هذه رسالة "حسن البيان في إزالة بعض شبه وردت على القرآن".
للإمام العلامة محمد بخيت المطيعي رحمه الله.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله الذي أرشد العلماء العاملين لفهم خطابه فغاصوا في بحار الحكم ففازوا بلذة شرابه ، وكشف لهم رقائق الدقائق فكشفوا غياهب الشك عن عيون الحقائق.
والصلاة والسلام على سيد الخليقة ومظهر الأنوار ومعدن الحقيقة وعلى آله وأصحابه وذريته وأحبابه.
(وبعد) فقد ورد علينا من بعض الجهات شبه يراد الجواب عنها حاصلها أن الله سبحانه وتعالى حكى في كتابه العزيز أقوالًا كثيرة نسبها إلى بعض المخلوقات مثل قوله تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام "يابني لا تقصص رؤياك على إخوتك" وغير ذلك فإن كانت تلك الأقوال كلام الله صادرًا منه فكيف مع نسبتها في القرآن لغيره وإنها كلام ذلك الغير وإن كانت من كلام الغير كما هو صريح القرآن فكيف يكون القرآن كله كلام الله تعالى ؟
ومع ذلك فالقرآن كله بألفاظ عربية وكثير ممن حكى القرآن الأقوال عنهم لم تكن لغتهم العربية كيعقوب عليه السلام مثلًا.
قلت يجاب عن تلك الشبه وأمثالها بأن من المُسّلم أن كثيرًا ممن حكى عنهم القرآن لم تكن لغتهم عربية كما كر فإن يعقوب عليه السلام هو ابن إسحاق عليه السلام وهو ابن إبراهيم عليه السلام وكانت لغة إبراهيم عليه السلام ولغة أولاده غير العربية كما لا يخفى ما عدا إسماعيل عليه السلام فإنه تعلم اللغة العربية بأرض الحجاز وأولاده هم العرب المستعربة والذين تعلم منهم إسماعيل – عليه السلام – هم العرب العاربة.
لكن لا يلزم في الحكاية أن تكون بنفس الألفاظ واللغة التي تكلم بها المحكي عنه كما هو واضح ، فجاز أن تكون الحكاية عنهم باللغة العربية وإن لم ينطقوا بها وحينئذ تكون الجمل المحكية عن يعقوب عليه السلام وغيره من المخلوقات في القرآن باعتبار الحكاية والعبارة التي وقعت بها تلك الحكاية كلام الله تعالى وهي باعتبار المحكي.
والعبارة التي وقعت من المحكي عنهم كلام من حكيت عنهم في القرآن.
يتبع إن شاء الله.