موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 200 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5 ... 14  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: مفاهيم يجب أن تصحح
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يناير 26, 2023 11:58 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2717


ردود العلماء على ابن تيمية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن ، صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيِّدنا محمد أشرف المرسلين وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين وسلام الله عليهم أجمعين

أما بعدُ، فقد قال اللهُ تبارك وتعالى في محكم التنزيل : ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ﴾ (سورة ءال عمران). صدق الله العظيم.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مَن رأى منكم منكرًا فليغيرْه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان » رواه مسلم.

قال رسول الله: « إذا رأيتَ أُمّتي تَهاب أن تقولَ للظّالم يا ظَالم فقَد تُوُدِّع منهم » رواه الحاكم.

بداية أمر ابن تيمية
ليعلم أن أحمد بن تيمية هذا الذي هو حفيد الفقيه المجد بن تيمية الحنبلي المشهور، ولد بحران ببيت علم من الحنابلة، وقد أتى به والده الشيخ عبد الحليم مع ذويه من هناك إلى الشام خوفا من المغول، وكان أبوه رجلا هادئا أكرمه علماء الشام ورجال الحكومة حتى ولّوه عدة وظائف علميّة مساعدة له، وبعد أن مات والده ولّوا ابن تيمية هذا وظائف والده بل حضروا درسه تشجيعا له على المضيّ في وظائف والده وأثنوا عليه خيرا كما هو شأنهم مع كل ناشئ حقيق بالرعاية. وعطفهم هذا كان ناشئا من مهاجرة ذويه من وجه المغول يصحبهم أحد بني العباس وهو الذي تولى الخلافة بمصر فيما بعد، ومن وفاة والده بدون مال ولا تراث بحيث لو عيّن الآخرون في وظائفه للقِىَ عياله البؤس والشقاء.

وكان في جملة المثنين عليه التاج الفزاري المعروف بالفركاح وابنه البرهان والجلال القزويني والكمال الزملكاني ومحمد بن الحريري الأنصاري والعلاء القونوي وغيرهم.

بداية انحراف ابن تيمية
لكِّنَّ ثناء هؤلاء غرّ ابن تيمية ولم ينتبه إلى الباعث على ثنائهم، فبدأ يذيع بِدعا بين حِينٍ وآخر، وأهل العلم يتسامحون معه في الأوائل باعتبار أن تلك الكلمات ربما تكون فلتات لا ينطوي هو عليها، لكن خاب ظنهم وعلموا أنه فاتن بالمعنى الصحيح، فتخلّوا عنه واحدا إثر واحد على توالي فتنه.

ردود العلماء على ابن تيمية
ثم إنّ ابن تيمية وإن كان ذاع صيته وكثرت مؤلفاته وأتباعه، هو كما قال فيه المحدث الحافظ الفقيه وليّ الدين العراقي ابن شيخ الحفّاظ زين الدين العراقي في كتابه الأجوبة المرضيّة على الأسئلة المكيّة : "علمه أكبر من عقله"، وقال أيضا : "إنّه خرق الإجماع في مسائل كثيرة قيل تبلغ ستين مسألة بعضها في الأصول وبعضها في الفروع خالف فيها بعد انعقاد الإجماع عليها". اهـ. وتبعه على ذلك خلقٌ من العوام وغيرهم، فأسرع علماء عصره في الردّ عليه وتبدِيعه، منهم الإمام الحافظ تقي الدين علي ابن عبد الكافي السُّبكي قال في مقدمة الدُرَّة المضية ما نصّه : "أما بعد، فإنه لمّا أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد، ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد، بعد أن كان مستترا بتبعية الكتاب و السُّنة، مظهرا أنه داع إلى الحقّ هاد إلى الجنة، فخرج عن الاتّباع إلى الابتداع، وشذَّ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع، وقال بما يقتضي الجسميّة والتركيب في الذات المقدّس، وأن الافتقار إلى الجزء (أي افتقار الله إلى الجزء) ليس بمحال، وقال بحلول الحوادث بذات الله تعالى، وأن القرآن مُحدَث تكلم الله به بعد أن لم يكن، وأنه يتكلم ويسكت ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات، وتعدى في ذلك إلى استلزام قِدَم العالم، والتزامه بالقول بأنه لا أول للمخلوقات فقال بحوادثٍ لا أول لها ، فأثبت الصفة القديمة حادثة والمخلوق الحادث قديما، ولم يجمع أحد هذين القولين في ملة من الملل ولا نِحلة من النحل، فلم يدخل في فرقة من الفرق الثلاث والسبعين التي افترقت عليها الأمة، ولا وقفت به مع أمة من الأمم هِمّة، وكل ذلك وإن كان كفرا شنيعا مما تَقِلَّ جملته بالنسبة لما أحدث في الفروع ". اهـ.

ابن تيمية شذ في الأصول والفروع
وقد أورد كثيرا من هذه المسائل الحافظ أبو سعيد العلائي شيخ الحافظ العراقي، نقل ذلك المحدِّث الحافظ المؤرخ شمس الدين بن طولون في ذخائر القصر (مخطوط ص/69)، قال ما نصه: "ذِكرُ المسائل التي خالف فيها ابن تيمية الناس في الأصول والفروع، فمنها ما خالف فيها الإجماع، ومنها ما خالف فيها الراجح من المذاهب، فمن ذلك: يمين الطلاق، قال بأنه لا يقع عند وقوع المحلوف عليه بل عليه فيها كفارة يمين، ولم يقل قبله بالكفارة أحد من المسلمين البتة، ودام إفتاؤه بذلك زمانا طويلا وعظم الخطب، ووقع في تقليده جمّ غفير من العوام وعمّ البلاء. وأنَّ طلاق الحائض لا يقع وكذلك الطلاق في طهر جامع فيه زوجته، وأن الطلاق الثلاث يرد إلى واحدة، وكان قبل ذلك قد نقل إجماع المسلمين في هذه المسألة على خلاف ذلك وأنَّ من خالفه فقد كفر، ثم إنه أفتى بخلافه و أوقع خلقا كثيرا من الناس فيه. و أنَّ الحائض تطوف في البيت من غير كفارة وهو مباح لها. وأنَّ المكوس حلال لمن أقطعها، وإذا أخذت من التجار أجزأتهم عن الزكاة وإن لم تكن باسم الزكاة ولا على رسمها. وأنَّ المائعات لا تنجس بموت الفأرة ونحوها فيها وأن الصلاة إذا تركت عمدا لا يشرع قضاؤها. وأنَّ الجنب يصلي تطوعه بالليل بالتيمم ولا يؤخره إلى أن يغتسل عند الفجر وإن كان بالبلد، وقد رأيت من يفعل ذلك ممن قلَّده فمنعته منه. وسئل عن رجل قدّم فراشا لأمير فتجنب بالليل في السفر، ويخاف إن اغتسل عند الفجر أن يتهمه أستاذه بغلمانه فأفتاه بصلاة الصبح بالتيمم وهو قادر على الغسل. وسئل عن شرط الواقف فقال : غير معتبر بالكلية بل الوقف على الشافعية يصرف إلى الحنفية وعلى الفقهاء يصرف إلى الصوفية وبالعكس، وكان يفعل هكذا في مدرسته فيعطي منها الجند والعوام، ولا يحضر درسا على اصطلاح الفقهاء وشرط الواقف بل يحضر فيه ميعادا يوم الثلاثاء ويحضره العوام ويستغني بذلك عن الدرس. وسئل عن جواز بيع أمهات الأولاد فرجحه وأفتى به.

ومن المسائل المنفرد بها في الأصول مسألة الحسن والقبح التي يقول بها المعتزلة، فقال بها ونصرها وصنف فيها وجعلها دين الله بل ألزم كل ما يبنى عليه كالموازنة في الأعمال.

وأما مقالاته في أصول الدين فمنها قوله : إنَّ الله سبحانه محل الحوادث، تعالى الله عما يقول علوا كبيرا. وانه مركب مفتقر إلى ذاته افتقار الكل إلى الجزء. وان القرءان مُحدَث في ذاته تعالى. و أنَّ العالم قديم بالنوع ولم يزل مع الله مخلوق دائما، فجعله موجبا بالذات لا فاعلا بالاختيار. ومنها قوله بالجسمية والجهة والانتقال وهو مردود.

وصرَّح في بعض تصانيفه بأن الله تعالى بقدر العرش لا أكبر منه ولا أصغر، تعالى الله عن ذلك، وصنّفَ جزءا في أنَّ علم الله لا يتعلق بما لا يتناهى كنعيم أهل الجنة، وأنه لا يحيط بالمتناهي، وهي التي زلق فيها بعضهم، ومنها أنَّ الأنبياء غير معصومين، وأنَّ نبينا عليه وعليهم الصلاة والسلام ليس له جاه ولا يتوسل به أحد إلا ويكون مخطئا، وصنف في ذلك عدة أوراق. وأنَّ إنشاء السفر لزيارة نبينا صلى الله عليه و سلم معصية لا يقصر فيها الصلاة، وبالغ في ذلك ولم يقل بها أحد من المسلمين قبله. وأنَّ عذاب أهل النار ينقطع ولا يتأبد حكاه بعض الفقهاء عن تصانيفه. ومن أفراده أيضا أنَّ التوراة والإنجيل لم تبدل ألفاظهما بل هي باقية على ما أنزلت وإنما وقع التحريف في تأويلها، وله فيه مصنف، هذا ءاخر ما رأيت، وأستغفر الله من كتابة مثل هذا فضلا عن اعتقاده ". ا.هـ.

ابن حجر الهيتمي يذم ابن تيمية
وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي في كتابه الفتاوى الحديثية (ص/116) ناقلا المسائل التي خالف فيها ابن تيمية إجماع المسلمين ما نصه : "وقال أن العالم قديم بالنوع ولم يزل مع الله مخلوقا دائما فجعله موجبا بالذات لا فاعلا بالاختيار تعالى الله عن ذلك، وقوله بالجسمية، والجهة والانتقال، وانه بقدر العرش لا أصغر ولا أكبر، تعالى الله عن هذا الافتراء الشنيع القبيح والكفر البراح الصريح " اهـ.

وقال أيضا ما نصه [الفتاوى الحديثية (ص/203)]: "وإياك أن تصغي إلى ما في كتب ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وغيرهما ممن اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله، وكيف تجاوز هؤلاء المُلحِدونَ الحُدُودَ وتعدوا الرسوم وخرقوا سِياج الشريعة والحقيقة فظنوا بذلك أنهم على هدى من ربهم وليسوا كذلك " اهـ.

وقال أيضا ما نصه [حاشية الإيضاح (ص/443)]: "ولا يغتر بإنكار ابن تيمية لسنّ زيارته صلى الله عليه وسلم فإنه عبدٌ أضله الله كما قال العز بن جماعة، وأطال في الرد عليه التقي السبكي في تصنيف مستقل، ووقوعه في حق رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس بعجيب فإنه وقع في حق الله، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا، فنسب إليه العظائم كقوله: إن لله تعالى جهة ويدا ورجلا وعينا وغير ذلك من القبائح الشنيعة" اهـ.

استتابة ابن تيمية
وقد استُتيب مرات وهو ينقض مواثيقه وعهوده في كل مرة حتى حُبِس بفتوى من القضاة الأربعة الذين أحدهم شافعي والآخر مالكي، والآخر حنفي والآخر حنبلي وحكموا عليه بأنه ضال يجب التحذير منه كما قال ابن شاكر الكتبي في عيون التواريخ وهو من تلامذة ابن تيمية وسيأتي، وأصدر الملك محمد بن قلاوون منشورا ليقرأ على المنابر في مصر وفي الشام للتحذير منه ومن أتباعه.

Islam.ms - صورة استِتابة ابن تيمية
وهذه صورة استتابته منقولة من خط يده كما هي مسجلة في كتاب نجم المهتدي وعليها توقيع العلماء ونصها [نجم المهتدي ورجم المعتدي (ص/630-631)]: "الحمد الله، الذي أعتقده أن في القرءان معنى قائم بذات الله وهو صفة من صفات ذاته القديمة الأزلية وهو غير مخلوق، وليس بحرف ولا صوت، وليس هو حالا في مخلوق أصلا ولا ورق ولا حبر ولا غير ذلك، والذي أعتقده في قوله: ﴿ الرحمن على العرش استوى ﴾ [سورة طه] آية 5 أنه على ما قال الجماعة الحاضرون وليس على حقيقته وظاهره، ولا أعلم كنه المراد به، بل لا يعلم ذلك إلا الله، والقول في النزول كالقول في الاستواء أقول فيه ما أقول فيه لا أعرف كنه المراد به بل لا يعلم ذلك إلا الله، وليس على حقيقته وظاهره كما قال الجماعة الحاضرون، وكل ما يخالف هذا الاعتقاد فهو باطل، وكل ما في خطي أو لفظي مما يخالف ذلك فهو باطل، وكل ما في ذلك مما فيه إضلال الخلق أو نسبة ما لا يليق بالله إليه فأنا بريء منه فقد تبرأت منه وتائب إلى الله من كل ما يخالفه. كتبه أحمد بن تيمية، وذلك يوم الخميس سادس شهر ربيع الآخر سنة سبع وسبعمائة. وكل ما كتبته وقلته في هذه الورقة فأنا مختار فى ذلك غير مكره. كتبه أحمد بن تيمية حسبنا الله ونعم الوكيل ".

Islam.ms - صورة استِتابة ابن تيمية
وبأعلى ذلك بخط قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة ما صورته : اعترف عندي بكل ما كتبه بخطه في التاريخ المذكور. كتبه محمد بن إبراهيم الشافعي، وبحاشية الخط : اعترف بكل ما كتب بخطه، كتبه عبد الغني بن محمد الحنبلي. وبآخر خط ابن تيمية رسوم شهادات هذه صورتها : كتب المذكور بخطه أعلاه بحضوري واعترف بمضمونه، كتبه أحمد بن الرفعة.

صورة خط آخر: أقرّ بذلك، كتبه عبد العزيز النمراوي.

صورة خط آخر: أقرّ بذلك كله بتاريخه، علي بن محمد بن خطاب الباجي الشافعي.

صورة خط آخر: جرى ذلك بحضوري في تاريخه، كتبه الحسن بن أحمد بن محمد الحسيني.

وبالحاشية أيضا ما مثاله: كتب المذكور أعلاه بخطه واعترف به، كتبه عبد الله بن جماعة.

مثال خط آخر: أقرّ بذلك وكتبه بحضوري محمد بن عثمان البوريجبي " اهـ.

وكل هؤلاء من كبار أهل العلم في ذلك العصر، وابن الرفعة وحده له "المطلب العالي في شرح وسيط الغزالي " في أربعين مجلدا.

ولو لا أن ابن تيمية كان يدعو العامة إلى اعتقاد ضد ما في صيغة الاستتابة هذه بكل ما أوتي من حول وحيلة لما استتابه أهل العلم بتلك الصيغة وما اقترحوا عليه أن يكتب بخطه ما يؤاخذ به إن لم يقف عند شرطه، وبعد أن كتب تلك الصيغة بخطه توّج خطه قاضي القضاة البدر ابن جماعة بالعلامة الشريفة وشهد على ذلك جماعة من العلماء كما ذكرنا، وحفظت تلك الوثيقة بالخزانة الملكية الناصرية، لكن لم تمض مدة على ذلك حتى نقض ابن تيمية عهوده و مواثيقه كما هو عادة أئمة الضلال و رجع إلى عادته القديمة في الإضلال.

الحافظ السبكي يرد على ابن تيمية
قال الحافظ المجتهد تقي الدين السبكي في فتاويه (2/210) ما نصه : "وهذا الرجل- يعني ابن تيمية- كنت رددت عليه في حياته في إنكاره السفر لزيارة المصطفى صلى الله عليه و سلم ، وفي إنكاره وقوع الطلاق إذا حلف به، ثم ظهر لي من حاله ما يقتضي أنه ليس ممن يعتمد عليه في نقل ينفرد به لمسارعته إلى النقل لفهمه كما في هذه المسألة- أي مسئلة في الميراث- ولا في بحث ينشئه لخلطه المقصود بغيره وخروجه عن الحد جدا، وهو كان مكثرا من الحفظ ولم يتهذب بشيخ ولم يرتض في العلوم بل يأخذها بذهنه مع جسارته واتساع خيال وشغب كثير، ثم بلغني من حاله ما يقتضي الإعراض عن النظر في كلامه جملة، وكان الناس في حياته ابتلوا بالكلام معه للرد عليه، وحبس بإجماع العلماء وولاة الأمور على ذلك ثم مات " اهـ.

قال صلاح الدين الصفدي تلميذ ابن تيمية والتقي السبكي في أعيان العصر وأعوان النصر [(1/66) مخطوط] ما نصه : "انفرد- أي ابن تيمية- بمسائل غريبة، ورجح فيها أقوالا ضعيفة، عند الجمهور معيبة كاد منها يقع في هوّة، ويسلم منها لما عنده من النية المرجوة، والله يعلم قصده وما يترجح من الأدلة عنده، وما دمّر عليه شىء كمسألة الزيارة، ولا شُنّ عليه مثلها إغارة، دخل منها إلى القلعة معتقلا، وجفاه صاحبه وقلا، وما خرج منها إلا على الآلة الحدباء، ولا درج منها إلا إلى البقعة الجدباء" ا.هـ. قال ذلك فيه بعد مدحه مدحا كثيرا.

وأمر ابن تيمية كما قال الحافظ الفقيه المجتهد تقي الدين السبكي ما نصه [فتاوى السبكي (2/210)]: "وحُبِسَ بإجماع العلماء وولاة الأمور" اهـ.

الذهبي مدح ابن تيمية في أول الأمر ثم عاد وذمه.
وكان الذهبي وهو من معاصري ابن تيمية مدحه في أول الأمر ثم لمّا انكشف له حاله قال في رسالته بيان زغل العلم والطلب (ص/17- 18) ما نصه: "فوالله ما رمقت عيني أوسع علما ولا أقوى ذكاء من رجل يقال له ابن تيمية مع الزهد في المأكل والملبس والنساء، ومع القيام في الحق والجهاد بكل ممكن، وقد تعبت في وزنه وفتشه حتى مللت في سنين متطاولة، فما وجدت أخره بين أهل مصر والشام ومقتته نفوسهم وازدروا به وكذبوه وكفروه إلا الكبر والعجب وفرط الغرام في رئاسة المشيخة والازدراء بالكبار، فانظر كيف وبال الدعاوى ومحبة الظهور، نسأل الله المسامحة، فقد قام عليه أناس ليسوا بأورع منه ولا أعلم منه ولا أزهد منه، بل يتجاوزون عن ذنوب أصحابهم وءاثام أصدقائهم، وما سلّطهم الله عليه بتقواهم وجلالتهم بل بذنوبه، وما دفع الله عنه وعن أتباعه أكثر، وما جرى عليهم إلا بعض ما يستحقون، فلا تكن في ريب من ذلك ". اهـ. وهذه الرسالة ثابتة عن الذهبي لأن الحافظ السخاوي نقل عنه هذه العبارة في كتابه الإعلان بالتوبيخ (ص/77)، وقال: "وقد رأيت له- أي للذهبي- عقيدة مجيدة ورسالة كتبها لابن تيمية هي لدفع نسبته لمزيد تعصبه مفيدة " اهـ.

ومن جملة ما يقوله الذهبي في حق ابن تيمية ما نقله الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة (1/151) عنه ونصه : "وأنا- أي الذهبي- لا أعتقد فيه عصمة بل أنا مخالف له في مسائل أصلية وفرعية" اهـ.

فتبين أن الذهبي ذمّه لأنه خاض بالفلسفة والكلام المذموم أي كلام المبتدعة في العقيدة كالمعتزلة والمشبهة، وهذا القدح في ابن تيمية من الذهبي يضعف الثناء الذي أثنى عليه في تذكرة الحفاظ بقوله: "ما رأت عيناي مثله وكأن السُّنّة نصب عينيه".

كلام الحافظ ابن حجر في ابن تيمية
ولنذكر فيما بعد ما قيل في ترجمة ابن تيمية وفي حبوسه وقيام العلماء وولاة الأمر عليه.

قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة (1/144) في ترجمة ابن تيمية: "أحمد بن عبد الحليم ولد سنة 661 هـ ، وتحوّل به أبوه من حرّان سنة 67 فسمع من ابن عبد الدائم والقاسم الإربلي والمسلم بن علان وابن أبي عمرو والفخر في ءاخرين وقرأ بنفسه.

وأوّل ما أنكروا عليه من مقالاته في شهر ربيع الأول سنة 698 قام عليه جماعة من الفقهاء بسبب الفتوى الحموية وبحثوا معه ومُنع من الكلام".

واتفق أن الشيخ نصرًا المنبجي كان قد تقدم في الدولة لاعتقاد بيبرس الجاشنكير فيه، فبلغه أن ابن تيمية يقع في ابن العربي لأنه كان يعتقد أنه مستقيم وأن الذي ينسب إليه من الاتحاد أو الإلحاد من قصور فهم من ينكر عليه، فأرسل ينكر عليه وكتب إليه كتابا طويلا ونسبه وأصحابه إلى الاتحاد الذي هو حقيقة الإلحاد، فعظم ذلك عليهم وأعانه عليه قوم ءاخرون ضبطوا عليه كلمات في العقائد مغيرة وقعت منه في مواعظه وفتاويه، فذكروا أنه ذكر حديث النزول فنزل عن المنبر درجتين فقال كنزولي هذا فنسب إلى التجسيم، ورده على من توسل بالنبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) أو استغاث، فأشخص من دمشق في رمضان سنة خمس وسبعمائة فجرى عليه ما جرى وحبس مرارا فأقام على ذلك نحو أربع سنين أو أكثر وهو مع ذلك يشتغل ويفتي، إلى أن اتفق أن الشيخ نصرا قام على الشيخ كريم الدين الآملي شيخ خانقاه سعيد السعداء فأخرجه من الخانقاه، وعلى شمس الدين الجزري فأخرجه من تدريس الشريفيّة، فيقال إن الآملي دخل الخلوة بمصر أربعين يوما فلم يخرج حتى زالت دولة بيبرس وخمل ذكر نصر وأطلق ابن تيمية إلى الشام. وافترق الناس فيه شيعا فمنهم من نسبه إلى التجسيم لما ذكر في العقيدة الحموية والواسطية وغيرهما من ذلك كقوله إن اليد والقدم و الساق والوجه صفات حقيقية لله وأنه مستو على العرش بذاته، فقيل له: يلزم من ذلك التحيز والانقسام، فقال: أنا لا أسلّم أن التحيز والانقسام من خواص الأجسام، فألزم بأنه يقول بتحيز في ذات الله. ومنهم من ينسبه إلى الزندقة لقوله إن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) لا يستغاث به وأن في ذلك تنقيصا ومنعا من تعظيم النبي صلى الله عليه و سلم لمجيب، وكان أشد الناس عليه في ذلك النور البكري فإنه لما عقد له المجلس بسبب ذلك قال بعض الحاضرين يعزر، فقال البكري: لا معنى لهذا القول فإنه إن كان تنقيصا يقتل وإن لم يكن تنقيصا لا يعزر. ومنهم من ينسبه إلى النفاق لقوله في عليّ ما تقدم ولقوله: إنه كان مخذولا حيثما توجه، وإنه حاول الخلافة مرارا فلم ينلها وإنما قاتل للرياسة لا للديانة، ولقوله: إنه كان يحب الرياسة، وإن عثمان كان يحب المال، ولقوله: أبو بكر أسلم شيخا لا يدري ما يقول وعليّ أسلم صبيا والصبي لا يصح إسلامه على قول)). انتهى كلام ابن حجر.

مرسوم ابن قلاوون في ابن تيمية:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي تنزّه عن الشبيه والنظير وتعالى عن المثل فقال عز وجل: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ ءاية 11 [سورة الشورى]، أحمده على أن ألهمنا العمل بالسُّنة والكتاب، ورفع في أيامنا أصباب الشك والارتياب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من يرجو بإخلاصه حسن العقبى والمصير، وينزّه خالقة عن التحيز في جهة لقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [ءاية 4 من سورة الحديد]، وأشهد أنَّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي نهج سبيل النجاة لمن سلك سبيل مرضاته، وأمر بالتفكّر في ءالاء الله ونهى عن التفكر في ذاته، صلى الله عليه وعلى ءاله وأصحابه الذين علا بهم منار الإيمان وارتفع، وشيّد الله بهم من قواعد الدين الحنيف ما شرع، وأخمد بهم كلمة من حاد عن الحق ومال إلى البدع.

وبعد، فان العقائد الشرعية وقواعد الإسلام المرعية وأركان الإيمان العلية ومذاهب الدين المرضية، هي الأساس الذي يبنى عليه [والمَوئِلُ] الذي يرجع كل أحد إليه، والطريق التي من سلكها فقد فاز فوزا عظيما، ومن حاد عنها فقد استوجب عذابا أليما، فلهذا يجب أن تنفذ أحكامها، ويؤكد دوامها، وتُصان عقائد الملة عن الاختلاف، وتزان قواعد الأئمة بالائتلاف، وتخمد ثوائر البدع، ويفرّق من فِرَقِها ما اجتمع.

وكان ابن تيمية في هذه المدة قد بسط لسان قلمه، ومدَّ [بجهله] عنان كلمه، وتحدث في مسائل الذات والصفات، ونصَّ في كلامه [ الفاسد] على أمور منكرات، وتكلم فيما سكت عنه الصحابة والتابعون، وفاه بما اجتنبه الأئمة الأعلام الصالحون، وأتى في ذلك بما أنكره أئمة الإسلام، وانعقد على خلافه إجماع العلماء والحكام، وشهر من فتاويه في البلاد ما استخف به عقول العوام، وخالف في ذلك فقهاء عصره، وعلماء شامه ومصره، وبعث برسانله إلى كل مكان، وسمى فتاويه بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان.

ولما اتصل بنا ذلك وما سلكه المريدون له من هذه المسالك الخبيثة وأظهروه من هذه الأحوال وأشاعوه، وعلمنا أنه استخف قومه فأطاعوه، حتى قيل إنهم صرحوا في حق الله سبحانه بالحرف والصوت [والتشبيه] و التجسيم قمنا في الله تعالى مشفقين من هذا النبا العظيم، وأنكرنا هذه البدعة، وعز علينا أن تشيع عمّن تضمه ممالكنا هذه السمعة. وكرهنا ما فاه به المبطلون، وتلونا قوله تعالى: ﴿ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [آية 91 من سورة المؤمنون]، فإنه [سبحانه وتعالى] تنزه في ذاته وصفاته عن العديل والنظير: ﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [آية 103 من سورة الأنعام]، فتقدمت مراسيمنا باستدعاء [ابن تيمية] المذكور إلى أبوابنا العالية عندما سارت فتاويه [الباطلة] في شامنا ومصرنا، وصرح فيها بألفاظ ما سمعها ذو لبّ إلا وتلا قوله تعالى: ﴿ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا ﴾ [آية 74 من سورة الكهف].

ولما وصل إلينا تقدمنا إلى أولي العقد والحل، وذوي التحقيق والنقل، وحضر قضاة الإسلام، وحكام الأنام، وعلماء الدين، وفقهاء المسلمين، وعقد له مجلس شرعي في ملأ وجمع من الأئمة، [ومن له دراية في مجال النظر ودفع] فثبت عندهم جميع ما نسب إليه، [بقول من يعتمد وبعول عليه]، وبمقتضى خط قلمه الدال على منكر معتقده، وانفصل ذلك الجمع وهم لعقيدته الخبيثة منكرون، وءاخذوه بما شهد به قلمه تالين: ﴿ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ﴾ [آية 19 من سورة الزخرف]، ونقل إلينا انه كان استتيب مرارا فيما تقدم، وأخره الشرع الشريف لما تعرّض لذلك وأقدم، ثم عاد بعد منعه، ولم تدخل تلك النواهي في سمعه.

