ضغينة إبن تيمية على سيدنا علي كرم الله وجهه ....
ضغينة ابن تيمية على امام المتقين وقائد الغر المحجلين سيدنا على بن أبى طالب - عليه السلام -
ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة (1/114) أن ابن تيمية خطّأ أمير المؤمنين عليًّا كرّم الله وجهه في سبعة عشر موضعًا خالف فيها نص الكتاب، وأن العلماء نسبوه إلى النفاق لقوله هذا في عليّ كرم الله وجهه، ولقوله أيضًا فيه: إنّه كان مخذولاً، وإنّه قاتلَ للرئاسة لا للديانة وقد ذكر ابن تيمية ذلك في كتاب المنهاج (2/203) فقال ما نصه :"وليس علينا أن نبايع عاجزًا عن العدل علينا ولا تاركًا له، فأئمة السنة يسلمون أنّه ما كان القتال مأمورًا به ولا واجبًا ولا مستحبًَّا".
ويقول في موضع ءاخر من المنهاج (2/214) ما نصه :"… وإن لم يكن عليّ مأمورًا بقتالهم ولا كان فرضًا عليه قتالهم بمجرد امتناعهم عن طاعته مع كونهم ملتزمين شرائع الإسلام" انتهى. ويقول في نفس الكتاب بعد ذكره أن قتال علي في صفّين والجمل كان بالرأي ولم يكن علي مأمورًا بذلك ما نصه (3/156) :"…فلا رأي أعظم ذمًّا من رأي أريق به دم ألوف مؤلفة من المسلمين، ولم يحصل بقتلهم مصلحة للمسلمين لا في دينهم ولا في دنياهم بل نقص الخير عما كان وزاد الشر على ما كان …" انتهى.
ويقول (2/204) :"وأما الإجماع فقد تخلّف عن بيعته والقتال معه نصف الأمة أو أقل أو أكثر، والنصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم تقتضي أنّ ترك القتال كان خيرًا للطائفتين، وأن القعود عن القتال كان خيرًا من القيام فيه، وأن عليًّا مع كونه أولى بالحقّ من معاوية لو ترك القتال لكان أفضل وأصلح خيرًا" انتهى. ويقول (3/175) وبنحوه (1/145) :"والمقصود هنا أن ما يُعتذر به عن علي فيما أُنكر عليه يُعتذر بأقوى منه في عثمان، فإن عليًّا قاتل على الولاية وقُتل بسبب ذلك خلق كثير عظيم، ولم يحصل في ولايته لا قتال للكفار ولا فتح لبلادهم ولا كان المسلمون في زيادة خير" انتهى.
ويقول (4/38) :"ولم يكن كذلك علي فإن كثيرًا من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ويسبونه ويقاتلونه" انتهى.
ويقول في المنهاج أيضًا (4/281) :"والذي عليه أكابر الصحابة والتابعين أن قتال الجمل وصفين لم يكن من القتال المأمور به، وأن تركه أفضل من الدخول فيه، بل عدُّوه قتال فتنة، وعلى هذا جمهور أهل الحديث وجمهور أئمة الفقهاء" انتهى.
ويقول (4/205) :"ولهذا كان علماء الأمصار على أن القتال كان قتال فتنة، وكان من قعد عنه أفضل ممن قاتل فيه، وهذا مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة والأوزاعي بل والثوري ومن لا يحصى عدده" انتهى.
ويقول (2/208) :"وخلافة علي اختلف فيها أهل القبلة، ولم يكن فيها زيادة قوة للمسلمين ولا قهر ونقص للكافرين" انتهى.
ويقول أيضًا ما نصه بعد كلام (4/180) :"وسائر الأحاديث الصحيحة تدلّ على أنّ القعود عن القتال والإمساك عن الفتنة كان أحبّ إلى الله ورسوله، وهذا قول أئمة السنة وأكثر أئمة الإسلام" انتهى.
