اشترك في: الاثنين أغسطس 19, 2013 6:15 pm مشاركات: 288
|
عن التوحيد
قد يتعجب البعض من ذلك الإهتمام الشديد الذي يوليه الإسلام للتوحيد ، لدرجة أنه جعل النطق بعبارة ( أشهد أن لا اله الا الله وأن محمد رسول الله ) شرط ضروري لدخول الإسلام وعلامة دالة على الإيمان . ولو أنك عرفت سر هذه العبارة لما تعجبت والا استغربت من أهميتها أو من تقديمها على كل شئ سواها . وذلك لأن كلمة ( إله ) لا معنى لها الا المفهوم من كلمة ( خالق ) ، ولا معنى لكلمة ( خالق ) إلا أنه ( سبب وجود الأشياء بعد عدم ) ، فكل شئ يوجد بعد عدم فلابد له من سبب ، مثل المطر والسحاب، والحر والبرد والحيوانات والنباتات ، والحركة والسكون . فنحن نعلم ببديهة العقل أن كل شئ يوجد بعد عدم فلابد له من سبب ، ولذلك فنحن عندما نرى المطر يسقط فإننا نسأل ( ما سبب سقوطه) ، وعندما نسمع بموت شخص نعرفه فإننا نسأل ( ما سبب موته؟؟) وذلك لأن عقولنا تسلم مقدما بهذه القضية وهي أن ( كل حادث له سبب )
ما علاقة ذلك ذلك بالتوحيد ؟؟
علاقة ذلك بالتوحيد هي في معنى التوحيد نفسه ، وذلك لأن معنى التوحيد هو أن تعترف وتصدق أن ( لا خالق إلا الله ) ، أي ( لا سبب في الوجود إلا الله) ، أي أن تثبت السببية لله وحده وتنفيها عن غيره ، فلا خالق سواه ، ولا سبب سواه ، ولا مبدع سواه . فهذا هو معنى التوحيد ، وكل من صدق بذلك المعنى واعتقده فإنه يسمى ( موحد ) ، وفي مقابلته يوجد ( المشرك ) وهو عبارة عن الذي يثبت خالقا مع الله . ومن خلال هذا المعنى يمكن أن نستنبط سر أهمية شهادة التوحيد وتقديمها على كل شئ في الاسلام . وذلك لأن كل شئ في حياتك بعد ذلك سوف يتوقف على هذه الشهاده ، لأنه طالما أن ( لا خالق إلا الله ) فهذا معناه أنه لا نافع إلا الله ولا ضار إلا الله، ولا منعم إلا الله ، ولا مبلي الا الله ،ولا محيي إلا الله ، ولا مميت إلا الله ، ولا خافض إلا الله ، ولا رافع إلا الله ، بيده الأمر كله وهو على كل شئ قدير . وذلك لأن الموت والحياة والنعمة والبلاء واللذة والألم والنفع والضر ، كل هذه الأمور تحدث بعد عدم ، وكل حادث بعد عدم فلابد له من سبب ، وكل من اعتقد أنه لا سبب في الوجود إلا الله يلزمه أن لا يرى نافع الا الله ولا ضار الا الله ، وكل شئ في حياتك بعد ذلك سوف يتوقف على هذه الرؤية ، مثل خوفك ورجاءك وطلبك وسعيك وعملك . وهذا هو السر في تقديم التوحيد على كل شئ في الاسلام ، لأن كل شئ غيره في حياتك متوقف عليه .
إنكار السببية
ماذكرته في السابق عن معنى ( التوحيد ) هو معتقد أي إنسان مسلم ، بل بدونه لا يكون الإنسان مسلم . ولكن فرق أن تعتقد في هذه القضية تقليدا لأبويك وأساتذتك وبين ان ينكشف لك صدقها بالنظر والبرهان . وأهم فرق بين المقلد والعارف هو أن العارف في أمان من التغيير ، لأن الكشف العلمي يمنع التغيير . فمن علم بالبرهان أن ( مجموع زوايا المثلث تساوي مثل قائمتين ) لا يقدر أحد على تشكيكه في هذه القضية بالمغالطات ، بينما المقلد الذي اعتقد في هذه القضية تقليدا لمدرس الهندسة بدون ان ينكشف له صدقها برهانا تجده يتغير ويتزلزل اعتقاده بأدنى تشكيك وتخييل . فهكذا الأمر مع عقيدة التوحيد ، فمن الناس من صدق بها تقليدا ومنهم من صدق بها برهانا . وكما أن هناك من يشكك في صحة النظريات الهندسية بشبهات وخيالات ، فكذلك هناك من يشكك في صحة عقيدة التوحيد بشبهات وخيالات ، وكما ان من واجب معلم الهندسة أن يرد على من يشكك في نظريات الهندسة ، فكذلك من الواجب على العالم بالتوحيد ان يرد على من يشكك في صحة التوحيد ، حتى لا تعلق هذه التشكيكات بعقول العامة والصبية فيزول إعتقادهم في التوحيد أو يتزلزل .
وقد قام علماء الإسلام السابقون بواجبهم في هذا المجال ، ونخص بالذكر الإمام ابو حامد الغزالي ، والذي اتهمه البعض بإنكار السببية بسبب عقيدة التوحيد التي شرحناها . وذلك لأنهم لم يفهموا كلامه ومقاصده ، بل لم يفهموا أصلا معنى ( السببية )
ملحوظة
ما ذكرناه هو توحيد الفعل ، أي لا فاعل ولا خالق في الوجود إلا الله ، ولكن هناك درجة اعلى من التوحيد هي ( توحيد الوجود ) ، ومعناها هو أنه ( لا موجود إلا الله ) . وفرق بين قولك ( لا خالق الا هو ) وبين قولك ( لا موجود الا هو ) ، لأن الاولى هي حال إنسان يرى الله ويرى معه غيره ، ولكنه يفرق بينهما بأن هذا خالق وذاك مخلوق ، بينما الثانية هي حال إنسان لا يرى في الوجود إلا الله فقط ، وأنه ليس معه غيره أصلا ، بل هو الموجود وحده . فالأول يعبر عن حاله ويقول ( لا خالق إلا هو ) ، والثاني يعبر عن حاله فيقول ( لا هو إلا هو ) . وكلاهما موحد ، ولكن الثاني أعلى مرتبة من الأول .
|
|