وصح ذلك في مجلس الحاكم العزيز المالكي حكم الشرع الشريف أن يسجن هذا المذكور وأن يمنع من التصرف والظهور، ويكتب مرسومنا هذا بأن لا يسلك أحد ما سلكه المذكور من هذه المسالك، وينهى عن [التشبيه في] اعتقاد مثل ذلك، أو يعود له في هذا القول متبعا، أو لهذه الألفاظ مستمعا، أو يسري في التشبيه مسراه، أو أن يفوه بجهة العلو بما فاه، أو أن يتحدث أحد بحرف أو صوت، أو يفوه بذلك إلى الموت، أو يتفوه بتجسيم، أو ينطق بلفظ في ذلك غير مستقيم، أو خرج عن رأي الأئمة، أو ينفرد به عن علماء الأمة، أو يُحَيَّز الله سبحانه وتعالى في جهة أو يتعرّض إلى حيث وكيف، فليس لمعتقد هذا إلا السيف.

فليقف كل واحد عند هذا الحد، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وليلزم كل من الحنابلة بالرجوع عن هذه العقيدة، والخروج عن الشبهات الزائغة الشديدة، ولزوم ما أمر الله تعالى به من التمسك بمذاهب أهل الإيمان الحميدة، فانَّه من خرج عن أمر الله فقد ضلّ سواء السبيل، ومثل هذا ليس له إلا التنكيل، والسجن الطويل مستقره ومقيله وبئس المقيل.

[وقد رسمنا بأن ينادى في دمشق المحروسة والبلاد الشامية، وتلك الجهات الدانية و القاصية بالنهي الشديد والتخويف والتهديد لمن اتبع ابن تيمية في هذا الأمر الذي أوضحناه، ومن تابعه تركناه في مثل مكانه وأحللناه، ووضعناه من عيون الأمة كما وضعناه] ومن أصرَّ على الامتناع وأبى إلا الدفاع، أمرنا بإسقاطهم من [مدارسهم] ومناصبهم، ووضعهم من مراتبهم مع إهانتهم، وأن لا يكون لهم في بلادنا قضاء ولا حكم ولا ولاية ولا تدريس ولا شهادة ولا إمامة بل ولا مرتبة ولا إقامة، فإنَّا أزلنا دعوة هذا الرجل من البلاد، وأبطلنا هذه العقيدة التي أضل بها كثيرا من العباد أو كاد [بل كم أضل بها من خلق وعاثوا بها في الأرض الفساد، ولتثبت المحاضر الشرعية على الحنابلة بالرجوع عن ذلك وتسير المحاضر بعد إثباتها على قضاة المالكية]، وقد أعذرنا وحذرنا وأنصفنا حيث أنذرنا، وليقرأ مرسومنا هذا على المنابر، ليكون أبلغ واعظ وزاجر، وأعدل ناه وءامر إن شاء الله تعالى. والحمد لله وحده وصلواته على نبينا محمد وءاله وصحبه وسلم. والاعتماد على الخط الشريف أعلاه. وكتب ثامن عشري شهر رمضان سنة خمس و سبعمائة. ا هـ.

وهذه المراسيم الصادرة في حق ابن تيمية بعد محاكمته أمام جماعة من كبار العلماء في عصره مسجلة في كتب التواريخ مثل: عيون التواريخ، ونجم المهتدي، ودفع شُبَهِ من شَبّه وتمرد وغيرها.

أبو حيان الأندلسي يذم ابن تيمية
وقال الصفدي : « وممن مدحه بمصر أيضا شيخنا العلّامة أبو حيان لكنه انحرف عنه فيما بعد ومات وهو على انحرافه، ولذلك أسباب منها أنه قال له يوما: كذا قال سيبويه، فقال: يكذب سيبويه، فانحرف عنه »

وأشار بقوله "لأسباب" ما ذكره المحدث الحافظ شارح القاموس أنه اطلع -أي أبو حيان- على كتاب لابن تيمية سماه كتاب العرش ذكر فيه أن الله يقعد النبي في الآخرة على الكرسي بجنبه وقال إنه صار يلعنه إلى أن مات، وهذا يؤيد وصف الذهبي له في بيان زغل العلم والطلب بالكبر وازدراء الأكابر وفرط الغرام في رئاسة المشيخة، ومعلوم أن الكبر من الكبائر يفسق فاعله.

وأبو حيان هو محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي ثم المصري، وصفه الحسيني [ذيل تذكرة الحفاظ (1/32)] بالشيخ الإمام العلامة المحدث البارع ترجمان العرب ولسان أهل الأدب، وقال الذهبي في ترجمته [معرفة القرّاء الكبار (2/724).] ما نصه : "ومع براعته الكاملة في العربية له يد طولى في الفقه والآثار والقراءات، وله مصنفات في القراءات والنحو، وهو مفخر أهل مصر في وقتنا في العلم، تخرّج به عدة أئمة، مد الله في عمره وختم له بالحسنى وكفاه شرّ نفسه، وودّي لو أنه نظر في هذا الكتاب وأصلح فيه، وزاد فيه تراجم جماعة من الكبار فإنه إمام في هذا المعنى أيضا" اهـ.

كلام ابن الوردي في ابن تيمية
قال ابن الوردي في تاريخه [المختصر في أخبار البشر (تاريخ ابن الوردي) (2/381)] ما نصه : "وفيها أي سنة ثمان عشرة وسبعمائة في جمادى الآخرة، ورد مرسوم السلطان بمنع الشيخ تقي الدين ابن تيمية من الفتوى في مسألة الحلف بالطلاق، وعقد لذلك مجلس نودي به في البلد. قلت: وبعد هذا المنع والنداء، أحضر إليّ رجل فتوى من مضمونها أنه طلق الرجل امرأته ثلاثا جملة بكلمة أو بكلمات في طهر أو أطهار قبل أن يرتجعها أو تقضي العدة، فهذا فيه قولان للعلماء أظهرهما أنه لا يلزمه إلا طلقة واحدة ولو طلقها الطلقة بعد أن يرتجعها أو يتزوجها بعقد جديد وكان الطلاق مباحا فإنه يلزمه، وكذلك الطلقة الثالثة إذا كانت بعد رجعة أو عقد جديد وهي مباحة فإنها تلزمه، ولا تحل له بعد ذلك إلا بنكاح شرعي لا بنكاح تحليل والله أعلم. وقد كتب الشيخ بخطه تحت ذلك ما صورته: هذا منقول من كلامي، كتبه أحمد بن تيمية. وله في الطلاق رخص غير هذا أيضا، لا يلتفت العلماء إليها ولا يعرجون عليها" اهـ.

ثم قال [المرجع السابق (2/398)]: ((وفيها- أي في سنة ست وعشرين وسبعمائة- في شعبان اعتقل الشيخ تقي الدين بن تيمية بقلعة دمشق مكرما راكبا، وفي خدمته مشد الأوقاف والحاجب ابن الخطير، وأخليت له قاعة ورتب له ما يقوم بكفايته، ورسم السلطان بمنعه من الفتيا، وسبب ذلك فتيا وجدت بخطه في المنع من السفر ومن إعمال المطي إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وحبس جماعة من أصحابه وعزر جماعة، ثم أطلقوا سوى شمس الدين محمد بن أبي بكر إمام الجوزية فإنه حبس بالقلعة أيضا)).اهـ.

https://www.islam.ms/ar/?p=125











_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مفاهيم يجب أن تصحح
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يناير 27, 2023 6:24 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2717


البدعة المحمودة

من آخر تقليعات بعض أدعياء التصوف عندنا - دعاة "تجميع ما لا يجمع" - قولهم: ((الأصل التوقيف في الأذكار!!! والزيادة عليها بدعة ضلالة!!!))، هكذا بلا زمام ولا خطام..

وليس هنا محل مناقشة كل ما جاء في هذه الدعوى العريضة، ولكن سنذكر للألباء بعض كلام الأيمة في مسألة واحدة لها علاقة وطيدة بهذه الدعوى، وهي: مسألة الزيادة على الذكر الوارد من حيث العدد..

صحيح أن هذه المسألة جرى فيها اختلاف بين الأيمة، فمثلا عد ذلك الإمام القرافي من البدع المكروهة، وظاهر كلام الإمام الشاطبي أنه من البدع الإضافية، وكلها ضلالة عنده، مع أنه في بعض المواضع من كتابه "الاعتصام" استحسن ذلك كما في الذكر الوارد عن الإمام الكتاني الصوفي، لأجل هذا ألزمه الإمام القاضي المواق بالتباين في الرأي، وبالمقابل الجمهور على خلاف هذا الرأي السابق، والأمر عندهم يرجع إلى النية والاستطاعة..الخ ما ذكروا..فليت المدَّعي تعلم قبل أن يتكلم، ووسعه ما وسع أيمتنا..

هذا وقد اعتمد الجمهور على أدلة كثيرة، نكتفي منها بما يلي:

قَالَ الْحَافِظُ ابْن رَجَب الْحَنْبَلِي: ((وَكَانَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ خَيْطٌ فِيهِ أَلْفُ عُقْدَةٍ فَلَا يَنَامُ حَتَّى يُسَبِّحَ بِهِ. وَكَانَ خَالِدُ بْنُ مِعْدَانَ يُسَبِّحُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعِينَ أَلْفَ تَسْبِيحَةٍ سِوَى مَا يَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ، فَلَمَّا مَاتَ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ لِيُغَسَّلَ، فَجَعَلَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ يُحَرِّكُهَا بِالتَّسْبِيحِ. وَقِيلَ لِعُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ: مَا نَرَى لِسَانَكَ يَفْتُرُ، فَكَمْ تُسَبِّحُ كُلَّ يَوْمٍ؟ قَالَ مِئَةُ أَلْفِ تَسْبِيحَةٍ، إِلَّا أَنْ تُخْطِئَ الْأَصَابِعُ، يَعْنِي أَنَّهُ يَعُدُّ ذَلِكَ بِأَصَابِعِهِ. وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ: كَانَتْ عِنْدَنَا امْرَأَةٌ بِمَكَّةَ تُسَبِّحُ كُلَّ يَوْمٍ اثْنَيْ عَشَرَةَ أَلْفَ تَسْبِيحَةٍ، فَمَاتَتْ فَلَمَّا بَلَغَتِ الْقَبْرَ اخْتُلِسَتْ مِنْ أَيْدِي الرِّجَالِ. وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ كَثِيرًا مَا يَقُولُ إِذَا لَمْ يُحْدِثْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شُغُلٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِبَعْضِ فُقَهَاءِ مَكَّةَ، فَقَالَ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ لَفَقِيهٌ، مَا قَالَهَا أَحَدٌ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ)) [جَامِعُ الْعُلُومِ (517/2)] فهل يعد المدعي كل هؤلاء من المبتدعة؟!!!..

وقال الإمام القاضي الباجي المالكي عند شرح حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ في تكرار الذكر ثلاثا على الصفا كما في الموطأ ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا وَقَفَ عَلَى الصَّفَا يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيَقُولُ: "لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" يَصْنَعُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَدْعُو وَيَصْنَعُ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ ذَلِكَ))..ما نصه: ((قَوْلُهُ: "ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَدْعُو" عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ - "أَنَّهُ كَانَ يُكَرِّرُ مَا تَكَلَّمَ وَكَانَ إذَا سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثًا" لِأَنَّ أَقْوَالَهُ قُرْبٌ وَرَحْمَةٌ فَكَانَ يُكَرِّرُهَا ثَلَاثًا تَارَةً لِلْإِفْهَامِ وَالتَّعْلِيمِ وَتَارَةً لِلِاسْتِكْثَارِ مِنْ الذِّكْرِ، وَهَذَا أَقَلُّ مَا تُكَرَّرُ بِهِ الْأَذْكَارُ مَعَ اسْتِحْبَابِ الْوِتْرِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِحَدٍّ فِي تَكْرَارِ هَذَا الذِّكْرِ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَكِنَّهُ أَقَلُّ مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ تَكْرَارِهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ - يَأْخُذُ فِيمَا يَشْرَعُهُ مُعْلِنًا بِحَظٍّ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ وَحَظٍّ مِنْ التَّخْفِيفِ، عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يَفْعَلُ فِي الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا لِقُوَّةٍ أَوْ رَغْبَةٍ فِي الْخَيْرِ فَحَسَنٌ، وَمَنْ قَصَرَ عَنْ هَذَا الْعَدَدِ فَلَا بَأْسَ بِهِ)) [المنتقى (2 /299-300)].

وجاء في الحديث الصحيح: ((مَنْ قالَ: "لا إله إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وهو على كلِّ شيءِ قديرِ"، في اليوم مئةَ مرَّةٍ، كانت له عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وكُتِبَتْ لَهُ مئةُ حَسَنَةٍ، ومُحِيَتْ عنه مئةُ سَيِّئَةٍ، وكانت له حِرْزًا من الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذلك حتّى يُمْسِي، ولَمْ يَأتِ أَحَدٌ بأَفْضَلَ مِمَّا جاءَ به، إلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أكثرَ من ذلكَ)) رواه البخاري (6403)، ومسلم (2691).

فتأمل يا عبد الله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ولَمْ يَأتِ أَحَدٌ بأَفْضَلَ مِمَّا جاءَ به، إلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أكثرَ من ذلكَ)) فهو أصل في الترغيب على الاجتهاد في العبادة..

قال الإمام القاضي الباجي: (("إلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ" لِئَلَّا يَظُنَّ السَّامِعُ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ مَمْنُوعَةٌ كَتَكْرَارِ الْعَمَلِ فِي الْوُضُوءِ، وَوَجْهٌ ثَانٍ وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَا يَأْتِي أَحَدٌ مِنْ سَائِرِ أَبْوَابِ الْبِرِّ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إلَّا رَجُلٌ عَمِلَ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَكْثَرَ مِنْ عَمَلِهِ)) [المنتقى (1/354)] ونقله مقرا له الإمام القاضي ابن العربي كما في [المسالك في شرح موطأ مالك (3/427)].

وقال الإمام النووي: ((فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذَا التَّهْلِيلَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ فِي الْيَوْمِ كَانَ لَهُ هَذَا الأَجْر المَذْكُور فِي الْحَدِيثِ عَلَى المَائَة، وَيَكُون لَهُ ثَوَاب آخَر عَلَى الزِّيَادَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْحُدُودِ الَّتِي نَهَى عَنِ اعْتِدَائِهَا وَمُجَاوَزَةُ أَعْدَادِهَا، وَإِنَّ زِيَادَتَهَا لَا فَضْلَ فِيهَا أَوْ تُبْطِلُهَا كَالزِّيَادَةِ فِي عَدَدِ الطَّهَارَةِ وَعَدَدِ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الزِّيَادَةَ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ لَا مِنْ نَفْسِ التَّهْلِيلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الزِّيَادَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنَ التَّهْلِيلِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَظَاهِرُ إِطْلَاقِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُحَصِّلُ هَذَا الْأَجْرَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ هَذَا التَّهْلِيلَ مِائَةَ مَرَّةٍ فِي يَوْمِهِ، سَوَاءٌ قَالَهُ مُتَوَالِيَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً، فِي مَجَالِسَ أَوْ بَعْضَهَا أَوَّلَ النَّهَارِ وَبَعْضَهَا آخِرَهُ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مُتَوَالِيَةً فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لِيَكُونَ حِرْزًا لَهُ فِي جَمِيعِ نَهَارِهِ)) [ شرح مسلم (17/17)].

وقال الإمام الزرقاني: ((قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمِائَةَ غَايَةٌ فِي الذِّكْرِ، وَأَنَّهُ قَلَّ مَنْ يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: "إِلَّا أَحَدٌ"؛ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ مَمْنُوعٌ كَتَكْرَارِ الْعَمَلِ فِي الْوُضُوءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ لَا يَأْتِي أَحَدٌ مِنْ سَائِرِ أَبْوَابِ الْبِرِّ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَكْثَرَ مِنْ عَمَلِهِ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٌ: ذِكْرُ الْمِائَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا غَايَةٌ لِلثَّوَابِ الْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُ "إِلَّا أَحَدٌ": يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الزِّيَادَةَ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ فَيَكُونُ لِقَائِلِهِ مِنَ الْفَضْلِ بِحِسَابِهِ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّهُ مِنَ الْحُدُودِ الَّتِي نُهِيَ عَنِ اعْتِدَائِهَا، وَأَنَّهُ لَا فَضْلَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا كَمَا فِي رَكَعَاتِ السُّنَنِ الْمَحْدُودَةِ وَأَعْدَادِ الطَّهَارَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرَادَ الزِّيَادَةُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْجِنْسِ مِنَ الذِّكْرِ وَغَيْرِهِ أَيْ إِلَّا أَنْ يَزِيدَ أَحَدٌ عَمَلًا آخَرَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ)) [شرح الزرقاني على الموطأ (2/31-32)].

وقال العلامة الملا علي القاري: ((قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مَنْ زَادَ عَلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ كَانَ لَهُ الْأَجْرُ الْمَذْكُورُ وَالزِّيَادَةُ، فَلَيْسَ مَا ذَكَرَهُ تَحْدِيدًا لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ كَمَا فِي عَدَدِ الطَّهَارَةِ وَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ. اهـ. وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْأَوَّلَ لِلتَّشْرِيعِ وَالثَّانِي لِلتَّرْغِيبِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ فِي الْيَوْمِ كَانَ لَهُ هَذَا الْأَجْرُ الْمَذْكُورُ)) [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/1594)].

وقال الإمام ابن علان: ((فيه إيماء إلى أن الاستكثار من هذا محبوب إلى الله تعالى، وأنه ليس له حدٌّ لا يُتجاوز عنه، كعدد المعقّبات عقب المكتوبات)) [دليل الفالحين (7/258)].

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: ((وَاسْتُنْبِطَ مِنْ هَذَا أَنَّ مُرَاعَاةَ الْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ فِي الْأَذْكَارِ مُعْتَبَرَةٌ، وَإِلَّا لَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ أَضِيفُوا لَهَا التَّهْلِيلَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ.

وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: إِنَّ الْأَعْدَادَ الْوَارِدَةَ كَالذِّكْرِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ إِذَا رُتِّبَ عَلَيْهَا ثَوَابٌ مَخْصُوصٌ؛ فَزَادَ الْآتِي بِهَا عَلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ، لَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ الثَّوَابُ الْمَخْصُوصُ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِتِلْكَ الْأَعْدَادِ حِكْمَةٌ وَخَاصِّيَّةٌ تَفُوتُ بِمُجَاوَزَةِ ذَلِكَ الْعَدَدِ.

قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمِقْدَارِ الَّذِي رُتِّبَ الثَّوَابُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ فَحَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ بِذَلِكَ فَإِذَا زَادَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ كَيْفَ تَكُونُ الزِّيَادَةُ مُزِيلَةً لِذَلِكَ الثَّوَابِ بَعْدَ حُصُولِهِ؟ اهـ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يَفْتَرِقَ الْحَالُ فِيهِ بِالنِّيَّةِ، فَإِنْ نَوَى عِنْدَ الِانْتِهَاءِ إِلَيْهِ امْتِثَالَ الْأَمْرِ الْوَارِدِ ثُمَّ أَتَى بِالزِّيَادَةِ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا لَا مَحَالَةَ، وَإِنْ زَادَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ بِأَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ رُتِّبَ عَلَى عَشَرَةٍ مَثَلًا فَرَتَّبَهُ هُوَ عَلَى مِائَةٍ فَيَتَّجِهُ الْقَوْلُ الْمَاضِي.
وَقَدْ بَالَغَ الْقَرَافِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ فَقَالَ: مِنَ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ الزِّيَادَةُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ الْمَحْدُودَةِ شَرْعًا، لِأَنَّ شَأْنَ الْعُظَمَاءِ إِذَا حَدُّوا شَيْئًا أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ، وَيُعَدَّ الْخَارِجُ عَنْهُ مُسِيئًا لِلْأَدَبِ اهـ.

وَقَدْ مَثَّلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِالدَّوَاءِ يَكُونُ مَثَلًا فِيهِ أُوقِيَّةُ سُكَّرٍ فَلَوْ زِيدَ فِيهِ أُوقِيَّةٌ أُخْرَى لَتَخَلَّفَ الِانْتِفَاعُ بِهِ، فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْأُوقِيَّةِ فِي الدَّوَاءِ ثُمَّ اسْتَعْمَلَ مِنَ السُّكَّرِ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ لَمْ يَتَخَلَّفْ الِانْتِفَاعُ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَذْكَارَ الْمُتَغَايِرَةَ إِذَا وَرَدَ لِكُلٍّ مِنْهَا عَدَدٌ مَخْصُوصٌ مَعَ طَلَبِ الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِهَا مُتَوَالِيَةً لَمْ تَحْسُنِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطْعِ الْمُوَالَاةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُوَالَاةِ فِي ذَلِكَ حِكْمَةٌ خَاصَّةٌ تَفُوتُ بِفَوَاتِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ)) [فتح الباري (2/330)].

وقال الإمام بدر الدين العيني: ((فَإِن قلتَ: إِذا نقص من هَذِه الْأَعْدَاد الْمعينَة أَو زَاد، هَل يحصل لَهُ الْوَعْد الَّذِي وعد لَهُ فِيهِ؟

قلتُ: ذكر شَيخنَا زين الدّين فِي "شرح التِّرْمِذِيّ" قَالَ: كَانَ بعض مَشَايِخنَا يَقُول: إِنَّ هَذِه الْأَعْدَاد الْوَارِدَة عقيب الصَّلَوَات أَو غَيرهَا من الْأَذْكَار الْوَارِدَة فِي الصَّباح والمساء وَغير ذَلِك، إِذا كَانَ ورد لَهَا عدد مَخْصُوص مَعَ ثَوَاب مَخْصُوص، فَزَاد الْآتِي بهَا فِي أعدادها عمدا لَا يحصل لَهُ ذَلِك الثَّوَاب الْوَارِد على الْإِتْيَان بِالْعدَدِ النَّاقِص، فَلَعَلَّ لتِلْك الْأَعْدَاد حِكْمَة، وخاصة تفوت بمجاوزة تِلْكَ الْأَعْدَاد وتعديها، وَلذَلِك نهى عَن الاعتداء فِي الدُّعَاء. انْتهى.
قَالَ الشَّيْخُ: فِيمَا قَالَه نظرٌ، لِأَنَّهُ قد أَتَى بالمقدار الَّذِي رتَّب على الْإِتْيَان بِهِ ذَلِك الثَّوَاب، فَلَا تكون الزِّيَادَة مُزيلة لذَلِك الثَّوَاب بعد حُصُوله عِنْد الْإِتْيَان بذلك الْعدَد. انْتهى.

قلتُ: الصَّوَابُ هُوَ الَّذِي قَالَه الشَّيْخ، لِأَن هَذَا لَيْسَ من الْحُدُود الَّتِي نهى عَن اعتدائها ومجاوزة أعدادها، وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسلم: "من قَالَ حِين يصبح وَحين يُمْسِي: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ مائَة مرّة، لم يَأْتِ أحد يَوْم الْقِيَامَة بِأَفْضَل مِمَّا جَاءَ بِهِ، إلَّا أحدٌ قَالَ مثل مَا قَالَ أَو زَاد عَلَيْهِ". فَإِن قلتَ: الشَّرْط فِي هَذَا أَن يَقُول: الذّكر الْمَنْصُوص عَلَيْهِ بِالْعدَدِ مُتَتَابِعًا أم لَا؟ وَالشّرط أَن يكون فِي مجْلِس وَاحِد أم لَا؟ قلتُ: كل مِنْهُمَا لَيْسَ بِشَرْط، وَلَكِن الْأَفْضَل أَن يَأْتِي بِهِ مُتَتَابِعًا، وَأَن يُرَاعِي الْوَقْت الَّذِي عين فِيهِ)) [عمدة القاري شرح صحيح البخاري (6/131)].

وقال الشوكاني - وهو من دعاة اللامذهبية - بعد أن أورد كلام الحافظ العراقي الذي ذكره عن بعض مشايخه كما مر: ((وَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ - قَالَ: "مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلُ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزَا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ" الْحَدِيثُ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ -: "مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ".

وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا وَاضِحٌ فِي الذِّكْرِ الْوَاحِدِ الْوَارِدِ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ، وَأَمَّا الْأَذْكَارُ الَّتِي يَعْقُبُ كُلَّ عَدَدٍ مِنْهَا عَدَدٌ مَخْصُوصٌ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ كَالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ عَقِبِ الصَّلَوَاتِ فَقَدْ يُقَالُ إنَّ الزِّيَادَةِ فِي كُلِّ عَدَدِ زِيَادَةٌ لَمْ يَرِدْ بِهَا نَصٌّ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَذْكَارِ، وَرُبَّمَا كَانَ لِتِلْكَ الْأَعْدَادِ الْمُتَوَالِيَةِ حِكْمَةٌ خَاصَّةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُزَادَ فِيهَا عَلَى الْعَدَدِ الْمَشْرُوعِ؟
قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَهَذَا مُحْتَمَلٌ لَا تَأْبَاهُ النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ وَفِي التَّعَبُّدِ بِالْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي الْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْبَرَاءِ: " قُلْ وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ " انْتَهَى.

وَهَذَا مُسَلَّمٌ فِي التَّعَبُّدِ بِالْأَلْفَاظِ؛ لِأَنَّ الْعُدُولَ إلَى لَفْظٍ آخَرَ لَا يَتَحَقَّقُ مَعَهُ الِامْتِثَالُ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْعَدَدِ فَالِامْتِثَالُ مُتَحَقِّقٌ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ قَدْ حَصَلَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَقَعَ الْأَمْرُ بِهَا، وَكَوْنُ الزِّيَادَةِ مُغَيِّرَةً لَهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ. وَقِيلَ: إنْ نَوَى عِنْدَ الِانْتِهَاءِ إلَيْهِ امْتِثَالَ الْأَمْرِ الْوَارِدِ أَتَى بِالزِّيَادَةِ فَقَدْ حَصَلَ الِامْتِثَالُ، وَإِنْ زَادَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لَمْ يَعُدْ مُمْتَثِلً)) [نيل الأوطار (2/356-357)].

فتأمل بعناية رزقنا الله وإياك الهداية..
----
الشيخ ياسين بن ربيع الجزائري

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مفاهيم يجب أن تصحح
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يناير 27, 2023 10:01 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2717


عَقِيدَة_ابْن_تَيْمِيَّة_الحَرَّانِي !

كَلاَمُ_ابْن_تَيْمِيَّة_الحَرَّانِي_فِي_تَقْرِيرِ_بِدْعَة_التَّجْسِيمِ_وَالتَّكْفِيرِ 1!

قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي (ت:728هـ): ((وَمَنْ قِيلَ لَهُ: هَلْ تَعْقِلُ شَيْئًا قَائِـمًا_بِنَفْسِهِ:
(1) لَيْسَ_فِي_مَـحَلٍّ
وَهُوَ مَعَ هَذَا:
(2) لَيْسَ_بِجِسْمٍ
(3) وَلاَ_جَوْهَرٍ
(4) وَلاَ_مُتَحَيِّزٍ
وَمَعَ هَذَا أَنَّهُ:
(5) لاَ_يَجُوزُ_أَنْ_يَكُونَ_فَوْقَ_غَيْرِهِ_وَلاَ_تَحْتَهُ_وَلاَ_عَنْ_يَـمِينِهِ_وَلاَ_عَنْ_يَسَارِهِ، وَلاَ_أَمَامَهُ_وَلاَ_وَرَاءَهُ
(6) وَأَنَّهُ_لاَ_يَكُونُ_مُـجَامِعًا_لَهُ_وَلاَ_مُفَارِقًا_لَهُ
(7) وَلاَ_قَرِيبًا_مِنْهُ_وَلاَ_بَعِيداً_عَنْهُ
(8) وَلاَ_مُتَّصِلاً_بِهِ_وَلاَ_مُنْفَصِلاً_عَنْهُ
(9) وَلاَ_مُـمَاسًّا_لَهُ_وَلاَ_مُـحَايِثًا_لَهُ
(10) وَأَنَّهُ_لاَ_يُشَارُ_إِلَيْهِ_بِأَنَّهُ_هُنَا_أَوَ_هُنَاك
(11) وَلاَ_يُشَارُ_إِلَى_شَيْءٍ_مِنْهُ_دُونَ_شَيْءٍ
(12) وَلاَ_يُرَى_مِنْهُ_شَيْءٌ_دُونَ_شَيْءٍ
وَنَحْو ذَلِكَ مِنَ الأَوْصَافِ_السَّلْبِيَّةِ الَّتِي يَجِبُ_أَنْ_يُوصَفَ_بِهَا مَا يُقَالُ إِنَّهُ:
(1) لَيْسَ_بِـجِسْمٍ
(2) وَلاَ_مُتَحَيِّزٍ

لَقَالَ: حَاكِمًا بِصَرِيحِ_عَقْلِهِ:
(1) هَذِهِ_صِفَةُ_الـمَعْدُومِ_لاَ_الـمَوْجُودِ
كَمَا سَمِعْنَا وَرَأَيْنَا أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ عَامَّة مَنْ يُذْكَرُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ:
(2) أَهْلِ_العُقُولِ_الـصَّحِيحَةِ_الذَّكِيَّةِ،
وَكَمَا يَـجِدْهُ:
(3) العَاقِلُ فِي نَفْسِهِ إِذَا تَأَمَّلَ هَذَا القَوْل، وَأَعْرَضَ عَـمَّا تَلَقَّنَهُ مِنَ الاِعْتِقَادَاتِ السَّلْبِيَّةِ، وَمَا اعْتَقَدَهُ مَنْ يُعَظِّمُهَا وَيُعَظِّمُ قَائِلهَا، وَاعْتِقَاده أَنَّهُم حَرَّرُوا هَذِهِ الـمَعْقُولاَتِ، فَإِنْ هَذِهِ_العَقَائِد_التَّقْلِيدِيَّة_هِيَ_الَّتِي_تَصُدُّ_القُلُوبَ_عَمَّا_فُطِرَت_عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، وَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُـمَجِّسَانِهِ".
ثُـمَّ إِنَّ هَذِهِ #الـمَقَالاَتِ_السَّلْبِيَّةِ:
(1) لَـمْ_يَقُل_شَيْئًا_مِنْهَا_إِمَامٌ_مِنَ_أَئِـمَّةِ_الـمُسْلِمِينَ
(2) وَلاَ_نَطَقَ_بِهَا_كِتَابٌ
(3) وَلاَ_سُنَّةٌ
(4) وَالطَّوَائِفُ الـمُتَكَلِّمُونَ قَدْ أَنْكَرَهَا مِنْ حُذَّاقِهِم مَنْ لاَ يُـحْصِيهِ إِلاَّ الله)).انْتَهَى بِعُجَرِهِ وَبُجَرِهِ مِن [بَيَانُ تَلْبِيس الـجَهْمِيَّة فِي تَأْسِيسِ بِدَعِهِم الكَلاَمِيَّةِ لاِبْنِ تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي (2/365-366)، النَّاشِر: مُجَمَّع الـمَلِك فَهْد لِطِبَاعَة الـمَصْحَف الشَّرِيف-الـمَمْلَكَة العَرَبِيَّة السُّعُودِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: 1426هـ]

تَحْلِيل_كَلاَم_ابْن_تَيْمِيَّة:
اسْتَهَلَّ ابْن تَيْمِيَّة كَلاَمَهُ بِصِيَاغَةِ سُؤَالٍ (تَعْجيزِي!) عَلَى حَسْبِ طَرِيقَتِهِ الـمَعْرُوفَةِ وَالـمَكْشُوفَةِ فِي التَّهْوِيلِ وَالتَّهْوِين، مَبْنَى سُؤَاله جَاءَ كَالتَّالِي: ((وَمَنْ قِيلَ لَهُ: هَلْ تَعْقِلُ شَيْئًا قَائِـمًا بِنَفْسِهِ...))، يَعْنِي: هَلْ يَصِحُّ عَقْلاً وُجُود "قَائِمٍ بِنَفْسِهِ" وَهُوَ: الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى، مَوْصُوفٌ بِأَوْصَافٍ سَلْبِيَّةٍ أَيْ: تَسْلُب هَذِهِ الأَوْصَاف عَنْهُ جلَّ وَعَزَّ مَا يَنْطَوِي تَحْتَهَا مِنْ مَعَانٍ فَاسِدَةٍ بَاطِلَةٍ يَسْتَحِيلُ نِسْبَتُهَا إِلَيْهِ جَلَّ وَعَزَّ، عَلَى نَحْوِ طَرِيقَةِ تَنْزِيهِ مَنْ يُسَمِّيهِم ابْن تَيْمِيَّة بِـ: (النُّفَاة!)؟!

ثُـمَّ أَخَذَ الـحَرَّانِي يُعَدِّدُ هَذِهِ الأَوْصَاف_السَّلْبِيَّة الَّتِي يَدَّعِي أَنَّ سَلْبَهَا وَرَفْعَهَا عَنْهُ تَعَالَى يَقْضِي عِنْدَ ((أَهْلِ_العُقُولِ_الـصَّحِيحَةِ_الذَّكِيَّةِ!)) كَمَا يَحْلُو لَهُ أَن يُحَلِّيهِم! أَنْ يَكُونَ سُبْحَانَهُ: (مَعْدُومًا!) غَيْر مَوْجُودٍ؟!، فَقَالَ: ((وَمَنْ قِيلَ لَهُ: هَلْ تَعْقِلُ شَيْئًا قَائِمًا_بِنَفْسِهِ)):

(1) ((لَيْسَ_فِي_مَـحَلٍّ)): وَهَذَا حَقٌّ وَفِيهِ تَنْزِيهٌ للهِ عَنِ الـمَكَانِ، وَلَكِنَّ ابْن تَيْمِيَّة يُعَارِضُ هَذَا فَهُوَ كَمَا يَدَّعِي مُنْتِحِلاً لِسَان مَنْ يَصِفُهُم بِـ: ((أَهْلِ العُقُولِ الـصَّحِيحَةِ الذَّكِيَّةِ!)) –وَالأَصْل أَنَّهُ مِنْهُم!- أَنَّهُ: لاَ يُعْقَلُ وُجُودَ مَوْجُودٍ إِلاَّ فِي مَـحَلٍّ؟!. وَالحَقُّ أَنَّ الله كَانَ قَبْلَ خَلْقِ العَالَـمِ مِنَ العَرْشِ إِلَى الفَرْشِ وَحْدَهُ تَعَالَى بِلاَ مَكَانٍ ولاَ مَحَلٍّ كَمَا جَاءَ فِي "بَاب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾[الروم:27]" مِنْ صَحِيح البُخَارِي (3191) فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ"، وَلَـمْ يَلْزَم مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ سُبْحَانَهُ فِي الأَزَلِ (#مَعْدُومًا!) كَمَا يُحَاوِلُ الـحَرَّانِي أَنْ يُلَبِّسَ هَهُنَا بِإِلْزَامَاتِهِ الـخَاوِيَة؟!

(2) ((لَيْسَ_بِجِسْمٍ_وَلاَ_جَوْهَرٍ_وَلاَ_مُتَحَيِّزٍ)): وَهَذَا حَقٌّ وَفِيهِ تَنْزِيهٌ للهِ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا أَوْ تَلْحَقهُ مَعَانِي الـجِسْمِيَّة. وَالجِسْم مَا تَمَيَّز بِحَجْمٍ وَصَحَّ فَرْضُ الأَبْعَاد الثَّلاَثَةِ فِيهِ، قَالَ رَبُّنَا فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾[الفُرْقَان:2] وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾[الطَّلاَق:3] فَفِي هَذَا البَيَان القُرْآنِي أَنَّ كُلَّ مُقَدَّرٍ بِقَدْرٍ مِنْ: طُولٍ وَعَرْضٍ وَعُمْقٍ وَحَجْمٍ، فَهُوَ: مَخْلُوقٌ وَمَجْعُولٌ. فَمَنْ جَوَّزَ عَلَيْهِ جلَّ شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا مُقَدَّراً بِحَجْمٍ وَأَبْعَادٍ فَقَدْ جَوَّزَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَجْعُولاً مَخْلُوقًا!، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيراً. فَتَنْزِيه الله عَنِ الجِسْمِيَّة أَوْ أَنْ يَكُونَ تَعَالَى جَوْهَراً أَوْ أَنْ يَكُونَ مُتَحَيِّزاً هُوَ عِنْدَ ابْن تَيْمِيَّة: صِفَةُ_الـمَعْدُومِ_لاَ_الـمَوْجُودِ؟! فَاللهُ عِنْدَ هَذَا الحَرَّانِي: جِسْمٌ مُتَحَيِّزٌ؟!

(3) ((لاَ_يَجُوزُ_أَنْ_يَكُونَ_فَوْقَ_غَيْرِهِ_وَلاَ_تَحْتَهُ، وَلاَ_عَنْ_يَـمِينِهِ_وَلاَ_عَنْ_يَسَارِهِ، وَلاَ_أَمَامَهُ_وَلاَ_وَرَاءَهُ)): وَهَذَا حَقٌّ وَفِيهِ تَنْزِيهٌ للهِ عَنِ الـجِهَةِ. وَقَدْ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ خَلْقِ العَالَـمِ وَلَـمْ يَكُنْ فَوْقَ شَيْءٍ وَلاَ تَحْتَ شَيْءٍ وَلاَ أَمَامَ شَيْءٍ وَلاَ خَلْفَ شَيْءٍ وَلاَ عَنْ يَمِينِ شَيْءٍ وَلاَ عَنْ يَسَارِ شَيْءٍ، وَلاَ يَقْضِي هَذَا أَنْ يَكُونَ سُبْحَانَهُ (#مَعْدُومًا!) كَمَا يُحَاوِلُ أَنْ يُلَبِّسُ الـحَرَّانِي؟!

(4) ((وَأَنَّهُ_لاَ_يَكُونُ_مُـجَامِعًا_لَهُ_وَلاَ_مُفَارِقًا_لَهُ، وَلاَ_قَرِيبًا_مِنْهُ_وَلاَ_بَعِيداً_عَنْهُ، ولاَ_مُتَّصِلاً_بِهِ_وَلاَ_مُنْفَصِلاً_عَنْهُ، وَلاَ_مُـمَاسًّا_لَهُ_وَلاَ_مُـحَايِثًا_لَهُ)) : وهَذَا حَقٌّ وَفِيهِ تَنْزِيهٌ للهِ عَنِ القُرْبِ وَالبُعْدِ مِنْ خَلْقِهِ بِالـمَسَافَةِ. فَقَبْلَ خَلْقِهِ تَعَالَى لِلْمَخْلُوقَاتِ كَانَ رَبُّنَا وَحْدَهُ، فَلَمْ يَكُنْ جَلَّ وَعَزَّ مُتَّصِلاً بِالعَالَـمِ وَلاَ مُنْفَصِلاً عَنْهُ، وَلاَ قَرِيبًا بِالـمَسَافَةِ مِنْ شَيْءٍ وَلاَ بَعِيداً عَنْهُ كَذَلِكَ، وَلاَ مُـمَّاسًا لِشَيْءٍ وَلاَ مُحَايِثًا لَهُ، وَلاَ مُجَامِعًا لِشَيْءٍ وَلاَ مُفَارِقًا لَهُ، وَلَـمْ يَلْزَم مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ سُبْحَانَهُ (#مَعْدُومًا!) فِي الأَزَلِ كَمَا يُحَاوِلُ أَنْ يُلَبِّسُ الـحَرَّانِي؟!

(5) ((وَأَنَّهُ_لاَ_يُشَارُ_إِلَيْهِ_بِأَنَّهُ_هُنَا_أَوَ_هُنَاك، وَلاَ_يُشَارُ_إِلَى_شَيْءٍ_مِنْهُ_دُونَ_شَيْءٍ، طوَلاَ_يُرَى_مِنْهُ_شَيْءٌ_دُونَ_شَيْءٍ)): وَهَذَا فِيهِ تَنْزِيهٌ للهِ عَنِ الـجِسْمِيَّة، فَاللهُ كَمَا سَبَقَ لَيْسَ فِي جِهَةٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَهُو سُبْحَانَهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ عَظِيم الـحَجْمِ وَالـمَسَاحَةِ بِحَيْثُ تَتَمَيَّزُ تَعَالَى أَبْعَاضهُ وَأَجْزَاؤُهُ بِالـجِهَةِ فَتَكُون الإِشَارَة إِلَى السَّاقِ مِنْهُ مَثَلاً غَيْر الإِشَارَةِ إِلَى الوَجْهِ؟! لِيَكُونَ هُنَاكَ مَسَافَةٌ بَيْنَ هَذِهِ الأَعْيَان -كَمَا يُسَمِّيهَا الحَرَّانِي- كَالشَّمْس يَتَمَيَّز طَرَفهَا الأَيْمَن عَنْ الأَيْسَر وَهَكَذَا؟!. وَرَفْض ابْن تَيْمِيَّة هَذَا التَّنْزِيه يَدُلُّ دَلالَة صَرِيحَة عَلَى أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ #مُجَسِّمٌ يَعْتَقِدُ أَنَّ رَبَّهُ ضَخْم الـمِقْدَار وَمُتَرَامِيَ الأَبْعَادِ وَتَتَمَايَزُ أَطْرَافهُ بِالـجِهَةِ وَالإِشَارَةِ الحِسِّيَّةِ إِلَيْهَا؟!

(6) ثُـمَّ أَرْدَفَ الحَرَّانِي كَلاَمَهُ قَائِلاً: ((وَنَحْو ذَلِكَ مِنَ الأَوْصَافِ_السَّلْبِيَّةِ الَّتِي يَجِبُ_أَنْ_يُوصَفَ_بِهَا مَا يُقَالُ إِنَّهُ: لَيْسَ_بِـجِسْمٍ_وَلاَ_مُتَحَيِّزٍ))، إِذًا: هَذِهِ الأَوْصَاف السَّلْبِيَّة الَّتِي حَكَاهَا ابْن تَيْمِيَّة عَمَّن يُسَمِّيهم بِـ: (النُّفَاةِ!) مِنْ كَوْنِهِ تَعَالَى لَيْسَ جِسْمًا، وَلاَ تَتَمَيَّزُ تَعَالَى أَبْعَاضُهُ بِالـجِهَةِ، وَأَنَّهُ لاَ فِي جِهَةٍ...الخ هِيَ عِنْدَ هَذَا الـحَرَّانِي مِنَ الأَوْصَافِ_الوَاجِبَةِ_لَهُ_تَعَالَى؟! وَتَأَمَّل قَوْلَهُ: ((وَنَحْو ذَلِكَ مِنَ الأَوْصَافِ_السَّلْبِيَّةِ_الَّتِي_يَجِبُ)) أَنْ ((يُوصَفَ بِهَا مَا يُقَالُ إِنَّهُ: لَيْسَ_بِـجِسْمٍ_وَلاَ_مُتَحَيِّزٍ)) أَيْ: اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ عِنْدَ الـمُنَزِّهَةِ: "لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلاَ مُتَحَيِّزٍ" وابْن تَيْمِيَّة يَرْفُض هَذَا التَّنْزِيه بَلْ وَيَدَّعِي وُجُوبَ وَصْف البَارِي بِهَذِهِ الأَوْصَافِ لِذَلِكَ يُعَيِّرُ هَؤُلاَءِ الـمُنَزِّهِينَ بِـ: (النُّفَاةِ)؟! فَـ: (النُّفَاةُ!) عِنْدَ الحَرَّانِي هُم أَهْل_السُّنَّةِ الَّذِين يُنَزِّهُون_الله_عَنِ_الجِسْمِيَّة_وَالحَيِّزِ؟!

(7) ثُـمَّ يُكْمِلُ الحَرَّانِي كَلاَمه، مُـجِيبًا عَلَى السُّؤَال السَّابِقِ الَّذِي انْتَحَلَهُ هُوَ نَفْسهُ عَلَى لِسَانِ مَنْ يُسَمِّيهِم: ((أَهْل_العُقُولِ_الـصَّحِيحَةِ_الذَّكِيَّةِ))، فَيَقُول: ((لَقَالَ: حَاكِمًا بِصَرِيحِ_عَقْلِهِ: هَذِهِ_صِفَةُ_الـمَعْدُومِ_لاَ_الـمَوْجُودِ، كَمَا سَمِعْنَا وَرَأَيْنَا أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ عَامَّة مَنْ يُذْكَرُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ_العُقُولِ_الـصَّحِيحَةِ_الذَّكِيَّةِ، وَكَمَا يَـجِدْهُ #العَاقِلُ فِي نَفْسِهِ إِذَا تَأَمَّلَ هَذَا القَوْل...)) إذًا فَتَنْزِيه الله عَنْ تِلْكَ الـمَعَانِي الـجِسْمِيَّة عِنْدَ ابْن تَيْمِيَّة وَأَهْلِ نِحلَته الَّذِينَ يُطْرِيهِم بِوَصْفِهِم: ((أَهْل_العُقُولِ_الـصَّحِيحَةِ_الذَّكِيَّةِ))، يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ البَارِي (مَعْدُومًا!) غَيْر مَوْجُودٍ؟! وَيَتَّضِحُ الأَمْر أَكْثَر عِنْدَ قَوْلِهِ: ((فَإِنْ_هَذِهِ_العَقَائِد_التَّقْلِيدِيَّة_هِيَ_الَّتِي_تَصُدُّ_القُلُوبَ_عَمَّا_فُطِرَت_عَلَيْهِ)) إذًا فَقُلُوب الخَلْقِ عِنْدَ ابْن تَيْمِيَّة قَدْ فُطِرَت عَلَى العَقِيدَةِ السَّلِيمَة مِنْ كَوِنِهِ تَعَالَى_فِي_جِهَةٍ مِنْ خَلْقِهِ؟! وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ_وتَعَالَى_جِسْمٌ؟! وَأَنَّهُ فِي_مَحَلٍّ؟! وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ_تَتَمَيَّز_أبْعَاضهُ_بِالجِهَةِ_وَالإِشَارَةِ_الحِسِّيَّةِ؟! و...الخ؟!

(8) ثُمَّ يَزِيد الحَرَّانِي الطِّين بَلَّةً وَالـمَرَضَ عِلَّةً!، فَيَقُول: ((ثُـمَّ إِنَّ هَذِهِ #الـمَقَالاَتِ_السَّلْبِيَّةِ: لَـمْ_يَقُل_شَيْئًا_مِنْهَا_إِمَامٌ_مِنَ_أَئِـمَّةِ_الـمُسْلِمِينَ، وَلاَ_نَطَقَ_بِهَا_كِتَابٌ، وَلاَ_سُنَّةٌ)) فَحَسْب الحَرَّانِي: لاَ يُوجَد فِي القُرْآن وَلا فِي السُّنَّةِ بَلْ وَلَمْ يَقُل إِمَامٌ مِنَ أَئِمَّةِ الـمُسْلِمِينَ أَنَّ الله: لَيْسَ_بِجِسْمٍ؟! وَلاَ_جَوْهَرٍ؟! وَلاَ_مُتَحَيِّزٍ؟! وَلاَ...الخ؟! وَهَذِهِ فِرْيَة بِلاَ مِرْيَة! وَيَكْفِي فِي رَدِّهَا قَوْله تَعَالَى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشُّورى:11] فَاللهُ لَيْسَ جِسْمًا وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ مُمَاثِلاً لِلْمَخْلُوقِ مِنَ الجِهَة الَّتِي يُشْبههُ مِنْهَا، وَاِشْتِرَاط نَصٍّ مِنَ الكِتَاب وَالسُّنَّةِ عَلَى كُلِّ نَفْيٍ تَفْصِيلِيٍّ لِأَجْلِ تَنْزِيهِ اللهِ عَنْ أَيِّ نقْصٍ مِنَ النَّقَائِصِ: دَعْوَى بَاطِلَةٌ وَحُجَّةٌ عَاطِلَةٌ!، فَالنَّقَائِص لاَ تُعَدُّ وَلاَ تُحْصَى وَاشْتِرَاطُ التَّنْصِيص عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْهَا يَتَطَلَّبُ أَيْضًا نُصُوصًا لاَ تُعَدُّ وَلاَ تُحْصَى؟! يَنْقَطِعُ بِذِكْرِهَا الأَنْفَاس وَيَضِيقُ بَعْدَهَا القِرْطَاس؟! ثُمَّ إِنَّهُ يَلْزَمُ الحَرَّانِي وِفْقَ هَذَا التَّأْصِيل أَنْ يَشْتَرِطَ نَصًّا لِنَفْيِ التَّدْوِيرِ وَالتَّرْبِيعِ وَ...الخ عَنِ اللهِ بِحُجَّةِ خُلُوِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ نَصٍّ خَاصٍّ يَقُول: أَنَّ الله لَيْسَ مُكَوَّراً كَالشَّمْسِ؟! وَلاَ هَرَمًا كَالأَهْرَامَاتِ؟! وَلاَ يُشْبِهُ الطَّيَّارَة؟! وَلاَ السَّيَّارَة؟!...الخ؟!، وَهَذَا تَكَلُّفٌ وَاضِحٌ وَلاَ يَلْتَزِمُهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةً مِنْ عَقْلٍ.

ثُمَّ إنَّ الحَرَّانِي لاَ يَتَوَارَى فِي نَقْضِ غَزْلِهِ مَتَى يَحْلُو لَهُ ذَلِك، واسْتَمِعْ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُول بِالجَوَارِحِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى وَيُسَمِّهَا: (أَعْيَانًا!) مَا نَصُّهُ: ((وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الخَالِقَ لَيْسَ مُـمَاثِلًا لِلْمَخْلُوقِ، وَأَنَّ هَذِهِ الصِّفَات وَإِنْ كَانَتْ أَعْيَانًا_فَلَيْسَت_لَـحْمًا_وَلاَ_عَصَبًا_وَلاَ_دَمًا وَلاَ نَحْو ذَلِكَ، وَلاَ هِيَ مِنْ جِنْسِ شَيْءٍ مِنَ الـمَخْلُوقَاتِ)).انْتَهَى [بَيَانُ تَلْبِيس الـجَهْمِيَّة فِي تَأْسِيسِ بِدَعِهِم الكَلاَمِيَّةِ لاِبْنِ تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي (1/357)، النَّاشِر: مُجَمَّع الـمَلِك فَهْد لِطِبَاعَة الـمَصْحَف الشَّرِيف-الـمَمْلَكَة العَرَبِيَّة السُّعُودِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: 1426هـ] فَابْن تَيْمِيَّة فِي هَذَا الكَلاَم لاَ يَجِدُ أَيّ غَضَاَضَةٍ فِي تَنْزِيهِ الله عَنْ جِسْمِيَّة_اللَّحْمِ_وَالدَّمِ_وَالعَصَبِ مِنْ دُونِ نَصٍّ خَاصٍّ وَلاَ دَلِيلٍ تَفْصِيلِيٍّ؟! وَإِلاَّ فَأَيْنَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ اللهَ نَفَى عَنْ نَفْسِهِ هَذِهِ التَّفَاصِيل: اللَّحْم وَالدَّم وَالعَصَبِ؟! بَيْنَمَا تَرَاهُ يُحَاوِلُ التَّسَتُّر وَرَاءَ خَيْطٍ مِنْ بَيْتِ العَنْكَبُوتِ إِذَا تَعَلَّق الأَمْرُ بِتَنْزِيهِ الله عَنْ جِسْمِيَّةِ_الحُدُودِ_والجَوَارِح_وَالأَبْعَادِ_والحَجْمِ_وَالكَمِّ، فَنَفْيهَا عَنْهُ تَعَالَى هُوَ عِنْدَهُ -ابْن تَيْمِيَّة-: صِفَةُ_الـمَعْدُوم_لاَ_الـمَوْجُودِ؟!

وَاللهُ الـمُوَفِّقُ

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مفاهيم يجب أن تصحح
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يناير 29, 2023 12:41 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2717


كلمة حول كتاب "بيان تلبيس الجهمية" = وكر عقايد التجسيم لابن تيمية..

كنت منذ أعوام عديدة قد عكفت على دراسة كتاب "بيان تلبيس الجهمية" لابن تيمية، طبعة المجمع السعودي الوهابي، دراسة متأنية تتناول كل ما جاء في الكتاب، ودامت الدراسة لأكثر من حوالي 3 أشهر متواصلة، فقيدت ما يلي:

• أكثر من 1000 موضع يلتزم فيه المؤلف الحراني لوازم الجسمية في حق ربه، فأثبت له تعالى الحدود الحسية، وأنه جل وعلا محدود من كل الجهات الست، ومن تحته يحده العالَم، وردَّ في هذا على القاضي أبي يعلى الحنبلي والذي ذهب في آخر أقواله - حسب ابن تيمية - إلى إثبات الحد لله من الجهة التحتانية فقط وأطلق من باقي الجهات، وأثبت الحراني أيضا الأبعاد الحسية، وأنه تعالى يتمايز أبعاضه بالجهة والحيِّز: هذا يمين وهذا شمال وهكذا، إلا أن هذه الجوانب متصلة متماسكة لا تقبل الانفصال عن الذات بوجه لأن الله صمد لا جوف له - أي مصمت كالصخرة الصماء - لا يقبل الفراغ بداخله، وأثبت المساحة، والحجم ويسميه تلبيسا = القدر أو المقدار، وأثبت لربه الحيِّز المتَّصل أي: حدوده تعالى التي تمثل نهايات ذاته، وأثبت له الحركة والنقلة في الأماكن ويسميها الأحياز العدمية وأحيانا في الأحياز الوجودية كالنزول إلى السماء الدنيا، وتكليم سيدنا موسى من الشجرة، وأثبت القعود والجلوس بالمماسة والملاصقة للصفحة العليا من العرش، وزعم أنه مذهب السلف، وأثبت أنه تعالى يَمس المخلوقات وتمسه، بل أنه لا محذور - من حيث الإمكان العقلي - في أن يَمس تعالى النجاسات والقاذورات..الخ!!!.

• الكذب المفضوح على السلف: "أجمعوا على.."، "اتفقوا على.."، "عند كل العقلاء.."، "اتفق الأذكياء.."..الخ وكلها عبارات طنانة لا أساس لها من الصحة عند التحقيق، سوى في مخيلته، وقد توارد كبار الأيمة على وصفه بأن: "علمه أكبر من عقله" كما نص العلامة البدر بن جماعة والزملكاني والحافظ العراقي والتقي السبكي وابن حجر الهيتمي وغيرهم.
وهذه الإجماعات والاتفاقات يلوكها بلا دليل لتروج عند السذج والمفتونين به، وقد راجت تحت الرعاية السامية لدولة البترودولار الوهابية، وكذلك الحركات السلفية المخترقة: كالإخوان والمنار والتجديد والباديسية عندنا وغيرهم.

• تكفير أهل السنة السادة الأشاعرة بشتى الطرق الملتوية، وجعلهم أشر من الحلولية والاتحادية، وإنزال بعض أقوال السلف في إكفار غلاة الجهمية وغيرهم من الفرق المارقة..على أهل السنة السادة الأشاعرة!.

