بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد سيد الخلق أجمعين وآله وأصحابه الهداة الميامين ومن تبعهم بإحسن إلى يوم الدين.
وبعد، فيا مريد الحق لا فض فوك ولا شلت يداك، جزاك الله خيرا. فلقد أبنت وأجدت. والله كنت أبحث عن كتاب جامع مانع في معنى البدعة وأقسامها، فما إن زرت هذا المنتدى مجددا حتى رأيت هذا العنوان وما تصفحته حتى كحلت عيني وشنفت آذاني وأثلجت صدري، فجزاكم الله عن الإسلام خير الجزاك، فبحثكم هذا عن البدعة أغناني عن البحث لأنه جامع لم يغادر صغيرة ولا كبيرة، فقد كنت في محاولة الرد على أحد أركان الوهابية وهو الشيخ الفوزاني فيما قرأته منه، وقد كنت بدأته بقولي:
قال العبد الضعيف: تستميت هذه الطائفة بأغلى ثمن عندها أن ليس في الإسلام ما يسمى بالبدعة الحسنة، فكل بدعة ضلالة ودليلهم على ذلك، قوله تبارك وتعالى في سورة المائدة: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا. صدق الله العظيم. وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. وقوله: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. صدق رسول الله. قال الشيخ الفوزاني تعريفا البدعة شرعا في كتابه شرح حائية ابن أبي داوود ص/53. : وهي قصيدته المباركة التي افتتحها بقوله رحمه الله :
تَمسَّـكْ بحَـبْلِ اللهِ واتَّبِع الهُـدَى ولا تَـكُ بِدْعِيَّـاً لَعلَّـكَ تُفْلِــحُ
قال الشيخ الفوزاني شارحا هذا البيت: أما البدعة في الشرع : فهي ما أحدث في الدين مما ليس منه، وليس له دليل من كتاب الله، أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال العبد الضعيف: عندي تعليق على هذا التعريف الجيد الجميل، وهو قوله : البدعة في الشرع : ما أحدث في الدين، نقول نعم على العين والرأس ، وقوله : مما ليس منه، فنعم وعشر مرات نعم هو كذالك يا صالح، مما ليس منه أي من الشريعة، وإلا فتكون بدعة ضلالة لأنه لا أصل لها من الدين أي: كما قال الرسول كل بدعة ضلالة، وهذا الشرح واضح جلي من الشيخ الفوزان. وعند فقرته الأخيرة تزيد الأمر وضوحا وهي قوله: وليس له دليل من كتاب الله، أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. يعني إذا أحدث شيء في الدين مما له دليل فهو حسن، وإن كان لا دليل له فبذلك تصير من التي حذرنا منها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وأما إذا كان له أصل أو دليل من كتاب الله، أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم, فبذلك تكون بدعة حسنة كما يتبادر إلى الأذهان، وهذا التعريف من الشيخ الفوزاني في غاية الحسن والإيجاز. وذلك في كتابه شرح حائية ابن أبي داوود ص/53. فليراجع هناك.
إلا أن الشيخ الفوزاني لا يريد بما ذهبت إليه من تعليقي هذا على كلامه هذا الجيد الجميل، لأنه لا يخدم ما ذهب إليه هو، ويشهد لي ما قاله بعد تعريفه للبدعة شرعا كما أنه قدم تعريف البدعة لغة من كتابه. فاقرأوا أيها القراء ما قاله بعد هذا من الصفحة التالية وهو ما نصه :
والبدع ليس فيها خير، فهي تبعد عن الله، وتغضب الله - عز وجل – أما السنن فإنها خير كلها، يرضاها الله ويحبها، ويثيب عليها.
كما أن الله تعالى يبغض البدع ويبغض أهلها، ويعاقب عليها.