فقوله :"إنّه ما كان القتال مأمورًا به ولا واجبًا ولا مستحبًّا"، وقوله :"لو ترك القتال لكان أفضل وأصلح وخيرًا" مخالف لما رواه النسائيّ بالإسناد الصحيح في الخصائص عن عليّ رضي الله عنه أنّه قال :"أُمرتُ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين". والناكثون هم الذين قاتلوه في وقعة الجمل، والقاسطون هم الذين قاتلوه في صفّين، والمارقون هم الخوارج، وهذا الحديث إسناده صحيح ليس فيه كذاب ولا فاسق كما ادعى ابن تيمية
وكلامه هذا أيضًا رد لقول الله تعالى :{فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي} (سورة الحجرات/9)، وقد اتفق العلماء على أن عليًّا رضي الله عنه هو أوّل من قاتل البغاة فشغل بهم عن قتال الكفار المعلنين اليهود وغيرهم حتى قال الإمام الشافعي رضي الله عنه :"أخذنا أحكام البغاة من سِيَر عليّ".
وأيضًا فيه رد لحديث الحاكم وابن حبان والنسائي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :"إنَّ منكم من يقاتل على تأويل القرءان كما قاتلتُ على تنزيله" فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله، قال :"لا"، فقال عمر: أنا يا رسول الله، قال :"لا، ولكنّه خاصف النعل". وكان عليّ رضي الله عنه يخصف نعله.
قال ابن تيمية في نقد مراتب الإجماع ص 125 ما نصه :"قال ـ يعني ابن حزم _ واتفقوا أن الإمام إذا كان من ولد عليّ وكان عدلاً ولم يتقدم بيعته بيعة أخرى لإنسان حيّ وقام عليه من هو دونه أن قتال الآخر واجب، قال ابن تيمية: قلت ليس للأئمة في هذه بعينها كلام ينقل عنهم ولا وقع هذا في الإسلام إلاَّ أن يكون في وقعة علي ومعاوية، ومعلوم أن أكثر علماء الصحابة لم يروا القتال مع واحد منهما وهو قول جمهور أهل السنّة والحديث وجمهور أهل المدينة والبصرة وكثير من أهل الشام ومصر" انتهى. هذا نصه في التعليق على مراتب الإجماع وهو افتراء ظاهر على العلماء.
نقول: إن عليًّا رضي الله عنه خليفة راشد واجب الطاعة على المؤمنين لقوله تعالى :{يا أيّها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسولَ وأُولي الأمرِ منكم} (سورة النساء/59). وهذا الذي فهمه الصحابة من كان منهم بدريًّا ومن كان منهم أحديًّا وكل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار لأنه لم يكن مع معاوية واحد من هؤلاء. والرسول صلى الله عليه وسلم زكَّى قتال عليّ في جميع الوقائع بدليل ما أوردناه من الآيات والأخبار، نقل الحافظ ابن حجر العسقلاني (التلخيص الحبير 4/44) عن الإمام أبي القاسم الرافعيّ محرر مذهب الشافعيّ ما نصه :"وثبت أن أهل الجمل وصفين والنهروان بغاةٌ" انتهى. قال الحافظ عقب قول الرافعي :"هو كما قال، ويدل عليه :"أُمرتُ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين" رواه النسائي في الخصائص والبزار والطبراني. والقاسطين أهل الشام لأنهم جاروا عن الحق في عدم مبايعتهم" انتهى.
وروى البيهقي في كتاب الاعتقاد بإسناده المتصل إلى محمد بن إسحاق وهو ابن خزيمة قال :"وكلُّ من نازع أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب في إمارته فهو باغ، على هذا عهدت مشايخنا وبه قال ابن إدريس _ يعني الشافعي _ رحمه الله" انتهى.
وقال الحافظ في فتح الباري (13/67) ما نصه :"وقد ثبت أن من قاتل عليًّا كانوا بغاة" انتهى.