• الكذب والافتراء في النقال، والتحوير والتزوير في تحرير مذاهب الأيمة خاصة أهل السنة الأشاعرة أعني: القدماء منهم، وزعمه بأنهم كانوا يثبتون البينونة في حقه تعالى بمعنى أنه خارج العالم بذاته!، مع قوله عنهم: أنهم ينفون الجسمية والحدود والجهة والتحيُّز والتغيُّر عنه تعالى!.

وأي باحث نزيه يعلم أن ما نسبه هذا الحراني لأيمة الأشاعرة الأوائل عبارة عن هراء متناقض مفضوح ليس إلا، وإلا فكل عاقل يعلم بأنه لا انفكاك بين البينونة بالمسافة وبين الجهة والتحيُّز والحدود = الجسمية.

يراجع للمزيد:

- سِلْسِلَة "كَلاَم ابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي فِي تَقْرِيرِ بِدْعَة التَّجْسِيمِ وَالتَّكْفِيرِ":
https://www.facebook.com/yacine.ben.rab ... 7207595572

- سلسلة "من تكتيكات التَّيْمِيَّة لنُصرة مشربهم":
https://web.facebook.com/yacine.ben.rab ... 5807506366

والله الموفق..
----
الشيخ ياسين بن ربيع الجزائري

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مفاهيم يجب أن تصحح
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يناير 31, 2023 12:16 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2717


عَقِيدَة_ابْن_تَيْمِيَّة_الحَرَّانِي !

كَلاَمُ_ابْن_تَيْمِيَّة_الحَرَّانِي_فِي_تَقْرِيرِ_بِدْعَة_التَّجْسِيمِ_وَالتَّكْفِيرِ 2!

قَالَ ابْن تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي مُتَعَقِّبًا الإِمَام الرَّازِي فِي تَنْزِيهِهِ الله عَنِ مَعَانِي (التَّرْكِيب!) وَ(الاِنْقِسَامِ!)(1): ((وَإِنْ قَالَ: أُرِيدُ بِالـمُنْقَسِمِ أَنَّ مَا فِي هَذِهِ الـجِهَةِ مِنْهُ غَيْر مَا فِي هَذِهِ الـجِهَةِ، كَمَا نَقُولُ: إِنَّ الشَّمْسَ_مُنْقَسِمَةٌ يَعْنِي أَنَّ: حَاجِبَهَا_الأَيْمَن_غَيْر_حَاجِبهَا_الأَيْسَرِ، وَالفُلْكَ_مُنْقَسِمٌ بِمَعْنَى أَنَّ: نَاحِيَةَ_القُطْب_الشَّمَالِي_غَيْر_نَاحِيَة_القُطِب_الـجَنُوبِي –وَهَذَا الَّذِي أَرَادَهُ- فَهَذَا مِمَّا يَتَنَازَعُ النَّاسُ فِيهِ. فَيُقَالُ لَهُ: قَوْلُكَ: "إِنْ كَانَ مُنْقَسْمًا كَانَ مُرَكَّبًا وَقَدْ تَقَدَّمَ إِبْطَالهُ" وَتَقَدَّمَ الجَوَاب عَنْ هَذَا الَّذِي سَمَّيْتَهُ: مُرَكَّبًا؛ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لاَ_حُجَّةَ_أَصْلاً_عَلَى_امْتِنَاعِ_ذَلِكَ؛ بَلْ تَبَيَّنَ أَنَّ إِحَالَة_ذَلِكَ_تَقْتَضِي_إِبْطَال_كُلّ-مَوْجُودٍ، وَلَوْلاَ أَنَّهُ أَحَالَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَـمَا أَحَلْنَا عَلَيْهِ. وَتَقَدَّمَ بَيَان مَا فِي لَفْظِ (التَّرْكِيبِ) وَ(الحَيِّزِ) وَ(الغَيْرِ) وَ(الاِفْتِقَارِ) مِنْ الإِجْمَالِ، وَأَنَّ الـمَعْنَى الَّذِي يَقْصِدُونَهُ بِذَلِكَ يَجِبُ_أَنْ_يَتَّصِفَ_بِهِ: كُلُّ_مَوْجُودٍ سَوَاءٌ_كَانَ: وَاجِبًا أَوْ مُـمْكِنًا، وَأَنَّ_القَوْل_بِامْتِنَاعِ_ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ_السَّفْسَطَة_الـمَحْضَة)).انْتَهَى بِعُجَرِهِ وَبُجَرِهِ؟!

التَّعْقِيب:

أَوَّلاً: قَبْلَ تَحْلِيلِ كَلاَم ابْن تَيْمِيَّة لاَ بُدَّ مِن تَحْرِيرِ مَعْنَى الجِسْمِيَّة بِشَيْءٍ مِنَ الإِيجَاز الغَيْرِ الـمُخِلِّ مَعَ اجْتِنَابِ قَدْرَ الاِمْكَانِ التَّطْوِيل الـمُمِلِّ، ثُـمَّ نَنْظُر بَعْدَهَا فِي مَدَى مُوَافَقَةِ هَذِهِ الـمَعَانِي لِـمَا قَرَّرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّة فِي هَذَا الصَّدَدِ؟!
الجِسْمُ: هُوَ الشَّيْء الـمُمْتَدُّ فِي الأَبْعَادِ مِنْ: طُولٍ وَعَرْضٍ وَعُمْقٍ، الـمُقَدَّرِ بِحَجْمٍ عَظُمَ أَمْ دَقَّ، وَامْتِدَادُ الجِسْمِ فِي الأَبْعَادِ يَقْضِي بِتَمَايُزِ جَوَانِبه بِالجِهَةِ وَالحَيِّزِ، بِحَيْثُ تَكُونُ الإِشَارَةُ إِلَى يَمِينِهِ غَيْر الإِشَارَة إِلَى يَسَارِهِ وَهَكَذَا.

فَالشَّمْسُ عَلَى سَبِيلِ الـمِثَالِ: جِسْمٌ مُتَرَامِيَ الأَطْرَافِ، عَظِيم الـمِقْدَارِ (الحَجْمِ!)، حَيْثُ الإِشَارَة إِلَى يَمِينِهَا غَيْر الإِشَارَة إِلَى يَسَارِهَا، فَالْبَيْنِيَّة هَهُنَا عِبَارَةٌ عَنْ بُعْدٍ مَسَاحِيٍّ يَعْظُم وَيَتَقَلَّصُ بِالتَّبَاعُدِ وَالتَّقَارُبِ الـمَسَافِيِّ، فَلِلشَّمْسِ أَبْعَادٌ يَصِحُّ فَرَضًا وَبِالقِسْمَةِ الذِّهْنِيَّةِ تَـمَيُّزُ حَيِّزِ حَاجِبهَا الأَيْمَنِ عَنْ حَيِّزِ حَاجِبهَا الأَيْسَرِ مَثَلاً، حَتَّى وَإِنْ لَـمْ تَتَحَقَّق هَذِهِ القِسْمَة فِعْلاً فِي الخَارِجِ فِي عَيْنِ الشَّمْسِ.

فَجِسْمِيَّة الشَّمْسِ تَقْضِي بِهَذَا الاِعْتِبَارِ بِتَمَايُزِ أَطْرَافِهَا وَجَوَانِبهَا بِالجِهَةِ وَالحَيِّزِ، فَنِسْبَةُ هَذِهِ الأَحْيَاز بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَيْنِ الشَّمْسِ هِيَ نِسْبَةُ البَعْضِ إِلَى الكُلِّ، وَنِسْبَتُهَا بَيْنَ بَعِضِهَا البَعْضِ هِيَ نِسْبَةُ الجُزْءِ إِلَى الجُزْءِ.

وَابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي يُسَلِّمُ اشْتِرَاك الأَجْسَامِ كُلِّهَا فِي هَذَا القَدْرِ مِنَ الـمَعَانِي كَمَا تَجِدْهُ فِي بَعْضِ الـمَوَاضِعِ مِنْ كُتُبُهِ؟!، واسْتَمِع إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ(2): ((الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: أَنَّ الأَجْسَامَ بَيْنَهَا قَدْرٌ_مُشْتَرَكٌ وَهُوَ: "جِنْسُ_الـمِقْدَارِ" كَمَا يَقُولُونَ: "مَا_يُـمْكِنُ_فَرْضُ_الأَبْعَادِ_الثَّلاَثَةِ_فِيهِ"، وَبَيْنَهَا قَدْرٌ مُـمَيَّزٌ وَهُوَ: حَقِيقَةُ كُلِّ وَاحِدٍ وَخُصُوص ذَاته الَّتِي امْتَازَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ، كَمَا يُعْلَمُ أَنَّ الجَبَل وَالبَحْر مُشْتَرِكَانِ فِي أَصْلِ_القَدْرِ، مَعَ العِلْمِ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الحَجَرِ لَيْسَتْ حَقِيقَةَ الـمَاءِ)).انْتَهَى
وَيَقُولُ أَيْضًا(3): ((وَلاَ رَيْبَ أَنَّ الأَجْسَامَ بَيْنَهَا قَدْرٌ_مُشْتَرَكٌ فِي: الْطُّولِ_وَالْعَرْضِ_وَالْعُمْقِ، وَهُوَ: "الـمِقْدَارُ الـمُجَرَّدُ" الَّذِي لاَ يَخْتَصُّ بِجِسْمٍ بِعَيْنِهِ، وَلَكِنَّ هَذَا الـمِقْدَارَ الـمُجَرَّدَ هُوَ فِي الْذِّهْنِ لاَ فِي الْخَارِجِ؛ كَالْعَدَدِ الـمُجَرَّدِ، وَالْسَّطْحِ الْـمُجَرَّدِ، وَالْنُّقْطَةِ الْـمُجَرَّدَةِ، وَكَالْجِسْمِ التَّعْلِيمِيِّ؛ وَهُوَ: الْطَّوِيلُ الْعَرِيضُ الْعَمِيق الَّذِي لاَ يَخْتَصُّ بِمَادَّةٍ بِعَيْنِهَا)).انْتَهَى

فَالحَرَّانِي مُقِرٌّ بِأَنَّ الأَجْسَامَ (كُلّهَا!) -لاَ بُدَّ مِنْ تَأَمُّلِ هَذِهِ الكُلِّيَّة؟!- (تَشْتَرِكُ!) ذَاتِيَّاتُهَا فِي:
(أ) صِحَّةِ فَرْضِ (الـحُدُودِ!) وَ (الأَبْعَادِ!) الثَّلاَثَةِ فِيهَا: (الطُّول!) وَ (العَرْضِ!) وَ(العُمْقِ!)؟!
(بَـ) وَكَذَلِكَ فِي (الحَجْمِ!) الَّذِي يُسَمِّيهِ الحَرَّانِي هُنَا: (جِنْس_الـمِقْدَارِ!) وَأَحْيَانًا: (أَصْل_القَدْرِ!)؟!. وَلاَ يَذْهَبَنَّ بِكَ الوَهْم إِلَى أَنَّ الحَرَّانِي رُبَّمَا يَقْصِدُ هَهُنَا (القَدْر!) الـمَعْنَوِي؟! فَسِيَاقُ كَلاَمِهِ وَاضِحٌ وَقَاطِعٌ كَمَا أَنَّهُ لاَ يُوجَدُ مِنْ السَّادَةِ الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الـحَدِيثِ وَالَّذِينَ يَشُنُّ عَلَيْهِم هَذَا الحَرَّانِي حَرْبًا فِي (الخَفَاءِ!) لِمُحَاوَلَةِ تَشْوِيهِ مَجْدهِم العَالِي بِالأَكَاذِيبِ وَالتَّهْوِيلاَتِ وَالتَّلْفِيقَاتِ مَنْ يَنْفِي عَنِ الله عَظَمَةَ (القَدْرِ!) بِالـمَفْهُومِ الـمَعْنَوِيِّ؟! فَالرَّجُل يَقْصِدُ حَتْمًا عَظَمَة (القَدْرِ!) وَ(الـمِقْدَارِ!) بِالـمَفْهُومِ (الحَجْمِي!) (الحِسِّي!)!

إذًا: فَهَذِهِ الـمَعَانِي (الـمُشْتَرَكَةِ!) بَيْنَ (كُلِّ!) (الأَجْسَامِ!) تَقْضِي -كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ- بِصِحَّةِ فَرْضِ (الـمَسَاحَةِ!) فِيهَا وَتَـمَايُزِ جَوَانِبهَا (بِالإِشَارَةِ الحِسِّيَّةِ!) وَ (الحَيِّزِ!)!

ثَانِيًا: نَبْدَأُ تَحْلِيل كَلاَم ابْن تَيْمِيَّة الـمَذْكُورِ فِي صَدْرِ الـمَقالِ:
بَعْدَ خَوْضِ ابْن تَيْمِيَّة فِي مَعَانٍ جِدُّ بَعِيدَةٍ مِنْ وَرَاءِ تَنْزِيهِ الإِمَام الرَّازِي للهِ عَنْ مَعَانِي: (التَّرْكِيب!) وَ(الاِنْقْسَامِ!)، جَاءَ الحَرَّانِي إِلَى الـمَعْنَى الصَّحِيحِ الَّذِي يَقْصِدُهُ الإِمَام وَالـمُنَزِّهَة مِنْ نَفْيِ هَذِهِ الإِطْلاَقَاتِ عَنْهُ تَعَالَى، فَقَال: ((وَإِنْ قَالَ: أُرِيدُ بِالـمُنْقَسِمِ أَنَّ مَا فِي هَذِهِ الـجِهَةِ مِنْهُ غَيْر مَا فِي هَذِهِ الـجِهَةِ، كَمَا نَقُولُ: إِنَّ الشَّمْسَ_مُنْقَسِمَةٌ يَعْنِي أَنَّ: حَاجِبَهَا_الأَيْمَن_غَيْر_حَاجِبهَا_الأَيْسَرِ، وَالفُلْكَ_مُنْقَسِمٌ بِمَعْنَى أَنَّ: نَاحِيَةَ_القُطْب_الشَّمَالِي_غَيْر_نَاحِيَة_القُطِب_الـجَنُوبِي –وَهَذَا الَّذِي أَرَادَهُ-...)) إذًا: تَنْزِيهُ اللهِ عَنِ: (الاِنْقِسَام!) وَ(التَّرْكِيب!) عِنْدَ مَنْ يَنْعَتهُم ابْن تَيْمِيَّة بِـ: (النُّفَاةُ!) مَعْنَاهُ: تَنْزِيهُهُ تَعَالَى عَنِ (الحَجْمِ!) وَ (الـمَسَاحَةِ!) وَ (الأَبْعَادِ!) الَّتِي يَصِحُّ فِي حَالِ نِسْبَتِهَا إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ -جَلَّ رَبُّنَا عَنْ ذَلكِ- أَنْ يَكُونَ عَزَّ شَأْنُهُ مُـمْتَدًّا فِي الأَبْعَادِ مُتَرَامِيَ الأَطْرَافِ بِحَيْثُ يَتَمَيَّزُ يَـمْينُهُ عَنْ يَسَارِهِ بِالإِشَارَةِ الحِسِّيَّةِ وَالـجِهَةِ وَالحَيِّزِ الاِفْتِرَاضِي؟! كَالشَّمْسِ الَّتِي يَصِحُّ فَرْض القِسْمَةِ الوَهْمِيَّةِ فِيهَا فَيَتَمَيَّزُ حَيِّزهَا مِنَ اليَمِينِ عَنْ حَيِّزِهَا مِنَ اليَسَارِ وَهَكَذَا؟!

فَهَذَا مَعْنَى تَنْزِيه الله عَنِ (التَّرْكِيب!) وَ(الاِنْقِسَامِ!) كَمَا يُقَرِّرُهُ ابْن تَيْمِيَّة عَمَّن يَنْعَتهُم هُوَ نَفْسُهُ بِـ: (النُّفَاةِ!)؟ !فَمَا هُوَ مَوْقِفُ الـحَرَّانِي؟!

قَالَ بَعْدَهَا مُخَاطِبًا الإِمَام الرَّازِي وَتَقَدَّمَ الجَوَاب عَنْ هَذَا الَّذِي سَمَّيْتَهُ: مُرَكَّبًا؛ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لاَ_حُجَّةَ_أَصْلاً_عَلَى_امْتِنَاعِ_ذَلِكَ؛ بَلْ تَبَيَّنَ أَنَّ إِحَالَة_ذَلِكَ_تَقْتَضِي_إِبْطَال_كُلّ-مَوْجُودٍ...)) فَابْن تَيْمِيَّة هُنَا يُقِرِّرُ بِأَنَّ امْتِنَاع وَصْف البَارِي بِهَذِهِ الـمَعَانِي مِنَ: (التَّرْكِيبِ!) وَ(الاِنْقِسَامِ!) كَمَا قَرَّرَهُ الإِمَام الرَّازِي وَ(النُّفَاة!) كَمَا يَحْلُو لِلْحَرَّانِي أَنْ يَنْعَتهُم، يَقْضِي لِزَامًا بِـإِبْطَالِ كُلِّ مَوْجُودٍ؟!

أَيْ أَنَّ: نَفْي جِسْمِيَّة: (الطُّولِ!) وَ (العَرْضِ!) وَ (#العُمْقِ!) وَ (الاِمْتِدَادِ_فِي_الأَبْعَادِ!) وَ (الـمَسَاحَةِ!) وَ (#الـحَجْمِ!) عَنِ الله جَلَّ وَعَزَّ، يَقْضِي عِنْدَ ابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي بِنَفْيِ (كُلِّ_مَوْجُودٍ!)؟! سَوَاءٌ (الـمُمْكِن): وَهُوَ الـمْخْلُوق الـمَحْدُود أَمْ (الوَاجِب!): وَهُوَ الخَالِق الـمَعْبُود؟!

وَيَزِيد الحَرَّانِي الأَمْر جَلاَءً وَوُضُوحًا حِينَ يَقُول بَعْدَهَا: ((وَتَقَدَّمَ بَيَان مَا فِي لَفْظِ (التَّرْكِيبِ) وَ(الحَيِّزِ) وَ(الغَيْرِ) وَ(الاِفْتِقَارِ) مِنْ الإِجْمَالِ، وَأَنَّ الـمَعْنَى الَّذِي يَقْصِدُونَهُ بِذَلِكَ يَجِبُ_أَنْ_يَتَّصِفَ_بِهِ: كُلُّ_مَوْجُودٍ سَوَاءٌ_كَانَ: وَاجِبًا أَوْ مُـمْكِنًا، وَأَنَّ_القَوْل_بِامْتِنَاعِ_ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ_السَّفْسَطَة_الـمَحْضَة))؟!

وَهَذَا الكَلاَم صَرِيح مِن ابْنِ تَيْمِيَّة فِي أَنَّ "وَاجِب الوُجُودِ" الله عَزَّ وَجَلَّ (يَجِبُ!) أَنْ يَتَّصِفَ بِمَعَانِي (التَّرْكِيب!) وَ(الاِنْقْسَامِ!) وَ(التَّحَيُّزِ!) الَّتِي يَنْفِيهَا عَنْهُ الإِمَام الرَّازِي وَالـمُنَزِّهَة؟!

فَاللهُ عِنْدَ ابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي:
(أ) عَظِيم الـمِقْدَار (الحَجْمِ!)؟ !بِحَيْثُ تَتَـمَايُز أَعْيَانهُ (أَبْعَاضه!) بِالجِهَة وَالحَيِّزِ، فَالإِشَارَة إِلَى عَيْن الوَجْهِ مِنَ الذَّاتِ العَلِيَّةِ؟! غَيْر الإِشَارَة إِلَى عَيْن السَّاقِ؟! غَيْرهَا إِلَى عَيْنِ الكَفِّ؟! وَهَكَذَا؟!، وَالحَيِّز الَّذِي تَـمْلَؤُهُ هَذِهِ العَيْن بِالذَّاتِ (السَّاق! مَثَلاً أَوْ اليَد! أَوْ الوَجْه! أَوْ...الخ) غَيْر الحَيِّزِ الَّذِي تَشْغَلُهُ العَيْن الأُخْرَى؟!، فَالذَّاتُ العَلِيَّةِ (تَجْمَعُ!) كُلّ هَذِهِ الأَعْيَان (الأَبْعَاض!) وَتَقْبَلُ القِسْمَة الذِّهْنِيَّة الفَرَضِيَّة وَإنْ كَانَتْ لاَ تَقْبَلُ القِسْمَة الفِعْلِيَّة فِي الخَارِجِ؟!
(بَـ) مُتَرَامِيَ (الأَبْعَادِ!) مِنْ: (طُولٍ!) وَ (عَرْضٍ!) وَ (عُمْقٍ!)، عَظَيم (الاِمْتِدَادِ!) وَ (الـمَسَاحَةِ!)؟!

وَهَذِهِ الـمَعَانِي الَّتِي يَدَّعِي ابْن تَيْمِيَّة هَهُنَا وُجُوبَ اتِّصَافِ البَارِي بِهَا؟! هِيَ ذَاتهَا تِلْكَ الـمَعَانِي الَّتِي أَقَرَّ ابْن تَيْمِيَّة بِاشْتِرَاكِهَا بَيْنَ كُلِّ الأَجْسَامِ كَمَا سَبَقَ بَيَانهُ فِي "أَوَّلاً"!، فَاللهُ عِنْدَ ابْن تَيْمِيَّة جِسْمٌ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ؟!

وَاللهُ الـمُوَفِّق!
_______________
(1) بَيَانُ تَلْبِيس الـجَهْمِيَّة فِي تَأْسِيسِ بِدَعِهِم الكَلاَمِيَّةِ لاِبْنِ تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي (3 /340-341)، تَحْقِيق: مَجْمُوعَة مِنَ الـمُحَقِّقِينَ، النَّاشِر: مُجَمَّع الـمَلِك فَهْد لِطِبَاعَة الـمَصْحَف الشَّرِيف-الـمَمْلَكَة العَرَبِيَّة السُّعُودِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: 1426هـ
(2) بَيَانُ تَلْبِيس الـجَهْمِيَّة فِي تَأْسِيسِ بِدَعِهِم الكَلاَمِيَّةِ لاِبْنِ تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي (1/ 363-364)، تَحْقِيق: مَجْمُوعَة مِنَ الـمُحَقِّقِينَ، النَّاشِر: مُجَمَّع الـمَلِك فَهْد لِطِبَاعَة الـمَصْحَف الشَّرِيف-الـمَمْلَكَة العَرَبِيَّة السُّعُودِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: 1426هـ
(3) النُّبُوَّات لاِبْنِ تَيْمِيَّة الحَرَّانِي (1/ 310)، تَحْقِيق: الدُّكْتُور عبد العَزيز بن صَالح الطويَان ،النَّاشِر: أَضْوَاء السَّلَفِ- الـمَمْلَكَة العَرَبِيَّة السُّعُودِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى:
1420ه-2000
---
الشيخ ياسين بن ربيع الجزائري

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مفاهيم يجب أن تصحح
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء فبراير 01, 2023 12:48 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2717


عَقِيدَة ابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي !

كَلاَمُ ابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي فِي تَقْرِيرِ بِدْعَة التَّجْسِيمِ وَالتَّكْفِيرِ 3!
-----
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي (ت:728هـ): ((فَالـمُثْبِتَةُ يَعْلَمُونَ بِصَرِيحِ العَقْلِ: امْتِنَاع أَنْ يَكُونَ مَوْجُوداً مُعَيَّنًا مَخْصُوصًا قَائِـمًا بِنَفْسِهِ وَيَكُون مَعَ ذَلِكَ:
(أ‌) لاَ دَاخِلَ العَالَـمِ وَلا خَارِجَهُ
وَأَنَّهُ فِي اصْطِلاَحِهِمْ:
(ب‌) لاَ جَوْهَر(1)
(ت‌) وَلاَ عَرَض
(ث‌) وَلاَ جِسْم
(ج‌) وَلاَ مُتَحَيِّز
كَمَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَـمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ: لاَ قَائِـمٌ بِنَفْسِهِ وَلاَ قَائِمٌ بِغَيْرْهِ؛ فَإِنَّكَ إِذَا اسْتَفْسَرْتَهُمْ عَنْ مَعْنَى التَّحَيُّزِ وَمَعْنَى الجِسْمِ فَسَّرُوهُ بِـمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ الـمَوْصُوفُ بِأَنَّهُ: القَائِـمُ بِنَفْسِهِ، وَلِـهَذَا لاَ يعْقَلُ أَحَدٌ مَا هُوَ قَائِـمٌ بِنَفْسِهِ إِلاَّ مَا يَقُولُونَ هُوَ:
(أ‌) مُتَحَيِّزٌ
(ب‌) وَجِسْمٌ
فَدَعْوَى الـمُدَّعِينَ وُجُود مَوْجُودٍ: لَيْسَ بِمُتَحَيِّزٍ وَلاَ جِسْمٍ وَلاَ قَائِمٍ بِمُتَحَيِّزٍ أَوْجِسْمٍ مِثْل دَعْوَاهُم وُجُود مَوْجُودٍ: لَيْسَ قَائِـمًا بِنَفْسِهِ وَلاَقَائِـمًا بِغَيْرِهِ)) (2).انْتَهَى

التَّعْقِيب:
أَوَّلاً: تَحْلِيلُ كَلاَم ابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي، قَالَ: ((فَالـمُثْبِتَةُ يَعْلَمُونَ بِصَرِيحِ العَقْلِ: امْتِنَاع أَنْ يَكُونَ مَوْجُوداً مُعَيَّنًا مَخْصُوصًا قَائِـمًا بِنَفْسِهِ وَيَكُون مَعَ ذَلِكَ: لاَ دَاخِلَ العَالَـمِ وَلا خَارِجَهُ وَأَنَّهُ فِي اصْطِلاَحِهِمْ: لاَجَوْهَر وَلاَعَرَض وَلاَجِسْم وَلاَمُتَحَيِّز...)).

يَتَكَلَّمُ ابْن تَيْمِيَّة هُنَا مُنْتَحِلاً لِسَانَ حِزْبِهِ: فَرِيق (الـمُثْبِتَة!) وَهُم الَّذِينَ يُثْبِتُونَ مَا يُسَمَّى وِفْقَ أُصُولِهِم بِـ: (الصِّفَات!) لله تَعَالَى بِمُقَابِل مَنْ يَنْعَتهُم الحَرَّانِي بِـ: (النُّفَاة!) وَهُم الفَرِيق الَّذِينَ يَنْفُونَ عَنْهُ تَعَالَى مَا تَنْضَوِي عَلَيْهِ هَذِهِ الاِضَافَاتِ الخَبَرِيَّةِ (الصِّفَات!) وَغَيْرهَا مِنْ مَعَانِي يَرَوْنَ أَنَّهَا بَاطِلَة لاَ يَلِيقُ نِسْبَتهَا إِلَيْهِ سُبْحَانَه وَتَعَالَى، وَهَؤُلاَءِ فِي الحَقِيقَةِ لَيْسُوا إِلاَّ جُمْهُور أَهْل السُّنَّة السَّادَة الأَشَاعِرَة وَالـمَاتُرِيدِيَّة وَفُضَلاَء أَهْل الحَدِيثِ الَّذِينَ يُنَزِّهُونَ الله عَنْ مَعَانِي الجِسْمِيَّة وَهُمُ الـمَعْنِيُّونَ بِدَرَجَةٍ أُولَى بـِمَا سَوَّدهُ هذَا الحَرَّانِي فِي بَيَانِ تَلِبِيسِهِ.

