موقع د. محمود صبيح

بسم الله الرحمن الرحيم .

عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال : سألت رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) عن أول شئ خلقه الله فقال : " هو نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير وخلق بعده كل شئ ، وحين خلقه أقامه قدامه في مقام القرب اثني عشر ألف سنة ، ثم جعله أربعة أقسام فخلق العرش من قسم ، والكرسي من قسم ، وحملة وخزنة الكرسي من قسم ، وأقام القسم الرابع في مقام الحب اثني عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام : فخلق القلم من قسم واللوح من قسم ، والجنة من قسم ، وأقام القسم الرابع في مقام الخوف اثني عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء : فخلق الملائكة من جزء ، وخلق الشمس من جزء ، وخلق القمر والكواكب من جزء ، وأقام الجزء الرابع في مقام الرجاء اثني عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء : فخلق العقل من جزء ، والحلم والعلم من جزء ، والعصمة والتوفيق من جزء ، وأقام الجزء الرابع في مقام الحياء اثني عشر ألف سنة ثم نظر إليه فترشح النور عرقاً فقطرت منه مائة ألف وعشرون ألفاً وأربعة آلاف قطرة فخلق الله تعالي من كل قطرة روح نبي أو رسول ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسهم نور أرواح الأولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين إلي يوم القيامة ، فالعرش والكرسي من نوري ، والكروبيون والروحانيون من الملائكة من نوري ، وملائكة السموات السبع من نوري ، والجنة وما فيها من النعيم من نوري ، والشمس والقمر والكواكب من نوري ، والعقل والعلم والتوفيق من نوري ، وأرواح الأنبياء والرسل من نوري ، والشهداء والسعداء والصالحون من نتائج نوري ، ثم خلق الله اثني عشر حجاباً فأقام النور وهو الجزء الرابع في كل حجاب ألف سنة وهي مقامات العبودية وهي حجاب الكرامة والسعادة والرؤية والرحمة والرأفة والحلم والعلم والوقار والسكينة والصبر والصدق واليقين ، فعبد الله ذلك النور في كل حجاب ألف سنة ، فلما خرج النور من الحجب ركبه الله في الأرض فكان يُضئُ بين المشرق والمغرب كالسراج في الليل المظلم ، ثم خلق الله آدم من الأرض وركَّب فيه النور في جبينه ، ثم انتقل منه إلي شيث ولده ، وكان ينتقل من طاهر إلي طيب إلي أن وصل إلي صلب عبد الله بن عبد المطلب ومنه إلي وجه أمّي آمنة ، ثم أخرجني إلي الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين ورحمة للعالمين وقائد الغر المُحجَّلين . هكذا كان بدء خلق نبيك يا جابر " أهـ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

** الحديث أخرجه الإمام عبد الرازق في المسند من حديث جابر بن عبد الله ، ويقول الشيخ الأكبر / محي الدين بن عربي ( أن الله تعالي جعل نور محمد صلي الله عليه وسلم أصلاً لكل نور وهو منبع الإفاضة والإشراق والمعرفة بالله ، من حيث إن محمد صلي الله عليه وسلم هو أكمل مظاهر النور المحمدي في الوجود ، فهو أولهم في المسطور ( أي : في اللوح المحفوظ ) وآخرهم في الظهور ( في عالم التخطيط فهو آخر الأنبياء في البعث ) وقائدهم في النشور ( إشارة إلي تقدمه علي الأنبياء عليهم السلام في مواطن الآخرة ، وهو كذلك بل هو صلي الله عليه وسلم مستودع في ديوان الأنس مستقر في رياض الأنس ، ستر معني روحانية بمعني جسمانية ، وغطي عالم شهوده بعالم وجوده ( فلا يعلم حقيقته إلا الله ) فهو مستخرج في الكون مستنبط لأجله الكون فهو الغاية من الخلق لأن الله ما خلق الخلق إلا لعبادته ) { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ( الذاريات: 56 ) ويري حجة الإسلام أبو حامد الغزالي أنه لابد من وجود العالم لأن كل ذلك أسباب مقدمة لترتيب نشأته كما سبق في العلم ومملكته ممتدة قائمة القواعد له صلي الله عليه وسلم لأنه عند ظهوره يظهر بصورة الخلافة والنيابة عن الله تعالي ، فلابد من وجود العالم الذي هو مملكته وأن يكون هو آخر موجود بالفعل وإن كانت له الأولية بالقصد . فالخلق بمعني التقدير دون الإيجاد ، فإن قبل أن ولدته أمه لم يكن موجوداً مخلوقاً ، أي بجسده الشريف ، ولكن الغايات والكمالات سابقة في التقدير لاحقة في الوجود . وهو معني قولهم ( أول الفكر آخر العمل ) أهـ .