الْبَاب الْعَاشِر
فِي شرح الْفرق الَّذين هم خارجون على الْإِسْلَام بِالْحَقِيقَةِ وبالإسم
وَهَذَا الْبَاب مُرَتّب على سِتَّة فُصُول
الْفَصْل الأول
فِي شرح فرق الْيَهُود(1)
وهم متفقون على أَن النّسخ غير جَائِز وَكلهمْ يُؤمنُونَ بمُوسَى عليه السلام وَهَارُون ويوشع وَأَكْثَرهم يُؤمنُونَ بالأنبياء الَّذين جاؤا بتقرير شرع مُوسَى عليه السلام وَبَعْضهمْ يُنكر ذَلِك والأغلب عَلَيْهِم التَّشْبِيه وهم فرق كَثِيره إِلَّا أَنا نذْكر الأشهرين مِنْهُم
الأولى العنانية
أَتبَاع عنان بن دَاوُد(2) وَلَا يذكرُونَ عِيسَى بِسوء بل يَقُولُونَ إِنَّه كَانَ من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى وَإِن لم يكن نَبيا وَكَانَ قد جَاءَ لتقرير شرع مُوسَى عليه السلام، وَالْإِنْجِيل لَيْسَ بِكِتَاب لَهُ بل الْإِنْجِيل كتاب جمعه بعض تلاميذه
الثَّانِيَة العيسوية
أَتبَاع أبي عِيسَى بن يَعْقُوب الْأَصْفَهَانِي(3) وهم يثبتون نبوة سيدنا مُحَمَّد صلى اه عليه وآله وسلم يَقُولُونَ هُوَ رَسُول الله الى الْعَرَب لَا الى الْعَجم وَلَا الى بني اسرائيل
الثَّالِثَة المعادية
أَتبَاع رجل من هَمدَان (4) وهم فِي الْيَهُود كالباطنية فِي الْمُسلمين
الرَّابِعَة السامرية
وهم لَا يُؤمنُونَ بِنَبِي غير مُوسَى وَهَارُون وَلَا بِكِتَاب غير التوراة وَمَا عداهم من الْيَهُود يُؤمنُونَ بالتوراة (5) وَغَيرهَا من كتب الله تَعَالَى وَهِي خمس وَعِشْرُونَ كتابا ككتاب اشعيا وارميا وحزقيل(6)
المصدر:اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للفخر الرازي (ص: 241 - 244) - طبعة المكتبة لأزهرية للتراث والجزيرة للنشر والتوزيع 2008
الهوامش:
(1): اليهود، من هاد الرجل أي رجع وتاب وإنما لزمهم هذا الإسم لقول سيدنا موسى عليه السلام : ( إنا هدنا إليك) أي رجعنا ..... واليهود هم أمة سيدنا موسى عليه السلام، والكتاب الذي نزل إليهم هو التوراة ، الذي هو أول كتاب ينزل من السماء ، وإن كان قد سبقه ما نزل على سيدنا إبرهيم وغيره من الأنبياء إلا أن ما نزل قبل التوراة يسمى صحفاً. وقيل إنهم سموا يهوداً لأنهم ينسبون إلى يهوذا أكبر أبناء سيدنا يعقوب عليه السلام، وعربت الذال دالاً ، وقيل سموا يهوداً لأنهم مالوا عن الإسلام وعن دين سيدنا موسى عليه السلام. وقيل بل لأنهم يتهودون أي يتحركون عند قراءة التوراة ويقولون : إن السموات والأرض تحركت حين أتى الله موسى التوراة.
(2):قال المقريزي: إن العانانية ينسبون إلى عانان رأس الجالوت الذي قدم من الشرق في أيام الخليفة أبي جعفر المنصور وأنه رأى ما عليه اليهود من الربانيين والقرائين يخالف ما معه فتجرد لخلافهم وطعن عليهم في دينهم وازدرى بهم. وكان عانان عند اليهود عظيماً فهم يرون أنه من ولد داود عليه السلام وأنه على طريقة فاضلة من النسك على ملتهم وأنه لو ظهر في أيام عمارة البيت لكان نبياً.
وبذلك لم يقدروا على مناظرته لما يعرفون عنه من العلم وأيضاً لأنهم يخافون الخليفة الذي قربه إليه وأكرمه. والعنانية يقوم مذهبهم على أن سيدنا عيسى من أولياء الله وليس بنبي وأنه قد جاء لتقرير التوراة وأن الإنجيل ليس بكتاب له وإنما هو كتاب جمعه بعض تلاميذه.