فلا مجال للزيادات والإضافات والإستحسانات، واتباع الـناس عـلى ما هــم عـلـيه، حتى نعرف دليلهم، فإن كانوا على حق اتبعناهم، قال تعالى:( واتبعت ملة ءآبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب) [يوسف: 38]، هذا الاتباع على الحق، أما إذا كانو على غير حق فإننا لا نتبعهم، ولو كانوا من أفضل الناس. اهـ
إخوة الايمان:
أولا - إسمحوا لي قليلا أعلق على هذا الكلام الذي ليس جامعا كما في الأول. فقوله : والبدع ليس فيها خير، ماذا نفهم من هنا إذا قارناه بتعريفه البدعة شرعا عند ما قال : البدعة ما أحدث في الدين مما ليس منه، أليس هذا منبهما بعض الشيء أو تناقضا لنفسه؟ أم أن التناقض في الدين مسموح به؟ ألم يقل في تعريفه الأول (أما البدعة في الشرع : فهي ما أحدث في الدين مما ليس منه، وليس له دليل من كتاب الله، أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.) أليس هذا واضحا وجامعا مانعا منه رحمه الله؟ إن كان فلماذا يقول لنا: (والبدع ليس فيها خير) أيريد في هذا بدعة ضلالة؟ إذا كان، فلماذا يردفه بقوله : ليس فيها خير؟ علما بأن الضلالة لا ينتظر أن يكون فيه خير،
فالبدعة التي حذرنا منها الرسول، هي البدعة الضلالة كما فهمنا من سياق تعريفه للبدعة شرعا، كما قدمنا.
ثانيا – قوله : فهي تبعد عن الله، وتغضب الله - عز وجل – هذا معروف عند أهل السنة والجماعة إن كان الشيخ يريد بهذا كما في تعريفه الأول، ويهمني منه قوله: ما أحدث في الدين مما ليس منه، هذا مهم جدا لأن، العقلاء من أهل السنة والجماعة لا يفهمون منه إلا أن البدعة إذا كان لها أصل في الشريعة فليس بضلالة.
ثالثا – قوله:( فلا مجال للزيادات والإضافات) قال العبد الضعيف: هذه كلمة حق لأن الزيادات والإضافات في الدين أمر مذموم باتفاق العلماء، ولأن الوحي انقطع بعد انتقال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (والإستحسانات) فهي إذا كانت لها أصل مستحسن فهي حسنة وليس من البدع التي حُذرنا منها، وإلا فهو في حيز الذم كما في تعريف الشيخ للبدعة شرعا.
وقوله: (واتباع الناس في ما هم عليه، حتى نعرف دليلهم)، أي دليل تريد أن تعرفه أيها الشيخ؟ ألم تقل لنا أن البدع ليس فيها خير؟ لماذا تذكر الدليل وتريد أن تعرفه؟
وقوله: (فإن كانوا على حق اتبعناهم) عم يتحدث هذا الشيخ؟ هل يتحدث عن البدعة أو السنة؟ فهو تارة يقول: البدعة ليس فيها خير، وتارة يقول: البدعة ما أحدث في الدين مما ليس منه، وليس له دليل من كتاب الله، أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وطورا يقول حتى نعرف دليلهم، وحينا يقول : فإن كانوا على حق اتبعناهم. ماذا يريد أن يحدد بالذات؟ فليبين لنا أحدهم ما هي لو سمحتم.
ثم ذكر قوله تعالى: ( واتبعت ملة ءآبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب). لا إله إلا الله، ويا للعجب! إن سيدنا يوسف عليه السلام لم يتبع البدعة يا رجل. بل اتبع الأصول التي إذا تركت لكان شركا أو كفرا، وذلك التوحيد وهو شهادة أن لا إله إلا الله، ولا يشرك به شيئا. وهذا هو ملة الإسلام يا شيخنا!