ويؤيد هذا ما رواه الحاكم في المستدرك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال للزبير :"لتقاتلنه وأنت ظالم له". فإذا كان الرسول اعتبر الزبير ظالمًا مع ما له من الفضل لأنه كان مع مقاتليه جزءًا من النهار، فكيف يقال عن هذا القتال الذي وصف الرسول مقاتلي علي فيه بالظلم والبغي: إنّه ليس بواجب ولا مستحب، أليس هذا يدل على أن أحمدَ بن تيمية في قلبه ضغينة على سيدنا علي، ألا يعرف في نفسه أن قوله تعالى :{فقاتلوا التي تبغي} يعود إلى الخليفة في قتال من بغى عليه، وكيف يقال لمن أطاع الله تعالى في أمره إن فعله ليس بواجب ولا مستحب، ومن المعلوم بالضرورة عند المسلمين أن قتال الخليفة لمن بغى عليه أمر مشروع بل فرض إذا لم تنكف الفئة الباغية، فانظروا كيف جعل ابن تيمية الامتثال لأمر الله لغوًا.
ويكفي أيضًا لإثبات ذلك الحديث الصحيح الذي رواه البخاريّ :"ويح عمارٍ تقتلُه الفئة الباغية يدعُوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار" أخرجه البخاري في كتاب الصلاة بهذا اللفظ، ورواه في موضع ءاخر في الجهاد والسير بلفظ :"يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار" ورواه ابن حبان أيضًا باللفظ الذي رواه البخاري في كتاب الصلاة، وروى ابن حبان في صحيحه عن أمّ سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"تقتل عمارًا الفئة الباغية" وفيه أيضًا عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ويحَ ابن سُميَّة تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار"، فالحديث بروايتيه من أصحّ الصحيح، فعمار الذي كان في جيش عليّ داعٍ إلى الجنّة بقتاله مع عليّ، فعليّ داع إلى الجنة بطريق الأولى. ورواية الطبراني فيها زيادة وهي :"ويحَ عمَّار تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الحقّ". وعمّار ما نال هذا الفضل إلاَّ بكونه مع عليّ، فهو وجيشه دعاة إلى الجنّة ومقاتلوهم دعاة إلى النار. فلو لم يكن إلاَّ حديث البخاري هذا لكفى في تكذيب قول ابن تيمية: إن القتال ليس واجبًا ولا مستحبًّا، فهذا إنكار لما عُلم من الدين بالضرورة وردّ للنصّ، والرسول زكَّى قتالَ عليّ في جميع الوقائع.
وكيف يقول إنّه لم يحصل بقتلهم مصلحة للمسلمين لا في دينهم ولا في دنياهم وعليّ كان داعيًا إلى الجنّة ومن قاتل معه فله أجر ومن خالفَه فهو باغ ظالم، فكيف يقول ابن تيمية هذا فيمن سماه الرسول داعيًّا إلى الجنة.
ومما يدلّ على طعنه في عليّ ما ذكره في منهاجه (2/219) ونصه :"وأمَّا قوله :"إنَّه بالغ في محاربة علي" فلا ريب أنّه اقتتل العسكران عسكر عليّ ومعاوية بصفين ولم يكن معاوية ممن يختار الحرب ابتداء بل كان من أشدّ الناس حرصًا على أن لا يكون قتال، وكان غيره أحرص على القتال منه" انتهى.
ثم يزيد في الافتراء مدّعيًا أنّ من الذين قاتلوه قاتلوه بالنصّ والإجماع فيقول في المنهاج (3/236-237) :"كما أننا لا ننكر أن عليًّا ولى أقاربه وقاتل وقتل خلقًا كثيرًا من المسلمين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويصومون ويصلون لكن من هؤلاء من قاتله بالنصّ والإجماع" انتهى.
قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري (13/85-86) ما نصه :"ودلّ حديث "تقتلُ عمارًا الفئة الباغية" على أنّ عليًّا كان المصيب في تلك الحرب لأنَّ أصحاب معاوية قتلوه، وقد أخرج البزار بسند جيد عن زيد بن وهب قال :"كنا عند حذيفة فقال: كيف أنتم وقد خرج أهل دينكم يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف، قال: فما تأمرنا؟ قال: انظروا الفرقة التي تدعو إلى أمر عليّ فالزموها فإنها على الحقّ". وأخرج يعقوب بن سفيان بسند جيّد عن الزهري قال: لما بلغ معاوية غلبة عليّ على أهل الجمل دعا إلى الطلب بدم عثمان فأجابه أهل الشام، فسار إليه عليّ فالتقيا بصفين"،
وقد ذكر يحيى بن سليمان الجعفيّ أحد شيوخ البخاريّ في كتاب صفين في تأليفه بسند جيد عن أبي مسلم الخولاني أنّه قال لمعاوية :"أنت تنازع عليًّا في الخلافة أَوَ أنتَ مثله؟ ، قال: لا، وإني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قُتل مظلومًا وأن ابن عمه ووليه أطلب بدمِه، فأتوا عليًّا فقولوا له يدفع لنا قتلة عثمان، فأتوه فكلموه فقال: يدخل في البيعة ويحاكمهم إلي، فامتنع معاوية، فسار عليّ في الجيوش من العراق حتى نزل بصفين، وسار معاوية حتى نزل هناك وذلك في ذي الحجة سنة ست وثلاثين، فتراسلوا فلم يتم لهم أمر، فوقع القتال إلى أن قتل من الفريقين فيما ذكر ابن أبي خيثمة في تاريخه نحو سبعين ألفًا، وقيل: كانوا أكثر من ذلك" انتهى.
ثم قال الحافظ :"وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي الرضا سمعتُ عمارًا يوم صفين يقول :"من سرّه أن يكتنفه الحور العين فليتقدم بين الصفين محتسبًا"، ومن طريق زياد بن الحارث: كنت إلى جنب عمار فقال رجل: كفر أهل الشام، فقال عمار: لا تقولوا ذلك نبيّنا واحد، ولكنهم قوم حادوا عن الحق فحقَّ علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا" انتهى.
. وقد نقل الإمام أبو بكر بن فورك أحد رءوس الأشاعرة القدماء فيما جمعه من كلام أبي الحسن الأشعري. وفي إنكار ابن تيمية حقية قتال علي لهؤلاء الذين أوغروا صدره واستمروا على ذلك ثلاثة أشهر، وسفكوا دماء أكثر من عشرين ألف نفس فيهم أحد السبعة الذين أسلموا أولاً وهو عمار كما أخرج ذلك ابن حبان في صحيحه وغيره، وفيهم من شهد له الرسول بأنه خير التابعين أويس القرني دليل على أن ابن تيمية كان في نفسه شىء على عليّ رضي الله عنه. فإذا كان لا يجوز الخروج على أي خليفة عدل بالإجماع فماذا يقال في الخارجين على عليّ وهو خير أهل الأرض في عهده بلا خلاف.
.
أما زعم ابن تيمية أن معاوية ارتكب ما فعله عن اجتهاد فهو مردود، إنما قاتل للدنيا والمُلك، روى مسدَّد في مسنده بالإسناد أن عليًّا رضي الله عنه قال :"إنَّ بني أميّة يقاتلونني يزعمون أني قتلت عثمان وكذبوا إنما يريدون المُلك، فلو أعلم أن يذهب ما في قلوبهم أني أحلف لهم عند المقام والله إني ما قتلتُ عثمان ولا أمرت بقتله لفعلت، ولكن إنما يريدون المُلك"، وروى ابن جرير عن عمار بن ياسر معنى هذا الكلام.