ويخالفون سائر فرق اليهود في السبت وفي الأعياد ويقتصرون على أكل الطير والأسماك والظباء ويذبحون الحيوان على قفاه ويقولون: إن اليهود ظلموا عيسى أولاً حين كذبوه ولم يعرفوا دعواه بعد. وظلموه ثانياً بقتله وهم لم يعلموا محله. وقد ورد ذكر المشيحا في مواضع كثيرة من التوراة وهو المسيح.
(3)العيسوية: ويقال لهم أيضاً : الأصبهانية. وهم أصحاب أبي عيسى الأصبهاني أو الأصفهاني. وقد ادعى النبوة وأنه عرج به إلى السماء فمسح الرب على رأسه، ويزعم يهود أصبهان أنه هو الدجال وأنه يخرج من ناحيتهم. وقيل إن اسم أبي عيسى هو عوفيد الوهيم أي عابد الله . وقد ابتدأ دعوته في زمن آخر ملوك بني أمية مروان بن محمد بن مروان. وقد اتبعه كثير من اليهود وادعوا أن له آيات ومعجزات. بل ويزعمون أن من معجزاته أنه لما حورب خط على أصحابه خطاً بعود آس، وقال لهم: أقيموا في هذا الخط فليس ينالكم عدو بسلاح. وكان الأعداء يحملون عليهم حتى إذا وصلوا إلى الخط رجعوا خائفين.
وكان أبو عيسى يزعم أنه رسول المسيح المنتظر وأن للمسيح خمسة من الرسل يأتون قبله. وادعى أن الله كلمه وكلفه أن يخلص بني إسرائيل من أيدي الأمم العاصين والملوك الظالمين وزعم أن المسيح أفضل ولد آدم وأنه أعلى منزلة من الأنبياء الماضين وإذ هو رسوله فهو أفضل الكل أيضاً. وأوجب على أتباعه عشر صلوات. وذهبت العيسوية إلى أن سيدنا محمداً وسيدنا عيسى عليهما الصلاة والسلام إنما بعثا إلى قومهما ولم يبعثا بنسخ شريعة سيدنا موسى.
(4): قيل اسمه : يوذعان. وقيل يهوذا وكان يحث على الزهد والإكثار من الصلاة وينهي أتباعه عن أكل اللحوم وشرب الأنبذة وكان يقول إن للتوراة ظاهراً وباطناً وتنزيلاً وتأويلاً وقد خالف عامة اليهود في التأويل وفي التشبيه ومال إلى القدر وأثبت الفعل للعبد وقدر الثواب والعقاب عليه.
(5)السامرية أو السامرة: هم قوم قدموا من الشرق إلى الشام فسكنوها وتهودوا وكانوا يزعمون أنهم من أولاد سيدنا يوسف. وقالوا بقدم العالم وكانوا يتقشفون أكثر من بقية اليهود. وظهر منهم رجل اسمه (الألفان) ادعى النبوة وزعم أنه هو الذي بشر به موسى وأنه هو الكوكب الذي ورد في التوراة أنه يضئ، وقد افترقوا إلى فرقتين ، الألفانية والكوسانية نسبة إلى جبل بنابلس اسمه (كزيرم) مذكور في التوراة ويُصلون إلى هذا الجبل وبه عين تحت كهوف يعظمونها ويزورونها، والكوسانية يقرون بالآخرة وأن الثواب والعقاب فيها. أما الدوستانية (الألفانية) فيزعمون أن الثواب والعقاب في الدنيا، والسامرة يدعون أن التوراة التي بأيديهم هي التوراة الحقيقية وأن ما بيد غيرهم من اليهود من التوراة فهي محرفة مبدلة ويتخذون لأنفسهم لغة غير لغة اليهود.
(6) ما ذكر هنا هو الفرق الأربع الكبرى من اليهود، ومنهم تشعبت الفرق إلى إحدى وسبعين فرقة، واليهود جميعاً يجمعون على أن التوراة بشرت بواحد بعد موسى، وإنما افتراقهم في تعيين ذلك الواحد. أو في الزيادة على الواحد. وذكر المشيحا وآثاره ظاهر في الأسفار وخروج واحد في آخر الزمان اتفق عليه اليهود وهم منتظرون لظهوره. والظاهر أنه مسيحهم الدجال أهـ