اتفق أهل السنّة والجماعة على رؤية الله تعالى في الآخرة ، وأنها رؤية بغير إحاطة ، وأنها أعظم نعيم أهل الجنّة.
وقولهم هو القول الصحيح الذي دلّ عليه الكتاب والسنّة الصحيحة والعقل الصريح.
(1) الأدلة على رؤية الله سبحانه من الكتاب : نذكر منها :
(أ) قوله تعالى : {وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة} [القيامة :22 ، 23] ، قال ابن عباس في تفسير الآية : (تنظر إلى وجه ربها).
(ب) وقوله تعالى : {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} [المطففين : 15] ، قال الإمام الشافعي : (وفي هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرونه عز وجل يومئذ) ، بدليل لّما حجب الرؤية عن أعداءه في حال السخط دل على أن رؤية أولياءه في حال الرضا أمر حاصل إذ لو كان الحجب عن الجميع لما كان الحجب عقوبة للكافرين)اهـ.
(ت) وقوله تعالى : {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس : 26] ، وتفسير الزيادة ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم لها بالرؤية ، كما أخرج مسلم في صحيحه عن صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إذا دخل أهل الجنة الجنة ، قال : يقول الله تبارك وتعالى : تريدون شيئا أزيدكم ، فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ، ألم تدخلنا الجنة ، وتنجينا من النار ، قال : فيكشف الحجاب ، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل ، ثم تلا هذه الآية : {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}.
(ث) وقوله تعالى : {لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق : 35] فقد فسر المفسرون ومنهم الطبري والقرطبي وغيرهما : المزيد في هذه الآية بأنه النظر إلى الله تعالى.
(ج) وقوله تعالى : {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف : 143] ، والدليل على جواز الرؤية أنّ نبي الله موسى عليه السلام سأل الرؤية ولو امتنع كونه تعالى مرئيا لما سأل ، لأنّ الأنبياء أعلم الناس بما يجوز وما يمتنع على ال.
ولا شك أنّ نبي الله موسى عليه السلام أعلم بالله تعالى وما يجوز عليه وما يستحيل في حقه من المعتزلة والإمامية والأباضية الذين منعوا من رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة.
كما أن الله تعالى أجابه بقوله {لَن تَرَانِي} وهذا دليل على الجواز ، فلو كانت الرؤية مستحيلة عليه لقال : (لست بمرئي) ، أو (لا تجوز رؤيتي) أو (إن الرؤية تستحيل في حقي) ولكان آنذاك تصحيحاً واجبا للعقيدة وللخطأ في طلب الرؤية التي لا تجوز في حق الإله ، وكل هذا لم يحدث.
فدل على جواز المبدأ (إمكانية رؤية الله) ، كما أنّ الله تعالى علق الرؤية على أمر جائز ، وهو استقرار الجبل والمعلق على الجائز جائز ، فيلزم كون الرؤية في نفسها جائزة.
(2) الأدلة من السنّة على رؤية الله سبحانه في الآخرة : منها :
(أ) ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن ناساً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ، قالوا : لا ، يا رسول الله ، قال : هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب ، قالوا : لا ،يا رسول الله ، قال : فإنكم ترونه كذلك )).[أخرجه مسلم].
(ب) وأخرج البخاري عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((إنكم سترون ربكم عيانا)). [أخرجه البخاري].