فبعد ثبوت تزكية الرسول صلى الله عليه وسلم لقتال علي فليس كلام ابن تيمية إلاّ ردًّا للنصوص، وردُّ النصوص كفر كما قاله النسفيّ في عقيدته وغيرُه، ألا يكفي معاوية هذا ذنبًا كبيرًا، فكيف وقد ثبتَ أنّه كان يأمر بسبّ عليّ فلقد روى مسلم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: أمر معاوية ابن أبي سفيان سعدًا فقال: ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثًا قالهنّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حُمر النَّعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له لما خلّفه في بعض مغازيه فقال له علي: يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاَّ أنّه لا نبوة بعدي"، وسمعته يقول يوم خيبر :"لأعطينّ الرايةَ رجلاً يحبّ اللهَ ورسولَه ويحبُّه الله ورسوله"، قال فتطاولنا لها فقال :"ادعوا لي عليًّا" فأُتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه،ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية :{فقل تعالَوا ندعُ أبناءنا وأبناءَكم} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا وفاطمة وحسنًا وحسينًا فقال :"اللهمَّ هؤلاء أهلي" انتهى.
وقد جاء في فضائل عمار بن ياسر أحاديث كثيرة، فهو من السابقين الأولين ومن أوائل الصحابة الذين أظهروا إسلامهم، وقد وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بالطيب المطيّب أخرجه البخاري وابن ماجه بإسناد حسن، وفي حديث ءاخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"ملىء عمار إيمانًا إلى مشاشه" أخرجه النسائي، وفي حديث ءاخر أخرجه الإمام أحمد :"من عادى عمارًا عاداه الله ومن أبغض عمارًا أبغضه الله" ونقل الحافظ ابن حجر الإجماع على أنّه قتل في جيش علي بصفين سنة سبع وثمانين للهجرة.
فكيف يكون من قاتل عليًّا مجتهدًا مأجورًا وقد خرج عن طاعة أمير المؤمنين ونازعه في إمارته وخالف النصوص، وكذا أريق بهذا القتال دماء ألوف مؤلفة من المسلمين منهم جماعة من خيار الصحابة والتابعين، فكيف يجتمع الأجر والمعصية؟!، فقول عليّ مقدّم على قول فلان وفلان من الذين أرادوا أن يعتذروا لمعاوية، بل ليس قول هؤلاء أمام قول عليّ رضي الله عنه إلاّ هباءً منثورًا، فمثلُه كمثَل الناموسة تنفخ على جبل لتزيله.
ثم أيضًا قول عمار رضي الله عنه مثل قول عليّ يدحض قول أولئك "إنهم مجتهدون ليس عليهم إثم ولا ملامة". فقتال علي لمخالفيه الذي تسبب منه إراقة دماء ءالاف مؤلفة كان في طاعة الله تعالى لأنه امتثل قول الله تعالى :{فقاتلوا التي تبغي} وهل يلوم عليًّا على ذلك إلاَّ منافق؟
ومما يؤيد ما قلناه ما ذكره الإمام أبو منصور البغدادي في كتابه الفَرْق بين الفِرق ونصه :"وقالوا بإمامة عليّ في وقته، وقالوا بتصويب عليّ في حروبه بالبصرة وبصفين وبنهروان، وقالوا بأنَّ طلحة والزبير تابا ورجعا عن قتال علي لكن الزبير قتله عمرو بن جُرموز بوادي سباع بعد مُنصرفه من الحرب، وطلحة لما همَّ بالانصراف رماه مروان بن الحكم ـ وكان من أصحاب الجمل ـ بسهم فقتله" انتهى.وهذا لأنهما أي طلحة والزبير رضي الله عنهما من الذين سبقت لهما الحسنى فلم يموتا إلا تائبين من مخالفة أمير المؤمنين بانضمامهما للمعسكر المضاد له.
ثم قال أبو منصور البغدادي :"وقالوا إن عائشة رضي الله عنه قصدت الإصلاح بين الفريقين فغلبها بنو ضبة والأزد على رأيها وقاتلوا عليًّا دون إذنها حتى كان من الأمر ما كان" انتهى.
