صح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَاذَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ مِنَ الثِّيَابِ فِي الإِحْرَامِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ: لاَ تَلْبَسُوا القَمِيصَ، وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ، وَلاَ العَمَائِمَ، وَلاَ البَرَانِسَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلاَنِ، فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، وَلاَ تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ، وَلاَ الوَرْسُ، وَلاَ تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ، وَلاَ تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ. صحيح البخاري ط الشعب (3/ 19)
استدل بعض الناس بهذا الحديث على وجوب النقاب بدعوى مفهوم المخالفة، فما دام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى المرأة المحرمة أن تنتقب وأن تلبس القفازين فهو دليل على أن المرأة تلبسهما في غير الإحرام.
قلت: وليس الأمر كذلك؛ لعدة أسباب:
الأول: أن مفهوم المخالفة ليس بمستقيم؛ لأن ذلك وافق عادة عند العرب فثبوت أن بعض النساء كن يفعلن ذلك دليل على النهي الوارد في الحديث، فكان وارداً على أن بعض النسوة يلبسنه.
فالرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم كان في بيئة عربية، وجد فيها من النسوة من يحتجبن عن الرجال ولا يظهرن وجوههن، ومنهن من لا يحتجبن ويظهرن وجوههن، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم المرأة التي تنتقب أن تنزع النقاب عنها أثناء إحرامها.
وقد جاءت الآثار بأن من النساء من كن يغطين وجوههن ومنهن من كن لا يفعلن، ولم يُصدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الفتوى بذلك، بل ترك الأامر على ما هو عليه.
فالمرأة المنتقبة لا يظهر منها شيء، وإن ظهر الوجه على قول من يقول بوجوب ستره كانت المرأة آثمة لمخالفتها الواجب، وفي ذلك لحوق الآثم بالمرأة الساترة لسائر جسدها عدا وجهها وكفيها، وهذا لم أر أحداً يذكره أو يقول به إلا بعض الحنابلة لا كلهم، ودليلهم في ذلك ضعيف لا يقوى أمام أدلة الجمهور، والنقاب على وجوه؛ قال الفراء: (إذا أدنت المرأة نقابها إلى عينها فتلك الوصوصة فإن أنزلته دون ذلك إلى المحجر فهو النقاب فإن كان على طرف الأنف فهو اللفام) {1}
يتبع بمشيئة الله.....