من المعلوم أن المولى سبحانه وتعالى واجب الوجود ، ويختلف اختلافاً كلياً عن وجود المخلوقات الممكنة الوجود.
قال تعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى :11] فو لم يرد في القرآن إلا هذا النص لكفى.
وقد ينصرف فهم بعض الناس إلى أن هذه الآية تنفي المثيل ، والأمر خلاف ذلك ، فالكاف : كاف التشبيه : تجعل النفي للتشبيه والتمثيل ، معاً.
فالتمثيل : المماثلة لجميع الأوجه.
أما التشبيه فهو : وجود شبه ولو بصورة واحدة ، وهو منفي كذلك ، بل ولشدة المبالغة لم يقل المولى ليس مثله ، بل قال : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ} ، فهي نفي لشبيه المثيل وهو من المبالغة في التنزيه عن المثيل والشبيه.
والتشبيه في اللغة : [1]
الشِّبْهُ والشَّبَهُ والشَّبِيهُ: المِثْلُ، وَالْجَمْعُ أَشْباهٌ. وأَشْبَه الشيءُ الشيءَ: مَاثَلَهُ.
وَفِي الْمَثَلِ: مَنْ أَشْبَه أَباه فَمَا ظَلَم.
وشَبَّهه إِياه وشَبَّهَه بِهِ مَثَّلَهُ. والمُشْتَبِهاتُ مِنَ الأُمور: المُشْكِلاتُ.
والمُتَشابِهاتُ: المُتَماثِلاتُ. وتَشَبَّهَ فلانٌ بِكَذَا. والتَّشْبِيهُ: التَّمْثِيلُ.
وعلى هذا فالتشبيه : هو إثبات المماثلة بين الله تعالى وبين شيء من خلقه بوجه من الوجوه.
وقولنا "بوجه من الوجوه" : قيد للاحتراز عن انحصار التشبيه في المماثلة من كل وجه ، بل يكفي لوقوعه وقوع التمثيل ولو في صفة واحدة فالقول به خطر شديد.
ولشناعة أمر التشبيه تبرأ السلف الصالح من التشبيه وأهله ونزهوا عقائدهم ، وأقوالهم في صفات الله سبحانه وتعالى عن هذه الجريمة النكراء.
قال الإمام البيهقي في سننه الكبرى (3 / 2) : [أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ، ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: سُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي جَاءَتْ فِي التَّشْبِيهِ، فَقَالُوا: أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفِيَّةٍ.]اهـ
وقال أيضاً الإمام البيهقي في السنن الكبرى(3/4):[أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيَّ يَقُولُ:"حَدِيثُ النُّزُولِ قَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوهٍ صَحِيحَةٍ وَوَرَدَ فِي التَّنْزِيلِ مَا يُصَدِّقُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر:22]،وَالنُّزُولُ وَالْمَجِيءُ صِفَتَانِ مَنْفِيَّتَانِ عَنِ اللهِ تَعَالَى مِنْ طَرِيقِ الْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ بَلْ هُمَا صِفَتَانِ مِنْ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى بِلَا تَشْبِيهٍ جَلَّ اللهُ تَعَالَى عَمَّا تَقُولُ الْمُعَطِّلَةُ لِصِفَاتِهِ، وَالْمُشَبِّهَةُ بِهَا عُلُوًّا كَبِيرًا ". قُلْتُ: وَكَانَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللهُ يَقُولُ: إِنَّمَا يُنْكِرُ هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الْحَدِيثِ مَنْ يَقِيسُ الْأُمُورَ فِي ذَلِكَ بِمَا يُشَاهِدُهُ مِنَ النُّزُولِ الَّذِي هُوَ تَدَلِّي مِنْ أَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ، وَانْتِقَالٌ مِنْ فَوْقٍ إِلَى تَحْتٍ وَهَذِهِ صِفَةُ الْأَجْسَامِ وَالْأَشْبَاحِ، فَأَمَّا نُزُولُ مَنْ لَا تَسْتَوْلِي عَلَيْهِ صِفَاتُ الْأَجْسَامِ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ غَيْرُ مُتَوَهَّمَةٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ قُدْرَتِهِ وَرَأْفَتِهِ بِعِبَادِهِ، وَعَطْفِهِ عَلَيْهِمْ، وَاسْتِجَابَتِهِ دُعَاءَهُمْ، وَمَغْفِرَتِهِ لَهُمْ، يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى صِفَاتِهِ كَيْفِيَّةٌ وَلَا عَلَى أَفْعَالِهِ كَمِّيَّةٌ، سُبْحَانَهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.]اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] لسان العرب لابن منظور (13/503).