فعائشة رضي الله عنها كان ذنبها أنها وقفت في المعسكر المضاد لعليّ، وما كان لها أن تقف، لكنها لم تمت حتى تابت من ذلك، فإنها رضي الله عنها كانت حين تذكر تلك الوقعة تبكي حتى تبلّ خمارها من دموعها.
وقال الإمام عبد القاهر الجرجاني في كتاب الإمامة :"أجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي الحديث والرأي منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي والجمهور الأعظم من المتكلمين أن عليًّا مصيب في قتاله لأهل صفين كما قالوا بإصابته في قتل أصحاب الجمل، وقالوا أيضًا: بأن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له ولكن لا يجوز تكفيرهم ببغيهم" انتهى.
وروى البيهقي في سننه وابن أبي شيبة في مصنفه بالإسناد المتصل إلى عمار بن ياسر قال :"لا تقولوا كفر أهل الشام ولكن قولوا فسقوا أو ظلموا" وزاد ابن أبي شيبة في إحدى رواياته :"ولكنهم قوم مفتونون جاروا عن الحقّ فحق علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا إليه" انتهى.
وقد ذكر الإمام الأصولي أبو الحسن سيف الدين الآمدي الشافعي في كتابه أبكار الأفكار (2/620، مخطوط) في الفصل التاسع فيما جرى بين الصحابة من الفتن والحروب أن كثيرًا من الشافعية قالوا بتفسيق من قاتل عليًّا انتهى. والآمدي وصفه التاج السبكي في طبقات الشافعية بقوله :"الأصولي المتكلم، أحد أذكياء العالم". انتهى.
فبعد هذا كيف يصح أن يقال: إن معاوية اجتهد فأخطأ فثبت له أجر الاجتهاد! وكيف يكون مجتهدًا مأجورًا وفي حديث البخاري المتقدم :"ويدعونه إلى النار"، أليس كلامهم مخالفًا لقول عمار المتقدم :"ولكن قولوا فسقوا أو ظلموا" كيف يجتمع الظلم في مرتبة واحدة مع الأجر والثواب ويكون الظالم مأجورًا مثابًا!! وأشد بعدًا عن الحقيقة قول من قال: لا ملامة عليهم، وما هذا عند النظر إلى الحقيقة إلا تعاميًا عن الشمس في رابعة النهار ليس دونها سحاب.
مراد معاوية من القتال:
ثم ليعلم أن معاوية كان قصده من هذا القتال الدنيا، فلقد كان به الطمع في الملك وفرط الغرام في الرئاسة، فلما وصل إلى الخلافة وصار ملك مصر وغيرها تحت يده كفّ عن المطالبة بدم عثمان وهو ما اتخذه حجة للخروج على عليّ وقتاله وأكثر المتهمين من أهل مصر والكوفة والبصرة كلهم تحت حكمه وغلبته كما ذكر القرطبي في التذكرة ص 622.
روى أبو داود في سننه عن سَفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله المُلْك" أو: "ملكه مَن يشاء".
قال سعيد: قال لي سفينة: "أمسك عليك أبا بكر سنتين، وعمر عشرًا، وعثمان اثنتي عشرة، وعليًّا كذا، قال سعيد: قلت لسفينة: إن هؤلاء يزعمون أن عليًّا عليه السلام لم يكن بخليفة، قال: كذبت أسْتَاه بني الزرقاء يعني مروان". اهـ. وروى هذا الحديث أيضًا الحاكم والبيهقي بنحوه وذكر أن خلافة علي كانت ست سنوات.
وروى أحمد في المسند والبيهقي والطيالسي واللفظ لأحمد عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تكون النبوّة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوّة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكًا عاضًّا…" الحديث، وفي رواية: "عضوضًا". أي ظلومًا.
