما الكفار فمحرومون من رؤيته في الآخرة لقوله تعالى: {إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)} [المطففين: 15]، على ذلك كله يجمع أهل السنة والجماعة من الماتريدية والأشعرية، ولكنهم يختلفون بعد ذلك فيما بينهم على جواز الرؤية عقلاً، فالماتريدي يرى أن العقل لا يستطيع البرهنة على جواز الرؤية فيؤمن بها بدون تفسير بينما يستدل عليها الأشعري بالعقل، ودليل الأشعري على الرؤية يسمى بدليل الوجود، أن المرئيات في الشاهد قد صحت رؤيتها لأنها موجودة، والله موجود، إذن تصح رؤيته، أما أن المرئيات في الشاهد قد صحت رؤيتها لأنها موجودة؛ فذلك لأننا نرى أشياء مختلفة الحقائق من جواهر وأعراض، نرى الأجسام كما نرى الألوان، ولابد من البحث عن وصف مشترك بين هذه الحقائق المختلفة نعلل به إمكان رؤيتها حتى تطرد العلة وتنعكس، ولقد دل السبر والتقسيم على أنه لا مشترك بين هذه الحقائق المختلفة من الجواهر والأعراض إلا الوجود والحدوث، لكن الحدوث لا يجوز أن يكون علة لامكان الرؤية، لأن الحدوث عبارة عن وجود مسبوق بعدم، والعدم لا تأثير له في الحكم، وإذا لم يصح الحدوث لم يبق إلا الوجود، والوجود مشترك فيه بين الشاهد والغائب، فإذن وجود الله علة صالحة لجواز رؤيته، وإذا حصلت العلة حصل الحكم لا محالة فوجب القول بصحة رؤيته.
ولقد نصر دليل الأشعري معظم أصحاب الماتريدي، نصره أبو معين النسفي في "تبصرة الأدلة" وعلي بن محمد البزدوي في "كشف الأسرار" ونور الدين الصابوني في "البداية من الكفاية في الهداية في أصول الدين"، كما اعترض على دليل الوجود فخر الدين الرازي وأعلن تمسكه في الرؤية بموقف الماتريدي، ومن المعروف أن الرازي من أنصار مذهب الأشعري.أهـ
المصدر: كتاب التوحيد لأبي منصور الماتريدي (ص:30-31) لـ د/ فتح الله خليف.