فَهَؤُلاَءِ (الـمُثْبِتَة!) -وابْن تَيْمِيَّة طَبْعًا مِنْهُم وَلَيْسَ مِنَ (النُّفَاةِ!)؟!- ((يَعْلَمُونَ بِصَرِيحِ العَقْلِ)) كَمَا يَدَّعِي هَذَا الحَرَّانِي: فَالعِلْم هُنَا عِنْدَهُم قَطْعِي الدِّلاَلَةِ لاَ اشْتِبَاهَ فِيهِ وَلاَ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ الاِحْتِمَال فَهُوَ مِنَ: اليَقِينِ العَقْلِيِّ؟!، نُكْمِل تَحْلِيل كَلاَم الحَرَّانِي: فَالـمُثْبِتَة إِذًا يَعْلَمُونَ يَقِينًا: ((امْتِنَاع أَنْ يَكُونَ مَوْجُوداً مُعَيَّنًا مَخْصُوصًا قَائِـمًا بِنَفْسِهِ وَيَكُون مَعَ ذَلِكَ: لاَ دَاخِلَ العَالَـمِ وَلا خَارِجَهُ وَأَنَّهُ فِي اصْطِلاَحِهِمْ: لاَجَوْهَر وَلاَعَرَض وَلاَجِسْم وَلاَمُتَحَيِّز)): يَعْنِي: يَـمْتَنِعُ فِي صَرَائِحِ عُقُولِ (الـمُثْبِتَة!) -وَعُقُولُ (الـمُثْبِتَة!) عِنْدَ ابْن تَيْمِيَّة أَكْمَلُ بِكَثِيرٍ مِنْ عُقُولِ (النُّفَاةِ!) طَبْعًا؟!- وُجُود "قَائِمٍ بِنَفْسِهِ" وهُوَ: "اللهُ" تَعَالَى وَتَقَدَّسَ، بِحَيْثُ يَكُون هَذَا الـمَوْجُود: لاَ مُتَّصِلاً بِالعَالَـمِ وَلاَ مُنْفَصِلاً عَنْهُ، أَيْ بِاصْطِلاَحِ (النُّفَاةِ!): لاَ هُوَ جَوْهَرٌ وَلاَ عَرَضٌ وَلاَ جِسْمٌ وَلاَ مُتَحَيِّزٌ؟!

إذًا: فَحِزْب ابْن تَيْمِيَّة (الـمُثْبِتَة!) يَعْلَمُونَ بِصَرِيح العَقْلِ أَنَّهُ تَعَالَى: إِمَّا دَاخِل العَالَـمِ أَوْ خَارِجَهُ: وَطَبْعًا هُو تَعَالَى عِنْدَهُم خَارِج العَالـمِ؟! فَهُوَ: (مُتَحَيِّزٌ!) هُنَاكَ فِي حَيِّزِ ذَاته مُنْفَصِلٌ عَنْ حَيِّزِ العَالَـمِ؟!، فَهُوَ تَعَالَى بِهَذَا الاِعْتِبَارِ فِي جِهَةِ "فَوْق" بِالنِّسْبَةِ إِلَى العَالَـمِ؟!، وَيُحِيطُ تَعَالَى بِالعَالَـمِ إِحَاطَةً كُلِّيَّةً مِنْ كُلِّ الـجَوَانِبِ إِحَاطَة الأَسْوِرَةِ بِالـمِعْصَمِ وَالكُوبِ بِالـمَاءِ وَالخَيْمَةِ بِـمَا فِي دَاخِلِهَا؟! وَتَحَيُّزَهُ سُبْحَانَهُ هُنَاكَ يَقْضِي بِكَوْنِهِ تَعَالَى مُقَدَّراً بِمِقْدَارٍ حَجْمِيٍّ؟! إِذْ هُوَ تَعَالَى مَحْدُودٌ فَحَدُّهُ سُبْحَانَهُ مِنَ الأَسْفَلِ العَالَـمُ التَّحْتَّانِيِّ؟!

لِهَذَا السَّبَب امْتَنَعَ فِي عَقْلِ ابْن تَيْمِيَّة وَحِزْبِهِ (الـمُثْبِتَة!) تَنْزِيه الله عَنْ جِسْمِيَّة: الطُّولِ وَالعَرْضِ وَالعُمْقِ وَالحَجْمِ وَالكَمِّ وَالـمَسَاحَةِ، فَنَفِيُ هَذِهِ الـمَعَانِي الجِسْمِيَّة يَسْتَلْزِمُ وَصْف البَارِي بِالـمَعْدُومِ؟! وَمَا لاَ (حَجْمَ!) لَهُ مِنَ الأَجْسَامِ فَهُوَ: (مَعْدُومٌ!)؟! لِهَذَا قَالَ هَذَا الحَرَّانِي: ((لاَيعْقَلُ أَحَدٌ مَا هُوَ قَائِـمٌ بِنَفْسِهِ إِلاَّ مَا يَقُولُونَ هُوَ: مُتَحَيِّزٌ وَجِسْمٌ)) وَمَعْنَى هَذَا كَلاَم: اللهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَلاَ يُعْقَلُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ سُبْحَانَهُ (جِسْمًا!) وَ(مُتَحَيِّزاً!) عَلَى الـمَعْنَى الَّذِي يَقْصِدُهُ (النُّفَاةُ!) فِي اصْطِلاَحِهِم؟!

وَالجِسْمُ فِي اصْطِلاَحِ مَنْ يَنْعَتهُم الحَرَّانِي بِـ: (النُّفَاةِ!): هُوَ الشَّيْء الـمُمْتَدُّ فِي الأَبْعَادِ مِنْ: طُولٍ وَعَرْضٍ وَعُمْقٍ، الـمُقَدَّرِ بِحَجْمٍ عَظُمَ أَمْ دَقَّ، وَامْتِدَادُ الجِسْمِ فِي الأَبْعَادِ يَقْضِي بِتَمَايُزِ جَوَانِبه بِالجِهَةِ وَالحَيِّزِ، بِحَيْثُ تَكُونُ الإِشَارَةُ إِلَى يَمِينِهِ غَيْر الإِشَارَة إِلَى يَسَارِهِ وَهَكَذَا.
وَابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي الَّذِي يَدَّعِي هَهُنَا (امْتِنَاع!) نَفْي الجِسْمِيَّة عَنِ البَارِي وَأَنَّ نَفْيَهَا عَنْهُ تَعَالَى يَقْضِي بِنَفْيِ وُجُودِهِ سُبْحَانَه؟! هُوَ نَفْسهُ يُقَدِّرُ (القَدْر_الـمُشْتَرَك!) بَيْنَ كُلِّ الأَجْسَامِ؟! واسْتَمِع إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ(3): ((الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: أَنَّ الأَجْسَامَ بَيْنَهَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ وَهُوَ: "جِنْسُ الـمِقْدَارِ" كَمَا يَقُولُونَ: "مَايُـمْكِنُ فَرْضُ الأَبْعَادِ الثَّلاَثَةِ فِيهِ"، وَبَيْنَهَا قَدْرٌ مُـمَيَّزٌ وَهُوَ: حَقِيقَةُ كُلِّ وَاحِدٍ وَخُصُوص ذَاته الَّتِي امْتَازَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ، كَمَا يُعْلَمُ أَنَّ الجَبَل وَالبَحْر مُشْتَرِكَانِ فِي أَصْلِ القَدْرِ، مَعَ العِلْمِ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الحَجَرِ لَيْسَتْ حَقِيقَةَ الـمَاءِ)).انْتَهَى فَالأَجْسَام وِفْقَ تَقْرِير الحَرَّانِي هَذَا تَشْتَرِك فِيمَا بَيْنَهَا (كُلّهَا!) بِدُونِ اسْتِثْنَاءٍ فِي جِسْمِيَّة الطُّولِ وَالعَرْضِ وَالعُمْقِ وَالحَجْمِ وَالكَمِّ حَتَّى وَإِنْ تَبَايَنَت فِي أَشْكَالِهَا وَهَيْئَاتِهَا وَصُوَرِهَا وَمَادَّتِهَا. فَمَا مِنْ جِسْمٍ إِلاَّ وَصَحَّ فِيهِ فَرْضُ هَذِهِ الأَوِصَاف.

فَابْن تَيْمِيَّة، إذًا:
(1) يُقِرُّ بِاشْتِرَاكِ الأَجْسَامِ (كُلِّهَا!) فِي جِسْمِيَّة (الأَبْعَادِ!) وَ(الحَجْمِ!) عَلَى وِفْقِ مَا حَرَّرَهُ مَنْ يَنْعَتُهُم بِـ: (النُّفَاةِ!)؟!
(2) يُصَرِّحُ بِامْتِنَاعِ نَفْيِ (#الـجِسْمِيَّة!) عَنِ البَارِي جَلَّ وَعَزَّ؟!
(3) يَدَّعِي أَنَّ تَنْزِيه الله عَنْ جِسْمِيَّة (الأَبْعَادِ!) وَ(الحَجْمِ!) عَلَى وفْقِ مَا يَقْصِدهُ مَنْ يَنْعَتهُم بِـ: (النُّفَاة!)، يَنْطَبِقُ بِالضَّرُورَةِ العَقْلِيَّةِ عَلَى وَصْفِ (الـمَعْدُومِ!)؟!

فَاللهُ عِنْدَ ابْن تَيْمِيَّة جِسْمٌ مُقَدَّرٌ بِحَجْمٍ وَمَسَاحَةٍ وَأَبْعَادٍ وَحُدُودٍ؟!

ثَانِيًا: قَوْلُ الحَرَّانِي: ((...امْتِنَاع أَنْ يَكُونَ مَوْجُوداً مُعَيَّنًا مَخْصُوصًا قَائِـمًا بِنَفْسِهِ وَيَكُون مَعَ ذَلِكَ لاَ دَاخِلَ العَالَـمِ وَلاخَارِجَهُ...)) كَلاَمٌ لاَ يَقُوم عَلَى سَاقٍ؟! وَالحَقُّ أَنَّ الله كَانَ قَبْلَ خَلْقِ العَالَـمِ مِنَ العَرْشِ إِلَى الفَرْشِ وَحْدَهُ تَعَالَى بِلاَ مَكَانٍ ولاَ مَحَلٍّ كَمَا جَاءَ فِي "بَاب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾[الروم:27]" مِنْ صَحِيح البُخَارِي (3191) فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ"، فَقَبْلَ خَلْقِهِ تَعَالَى لِلْمَخْلُوقَاتِ كَانَ رَبُّنَا وَحْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، فَلَمْ يَكُنْ جَلَّ وَعَزَّ مُتَّصِلاً بِالعَالَـمِ وَلاَ مُنْفَصِلاً عَنْهُ، وَلاَ قَرِيبًا بِالـمَسَافَةِ مِنْ شَيْءٍ وَلاَ بَعِيداً عَنْهُ كَذَلِكَ، وَلاَ مُـمَّاسًا لِشَيْءٍ وَلاَ مُحَايِثًا لَهُ، وَلاَ مُجَامِعًا لِشَيْءٍ وَلاَ مُفَارِقًا لَهُ، وَلَـمْ يَلْزَم مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ سُبْحَانَهُ (مَعْدُومًا!) أَزَلاً كَمَا يُحَاوِلُ أَنْ يُلَبِّسُ الـحَرَّانِي؟!

وَاللهُ الـمُوَفِّق
_______________
(1) فِي الأَصْل: "لاَ جِسْمٌ" وَأُثْبِت أَوْفَق مَع السِّيَاق كَمَا رَجَّح مُحَقِّق الكِتَاب هُنَاك عَلَى الهَامِشِ
(2) بَيَانُ تَلْبِيس الـجَهْمِيَّة فِي تَأْسِيسِ بِدَعِهِم الكَلاَمِيَّةِ لاِبْنِ تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي (2/ 364)، تَحْقِيق: مَجْمُوعَة مِنَ الـمُحَقِّقِينَ، النَّاشِر: مُجَمَّع الـمَلِك فَهْد لِطِبَاعَة الـمَصْحَف الشَّرِيف-الـمَمْلَكَة العَرَبِيَّة السُّعُودِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: 1426هـ
(3) بَيَانُ تَلْبِيس الـجَهْمِيَّة فِي تَأْسِيسِ بِدَعِهِم الكَلاَمِيَّةِ لاِبْنِ تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي (1 /363-364)، تَحْقِيق: مَجْمُوعَة مِنَ الـمُحَقِّقِينَ، النَّاشِر: مُجَمَّع الـمَلِك فَهْد لِطِبَاعَة الـمَصْحَف الشَّرِيف-الـمَمْلَكَة العَرَبِيَّة السُّعُودِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: 1426هـ
----
الشيخ ياسين بن ربيع الجزائري

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مفاهيم يجب أن تصحح
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء فبراير 01, 2023 4:23 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2717


عَقِيدَة_ابْن_تَيْمِيَّة_الحَرَّانِي !

كَلاَمُ_ابْن_تَيْمِيَّة_الحَرَّانِي_فِي_تَقْرِيرِ_بِدْعَة_التَّجْسِيمِ_وَالتَّكْفِيرِ 4!

قَالَ ابْن تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي(ت:728هـ): ((وَ الْكَبِدُ وَ الطِّحَالُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، هِيَ: أَعْضَاءُ_الْأَكْلِ_وَالشُّرْبِ، فَالْغَنِيُّ الْمُنَزَّهُ عَنْ ذَلِكَ مُنَزَّهٌ عَنْ آلَاتِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ_الْيَدِ فَإِنَّهَا لِلْعَمَلِ_وَالْفِعْلِ، وَهُوَ -سُبْحَانَهُ- مَوْصُوفٌ_بِالْعَمَلِ_وَالْفِعْلِ؛ إذْ ذَاكَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، فَمَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَفْعَلَ أَكْمَلُ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْفِعْلِ))(1).انْتَهَى

التَّعَقِيب:

أَوَّلاً: تَحْلِيل كَلاَم ابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي: فَنِسْبَةُ (الأَعْضَاءِ!) أَوْ (الآلاَتِ!) لِلْبَارِي -جَلَّ وَعَزَّ عَنْ ذَلِكَ- مَسْأَلَةٌ فِيهَا تَفْصِيلٌ عِنْدَ ابْن تَيْمِيَّة؟!: فَهُوَ يَرَى امْتِنَاعَ وَصْف البَارِي بِـ: الكَبِدِ وَالطٍّحَالِ وَغَيْرِهَا مِنْ هَذِهِ (الأَعْضَاءِ!)، لَيْسَ لِكَونِهَا (أَجْسَامًا!) فِي وَاقِعِ الأَمْر يَسْتَحِيلُ نِسْبَتهَا إِلَيْهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ لاِنْتِفَاءِ مَعَانِي الـجِسْمِيَّة فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ؟!، بَلْ وَلَكِن لِكَوْنِهِ تَعَالَى مُنَزَّهًا عَنْ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَيَتَنَزَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ (آلاَتِ!) ذَلِكَ؟! بِخِلاَفِ (آلَة!) (اليَدِ!)؟! فَاللهُ يَفْعَلُ وَيَعْمَلُ بِهَا لأَنَّهُ جَلَّ وَعَلاَ مَوْصُوفٌ بِالعَمَلِ وَالفِعْلِ؟!. فَاللهُ عِنْدَ هَذَا الحَرَّانِي كَالْـمَخْلُوق يَعْمَلُ وَيَفْعَلُ بِـ: (آلَةٍ!) هِيَ: (يَدهُ!) تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيراً؟ !

ثَانِيًا: (اليَد!) الَّتِي يُثْبِتُهَا ابْن تَيْمِيَّة لِرَبِّهِ حَتَّى وَإِنَ كَانَتْ: (عُضْواً!) وَ(آلَةً!) لِلْفِعْلِ وَالعَمَلِ؟ !كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرهُ مِنْ كَلاَمِهِ إِلاَّ أَنَّهَا لَيْسَت مِنْ لَحْمٍ وَلاَ عَصَبٍ وَلاَ دَمٍ كَمَا هُوَ الحَال عِنْدَ الـمَخْلُوقِ، واسْتَمِعْ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُول بِالجَوَارِحِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى وَيُسَمِّهَا: (أَعْيَانًا!) مَا نَصُّهُ: ((وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الخَالِقَ لَيْسَ مُـمَاثِلًا لِلْمَخْلُوقِ، وَأَنَّ هَذِهِ الصِّفَات وَإِنْ كَانَتْ أَعْيَانًا فَلَيْسَت_لَـحْمًا_وَلاَ_عَصَبًا_وَلاَ_دَمًا وَلاَ نَحْو ذَلِكَ، وَلاَ هِيَ مِنْ جِنْسِ شَيْءٍ مِنَ الـمَخْلُوقَاتِ))(2).انْتَهَى
فَـ: (يَد_الخَالِقِ!) وَ(يَد_الـمَخْلُوقِ!) عِنْدَ ابْن تَيْمِيَّة تَشْتَرِكَانِ فِي أَصْلِ مَعْنَى (اليَدِ!) أَيْ: الـجَارِحَة وَالعُضْو وَالأَدَاة وَالآلَة بَيْنَمَا يَقَعُ التَّبَايُن بَيْنهمَا فِي العَوَارِضِ فَقَط أَيْ: الشَّكْل وَالقُوَّة وَ...الخ؟!، فَجِسْمِيَّةُ (الجَوَارِح!) مِنَ: (الـحُدُودِ!) وَ(الأَبْعَادِ!) و(الحَجْمِ!) وَ(الكَمِّ!) وَ(الـمَسَاحَةِ!) وَ(الطُّولِ!) وَ(العَرْضِ!) وَ(العُمْقِ!) كُلّهَا مَعَانِي ثَابِتَة للهِ عِنْدَ ابْن تَيْمِيَّة؟ !

ثَالِثًا: أَتْبَاع الحَرَّانِي فَهِمُوا مِنْهُ هَذَا أَيْضًا؟! ونَذْكُر عَلَى سَبِيلِ الـمِثَالِ لاَ الحَصْرِ مَا يَقُرِّرُهُ مُحَمَّد بْن خَلِيل الهَرَّاس(3) حَيْثُ قَال: ((فَإِنَّ القَبْضَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْيَدِ_الـحَقِيقِيَّةِ لاَ بِالْنِّعْمَةِ، فَإِنْ قَالُوا: إِنَّ البَاءَ هُنَا لِلْسَّبَبِيَّةِ أَيْ: بِسَبَبِ إِرَادَته الإِنْعَام، قُلْنَا لَهُم: وَبِمَاذَا قَبَضَ؟ فَإِنَّ_القَبْضَ_مُـحْتَاجٌ_إِلَى_آلَةٍ فَلاَ مَنَاصَ لَهُم لَوْ أَنْصَفُوا مِنْ أَنْفُسِهِم إِلاَّ أَنْ يَعْتَرِفُوا بِثُبُوتِ مَا صَرَّحَ بِهِ الكِتَاب وَالسُّنَّة))(4).انْتَهَى؟!

وَاللهُ الـمُوَفِّق
_______
(1) مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّة (3 /53-54)، دَار الوَفَاء للطِّبَاعَة والنَّشْر والتَّوْزِيع -ج.م.ع- المنصورة، الطَّبْعَة الثَّالِثَة
(2) بَيَانُ تَلْبِيس الـجَهْمِيَّة فِي تَأْسِيسِ بِدَعِهِم الكَلاَمِيَّةِ لاِبْنِ تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي (1/ 357)، النَّاشِر: مُجَمَّع الـمَلِك فَهْد لِطِبَاعَة الـمَصْحَف الشَّرِيف-الـمَمْلَكَة العَرَبِيَّة السُّعُودِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: 1426هـ
(3) يُعْتَبَرُ الهَرَّاس مِنَ الـمُنَظِّرِينَ لِعَقَائِدِ القَوْمِ، فَقَد جَاءَ فِي فَتْوَى اللَّجْنَة الدَّائِمَة السَّعُودِيّة لِلإِفْتَاءِ (=الوَهَّابْيَّةِ) بِرِئَاسَةِ مُفْتِهَا ابْن بَاز في توجيه لاقْتِنَاء كُتُب (السُّنَّة!) فِي العَقِيدَة، مَا نَصُّهُ: ((وَإِلَيْكَ نُسْخَة مِنَ "العَقِيدَةِ الوَاسِطِيَّةِ" لِشَيْخِ الإِسْلاَمِ ابْن تَيْمِيَّة ، وَ شَرْح_الشَّيْخِ_مُحَمَّد_خَلِيل_الهَرَّاس، وَنُسْخَة مِنَ "التَّدْمُرِيَّةِ" وَ"الحَمَوِيَّةِ" كِلاَهُمَا لِشَيْخِ الإِسْلاَمِ ابْن تَيْمِيَّة ، وَالكُتُب الثَّلاَثَةِ الـمَذْكُورَة قَدْ أَوْضَحَت مَذْهَب_أَهْلِ_السُّنَّةِ فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَالرَّدِّ عَلَى مُخَالِفِيهِم)).انتهى مِن [ فَتَاوَى اللَّجْنَة الدَّائِمَة (3 /124)]
(4) كِتَاب التَّوْحِيد لِابْن خُزَيْمَة، حَقَّقَهُ وَرَاجَعَهُ وَعَلَّقَ عَلَيْهِ: مُحَمَّد بْن خَلِيل هَرَّاس (هَامِش ص:93)، دَار الشَّرِيعَة

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مفاهيم يجب أن تصحح
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة فبراير 03, 2023 7:37 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2717


عَقِيدَة ابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي !

كَلاَمُ ابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي فِي تَقْرِيرِ بِدْعَة التَّجْسِيمِ وَالتَّكْفِيرِ 5!

قَالَ ابْن تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي(ت:728هـ): ((وَتَقْدِيرُ مَوْجُودٍ_قَائِـمٍ_بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ صِفَةٌ وَلاَ (قَدْرٌ!) هُوَ الَّذِي يُرَادُ بِالْكَيْفِيَّةِ وَ(الْكَمِّيَّةِ!) كَتَقْدِيرِ مَوْجُودٍ: لَيْسَ_قَائِـمًا_بِنَفْسِهِ_وَلاَ_بِغَيْرِهِ))(1).انْتَهَى

التَّعَقِيب:

أَوَّلاً: تَحْلِيل كَلاَم ابْن تَيْمِيَّة: مِنَ الوَاضِحِ أَنَّ عَقْلَ هَذَا الـحَرَّانِي يَحْكُمُ بِاسْتِحَالَةِ ((تَقْدِيرِ مَوْجُودٍ)): سَوَاء أَكَانَ: الـمُمْكِن الَّذِي هُوَ الـمَخْلُوق أَمْ الوَاجِب الَّذِي هُوَ الـخَالِقِ جَلَّ وَعَلاَ، ((قَائِمٍ بِنَفْسِهِ)): وَالله جَلَّ وَعَلاَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، ((لَيْسَ لَهُ صِفَةٌ وَلاَ (قَدْرٌ!)...)): أَيْ: تَقْدِير هَذَا الـمَوْجُود -وَهُوَ الله- بِحَيْثُ لاَ يَتَّصِفُ بِصِفَةٍ وَلاَ يَتَمَيَّزُ بِـ: (قَدْرٍ!) أَيْ: (حَجْمٍ!)؟!، وَلَيْسَ مُرَادُ الـحَرَّانِي هَهُنَا (القَدْر!) بِمَفْهُومِهِ الـمَعْنَوِي أَيْ: عُلُوَّ الشَّأْن وَعَظَمَة الـمكَانَة فَذَاكَ مُنْدَرِجٌ فِي مَعْنَى الصِّفَة الَّتِي ذَكَرَهَا أَوَّلاً ثُمَّ إِنَّهُ عَطَفَ بَعْدَهَا بِذِكْرِ (القَدْرِ!)، وَزَادَ الأَمْر وُضُوحًا وَقَطَعَ الشَّكَّ بِاليَقِينِ حِينَ فَسَّر مَقْصُودهُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ: (القَدْرِ!) فَقَالَ بَعْدَهَا مُبَاشَرَةً: ((هُوَ الَّذِي يُرَادُ بِالْكَيْفِيَّةِ وَ(الْكَمِّيَّةِ!)...)) فَفَسَّرَ هَذَا الرَّجُل (القَدْر!) الـمَذْكُور بِـ: (الكَمِّيَّةِ!)؟! وَهَذَا قَاطِعٌ فِي إِرَادَتِهِ الـمَعْنَى الجِسْمِي مِنَ (القَدْر!) أَيْ: (الحَجْم!)؟!

إذًا: فَدَعْوَى (النُّفَاة!) -كَمَا يَحْلُو للحَرَّانِي أَنْ يَنْعَتهُم!-: تَنزيه الله جَلَّ وَعَلا عَنِ جِسْمِيَّة (الحَجْمِ!) وَ(الـمَسَاحَةِ!) وَ(الأَبْعَادِ!) لَيْسَ هِيَ -عِنْدَ هَذَا الـمُشَيَّخِ عَلَى الإِسْلاَمِ- إِلاَّ ((كَتَقْدِيرِ مَوْجُودٍ: لَيْسَ قَائِـمًا بِنَفْسِهِ وَلاَ بِغَيْرِهِ)) أَيْ: الـمَعْدُوم؟!

فَوُجُود اللهُ عِنْدَ ابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي يَقْتَضِي حَتْمًا أَنَّهُ تَعَالَى مُقَدَّرٌ بِـ: (حَجْمٍ!) وَإِلاَّ فَهُوَ عِنْدَهُ: (مَعْدُومٌ!)؟ !

ثَانِيًا: الجِسْمُ فِي اصْطِلاَحِ مَنْ يَنْعَتهُم هَذَا الحَرَّانِي بِـ: (النُّفَاةِ!): هُوَ الشَّيْء الـمُمْتَدُّ فِي الأَبْعَادِ مِنْ: (طُولٍ!) وَ(عَرْضٍ!) وَ(عُمْقٍ!)، الـمُقَدَّرِ بِـ: (حَجْمٍ!) عَظُمَ أَمْ دَقَّ، وَامْتِدَادُ الجِسْمِ فِي الأَبْعَادِ يَقْضِي بِتَمَايُزِ جَوَانِبه بِالجِهَةِ وَالحَيِّزِ، بِحَيْثُ تَكُونُ الإِشَارَةُ إِلَى يَمِينِهِ غَيْر الإِشَارَة إِلَى يَسَارِهِ وَهَكَذَا.

وَاسْتَمِع الآن إِلَى التَّقْرِير الرَّبَانِي حَيْثُ قَالَ رَبُّنَا فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾[الفُرْقَان:2] وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾[الطَّلاَق:3] فَفِي هَذَا البَيَان القُرْآنِي أَنَّ كُلَّ مُقَدَّرٍ بِـ: (قَدْرٍ!) مِنْ: (طُولٍ!) وَ(عَرْضٍ!) وَ(عُمْقٍ!) وَ(حَجْمٍ!)، فَهُوَ: (مَخْلُوقٌ!) وَ(مَجْعُولٌ!). فَمَنْ جَوَّزَ عَلَيْهِ جلَّ شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا مُقَدَّراً بِحَجْمٍ وَأَبْعَادٍ فَقَدْ جَوَّزَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَجْعُولاً مَخْلُوقًا؟!

وَاللهُ الـمُوَفِّق
_______
(1) بَيَانُ تَلْبِيس الـجَهْمِيَّة فِي تَأْسِيسِ بِدَعِهِم الكَلاَمِيَّةِ لاِبْنِ تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي (2 /377-378)، النَّاشِر: مُجَمَّع الـمَلِك فَهْد لِطِبَاعَة الـمَصْحَف الشَّرِيف-الـمَمْلَكَة العَرَبِيَّة السُّعُودِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: 1426هـ

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مفاهيم يجب أن تصحح
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت فبراير 04, 2023 2:09 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2717


عَقِيدَة_ابْن_تَيْمِيَّة_الحَرَّانِي !

كَلاَمُ_ابْن_تَيْمِيَّة_الحَرَّانِي_فِي_تَقْرِيرِ_بِدْعَة_التَّجْسِيمِ_وَالتَّكْفِيرِ 6!

قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّة فِي الأَثَرِ "الهَالك!" حَوْل (جُلُوسِ!) الـمَوْلَى جَلَّ وَعَلاَ عَلَى العَرْشِ وَإِخْلاَء مَكَانٍ مِنْهُ؟! مَا نَصَّهُ: ((وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ تَرُدُّهُ لِاضْطِرَابِهِ، كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. لَكِنَّ_أَكْثَرَ_أَهْلِ_السُّنَّةِ_قَبِلُوهُ. وَفِيهِ قَالَ: "إنَّ عَرْشَهُ أَوْ كُرْسِيَّهُ وَسِعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَإِنَّهُ يَجْلِسُ_عَلَيْهِ فَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ -أَوْ فَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ إلَّا قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ- وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ الْجَدِيدِ بِرَاكِبِهِ" (1)))(2)

إذًا وَحَسْب ابْن تَيْمِيَّة: لاَ مَحْذُور عِنْدَ أَكْثَر_أَهْلِ_السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ عَقِيدَة (الـجُلُوسِ!)؟!

ثُمَّ شَرَعَ ابْن تَيْمِيَّة فِي الكَلاَمِ عَلَى رِوَايَاتِ هَذَا الأَثَرِ فَقَالَ هُنَاكَ: ((لَكِنْ كَثِيرٌ مِمَّنْ رَوَاهُ رَوَوْهُ بِقَوْلِهِ: "إنَّهُ مَا يَفْضُلُ مِنْهُ إلَّا أَرْبَعُ أَصَابِعَ"، فَجَعَلَ_الْعَرْشَ_يَفْضُلُ_مِنْهُ_أَرْبَعُ_أَصَابِعَ. وَاعْتَقَدَ الْقَاضِي، وَابْنُ الزَّاغُونِي، وَنَحْوُهُمَا، صِحَّةَ هَذَا اللَّفْظَ، فَأَمَرُّوهُ وَتَكَلَّمُوا عَلَى مَعْنَاهُ بِأَنَّ ذَلِكَ_الْقَدْرَ_لَا_يَحْصُلُ_عَلَيْهِ_الِاسْتِوَاءُ. وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ العَايذ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ مَوْضِعُ جُلُوسِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))(3)
فَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَة الَّتِي سَاقَهَا ابْن تَيْمِيَّة "رِوايَة الإِثْبَاتِ" تُثْبِتُ وُجُودَ (مِسَاحَةٍ!) فِي الصَّفْحَةِ العُلْيَا لِلْعَرْشِ بِقَدْرِ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ! لاَ يَحْصُل عَلَيْهِ: (الـجُلُوس!)؟!، فهَذِهِ (الـمِسَاحَةُ!) إذًا هِيَ: (شَاغِرَةٌ!) مِنَ الذَّاتِ العَلِيَّة (غَيْرُ_مَـمْلُوءَةٍ!) بِهِ سُبْحَانَهُ؟! بِخِلاَفِ مَا تَبَقَّى مِنَ الصَّفْحَةِ العُلِيَا لِلْعَرْشِ: مَحَلّ جُلُوسِ الرَّبِّ؟!

ثُـمَّ يُوَاصِلُ ابْن تَيْمِيَّة كَلاَمهُ بِذِكْر الرِّوَايَةِ الثَّانِيَة "رِوَايَة النَّفْيِ"، فَيَقُول: ((وَالْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِي فِي تَفْسِيرِهِ وَغَيْرُهُ، وَلَفْظُهُ: "وَإِنَّهُ لَيَجْلِسُ عَلَيْهِ فَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ قَدْرُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ" بِالنَّفْيِ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ إلَّا اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ هَذِهِ تَنْفِي مَا أَثْبَتَتْ هَذِهِ))(4)

إذًا فَهُنَاكَ اخْتِلاَفٌ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ:
أَوَّلاً: رِوَايَةُ_الإِثْبَاتِ: ((وَإِنَّهُ يَجْلِسُ عَلَيْهِ فَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ إلَّا قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ)) تُثِبِتُ وُجُود (مِسَاحَةٍ!) بِقَدْرِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ عَلَى الصَّفْحَةِ العُلْيَا لِلْعَرْشِ لَا يَحْصُلُ عَلَيْهَا: (الجُلُوس!)؟! وِفْقَ فَهْمِ ابْن تَيْمِيَّة؟!

ثَانِيًا: رِوَايَةُ_النَّفْيِ: ((وَإِنَّهُ يَجْلِسُ عَلَيْهِ فَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ)) تَنْفِي وُجُودَ أَيَّ قَدْرٍ (شَاغِرٍ!) هُنَاكَ بَعْدَ (الجُلُوسِ!)؟!

فَمَاذَا يُرَجِّحُ ابْن تَيْمِيَّة؟!

يُتَابِعُ ابْنُ تَيْمِيَّة كَلاَمهُ وَيَبْدَأُ فِي التَّقْلِيلِ مِنْ شَأْنِ "رِوَايَة الإِثْبَاتِ" قَائِلاً: ((وَلَا يُمْكِنُ مَعَ ذَلِكَ الْجَزْمِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْإِثْبَاتَ، وَأَنَّهُ يَفْضُلُ مِنَ الْعَرْشِ أَرْبَعُ أَصَابِعَ لَا يَسْتَوِي عَلَيْهَا الرَّبُّ؟!. وَهَذَا مَعْنًى غَرِيبٌ؟! لَيْسَ لَهُ قَطُّ شَاهِدٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ))(5)

وَلَكِنْ لِـمَاذَا يَعْتَبِرُ ابْنُ تَيْمِيَّة الـمَعْنَى الـمُسْتَخْلَص ِمِنَ رِوَايَة الإِثْبَاتِ غَرِيبًا؟! اسْتَمِع لِتَعْلِيلِهِ: ((بَلْ هُوَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْعَرْشُ_أَعْظَمَ_مِنْ_الرَّبِّ_وَأَكْبَرَ. وَهَذَا بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِلْعَقْلِ. وَيَقْتَضِي -أَيْضًا- أَنَّهُ إنَّمَا عَرَفَ عَظَمَةَ_الرَّبِّ بِتَعْظِيمِ الْعَرْشِ الْمَخْلُوقِ وَقَدْ جَعَلَ الْعَرْشَ أَعْظَمَ مِنْهُ. فَمَا عَظُمَ الرَّبُّ إلَّا بِالْمُقَايَسَةِ بِمَخْلُوقِ، وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ الرَّبِّ. وَهَذَا مَعْنًى فَاسِدٌ مُخَالِفٌ لِمَا عُلِمَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَقْلِ. فَإِنَّ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ؛ أَنْ يُبَيِّنَ عَظَمَةَ_الرَّبِّ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ مَا يَعْلَمُ عَظَمَتَهُ. فَيَذْكُرُ عَظَمَةَ_الْمَخْلُوقَاتِ وَيُبَيِّنُ أَنَّ الرَّبَّ أَعْظَمُ_مِنْهَا. كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا -حَدِيثِ الْأَطِيطِ- لَمَّا قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: "إنَّا نَسْتَشْفِعُ بِاَللَّهِ عَلَيْكَ، وَنَسْتَشْفِعُ بِك عَلَى اللَّهِ –تَعَالَى- فَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ! أَتَدْرِي مَا تَقُولُ؟ أَتَدْرِي مَا اللَّهُ؟ شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ. إنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَوَاتِهِ هَكَذَا -وَقَالَ بِيَدِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ-: وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ الْجَدِيدِ بِرَاكِبِهِ"(6). فَبَيَّنَ عَظَمَةَ الْعَرْشِ، وَأَنَّهُ فَوْقَ السَّمَوَاتِ مِثْلَ الْقُبَّةِ. ثُمَّ بَيَّنَ تَصَاغُرَهُ لِعَظَمَةِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ يَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ الْجَدِيدِ بِرَاكِبِهِ. فَهَذَا فِيهِ تَعْظِيمُ الْعَرْشِ، وَفِيهِ أَنَّ الرَّبَّ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ))(7)

إذًا: فَإِثْبَاتُ (مِسَاحَةٍ!) خَالِيَةٍ عَلَى العَرْشِ لاَ (يَجْلِسُ!) عَلَيْهَا تَعَالَى يُفْضِي لِزَامًا إِلَى كَوْنِ العَرْشِ الـمَرْبُوب (أَعْظَمُ_حَجْمًا!) مِنَ رَبِّ الأَرْبَابِ؟! وَلاَ يَخْفَى أَنَّ فِي هَذَا الكَلاَمِ مُقَارَنَةٌ وَاضِحَةٌ بَيْنَ (ذِي_مِسَاحَةٍ_وَحَجْمٍ!) مَعَ (ذِي_مِسَاحَةٍ_وَحَجْم!)؟!

ثُـمَّ يُوَاصِلُ ابْنُ تَيْمِيَّة كَلاَمَهُ فَيَقُول: ((وَهَذَا وَغَيْرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ_فِي_رِوَايَتِهِ_النَّفْيُ، وَأَنَّهُ ذَكَرَ عَظَمَةَ_الْعَرْشِ، وَأَنَّهُ مَعَ هَذِهِ_الْعَظَمَةِ فَالرَّبُّ مُسْتَوٍ_عَلَيْهِ_كُلِّهِ لَا_يَفْضُلُ_مِنْهُ_قَدْرُ_أَرْبَعَةِ_أَصَابِعَ. وَهَذِهِ غَايَةُ مَا يُقَدَّرُ بِهِ فِي الْمِسَاحَةِ مِنْ أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ، كَمَا يُقَدَّرُ فِي الْمِيزَانِ قَدْرُهُ فَيُقَالُ: مَا فِي السَّمَاءِ قَدْرُ كَفٍّ سَحَابًا. فَإِنَّ النَّاسَ يُقَدِّرُونَ الْمَمْسُوحَ بِالْبَاعِ وَالذِّرَاعِ، وَأَصْغَرُ مَا عِنْدَهُمْ الْكَفُّ. فَإِذَا أَرَادُوا نَفْيَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ قَدَّرُوا بِهِ، فَقَالُوا: مَا فِي السَّمَاءِ قَدْرُ كَفٍّ سَحَابًا، كَمَا يَقُولُونَ فِي النَّفْيِ الْعَامِّ: ﴿إنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾[النِّسَاء:40] وَ﴿مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾[فَاطِر:13] وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَبَيَّنَ الرَّسُولُ أَنَّهُ لَا يَفْضُلُ مِنْ الْعَرْشِ شَيْءٌ، وَلَا هَذَا الْقَدْرُ الْيَسِيرُ الَّذِي هُوَ أَيْسَرُ مَا يُقَدَّرُ بِهِ، وَهُوَ أَرْبَعُ أَصَابِعَ. وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِلُغَةِ الْعَرَبِ، وَمُوَافِقٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، مُوَافِقٌ لِطَرِيقَةِ بَيَانِ الرَّسُولِ، لَهُ شَوَاهِدُ. فَهُوَ الَّذِي يُجْزَمُ بِأَنَّهُ فِي الْحَدِيثِ))(8) فَحَسْب تَقْرِيرِ ابْن تَيْمِيَّة، الرِّوَايَة الصَّحِيحَة:

(أ‌) الـمُوَافِقَة لِـمَا دَلَّ عَلَيْهِ الكِتَابُ؟!
(ب‌) وَالسُّنَّةُ؟!
(ت‌) وَطَرِيقَةِ بَيَان الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟!

هِيَ رِوَايَةُ النَّفِي الَّتِي تُقَرِّر أَنَّهُ تَعَالَى (يَجْلِسُ!) عَلَى كَامِلِ الصَّفْحَةِ العُلْيَا لِلْعَرْشِ بِحَيْثُ لاَ يَفْضُلُ مِنَ (الْـمِسَاحَةِ!) (الغَيْر_مَـمْلُوءَةٍ!) بِهِ سُبْحَانَهُ إِثْرَ (جُلُوسِهِ!) وَلاَ (قَدْر!) أَرْبَعَة أَصَابِع فِي (الْحَجْمِ!)؟!

وَيُمْضِي ابْن تَيْمِيَّة فِي نَفْسِ السِّيَاقِ لِيُتابِعَ تَضِعِيفه لِرِوَايَةِ الإِثْبَاتِ وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَشَايِخه غُلاَة الـحَنَابِلَة كَالْقَاضِي ابْن أَبِي يَعْلَى الحَنْبَلِي وَابْن الزَّاغُونِي فِي هَذَا الصَّدَدِ، فَيَقُول: ((وَمَنْ قَالَ: "مَا يَفْضُلُ إلَّا مِقْدَارَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ"، فَمَا فَهِمُوا هَذَا الْمَعْنَى، فَظَنُّوا أَنَّهُ اسْتَثْنَى، فَاسْتَثْنَوْا، فَغَلِطُوا. وَإِنَّمَا هُوَ تَوْكِيدٌ لِلنَّفْيِ وَتَحْقِيقٌ لِلنَّفْيِ الْعَامِّ. وَإِلَّا فَأَيُّ حِكْمَةٍ فِي كَوْنِ الْعَرْشِ يَبْقَى مِنْهُ قَدْرُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ خَالِيَةٍ، وَتِلْكَ الْأَصَابِعُ أَصَابِعُ مِنْ النَّاسِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا أَصَابِعُ الْإِنْسَانِ؟!. فَمَا بَالُ هَذَا الْقَدْرُ الْيَسِيرُ لَمْ يَسْتَوِ الرَّبُّ عَلَيْهِ؟! وَالْعَرْشُ صَغِيرٌ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى؟!. وَقَدْ جَاءَ حَدِيثٌ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾[الأَنْعَام:103]، لِمَعْنَاهُ شَوَاهِدُ تَدُلُّ عَلَى هَذَا. فَيَنْبَغِي أَنْ نَعْتَبِرَ الْحَدِيثَ، فَنُطَابِقَ بَيْنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. فَهَذَا هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ))(8) وَهَذَا الكَلاَم كَسَابِقِهِ لاَ يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ مُقَارَنَةٍ بِـ: (الحَجْمِ!) بَيْن الـخَالِقِ وَالـمَخْلُوقِ؟!

وَاللهُ الـمُوَفِّق
_________________________________________
(1) قَالَ الـمُحَقِّق هُنَاكَ: رَوَاهُ أَبُو دَاود فِي السُّنَّةِ (4726)، #وَضَعَّفَهُ_الْأَلْبَانِي!
(2) مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّة (16/242)، دَار الوَفَاء للطِّبَاعَة والنَّشْر والتَّوْزِيع -ج.م.ع- المنصورة، الطَّبْعَة الثَّالِثَة
(3) مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّة (16/242)، دَار الوَفَاء للطِّبَاعَة والنَّشْر والتَّوْزِيع -ج.م.ع- المنصورة، الطَّبْعَة الثَّالِثَة
(4) مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّة (16/242)، دَار الوَفَاء للطِّبَاعَة والنَّشْر والتَّوْزِيع -ج.م.ع- المنصورة، الطَّبْعَة الثَّالِثَة
(5) مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّة (16/242)، دَار الوَفَاء للطِّبَاعَة والنَّشْر والتَّوْزِيع -ج.م.ع- المنصورة، الطَّبْعَة الثَّالِثَة
(6) قَالَ الـمُحقِّق هُنَاكَ رَوَاهُ: أَبُو دَاوُد فِي السُّنَّةِ (4726) وَلَـمْ أَقْفُ عَلَيْهِ عِنْدَ التِّرْمِذِي، وضَعَّفَهُ_الْأَلْبَانِي!
(7) مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّة (16/242-243)، دَار الوَفَاء للطِّبَاعَة والنَّشْر والتَّوْزِيع -ج.م.ع- المنصورة، الطَّبْعَة الثَّالِثَة
(8) مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّة (16/243)، دَار الوَفَاء للطِّبَاعَة والنَّشْر والتَّوْزِيع -ج.م.ع- المنصورة، الطَّبْعَة الثَّالِثَة

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مفاهيم يجب أن تصحح
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد فبراير 05, 2023 12:18 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2717


عَقِيدَة_ابْن_تَيْمِيَّة_الحَرَّانِي !

كَلاَمُ_ابْن_تَيْمِيَّة_الحَرَّانِي_فِي_تَقْرِيرِ_بِدْعَة_التَّجْسِيمِ_وَالتَّكْفِيرِ 7!

فِي ثَنَايَا خَوْضِهِ فِي هَلْ يَلْزمُ مِنْ إِثْبَاتِ الفَوْقِيَّةِ (الـحَقِيقِيَّةِ!) لِلْبَارِي عَلَى الْعَرْشِ، أَنْ يَكُوْنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: (مُـمَاسًّا!) لِلْعَرْشِ أَمْ مُبَايِنًا؟! يُقَرِّرُ ابْن تَيْمِيَّة مَا نَصُّهُ: ((وَلَكِنْ نَذْكُرُ جَوَابًا عَامًّا فَنَقُولُ: كَوْنُهُ فَوْقَ_الْعَرْشِ ثَبَتَ بِالْشَّرْعِ الـمُتَوَاتِرِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ مَعَ دَلاَلَةِ الْعَقْلِ ضَرُورَةً وَنَظَراً أَنَّهُ خَارِج العَالَـمِ، فَلاَ يَخْلُو مَعَ ذَلِكَ إِمَّا:
(1) أَنْ يَلْزمَ أَنْ يَكُونَ: (أ‌) مُـمَاسًّا (بَـ) أَوْ: مُبَايِنًا
(2) أَوْ: لاَ يَلْزَم.
فَإِنْ لَزِمَ أَحَدهُمَا: كَانَ ذَلِكَ لاَزِمًا لِلْحَقِّ، وَلاَزِمُ الْـحَقِّ حَقٌّ، وَلَيْسَ_فِي_مُـمَاسَّتِهِ_لِلْعَرْشِ_وَنَحْوِهِ_مَحْذُورٌ كَمَا فِي مُـمَاسَّتِهِ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ مِنَ الْنَّجَاسَاتِ وَالْشَّيَاطِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ تَنْزِيهَهُ عَنْ ذَلِكَ إِنَّـمَا أَثْبَتْنَاهُ لِوُجُوبِ بُعْدِ الْأَشْيَاءِ عَنْهُ وَلِكَوْنِهَا: مَلْعُونَةً_مَطْرُودَةً، لَـمْ_نُثْبِتهُ_لاِسْتِحَالَةِ_الـمُمَاسَّةِ_عَلَيْهِ، وَتِلْكَ الْأَدِلَّةُ مُنْتَفِيَةٌ_فِي_مُـمَاسَّتِهِ_لِلْعَرْشِ_وَنَحْوِهِ، كَمَا رُوِيَ فِي مَسِّ آدَم وَغَيْره، وَهَذَا جَوَابُ جُمْهُورِ أَهْلِ الـحَدِيثِ وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلاَمِ))(1)

فَلاَ مَحْذُور عِنْدَ ابْن تَيْمِيَّة فِي إِثْبَاتِ (مُـمَاسَّة!) البَارِي جَلَّ وَعَزَّ لِلْعَرْشِ؟! إِذَا كَانَ هَذَا الإِثْبَات لاَزِمًا لإِثْبَاتِ فَوْقِيَّتِهِ تَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ فَوْقِيَّةً مَكَانِيَّةً وَإِلاَّ لَـمَا صَحَّ لَهُ هَذَا الرَّبْط العَقْلِي بَيْنَ: (الـجُلُوسِ!) وَبَيْنَ (الـمُمَاسَّةِ!)؟! وَتَأمَّل قَوْلَهُ: ((وَلَيْسَ فِي مُـمَاسَّتِهِ لِلْعَرْشِ وَنَحْوِهِ مَحْذُورٌ)) فَلاَ مَعْنَى لِهَذَا الاِلْتِزَام مِنَ الـحَرَّانِي -وَلاَزِمُ الحَقِّ حَقٌّ كَمَا يُرَدِّدُ هُوَ بِنَفْسِهِ؟!- إِلاَّ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ رَبَّهُ (جَالِسٌ!) عَلَى الْعَرْشِ الـجُلُوس الـمَعْرُوف بِحَيْثُ (يَـمُسُّ!) جَانِبهُ الـتَّحْتَانِي تَعَالَى الصَّفْحَة العُلْيَا لِلْعَرْشِ؟!

وَتأَمَّل أَيْضًا العَطْفَ فِي قَوْلِهِ: ((وَلَيْسَ فِي مُـمَاسَّتِهِ لِلْعَرْشِ وَنَحْوِهِ مَحْذُورٌ)) لِتَعْلَم أَنَّ الرَّجُل إِضَافَةً إِلَى قَوْلِهِ الفَاسِدِ الكَاسِدِ البَاطِلِ العَاطِلِ لاَ يَجِدُ أَيْضًا أَيَّ غَضَاضَةٍ فِي إِثْبَاتِ (مُـمَاسَّتِهِ!) تَعَالَى لِكُلِّ الـمَـخْلُوقَاتِ الشَّرِيفَةِ الأُخْرَى مِنْ نَحْوِ العَرْشِ كَـ: (#مَسِّ!) سَيِّدنَا آدَم عَلَيْهِ السَّلاَم وَغَيْره؟!

بَلْ وَلاَ يَتَوَقَّفُ هَذَا الرَّجُل عِنْدَ هَذَا الْـحَدِّ مِنَ (التَّجْسِيمِ!)؟ ! فَهُوَ يَدَّعِي أَيْضًا أَنْ لاَ اسْتِحَالَة مِنَ النَّاحِيَةِ العَقْلِيَّةِ فِي إِثْبَاتِ حَتَّى (مُـمَاسَّتِهِ!) تَعَالَى لِلْنَّجَاسَاتِ وَالشَّيَاطِينِ؟!
وَتَأَمَّل قَوْلهُ: ((لَـمْ نُثْبِتهُ لاِسْتِحَالَةِ الـمُمَاسَّةِ عَلَيْهِ)) أَيْ: لَـمْ نُثْبِت (مـُمَاسَّة!) البَارِي لِلْنَّجَاسَاتِ وَالشَّيَاطِينِ لِكَوْن هَذَهِ (الـمُمَاسَّةِ!) مُسْتَحِيلَةٌ فِي حَقِّهِ جَلَّ وَعَلاَ وَلاَ يَجُوزُ نِسْبَتُهَا إِلَيْهِ بِالأَصَالَةِ؟! وَلَكِن نَزَّهْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ لِكَوْنِ هَذِهِ الـمَخْلُوقَاتِ الـخَسِيسَةِ (مَطْرُودَةً!) (مَلْعُونَةً!): ((فَإِنَّ تَنْزِيهَهُ عَنْ ذَلِكَ إِنَّـمَا أَثْبَتْنَاهُ لِوُجُوبِ بُعْدِ الْأَشْيَاءِ عَنْهُ وَلِكَوْنِهَا: مَلْعُونَةً مَطْرُودَةً)) لَيْسَ إِلاَّ؟! فَهِيَ لَيْسَت بِمَخْلُوقَاتٍ نَظِيفَةٍ وَشَرِيفَةٍ كَالعَرْشِ وَسَيِّدنَا آدَم عَلَيْهِ السَّلاَم وَنَحْوِهِ: ((وَتِلْكَ الْأَدِلَّةُ مُنْتَفِيَةٌ فِي مُـمَاسَّتِهِ لِلْعَرْشِ وَنَحْوِهِ)) فَالأَدِلَّة الـمُوجِبَة لِلْبُعْدِ وَالْطَّرْدِ وَاللَّعْنَةِ غَيْرُ مُتَوَفِّرَةٍ فِي العَرْشِ وَنَحْوِهِ مِنَ الـمَخْلُوقَاتِ فَهِيَ ذَوَاتٌ شَّرِيفَةٌ وَلَيْسَت مَلْعُونَةً مَطْرُودَةً فَلاَ مَحْذُور فِي (مُـمَاسَّةِ!) البَاري لَهَا؟! بِخِلاَفِ القَوْل فِي (مَسِّهِ!) تَعَالَى النَّجَاسَاتِ وَالشَّيَاطِينِ وَغَيْرِهَا فَهِيَ ذَوَاتٌ مَلْعُونَةٌ مَطْرُودَةٌ؟!

وَالـحَاصِل مِنْ تَقْرِير ابْن تَيْمِيَّة أَنَّهُ لاَ اسْتِحَالَة فِي (مُـمَاسَّةِ!) البَارِي لِجَمِيعِ مَخْلُوقَاتِهِ: النَّظِيفَة الشَّرِيفَةِ وَالـنَّجِسَة الـمَلْعُونَة:

أَوَّلاً: أَمَّا الشَّرِيفَة وَالنَّظِيفَة كَالعَرْشِ عِنْدَ (جُلُوسِهِ!) تَعَالَى عَلَيْهِ! أَوْ آدَم عَلَيْهِ السَّلاَم حِينَ خَلَقَهُ فَـ: (مَسَّهُ!) بِيَدِهِ (مَسِيسًا!)!، فَلاَ مَحْذُور البَتَّة فِي إِثْبَاتِ نَفْس هَذَا الأَمْر وَلَوَازمه، فَلاَزِمُ الحَقِّ حَقٌّ؟!

ثَانِيًا: وَأَمَّا النَّجِسَة وَالـمَلْعُونَة، فَهُوَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ (مَسِّهَا!) مَعَ جَوَازهِ عَقْلاً، لاَ لِكَوْنِ هَذَا الأَمْر لاَ يَلِيقُ بِذَاتِهِ تَعَالَى؟! وَلَكِن لِكَوْنِ هَذِهِ الـمَخْلُوقَات وَنَحْوهَا: مَطْرُودَة مَلْعُونَة بَعِيدَة عَنْه تَعَالَى؟!

ثُمَّ يَخْتِمُ ابْن تَيْمِيَّة بِعَزْوِ هَذَا (الـتَّجْسِيم!) إِلَى جُمْهُورِ أَهْلِ الحَدِيثِ فَيَقُول كَعَادَتِهِ فِي تَلْفِيقِ نَظَرِيَّاتِهِ إِلَى جُمْهُورِ السَّلَفِ وَغَيْرِهِم مِنْ بَابِ الاِسْتِنْصَارِ بِتَكْثِيرِ سَوَادِ سَلَفِهِ (الـمُجَسِّمَةِ!) فَيَقُول: ((وَهَذَا جَوَابُ جُمْهُورِ أَهْلِ الـحَدِيثِ وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلاَمِ)) وَطَبْعًا الحَرَّانِي عَلَى عَقِيدَةِ مَنْ يُسَمِّيهِم بِـ: (أَهْلِ_الحَدِيث!) فَهُوَ إِذًا جَوَابُهُ وَهَذِهِ هِيَ عَقِيدَتُهُ؟!

وَاللهُ الـمُوَفِّق
____________________
(1) بَيَانُ تَلْبِيس الـجَهْمِيَّة فِي تَأْسِيسِ بِدَعِهِم الكَلاَمِيَّةِ لاِبْنِ تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي (5/127)، النَّاشِر: مُجَمَّع الـمَلِك فَهْد لِطِبَاعَة الـمَصْحَف الشَّرِيف-الـمَمْلَكَة العَرَبِيَّة السُّعُودِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: 1426هـ

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مفاهيم يجب أن تصحح
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد فبراير 05, 2023 12:51 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2717


عَقِيدَة_ابْن_تَيْمِيَّة_الحَرَّانِي !

كَلاَمُ ابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي فِي تَقْرِيرِ بِدْعَة التَّجْسِيمِ وَالتَّكْفِيرِ 8!