وحديث أبي داود المتقدّم أخرجه أيضًا الترمذي وحسّنه، وأبو نعيم بنحوه عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلافة النبوّة"، وعند أحمد بلفظ: "الخلافة ثلاثون عامًا ثم يكون بعد ذلك الملك".
وأخرج البيهقي عن أبي بكرة قال :"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خلافة النبوّة ثلاثون عامًا ثم يؤتي الله المُلْكَ مَن يشاء"، فقال معاوية: "قد رضينا بالمُلْك".
قال ابن كثير في البداية والنهاية (7/276) ما نصّه :"وهذا مقتل عمّار بن ياسر رضي الله عنه مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قتله أهل الشام. وبان وظهر بذلك سرّ ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من أنه تقتله الفئة الباغية، وبان بذلك أن عليًّا محقّ وأن معاوية باغ، وما في ذلك من دلائل النبوّة" اهـ.
وأخرج ابن الجوزي أيضًا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألتُ أبي ما تقول في عليّ ومعاوية؟ فأطرق ثمّ قال: اعلم أنّ عليًّا كان كثير الأعداء، ففتش أعداؤه له عيبًا فلم يجدوا، فعمدوا إلى رجلٍ قد حاربه فأطروه كيادًا منهم لعليّ، فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له. وقد وردَ في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الإِسناد، وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنّسائي وغيرهما والله أعلم" اهـ
قلت: وقوله: "ليس فيها ما يصح" معناه ليس فيها ما هو صحيح ولا حسن وليس كما ادّعى بعض الأدعياء أنه لم ينف أن يكون فيها حسن وهذا لا يقوله متمرّس إلا جاهل بصناعة الحديث.
ومرادنا من هذا الكلام تبيين أن عليًّا هو الخليفة الراشد الواجب الطاعة، وأن مخالفيه بغاة، فكيف يقول هذا الضال ابن تيمية إنّه ما كان القتال مأمورًا به لا واجبًا ولا مستحبًّا، وإنه لم يحصل للمسلمين فيه مصلحة لا في دينهم ولا في دنياهم.
ومن شدة مكابرة ابن تيمية للحق والصواب يقول في المنهاج (2/204،205) معلقًا على حديث عمار :"…فههنا للناس أقوال: منهم من قدح في حديث عمار، ومنهم من تأوله على أن الباغي الطالب وهو تأويل ضعيف، وأما السلف والأئمة فيقول أكثرهم كأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم لم يوجد شرط قتال الطائفة الباغية" انتهى.
فهذا الكلام فاسد وباطل وكذب، فهل سمى لنا القادحين في حديث عمار؟ أو ذكر لنا مستندًا له في إضعاف الحديث؟ فأي حديث يصح على زعمه إن لم يصح حديث عمار الذي رواه أكثر من عشرين صحابيًّا، فما هو الحديث الذي يصح عند ابن تيمية؟ هل هو ذلك الحديث المفترى :"إن الله على عرشه لا يفضل منه مقدار أربع أصابع"؟!! فهل يليق الالتفات إلى كلام هذا الرجل في التصحيح والتضعيف فيما يخالف فيه غيره من أهل الحديث، بل إنّه لم يطعن في حديث عمار إلا لما يضمره في نفسه من حقد على سيدنا علي، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في لسان الميزان عند ترجمة والد الحلي أن ابن تيمية رد أحاديث جيادًا كثيرة.
وهذا دأب ابن تيمية لمن عرفه يطعن في الأحاديث الصحيحة التي على خلاف هواه، حتى إنه رد مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين علي وقد ثبت ذلك، فلا يلتفت إلى كلام ابن تيمية هذا وأمثاله إلا من ابتلي بمثل بليته من فساد الاعتقاد والانحراف عن سيدنا علي رضي الله عنه، فهو في الحقيقة ناصبيّ وإن كان في الظاهر يذم الناصبة.
والناصبة (كما في تاج العروس) هم المتدينون ببغضة سيدنا أمير المؤمنين ويعسوب المسلمين أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه، لأنهم نصبوا له أي عادوه وأظهروا له الخلاف، وهم طائفة من الخوارج.