ثم تمادى الفوزان قائلا ورادا على مقسمي البدعة في القرآن الكريم في ص/53. وهو:
إن النصارى لما أحدثوا الرهبانية التي ما كتبها الله عليهم، ضلوا بها، وأيضا ما قاموا بها، لأنهم عجزوا عن أن يقوموا بها، لأنهم هم الذين حملوا أنفسهم ما لا تطيق، والله – سبحانه وتعالى – لا يكلف نفسا إلا وسعها، فعجزوا عنها وتركوها
(فما رعوها حق رعايتها) وقوله إلا : (إلا ابتغاء رضوان الله) أحدثوها يبتغون بها رضوان الله، فهذا دليل على أن العبرة بالدليل لا بالمقاصد والنيات فقط. اهـ
قال العبد الضعيف:
أولا – قوله: ( إن النصارى لما أحدثوا الرهبانية التي ما كتبها الله عليهم، ضلوا بها ) فهل بمجرد إحداثهم الرهبانية ضلوا؟ أم لعدم الإلتزام بها لقوله تعالى (فما رعوعا حق رعايتها)، وهل هذا يشملهم كلهم؟ أم ثم بعض قاموا بها؟
ثانيا – قوله : (وأيضا ما قاموا بها، لأنهم عجزوا عن أن يقوموا بها) هل يريد الشيخ الفوزان بأنهم لو قدروا عليها لقاموا بها فتصير مباحا لهم أو ماذا يريد بالضبط؟
ثالثا – قوله : (فعجزوا عنها وتركوها) و (فما رعوها حق رعايتها) هل فعجزوا عنها وتركوها هو تفسير لقوله تعالى : فما رعوها حق رعايتها عندك أيها الشيخ ؟ أم ماذا؟
رابعا – قوله : (إلا ابتغاء رضوان الله) أحدثوها يبتغون بها رضوان الله،.) نعم أحدثوها ابتغاء رضوان الله، ولو لا ابتغاء ذلك ما ابتدعوها كما يفهم من الآية، ولكنك يا شيخ لم تذكر بقية الآية حتى نعلم هل عذبهم الله بابتداعهم الرهبانية هذه أم لا؟ وأيضا لم تذكر لنا أقوال السلف في هذه الآية، ولا قول المحدثين أو المفسرين فيها.
إن ما قاله جمهور الأمة تخالف ما ذهبت إليه تماما، وهو أنك لا ترى في إسلامك ما يسمى بدعة حسنة، ونحن معشر التجانيين نرى ذلك، وأن هذه الآية من أقوى الدليل لنا، حيث قلت : (وأيضا ما قاموا بها، لأنهم عجزوا عن أن يقوموا بها)، ونقول نحن لم نعجز بالقيام بما في طريقتنا الغراء ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (اكلفوا لأنفسكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا) وقوله أيضا: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه). وإذ نسيت بقية الآية نذكره لكم، قال تعالى : (ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى بن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين آتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون) فتأملوها يا أحباب.
خامسا – قوله : (فهذا دليل على أن العبرة بالدليل لا بالمقاصد والنيات فقط) قلت يا شيخنا، بل العبرة بالدليل وبالمقاصد والنيات. لقوله تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه) أي، كل ما يقصد فيه ذات الله كما قال الإمام البخاري: أي ما أريد به وجه الله. ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث سيدنا عمر رضي الله عنه: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله إلى آخره).
ثم قال :
فالحاصل: أن البدعة شر كلها وإن زعم أصحابها أنها خير!
وإن قالوا: إن البدعة تنقسم إلى أقسام: بدعة حسنة، وبدعة سيئة!
فنقول : البدع في الدين ليس منها شيء حسن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل بدعة ضلالة)، فمن قال: إن من البدع بدعة حسنة، فإنه يكون مكذبا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) وقوله : (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)، فلا توجد بدعة حسنة في الدين أبدا. اهـ
يا نهار أسود!!
لو اكتفى الشيخ بتعريفه الأول، لأراح واستراح. ولو كان أي تجاني ثرثر كثرثرته في هذا المقام، لأقيم عليه الدنيا وما فيها ولن تقعد أبدا، فلا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
قال أضعف خلق الله: الآن حصحص الحق، وزال القنا، وقد تبينة الحقيقة التي كانت مخفية من صدر هذا الرجل، هذا الشيخ الذي خرق الإجماع ورمى جمهور أهل السنة والجماعة بما فيهم الصحابة رضوان الله عليهم كلهم من لدن سيدنا عمر رضي الله عنه إلى شيخ إسلامه ابن تيمية، بأنهم كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (كل بدعة ضلالة). انتهى
يا مريد الحق إنني أشكرك كثيرا، والآن ننتظر باقي البحث وهو معنى البدعة في السنة، وشكرا