قَالَ ابْن تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي(ت:728هـ): ((الْوَجْهُ الخَامِس: أَنَّ الْعَرْشَ فِي اللُّغَةِ: السَّرِيرُ_بِالنِّسْبَةِ_إِلىَ_مَا_فَوْقَهُ، كَالْسَّقْفِ بِالنِّسْبِةِ إِلىَ مَا تَـحْتَهُ. فَإِذَا كَانَ الْقُرْآن قَدْ جَعَلَ للهِ عَرْشًا وَلَيْسَ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كَالْسَّقْفِ، عُلِمَ أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ_إِلَيْهِ_كَالْسَّرِيرِ_بِالْنِّسْبَةِ_إِلىَ_غَيْرِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ فَوْقَ_الْعَرْشِ))(1)

التَّعْقِيب:
يُحَاوِلُ ابْن تَيْمِيَّة أَنْ يَحْتَجَّ بِمَدْلُولِ كَلِمَةِ: "العَرْشِ" فِي اللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا القُرْآن الكَرِيم لِيُوصِل القَارِئ إِلَى مُرَادِهِ مِنْ مَعْنَى: (النِّسْبَة!) بَيْن الرَبِّ الـمَعْبُودِ وَالعَرْشِ الـمَحْدُودِ؟!

فَالعَرْش كَمَا يَقُولُ الـحَرَّانِي هُوَ (السَّرِير!) بِالنِّسْبَة إِلَى (مَا_فَوْقَهُ!) فَهُوَ إذًا -السَّرِير أَوْ العَرْش- عِبَارَة عَنْ: (تَحْتٍ!) بِالنِّسْبَة إِلَى (مَا_فَوْقَه!) أَيْ: الله جَلَّ وَعَلاَ، وهُوَ أَيْضًا -السَّرِير أَوْ العَرْش- بِذَاتِهِ عِبَارَة عَنْ: (فَوْقٍ!) بِالنِّسْبَة إِلَى مَا تَحْتَهُ أَيْ: بَاقِي العَالَـمِ؟!، فَالعَرْشُ عِنْدَ ابْنِ تَيْمِيَّة كَـمَخْلُوقٍ عَظِيم الـحَجْمِ يَتَوَسَّطُ مَوْجُودَيْنِ:

أَوَّلاً: فَمِنْ جِهَتِهِ -أَيْ: العَرْش- الفَوْقَانِيَّة: الـخَالِق جَلَّ وَعَلاَ، فَهُو تَعَالَى فَوْقَ هَذَا السَّرِير فَوْقِيَّةً (مَكَانِيَّةً!) بِحَيْثُ (يَـمْلَأُ!) سُبْحَانَهُ هَذَا السَّرِير؟!، (مُتَمَكِّنٌ!) فِيهِ؟!، كَتَمَكُّنِ الـمَخْلُوقِ فَوْقَ سَرِيرِهِ؟!. فَاللهُ تَعَالى وَبِهَذَا الـمَنْطِق (التَّيْمِي!) يَكُونُ (بَعْضهُ!) -تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ!- (التَّحْتَانِي!) الــمُحَاذِي لِلْعَالَـمِ (مـمَاسًّا!) لِكُلِّ نُقْطَةٍ عَلَى (طُولِ!) الصَّفْحَة العُلْيَا لِلْعَرْشِ؟! وَهَذَا يَقْضِي بِكَونِهِ سُبْحَانَهُ تَعَالَى عِنْدَ هَذَا الحَرَّانِي: جِسْمًا مُـمْتَدًّا فِي (الأَبْعَادِ!)؟! (مُتَنَاهٍ!) مِنْ جِهَتِهِ هَذِهِ الـمُحَاذِيَةِ لِلْعَرْشِ؟! (مَحْدُود!) بِالْعَالَـمِ مِنْ أَسْفَلِهِ جَلَّ وَعَزَّ؟! وَأَنَّهُ تَعَالَى مُتَرَامِيَ (الأَطْرَافِ!) وَ(الـجَوَانِبِ!)؟! عَظِيمَ (الـمَسَاحَةِ!) وَ(الـحَجْمِ!) وَ(الكَمِّ!)؟! وَإِلاَّ لَمَا صَحَّت لِهَذَا الحَرَّانِي هَذِهِ النِّسْبَة بِحَالٍ؟! وَلاَ قَامَ لَهُ هَذَا الرَّبْط العَقْلِي عَلَى سَاقٍ؟!

ثَانِيًا: وَمِنْ جِهَتِهِ -أَيْ: العَرْش- التَّحْتَانِيَّة: بَاقِي الـمَخْلُوقَاتِ؟! فَالْعَرْش هُوَ سَقْفُ الـمَخْلُوقَاتِ وَهُوَ (يَحُدُّ!) الرَّب الـمَعْبُود مِنْ (جَانِبِهِ!) تَعَالَى (التَّحْتَانِي!)؟!، وَإِذَا كَانَ اللهُ فَوْقَ العَالَـمِ فَوْقِيَّةَ (مَكَانٍ!) كَمَا مَرَّ مَعَكَ فِي تَقْرِيرِ ابْن تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي، فَهَذَا يَعْنِي أَنَّ الله مُحِيطٌ بِالعَالَـمِ إِحَاطَةً (مَكَانِيَّةً!) مِنْ كُلِّ الـجِهَاتِ كَإِحَاطَةِ الـخَيْمَة بِـمَا فِي دَاخِلِهَا؟! فَالعَالَـم بِهَذَا الاِعْتِبَارِ (التَّيْمِي!) لَيْسَ إِلاَّ (تَجْوِيفًا!) بِدَاخِل الذَّاتِ العَلِيَّةِ؟! مَع أَنَّ هَذَا الحَرَّانِي الـمُتَنَاقِض مَا بَرِح يُدَنْدِنُ أَنَّ رَبَّهُ (صَمَدٌ!) بِمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى: (مُجْتَمِعٌ!) لاَ جَوفَ لَهُ؟!

وَاللهُ الـمُوَفِّقُ
__________
(1) بَيَانُ تَلْبِيس الـجَهْمِيَّة فِي تَأْسِيسِ بِدَعِهِم الكَلاَمِيَّةِ لاِبْنِ تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي (3 /278-279)، النَّاشِر: مُجَمَّع الـمَلِك فَهْد لِطِبَاعَة الـمَصْحَف الشَّرِيف-الـمَمْلَكَة العَرَبِيَّة السُّعُودِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: 1426هـ

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مفاهيم يجب أن تصحح
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس فبراير 09, 2023 12:33 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2717


عَقِيدَة_ابْن_تَيْمِيَّة_الحَرَّانِي !

كَلاَمُ_ابْن_تَيْمِيَّة_الحَرَّانِي_فِي_تَقْرِيرِ_بِدْعَة_التَّجْسِيمِ_وَالتَّكْفِيرِ 9!

قَالَ ابْن تَيْمِيَّة (ت:728هـ): ((إذَا تَبَيَّنَ هَذَا، فَقَدْ حَدَّثَ الْعُلَمَاءُ_الْمَرْضِيُّونَ_وَأَوْلِيَاؤُهُ_الْمَقْبُولُونَ: أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجْلِسُهُ_رَبُّهُ_عَلَى_الْعَرْشِ_مَعَهُ.
رَوَى ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ فَضِيلٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي تَفْسِيرِ: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾[الإِسْرَاء:79] وَذَكَرَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى مَرْفُوعَةٍ وَغَيْرِ مَرْفُوعَةٍ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَهَذَا لَيْسَ مُنَاقِضًا لِمَا اسْتَفَاضَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ مِنْ أَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ هُوَ الشَّفَاعَةُ، بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ مِنْ جَمِيعِ مَنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ وَيَدَّعِيه، لَا يَقُولُ: إنَّ إجْلَاسَهُ عَلَى الْعَرْشِ مُنْكَرٌ -وَإِنَّمَا أَنْكَرَهُ بَعْضُ الْجَهْمِيَّة- وَلَا ذكرهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ مُنْكَرٌ))(1)

التَّعْقِيب:

أَوَّلاً: تَحْلِيل_كَلاَم_ابْن_تَيْمِيَّة_مَعَ_تَقْرِير_لَوَازِمه!

كَلاَم الـحَرَّانِي أَعْلاَه لاَ يَحْتَاجُ إِلَى كَثِيرِ شَرْحٍ فَهُوَ وَاضِحٌ وَقَاطِعٌ فِي أَنَّ هَذَا الرَّجُل يَسْتَسْمِنُ مَا هَبَّ ودَبَّ مِنْ آثَارٍ وَأَحَادِيث هَالِكَةٍ سَاقِطَةٍ مِنْ نَوْعِ الـمُنْخَنِقَةِ وَالـمَوْقُوذَةِ وَالـمُتَرَدِيَّةِ وَالنَّطِيحَةِ؟! أَسَانِيدهَا كَمُتُونِهَا "ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ"؟! مِثلهَا لاَ يَصْلُحُ لِلاِحْتِجَاجِ فِي الفَرْعِيَّاتِ فَضْلاً عَنْ الأَصْلِيَّاتِ؟! فَالـمُهِمُّ عِنْدَهُ أَنَّ "كَثْرَة النَّقْلِ تَزِيدُ فِي الثِّقْلِ" فَهِيَ طَرِيقَتهُ الـمُعْتَمَدَة فِي نُصْرَةِ مَشْرَبه الـمَعْرُوف فِي التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ؟! مَعَ اعْتِمَادِهِ العَجِيبِ وَالغَرِيبِ عَلَى شَوَاذِ الأَقْوَالِ رُبَّـما (إِعْمَالاً مِنْهُ!) لِـلْمَبْدَأِ القَائِلِ: "لِكُلِّ سَاقِطَةٍ لَاقِطَةٌ وَلِكُلِّ خَامِلٍ حَامِلٌ وَلِكُلِّ وَاقِعٍ رَافِعٌ"؟!
نَعَم، هَذَا الأَثَر (الـهَالِك!) الـمَرْوِي عَن التَّابِعِيِّ الإِمَام مُجَاهِد وَالَّذِي يَحْشُرهُ هَذَا الـحَرَّانِي مَزْهُوًّا بِهِ نَافِخًا فِيهِ مِنْ كَيْسِهِ وَرُوحِهِ وَرَوْعِهِ أَنَّ العُلَمَاء وَالأَوْلِيَاء تَلَقَّوْهُ بِالقَبُولِ وَالرِّضَى مَعَ مَا فِيهِ مِنْ نِسْبَة: (الـجُلُوس!) لِلْبَارِي الـمَعْبُودِ عَلَى عَرْشِهِ الـمَحْدُودِ "يُجْلِسُهُ رَبُّهُ عَلَى الْعَرْشِ مَعَهُ"؟!، يَعُدُّهُ هَذَا الـحَرَّانِي تَبَعًا لِسَلَفِهِ الـمُجَسِّمَة: (فَضِيلَة!) مِنْ خَوَاصِ فَضَائِلِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟!

فَكَلاَم الحَرَّانِي حَوْلَ هَذَا الأَثَرِ (الـهَالِك!) يَدُلُّ عَلَى (طَآمَّتَيْنِ!) عَظِيمَتَيْنِ:
(أ‌) نِسْبَتهُ -أَيْ: ابْن تَيْمِيَّة- عَقِيدَة (الـجُلُوسِ!) لِلرَّبِّ الـمَعْبُود؟! وَحِكَايتهُ قَبُول وَارْتِضَاء عُلَمَاء الإِسْلاَم وَالأَوْلِيَاء الصَّالِحِينَ مِمَّنْ لَهُم قَدَمَ صِدْقٍ فِي الأُمَّةِ: لِهَذِهِ العَقِيدَة اليَهُودِيَّةِ؟!، وَهَذَا مِن جُمْلَةِ افْتِرَاءَاتِه الـمَعْرُوفَةِ وَالـمَكْشُوفَةِ؟! إذْ لاَ مَعْنَى لِجُلُوسِهِ تَعَالَى عَلَى العَرْشِ إِلاَّ أَنَّهُ جَلَّ وَعَزَّ (مـمَاسٌّ!) لِكَامِلِ الْصَّفْحَةِ العُلْيَا مِنَ الْعَرْشِ فِي الـجِهَةِ الَّتِي يُحَاذِي العَالَـم مِنْهَا أَيْ: جَانِبهُ تَعَالَى (التَّحْتَّانِي!)؟!، وَهَذَا الأَمْر قَاضٍ فِي نِسْبَةِ (الـمِسَاحَةِ!) وَ(الـحَجْمِ!) وَ(الكَمِّ!) وَ(الأَبْعَادِ!) لِلْذَّاتِ العَلِيَّة جَلَّ رَبُّنَا وَعَزَّ عَنْ ذَلِكَ؟!، وَهَذَا (تَجْسِيمٌ!) بِلاَ مَثْنَوِيَّةٍ!

(ب‌) اعْتِقَادُ هَذَا الحَرَّانِي أَنَّ سَيِّد الـخَلْقِ وَحَبِيب الـحَقِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (يُشَارِكُ!) رَبَّهُ فِي (الـجُلُوسِ!) عَلَى (العَرْشِ!)؟ !وَهَذَا مَعَ كَوْنِه (تَجْسِيمًا!) كَمَا مَرَّ، فَهُوَ أَيْضًا قَاضٍ فِي إِثْبَاتِ (الشِّرْكِ!) فِي صِفَتَيْ: (الفَوْقِيَّة!) وَ(الاِسْتِوَاءِ!) وِفْقَ مَعْنَاهُمَا الـمَعْرُوفِ عِنْدَ هَذَا الـحَرَّانِي؟ !مَعَ أَنَّ هَذَا الـرَّجُل مَا بَرِحَ يُدَنْدِنُ أَنَّ رَبَّهُ فِي جِهَةٍ (عَدَمِيَّةٍ!) (فَوْقَ العَرْشِ!) وَحْدَهُ هُنَاكَ (خَارِج العَالَـمِ!)؟ !وَالآن وَإِذَا تَعَلَّقَ الأَمْرُ بِإِثْبَاتِ عَقِيدَة (الجُلُوسِ!) اليَهُودِيَّة تَرَاهُ لاَ يَجِدُ أَيَّ غَضَاضةٍ فِي إِثْبَاتِ (مُشَارَكَة!) الـمَخْلُوق لِلْخَالِقِ فِي: عَقِيدَة (الـجُلُوسِ!) وَالكَوْنِ (فَوْق العَرْشِ!)؟ !

ثَانِيًا: بَيَانُ_تَنَاقُض_ابْن_تَيْمِيَّة_فِي_الـمَسْأَلَةِ!

تَكَلَّم ابْن تَيْمِيَّة نَفْسه عَلَى حَدِيثِ الأَطِيط، وَلاَ بَأْس بِتَلْخِيصِ قَوله فِيه عَلَى مَا جَاءَ فِي مَقَالٍ سَابِقٍ(2) نَظَراً لِصِلَتِهِ الوَثِيقَةِ بِالـمَوْضُوعِ مِنْ جِهَةٍ وَلِبَيَانِ تَنَاقُضِ هَذَا الـحَرَّانِي فِي تَقْرِيرِ عَقِيدَتِهِ فِي التَّجْسِيمِ مِنْ جِهَةٍ وَأُخْرَى؟!

قَالَ ابْن تَيْمِيَّة: ((وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ تَرُدُّهُ لِاضْطِرَابِهِ، كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَغَيْرُهُمْ. لَكِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ السُّنَّةِ قَبِلُوهُ. وَفِيهِ قَالَ: "إنَّ عَرْشَهُ أَوْ كُرْسِيَّهُ وَسِعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَإِنَّهُ يَجْلِسُ عَلَيْهِ فَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ -أَوْ فَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ إلَّا قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ- وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ الْجَدِيدِ بِرَاكِبِهِ"(3). وَالْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِي فِي تَفْسِيرِهِ وَغَيْرُهُ، وَلَفْظُهُ: "وَإِنَّهُ لَيَجْلِسُ عَلَيْهِ فَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ قَدْرُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ" بِالنَّفْيِ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ إلَّا اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ هَذِهِ تَنْفِي مَا أَثْبَتَتْ هَذِهِ))(4)
وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي نِسْبَة ابْن تَيْمِيَّة عَقِيدَة (الـجُلُوسِ!) لِأَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ؟!...وَبَعْدَ أَنْ ذَكَر الحَرَّانِي وُجُود اخْتِلاَفٍ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ(5):
الأُولَى: رِوَايَةُ الإِثْبَاتِ وَفِيهَا: ((وَإِنَّهُ يَجْلِسُ عَلَيْهِ فَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ إلَّا قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ)) تُثْبِتُ وُجُود (مَسَاحَةٍ!) بِقَدْرِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ عَلَى الصَّفْحَةِ العُلْيَا لِلْعَرْشِ لَا يَحْصُلُ عَلَيْهَا: (الجُلُوس!)؟! وِفْقَ فَهْمِ ابْن تَيْمِيَّة؟!
وَالثَّانِيَة: رِوَايَةُ النَّفْيِ، وَفِيهَا : ((وَإِنَّهُ يَجْلِسُ عَلَيْهِ فَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ)) تَنْفِي وُجُودَ أَيّ قَدْرٍ شَاغِرٍ هُنَاكَ بَعْدَ (الجُلُوسِ!)؟!

أَخَذَ هَذَا الحَرَّانِي فِي اسْتِبْعَادِ "رِوَايَة الإِثْبَاتِ" قَائِلاً: ((وَلَا يُمْكِنُ مَعَ ذَلِكَ الْجَزْمِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْإِثْبَاتَ، وَأَنَّهُ يَفْضُلُ مِنَ الْعَرْشِ أَرْبَعُ أَصَابِعَ لَا يَسْتَوِي عَلَيْهَا الرَّبُّ؟!. وَهَذَا مَعْنًى غَرِيبٌ؟! لَيْسَ لَهُ قَطُّ شَاهِدٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ بَلْ هُوَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْعَرْشُ أَعْظَمَ مِنْ الرَّبِّ وَأَكْبَرَ. وَهَذَا بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِلْعَقْلِ.))(6) فَوِفْقَ (مَنْطِقِ!) الحَرَّانِي هَذَا: إِثْبَاتُ (مَسَاحَةٍ!) خَالِيَةٍ فَوْقَ العَرْشِ لاَ (يَجْلِسُ!) عَلَيْهَا تَعَالَى يُفْضِي لِزَامًا إِلَى كَوْن العَرْشِ الـمَرْبُوب أَعْظَمُ (حَجْمًا!) مِنَ رَبِّ الأَرْبَابِ؟! وَهَذا بَاطِلٌ.
ثُمَّ رَجَّحَ ابْن تَيْمِيَّة رِوَايَة النَّفْيِ فَقَال: ((وَهَذَا وَغَيْرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ فِي رِوَايَتِهِ النَّفْيُ، وَأَنَّهُ ذَكَرَ عَظَمَةَ الْعَرْشِ، وَأَنَّهُ مَعَ هَذِهِ الْعَظَمَةِ فَالرَّبُّ مُسْتَوٍ عَلَيْهِ كُلِّهِ لَا يَفْضُلُ مِنْهُ قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ...))(7)؟!

وَبَعْدَ هَذَا العَرْض، يُمْكِنُ تَلْخِيص كَلاَم ابْن تَيْمِيَّة حَوْل حَدِيث الأَطِيط (الهَالِك!)، كَمَا يَلِي:
(أ‌) اللهُ (يَجْلِسُ!) عَلَى كَامِل الصَّفْحَة العُلْيَا لِلْعَرْش؟!
(ب‌) لاَ يُعْقَلُ القَوْل بِوُجُودِ مَكَانٍ شَاغِرٍ فَوْقَ العَرْشِ لاَ يَحْصُل عَلَيْهِ: (الـجُلُوس!)؟!، لأَنَّ القَوْل بِإِثْبَاتِ مَكَانٍ شَاغِرٍ هُنَاك يُفْضِي إِلَى كَوْن العَرْشِ الـمَرْبُوب أَعْظَمُ (حَجْمًا!) مِنَ الرَّبِّ الـمَعْبُودِ؟!

وَالآن وَكَمَا مَرَّ مَعَكَ فِي الأَثَرِ الـمَنْسُوبِ إِلَى الإِمَامِ مُجَاهِد، تَجِدُ ابْن تَيْمِيَّة (يُنَاقِضُ!) نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ وَيَهْدِمُ مَذْهَبَهُ بِـمِعْوَلِه؟ !فَهُوَ لاَ يَجِدُ أَيَّ مَحْذُورٍ فِي وُجُودِ (مَكَانٍ!) هُنَاكَ (فَوْقَ العَرْشِ!) (يُشَارِكُ!) فِيهِ الـمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ الـمَعْبُود فِي (الـجُلُوسِ!) عَلَى العَرْشِ الـمَحْدُودِ؟!

وَعَلَيْهِ: فَإِمَّا أَنْ يَعْتَرِف ابْن تَيْمِيَّة بِأَنَّ أَثَر مُجَاهِد السَّابِق هُوَ الآخَر (سَاقِطٌ!) كَمَا انْتَصَرَ هُوَ نَفْسهُ لِـ: "رِوَايَةِ النَّفْيِ" فِي حَدِيثِ الأَطِيطِ (السَّاقِط!) بِمُقَابِلِ "رِوَايَة الإِثْبَاتِ" مِنْهُ كَمَا مَرَّ مَعَكَ أَعْلاَه؟! وَحِينَهَا يُلْزَم ابْن تَيْمِيَّة بِمُخَالَفَة عَقِيدَة مَنْ نَفَخَ فِيهِم بِخَيْلِهِ وَرَجْلِهِ قَائِلاً: ((...الْعُلَمَاءُ الْمَرْضِيُّونَ وَأَوْلِيَاؤُهُ الْمَقْبُولُونَ...))؟!

وَإِمَّا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدَهُ هُوَ نَفْسهُ عَلَى القَائِلِينَ بِمَضْمُونِ مَا جَاءَ فِي "رِوَايَةُ الإِثْبَاتِ" مِنْ حَدِيث الأَطِيطِ (السَّاقِط!)، وَيُلْزَمَ حِينَهَا بِأَنْ يَكُونَ الْعَرْشُ أَعْظَمَ (حَجْمًا!) مِنْ الرَّبِّ وَأَكْبَرَ؟!

ثَالِثًا: الكَلاَم_عَلَى_الأَثَر!

هَذَا الأَثَر الـمَنْسُوبِ إِلَى الإِمَام مُجَاهِد لاَ يَصْلُح لِلاِحْتِجَاجِ لاَ سَنَدًا وَلاَ مَتْنًا(8)، وَقَدْ جَاءَ تَفْسِير الـمَقَام الـمَحْمُود بِالشَّفَاعَةِ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الأَحَادِيث الصَّحِيحَة الـمُسْتَفِيضَةِ، وَقَوْل الـمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لاَ يُعَارَضُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ هَذَا القَائِل، كَمَا أَنَّ صِفَاتهُ جَلَّ وَعَزَّ لاَ تُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ الطَّرِيقِ الـمَعْصُومِ.

هَذَا، وَقَدْ تَكَلَّم الأَئِمَّة عَلَى هَذَا الأَثَر الـمَنْسُوبِ لِلإِمَام مُجَاهِد وَنَذْكُر عَلَى سَبِيل الـمِثَال قَوْل الإِمَام القُرْطُبِي فِي تَفْسِيرِهِ: ((الْقَوْلُ الثَّالِثُ: مَا حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ فِرْقَةٍ، مِنْهَا مُجَاهِدٌ، أَنَّهَا قَالَتْ: الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ هُوَ أَنْ يُجْلِسَ اللهُ تَعَالَى مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ عَلَى كُرْسِيِّهِ؛ وَرَوَتْ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا. وَعَضَّدَ الطَّبَرِيُّ جَوَازَ ذَلِكَ بِشَطَطٍ مِنَ الْقَوْلِ، وَهُوَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا عَلَى تَلَطُّفٍ فِي الْمَعْنَى، وَفِيهِ بُعْدٌ. وَلَا يُنْكَرُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُرْوَى، وَالْعِلْمُ يَتَأَوَّلُهُ. وَذَكَرَ النَّقَّاشُ عَنْ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَنْكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فَهُوَ عِنْدَنَا مُتَّهَمٌ، مَا زَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ يَتَحَدَّثُونَ بِهَذَا، مَنْ أَنْكَرَ جَوَازَهُ عَلَى تَأْوِيلِهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَمُجَاهِدٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ فَإِنَّ لَهُ قَوْلَيْنِ مَهْجُورَيْنِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ(22)إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ(23)﴾[القِيَامَة:22-23] قَالَ: تَنْتَظِرُ الثَّوَاب؛ لَيْسَ مِنَ النَّظَرِ.

قُلْتُ: ذَكَرَ هَذَا فِي بَابِ ابْنُ شِهَابٍ فِي حَدِيثِ التَّنْزِيلِ. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: يُجْلِسُهُ عَلَى الْعَرْشِ. وَهَذَا تَأْوِيلٌ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ قَبْلَ خَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا وَالْعَرْشَ قَائِمًا بِذَاتِهِ، ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَيْهَا، بَلْ إِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَلِيُعْرَفَ وُجُودُهُ وَتَوْحِيدُهُ وَكَمَالُ قُدْرَتِهِ وَعِلْمُهُ بِكُلِّ أَفْعَالِهِ الْمُحْكَمَةِ، وَخَلَقَ لِنَفْسِهِ عَرْشًا اسْتَوَى عَلَيْهِ كَمَا شَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ صَارَ لَهُ مُمَاسًّا، أَوْ كَانَ الْعَرْشُ لَهُ مَكَانًا. قِيلَ: هُوَ الْآنَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَ الْمَكَانَ وَالزَّمَانَ؛ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ سَوَاءٌ فِي الْجَوَازِ أَقَعَدَ مُحَمَّدٌ عَلَى الْعَرْشِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ اسْتِوَاءَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ لَيْسَ بِمَعْنَى الِانْتِقَالِ وَالزَّوَالِ وَتَحْوِيلِ الْأَحْوَالِ مِنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالْحَالِ الَّتِي تَشْغَلُ الْعَرْشَ، بَلْ هُوَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِلَا كَيْفٍ. وَلَيْسَ إِقْعَادُهُ مُحَمَّدًا عَلَى الْعَرْشِ مُوجِبًا لَهُ صِفَةَ الرُّبُوبِيَّةِ أَوْ مُخْرِجًا لَهُ عَنْ صِفَةِ الْعُبُودِيَّةِ، بَلْ هُوَ رَفْعٌ لِمَحَلِّهِ وَتَشْرِيفٌ لَهُ عَلَى خَلْقِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْأَخْبَارِ: "مَعَهُ" فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ﴾[الأَعْرَاف:206]، وَ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ﴾[التَّحْرِيم:11]، ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾[العَنْكَبُوت:69] وَنَحْوِ ذَلِكَ. كُلُّ ذَلِكَ عَائِدٌ إِلَى الرُّتْبَةِ وَالْمَنْزِلَةِ وَالْحُظْوَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ، لَا إِلَى الْمَكَانِ))(9)

وَهَوَ تَحْقِيقٌ مَتِينٌ شَافٍ كَافٍ، وَفِيهِ مَا يَهْدِمُ دَعْوَى الـحَرَّانِي العَرِيضَة حَوْلَ تَلَقِّي العُلَمَاء هَذَا الأَثَر (الهَالِك!) عَلَى ظَاهِرِهِ بِالقَبُولِ وَالرِّضَى؟! فِي حِين الحَقِيقَة أَنَّهُم يَعُدُّونَهُ مِنَ الأَقْوَالِ الـمَهْجُورَةِ؟!. وَلِأَمْرٍ مَا الْتَزَم الـحَرَّانِي أَثَرَ مُجَاهِد لإِثْبَاتِ عَقِيدَة (الـجُلُوس!) لِلْرَّبِّ الـمَعْبُودِ فِي حِين لَـمْ يَلْتَزِم -وَبِنَفْسِ الوِجْهَةِ!- بِقَوْل الرَّجُلِ فِي تَأْوِيلِ آيَة الرُّؤْيَة فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الـحَافِظ ابْن عَبْد البَّرِّ؟!، نَسْأَلُ الله العَافِيَة.