وليذكر لنا أين ذُكر كلام السلف الذين افترى عليهم وقوّلهم ما لم يقولوا، وهذا من عادته ينسب إلى السلف ما لم يقولوا لتأييد هواه من دون تسمية كما ادعى اتفاق السلف على أن قصد القبور للدعاء عندها رجاء الإجابة بدعة قبيحة، مع أن هذا كان عمل السلف كما يعلم ذلك مَن تتبع تراجم السلف وسيرتهم. فهذا شأن ابن تيمية فإنَّه يحتج بالحديث الموضوع الذي يوافق هواه ويحاول أن يصححه، ويضعّف الأحاديث والأخبار الثابتة المتواترة التي تخالف رأيه وعقيدته، حتى قال فيه تلميذه الذهبي في رسالة أرسلها له على شكل نصيحة بعد كلام طويل ما نصه :"…إلى كم تمدح كلامك بكيفية لا مدح بها والله أحاديث الصحيحين، يا ليت أحاديث الصحيحين تسلم منك، بل في كل وقت تغير عليها بالتضعيف والإهدار أو بالتأويل والإنكار، أما ءان لك أن ترعوي، أما حان لك أن تتوب وتنيب …" انتهى. (النصيحة الذهبية طبعة دمشق سنة 1347هـ). وهذا لا يستغرب صدوره من رجل بلع سموم الفلاسفة ومصنفاتهم كما نعته الذهبي.
ولعل هذا الانحراف من ابن تيمية سرى إليه من أولئك الذين ءاذوا الإمام الحافظ النسائي الذي قال :"لما دخلت دمشق وجدت أهلها منحرفين عن علي بن أبي طالب، ولما علموا أني عملت خصائص عليّ طلبوا مني أن أعمل خصائص معاوية فقلت: ماذا أخرج له أأخرج له :"لا أشبعَ اللهُ بطنَه"، فصاروا يضربونه في خصيتيه فحُمل من دمشق إلى الرملة فتوفي بها. ولا يبرىء ابن تيمية من سوء ظنّه بسيدنا عليّ وبغضه له قوله عند ذِكر عليّ في بعض المواضع رضي الله عنه فإنّه يرى أنه لو ترك ذلكَ عند ذكره لعرف الناس انحرافه لأول وهلة فصار يفعل ذلك تستّرًا.
فمن عرف ما ذكرنا من أمر ابن تيمية من سوء رأيه في سيدنا علي عرف أنّه ينطبق عليه حديث مسلم أن عليًّا رضي الله عنه قال :"والذي فلق الحبة وبرأ النسَمة إنه لعهد النبي الأميّ إليّ: أن لا يحبّني إلا مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق" أخرجه مسلم في صحيحه، فليعلم ذلك أنصارُ ابن تيمية.
فلعنة الله فلعنة الله فلعنة الله الدائمة والباقية الى يوم القيامة على من كان لك مبغضا وعدوا يا أمير المؤمنين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين..فلعنة الله على أعدائك ومبغضيك الى يوم الدين ولهم الخزي والفضيحة يوم الحساب العظيم يوم تجد كل نفس ما عملت محضرا ،يوم يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا فواه خجلتاه واه فضيحتاه يوم يعرضون ويقفون بين يدى الملك الحق يوم الحساب العظيم !!!؟؟؟ فى هذا اليوم النار مأواكم يا أعداء ويا مبغضى أهل بيت النبى -ص- والفوز لكم يا أتباع ومحبيى الامام على بن أبى طالب - ع - ولعنة الله على النواصب أجمعين الى يوم الدين ...............
[font=Arial] [/font]
_________________ اللهم صلى على محمد وأل محمد وألعن أعدائهم أجمعين ... ان كان حبي لأل محمد رفضا ... فليشهد الثقلان أنى رافضي
|