وَاللهُ الـمُوَفّق
الشيخ ياسين بن ربيع الجزائري
________
(1) مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّة (4 /229)، دَار الوَفَاء للطِّبَاعَة والنَّشْر والتَّوْزِيع -ج.م.ع- المنصورة، الطَّبْعَة الثَّالِثَة
(2) رَاجِع: https://www.facebook.com/yacine.ben.rab ... 8438159116
(3) قَالَ الـمُحَقِّق هُنَاكَ: رَوَاهُ أَبُو دَاود فِي السُّنَّةِ (4726)، وَضَعَّفَهُ الْأَلْبَانِي!
(4) مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّة (16 /242)، دَار الوَفَاء للطِّبَاعَة والنَّشْر والتَّوْزِيع -ج.م.ع- المنصورة، الطَّبْعَة الثَّالِثَة
(5) مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّة (16 /242)، دَار الوَفَاء للطِّبَاعَة والنَّشْر والتَّوْزِيع -ج.م.ع- المنصورة، الطَّبْعَة الثَّالِثَة
(6) مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّة (16 /242-243)، دَار الوَفَاء للطِّبَاعَة والنَّشْر والتَّوْزِيع -ج.م.ع- المنصورة، الطَّبْعَة الثَّالِثَة
(7) مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّة (16 /243)، دَار الوَفَاء للطِّبَاعَة والنَّشْر والتَّوْزِيع -ج.م.ع- المنصورة، الطَّبْعَة الثَّالِثَة
(8) وَمِمَّن صَرَّحَ بِبُطْلاَنِهِ "مُحَدِّث أَدْعِياء السَّلَفِيَّة" الأَلْبَانِي كَمَا تَجِدْهُ فِي سِلْسِلَتِهِ الضَّعِيفَة وَالـمَوْضُوعَةِ (2 /255) رَقْم:(865) مِنْ طَبْعَة مَكْتَبَة الـمَعَارِف بِالرِّيَاض، وَقَالَ أَيْضًا هَذَا الأَلْبَانِي نَاقِلاً عَنِ الحَافِظ الذَّهَبِي: (("وَلَكِن ثَبَت فِي "الصِّحَاحِ" أَنَّ الـمَقَامَ الـمَحْمُود هُوَ الشَّفَاعَة العَامَّة الخَاصَّة بِنَبِيِّنَا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
قُلْتُ [الأَلْبَانِي]: وَهَذَا هُوَ الحَقُّ فِي تَفْسِيرِ الـمَقَامِ الـمَحْمُودِ دُونَ شَكٍّ وَلاَ رَيْبٍ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الـمُصَنِّف [الذَّهَبِي] رَحِمَهُ الله تَعَالَى، وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الإِمَامُ ابْن جَرِيرٍ فِي تفسيره "15/99" ثُمَّ القُرْطُبِيُّ "10/ 309" وَهُوَ الَّذِي لَـمْ يَذْكَر الحَافِظ ابْن كَثِيرٍ غَيْرهُ، وَسَاقَ الأَحَادِيث الـمُشَارِ إِلَيْهَا. بَلْ هُوَ الثَّابِتُ عَنْ مُجَاهِدٍ نَفْسهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْهُ عِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ. وَذَاكَ الأَثَر عَنْه [يَقْصِد الأَلْبَانِي أَثَر مُجَاهِد الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الحَرَّانِي فِي نِسْبَة عَقِيدَة (الجُلُوس!) لِلْبَارِي]: لَيْسَ لَهُ طَرِيقٌ مُعْتَبَرٌ، فَقَد ذَكَرَ الـمُؤَلِّف [الذَّهَبِي] "ص125" أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ وَعَطَاءٍ بْنِ السَّائِب وَأَبِي يَحْيىَ القَتَّاتِ وَجَابِرٍ بْن يَزِيدٍ". قُلْتُ [الأَلْبَانِي]: وَالأَوَّلاَنِ: مُخْتَلطَانِ، وَالآخَرَانِ: ضَعِيفَانِ، بَلْ الأَخِيرُ: مَتْرُوكٌ مُتَّهَمٌ)).انْتَهَى مِنْ [مُخْتَصَر العُلُوِّ لِلأَلْبَانِي (ص:17)، الـمَكْتَب الإِسْلاَمِي، الطَّبْعَة الأُولَى: 1401هـ-1981م]
(9) الـجَامِع لِأَحْكَامِ القُرْآن لِلإِمَام الهُمَام الـمُفَسِّر القُرْطُبِي (10 /311-312)، اعْتَنَى بِهِ وَصَحَّحَه: الشَّيْخ هِشَام سَمِير البُخَارِي، دَار عَالَـم الكُتُب لِلنَّشْرِ وَالطِّبَاعَة وَالتَّوْزِيع-الرِّيَاض، الطَّبْعَة الثَّانِيَة: 1423هـ-2003م

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مفاهيم يجب أن تصحح
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة فبراير 10, 2023 4:20 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2717


عَقِيدَة_ابْن_تَيْمِيَّة_الحَرَّانِي !

كَلاَمُ_ابْن_تَيْمِيَّة_الحَرَّانِي_فِي_تَقْرِيرِ_بِدْعَة_التَّجْسِيمِ_وَالتَّكْفِيرِ 10!

قَالَ ابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي (728هـ): ((فَإِذَا عُلِمَ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّهُ لاَ بُدَّ لَهُ [أَيْ : الله] مِنْ وُجُودٍ خَاصٍّ، أَوْ حَقِيقَةٍ يَتَمَيَّزُ بِهَا، وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ صِفَاتٍ تَخْتَصُّ بِهِ لاَ يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ: فَيُقَالُ: وَكَذَلِكَ قَدْرُهُ، فَإِنَّ الْـمَوْجُودَ لاَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُوداً إِلاَّ_بِذَلِكَ. وَدَعْوَى وُجُودِ مَوْجُودٍ بِدُونِ_ذَلِكَ دَعْوَى تُخَالِفُ_الْبَدِيهَةَ_وَالْضَّرُورَةَ_الْعَقْلِيَّةَ، وَلِذَلِكَ حَكَمُوا عَلَى مَنْ نَفَى ذَلِكَ بِالْتَّعْطِيلِ، لِأَنَّهُ لاَزِم قَوْله، وَإِنْ كَانَ لاَ يَعْلَـمُ لُزُومه))(1)

الْتَّعْقِيب:
أَوَّلاً: قَبْل تَحْلِيل كَلاَم ابْن تَيْمِيَّة فِي النَّصِّ أَعْلاَهُ، لاَ بُدَّ مِنْ تَحْرِيرِ مَفْهُوم "القَدْر" عِنْدَ هَذَا الرَّجُل؟!

قَالَ الـحَرَّانِي: ((وَتَقْدِيرُ مَوْجُودٍ قَائِـمٍ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ صِفَةٌ وَلاَ (قَدْرٌ!) هُوَ الَّذِي يُرَادُ بِالْكَيْفِيَّةِ وَ(الْكَمِّيَّةِ!) كَتَقْدِيرِ مَوْجُودٍ: لَيْسَ قَائِـمًا بِنَفْسِهِ وَلاَ بِغَيْرِهِ))(2) إذًا فَالرَّجُل يَقْصِدُ بِالقَدْرِ: (#الْكَمِّيَّةُ!) أَيْ: الـمَعْنَى الـحِسِّي الـمَعْرُوف وَهُوَ: عَظَمَةُ (الـحَجْمِ!)!

وَمِـمَّا يزِيدُ هَذَا التَّقْرِير تَوْكِيداً مَا جَاءَ فِي كَلاَمِ الـحَرَّانِي نَفْسهُ حَوْلَ الـمُبَايَنَةِ بَيْنَ الـخَالِقِ وَالـمَخْلوقِ، حَيْثُ قَالَ: ((وَكَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يُثْبَتَ لَهُ [أَيْ: الله] الْـمُبَايَنَةُ بِالْصِّفَةِ الَّتِي تُسَمَّى: الْـمُبَايَنَةُ بِالْـحَقِيقَةِ أَوْ بِالْكَيْفِيَّةِ، وَالْـمُبَايَنَةُ_بِالْقَدْرِ الَّتِي تُسَمَّى: الـمُبَايَنَةُ بِالْجِهَةِ أَوْ الْكَمِّيَّةِ))(3) فَالرَّجُلُ غَايَرَ بَيْنَ الصِّفَةِ وَبَيْنَ القَدْرِ؟! وَلَوْ كَانَ يَقْصِدُ مِنَ القَدْرِ عَظَمَة الـمَكَانَةِ فَقَط لاَ عَظَمَة (الْـحَجْمِ!) لَأَدْرَجَ الْقَدْر فِي مُبَايَنَةِ الْصِّفَةِ فَهُوَ أَيْضًا مَعْنَى يَقُومُ بِالْذَّاتِ؟! وَلَـمَا صَحَّتْ لَهُ هَذِهِ الـمُبَايَنَةُ فِي تِلْكَ الْـمُبَايَنَةِ؟!

ثُـمَّ إِنَّ القَدْر بِمَعْنَى عَظمَة الـمَكَانَةِ غَيْرُ مُتَنَازَعٍ فِيهِ، فَهُوَ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ هَذَا الْحَرَّانِي وَبَيْنَ خُصُومِهِ أَهْل السُّنَّة وَالْجَمَاعَة: السَّادَة الأَشَاعِرَة وَالـمَاتُرِيدِيَّة وَفُضَلاَء أَهْل الـحَدِيثِ؟!، فَهُوَ يَقْصِدُ حَتْمًا القَدْر بِمَعْنَى: عَظَمة (الْـحَجْمِ!)؟!

ثَانِيًا: تَحْلِيل كَلاَم ابْن تَيْمِيَّة أَعْلاَه:
اسْتَهلَّ الحَرَّانِي كَلاَمهُ بِتَقْرِير مَا لاَ بُدَّ تَقْرِيرهُ فِي صَرَائِحِ العُقُولِ مِنْ إِثْبَاتِ وُجُودٍ خَاصٍّ لِلْخَالِقِ يَتَمَيَّزُ فِي الْـحَقِيقَةِ عَنْ وُجُودِ الـمَخْلُوقِ: ((فَإِذَا عُلِمَ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ أَنَّهُ لاَ بُدَّ لَهُ -أَيْ : الله- مِنْ وُجُودٍ خَاصٍّ، أَوْ حَقِيقَةٍ يَتَمَيَّزُ بِهَا، وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ صِفَاتٍ تَخْتَصُّ بِهِ لاَ يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ)) ثُمَّ رَبَطَ هَذَا التَّقْرِير بِتَقْرِيرٍ آخَر قَالَ فِيهِ: ((فَيُقَالُ: وَكَذَلِكَ قَدْرُهُ، فَإِنَّ الْـمَوْجُودَ لاَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُوداً إِلاَّ بِذَلِكَ)) إذًا وَحَسْب ابْن تَيْمِيَّة: صَرِيحُ الْعَقْلِ يَقْضِي بِإِثْبَاتِ الْقَدْر بِمَعْنَى (الْـحَجْمِ!) لِلْبَارِي جَلَّ وَعَزَّ؟! فَلاَ يُتَصَوَّرُ وُجُود مَوْجُودٍ سَوَاء أَكَانَ: وَاجِب الْوُجُودِ أَيْ: الْـخَالِق أَمْ مُمْكِن الْوُجُودِ أَيْ: الْـمَخْلُوقِ، إِلاَّ: بِـ: (حَجْمٍ!)؟!

ثُّـمَّ يُمْضِي الْـحَرَّانِي قَائِلاً: ((وَدَعْوَى وُجُودِ مَوْجُودٍ بِدُونِ ذَلِكَ دَعْوَى تُخَالِفُ الْبَدِيهَةَ وَالْضَّرُورَةَ الْعَقْلِيَّةَ)) إذًا: الْقَوْل بِأَنَّ الله مُنَزَّهٌ عَنِ (الْـحَجْمِيَّةِ!) وَ(الْكَمِّيَّةِ!) وَ(الـمِسَاحَةِ!) وَغَيْرهَا مِنْ لَوَازِمِ الْجِسْمِيَّةِ كَالْقَوْلِ بِأَنَّ الله مَوْجُودٌ بِلاَ حَجِمٍ! هُوَ عِنْدَ ابْن تَيْمِيَّة الْحَرَّانِي قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِلْبَدِيهَةِ وَالْضَّرُورَةِ الْعَقْلِيَّةِ؟! وَطَبْعًا هَذَا الْحَرَّانِي لاَ يَخْرُج فِي مُعْتَقَدِهِ عَنِ الْبَدِيهَةِ وَالْضَّرُورَةِ الْعَقْلِيَّةِ؟!

وَيَخْتِمُ الْحَرَّانِي بِقَوْلِهِ: ((وَلِذَلِكَ حَكَمُوا عَلَى مَنْ نَفَى ذَلِكَ بِالْتَّعْطِيلِ، لِأَنَّهُ لاَزِم قَوْله، وَإِنْ كَانَ لاَ يَعْلَـمُ لُزُومه)) إِذًا فَالْـمُعَطِّلَة عِنْدَ ابْن تَيْمِيَّة وَسَلَفِهِ الـمُجَسِّمَة، هُم السَّواد الأَعْظَم لِلأُمَّةِ الـمُحَمَّدِيَّةِ الْـمَرْحُومَةِ أَيْ: أَهْل السُّنَّة الَّذِينَ يُنَزِّهُونَ الله عَنِ (الْـحَجْمِ!)؟!

ثَالِثًا: الجِسْمُ فِي اصْطِلاَحِ مَنْ يَنْعَتهُم هَذَا الحَرَّانِي بِـ: (النُّفَاةِ!): هُوَ الشَّيْء الـمُمْتَدُّ فِي الأَبْعَادِ مِنْ: (طُولٍ!) وَ(عَرْضٍ!) وَ(عُمْقٍ!)، الـمُقَدَّرِ بِـ: (حَجْمٍ!) عَظُمَ أَمْ دَقَّ، وَامْتِدَادُ الجِسْمِ فِي الأَبْعَادِ يَقْضِي بِتَمَايُزِ جَوَانِبه بِالجِهَةِ وَالحَيِّزِ، بِحَيْثُ تَكُونُ الإِشَارَةُ إِلَى يَمِينِهِ غَيْر الإِشَارَة إِلَى يَسَارِهِ وَهَكَذَا.

وَاسْتَمِع الآن إِلَى التَّقْرِير الرَّبَانِي حَيْثُ قَالَ رَبُّنَا فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾[الفُرْقَان:2] وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾[الطَّلاَق:3] فَفِي هَذَا البَيَان القُرْآنِي أَنَّ كُلَّ مُقَدَّرٍ بِـ: (قَدْرٍ!) مِنْ: (طُولٍ!) وَ(عَرْضٍ!) وَ(عُمْقٍ!) وَ(حَجْمٍ!)، فَهُوَ: (مَخْلُوقٌ!) وَ(مَجْعُولٌ!). فَمَنْ جَوَّزَ عَلَيْهِ جلَّ شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا مُقَدَّراً بِحَجْمٍ وَأَبْعَادٍ فَقَدْ جَوَّزَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَجْعُولاً مَخْلُوقًا؟!

وَاللهُ الْـمُوَفِّق
________
(1) بَيَانُ تَلْبِيس الـجَهْمِيَّة فِي تَأْسِيسِ بِدَعِهِم الكَلاَمِيَّةِ لاِبْنِ تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي (2/391)، النَّاشِر: مُجَمَّعُ الـمَلِك فَهْد لِطِبَاعَةِ الـمَصْحَفِ الشَّرِيفِ-الـمَمْلَكَة العَرَبِيَّة السُّعُودِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: 1426هـ
(2) بَيَانُ تَلْبِيس الـجَهْمِيَّة فِي تَأْسِيسِ بِدَعِهِم الكَلاَمِيَّةِ لاِبْنِ تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي (2/377-378)، النَّاشِر: مُجَمَّع الـمَلِك فَهْد لِطِبَاعَة الـمَصْحَف الشَّرِيف-الـمَمْلَكَة العَرَبِيَّة السُّعُودِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: 1426هـ
(3) بَيَانُ تَلْبِيس الـجَهْمِيَّة فِي تَأْسِيسِ بِدَعِهِم الكَلاَمِيَّةِ لاِبْنِ تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي (1/353)، النَّاشِر: مُجَمَّع الـمَلِك فَهْد لِطِبَاعَة الـمَصْحَف الشَّرِيف-الـمَمْلَكَة العَرَبِيَّة السُّعُودِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: 1426هـ

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مفاهيم يجب أن تصحح
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس فبراير 23, 2023 12:05 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2717


عَقِيدَة_ابْن_تَيْمِيَّة_الحَرَّانِي !

كَلاَمُ_ابْن_تَيْمِيَّة_الحَرَّانِي_فِي_تَقْرِيرِ_بِدْعَة_التَّجْسِيمِ_وَالتَّكْفِيرِ 11!

قَالَ ابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي (728هـ): ((بَلْ هَذَا القَوْل الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ #العُقَلاَءُ، مِنْ أَهْلِ الإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الوَهْمَ وَالخَيَالَ لاَ يَتَصَوَّرُ مَوْجُوداً إِلاَّ: مُتَحَيِّزاً أَوْ قَائِمًا بِمُتَحَيِّزٍ وَهُوَ: الجِسْمُ_وَصِفَاتُهُ. ثُمَّ الـمُثْبِتَةُ قَالُوا: وَهَذَا حَقٌّ مَعْلُومٌ أَيْضًا بِالأَدِلَّةِ_العَقْلِيَّةِ_وَالشَّرْعِيَّةِ، بَلْ #بِالضَّرُورَةِ))(1)

الْتَّعْقِيب:
أَوَّلاً: قَبْلَ تَحْلِيلِ كَلاَمِ ابْن تَيْمِيَّة لاَ بُدَّ مِن تَحْرِيرِ مَعْنَى الجِسْمِيَّة بِشَيْءٍ مِنَ الإِيجَاز الغَيْرِ الـمُخِلِّ مَعَ اجْتِنَابِ قَدْرَ الاِمْكَانِ التَّطْوِيل الـمُمِلِّ، ثُـمَّ نَنْظُر بَعْدَهَا فِي مَدَى مُوَافَقَةِ هَذِهِ الـمَعَانِي لِـمَا قَرَّرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّة نَفْسُهُ فِي هَذَا الصَّدَدِ؟!

الجِسْمُ: هُوَ الشَّيْء الـمُمْتَدُّ فِي الأَبْعَادِ مِنْ: طُولٍ وَعَرْضٍ وَعُمْقٍ، الـمُقَدَّرِ بِحَجْمٍ عَظُمَ أَمْ دَقَّ، وَامْتِدَادُ الجِسْمِ فِي الأَبْعَادِ يَقْضِي بِتَمَايُزِ جَوَانِبه بِالجِهَةِ وَالحَيِّزِ، بِحَيْثُ تَكُونُ الإِشَارَةُ الحِسِّيَّة إِلَى يَمِينِهِ غَيْر الإِشَارَة إِلَى يَسَارِهِ وَهَكَذَا.

فَالشَّمْسُ عَلَى سَبِيلِ الـمِثَالِ: جِسْمٌ مُتَرَامِيَ الأَطْرَافِ، عَظِيم الـمِقْدَارِ (الحَجْمِ!)، حَيْثُ الإِشَارَة إِلَى يَمِينِهَا غَيْر الإِشَارَة إِلَى يَسَارِهَا، فَالْبَيْنِيَّة هَهُنَا عِبَارَةٌ عَنْ بُعْدٍ مَسَاحِيٍّ يَعْظُم وَيَتَقَلَّصُ بِالتَّبَاعُدِ وَالتَّقَارُبِ الـمَسَافِيِّ، فَلِلشَّمْسِ أَبْعَادٌ يَصِحُّ فَرَضًا وَبِالقِسْمَةِ الذِّهْنِيَّةِ تَـمَيُّزُ حَيِّزِ حَاجِبهَا الأَيْمَنِ عَنْ حَيِّزِ حَاجِبهَا الأَيْسَرِ مَثَلاً، حَتَّى وَإِنْ لَـمْ تَتَحَقَّق هَذِهِ القِسْمَة فِعْلاً فِي الخَارِجِ أَيْ: فِي عَيْنِ الشَّمْسِ.

فَجِسْمِيَّة الشَّمْسِ تَقْضِي بِهَذَا الاِعْتِبَارِ بِتَمَايُزِ أَطْرَافِهَا وَجَوَانِبهَا بِالجِهَةِ وَالحَيِّزِ، فَنِسْبَةُ هَذِهِ الأَحْيَاز بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَيْنِ الشَّمْسِ هِيَ نِسْبَةُ البَعْضِ إِلَى الكُلِّ، وَنِسْبَتُهَا بَيْنَ بَعِضِهَا البَعْضِ هِيَ نِسْبَةُ الجُزْءِ إِلَى الجُزْءِ.

وَابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي يُسَلِّمُ اشْتِرَاك الأَجْسَامِ كُلِّهَا بِدُونِ اسْتِثْنَاءٍ فِي هَذَا القَدْرِ مِنَ الـمَعَانِي كَمَا تَجِدْهُ فِي بَعْضِ الـمَوَاضِعِ مِنْ كُتُبُهِ؟!، واسْتَمِع إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ(2): ((الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: أَنَّ الأَجْسَامَ بَيْنَهَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ وَهُوَ: "جِنْسُ الـمِقْدَارِ" كَمَا يَقُولُونَ: "مَا يُـمْكِنُ فَرْضُ الأَبْعَادِ الثَّلاَثَةِ فِيهِ"، وَبَيْنَهَا قَدْرٌ مُـمَيَّزٌ وَهُوَ: حَقِيقَةُ كُلِّ وَاحِدٍ وَخُصُوص ذَاته الَّتِي امْتَازَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ، كَمَا يُعْلَمُ أَنَّ الجَبَل وَالبَحْر مُشْتَرِكَانِ فِي أَصْلِ القَدْرِ، مَعَ العِلْمِ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الحَجَرِ لَيْسَتْ حَقِيقَةَ الـمَاءِ)).انْتَهَى

وَيَقُولُ أَيْضًا(3): ((وَلاَ رَيْبَ أَنَّ الأَجْسَامَ بَيْنَهَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ فِي: الْطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْعُمْقِ، وَهُوَ: "الـمِقْدَارُ الـمُجَرَّدُ" الَّذِي لاَ يَخْتَصُّ بِجِسْمٍ بِعَيْنِهِ، وَلَكِنَّ هَذَا الـمِقْدَارَ الـمُجَرَّدَ هُوَ فِي الْذِّهْنِ لاَ فِي الْخَارِجِ؛ كَالْعَدَدِ الـمُجَرَّدِ، وَالْسَّطْحِ الْـمُجَرَّدِ، وَالْنُّقْطَةِ الْـمُجَرَّدَةِ، وَكَالْجِسْمِ التَّعْلِيمِيِّ؛ وَهُوَ: الْطَّوِيلُ الْعَرِيضُ الْعَمِيق الَّذِي لاَ يَخْتَصُّ بِمَادَّةٍ بِعَيْنِهَا)).انْتَهَى

فَالحَرَّانِي مُقِرٌّ بِأَنَّ الأَجْسَامَ (كُلّهَا!) -لاَ بُدَّ مِنْ تَأَمُّلِ هَذِهِ الكُلِّيَّة؟!- (تَشْتَرِكُ!) ذَاتِيَّاتُهَا فِي:
أ‌. صِحَّةِ فَرْضِ (الـحُدُودِ!) وَ(الأَبْعَادِ!) الثَّلاَثَةِ فِيهَا: الطُّول وَالعَرْضِ وَالعُمْقِ؟!
ب‌. وَكَذَلِكَ فِي (الحَجْمِ!) الَّذِي يُسَمِّيهِ الحَرَّانِي هُنَا: (جِنْس الـمِقْدَارِ!) وَأَحْيَانًا: (أَصْل القَدْرِ!)؟!. وَلاَ يَذْهَبَنَّ بِكَ الوَهْم إِلَى أَنَّ الحَرَّانِي رُبَّمَا يَقْصِدُ هَهُنَا (القَدْر!) الـمَعْنَوِي؟! فَسِيَاقُ كَلاَمِهِ وَاضِحٌ وَقَاطِعٌ، كَمَا أَنَّهُ لاَ يُوجَدُ مِنْ السَّادَةِ الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الـحَدِيثِ وَالَّذِينَ يَشُنُّ عَلَيْهِم هَذَا الحَرَّانِي حَرْبًا فِي (الخَفَاءِ!) لِمُحَاوَلَةِ تَشْوِيهِ مَجْدهِم العَالِي بِالأَكَاذِيبِ وَالتَّهْوِيلاَتِ وَالتَّلْفِيقَاتِ، مَنْ يَنْفِي عَنِ الله عَظَمَةَ (القَدْرِ!) بِالـمَفْهُومِ الـمَعْنَوِيِّ؟! فَالرَّجُل يَقْصِدُ حَتْمًا عَظَمَة (القَدْرِ!) وَ(الـمِقْدَارِ!) بِالـمَفْهُومِ الحَجْمِي الحِسِّي.

إذًا: فَهَذِهِ الـمَعَانِي (الـمُشْتَرَكَةِ!) بَيْنَ (كُلِّ!) الأَجْسَامِ تَقْضِي -كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ- بِصِحَّةِ فَرْضِ (الـمِسَاحَةِ!) وَ(الكَمِّيَّةِ!) وَ(الحَجْمِيَّةِ!) فِيهَا وَتَـمَايُزِ جَوَانِبهَا بِالإِشَارَةِ الحِسِّيَّةِ وَالحَيِّزِ.

ثَانِيًا: نَبْدَأُ تَحْلِيل كَلاَم ابْن تَيْمِيَّة الـمَذْكُورِ فِي صَدْرِ الـمَقالِ:
قَالَ الحَرَّانِي: ((بَلْ هَذَا القَوْل الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ العُقَلاَءُ، مِنْ أَهْلِ الإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الوَهْمَ وَالخَيَالَ لاَ يَتَصَوَّرُ مَوْجُوداً إِلاَّ: مُتَحَيِّزاً أَوْ قَائِمًا بِمُتَحَيِّزٍ وَهُوَ: الجِسْمُ وَصِفَاتُهُ)) إِذًا وَوِفْقَ تَقْرِيرِ الحَرَّانِي، فَـ: (الْعُقَلاَء!) قَرَّرُوا أَنَّ الْوَهْمَ وَالْخَيَالَ لاَ يَتَصَوَّرُ مَوْجُوداً سَوَاء أَكَانَ: وَاجِبَ الوُجُودِ أَيْ: الْخَالِق أَمْ مُمْكِنَ الْوُجُودِ أَيْ: الْـمَخْلُوق، ((إِلاَّ: مُتَحَيِّزاً)) وَهُوَ: الْـجِسْمُ ((أَوْ قَائِمًا بِمُتَحَيِّزٍ)) أَيْ: صِفَاتُ الْجِسْمِ؟!

وَبِتَعْبِيرٍ آخَر، فَـ: (الْعُقَلاَء!) الَّذِينَ يَنْتَحِلُ هَذَا الْحَرَّانِي الكَلاَم عَلَى لِسَانِهِم، قَرَّرُوا أَنَّ الْـخَالِقَ لاَ يُتَصَوَّرُ إِلاَّ ((جِسْمًا!)) مُتَحَيِّزاً مُقَدَّراً بِقَدْرٍ (حَجْمِيٍّ!) وَ(مِسَاحَةٍ!) وَ(حُدُودٍ!) وَ(نِهَايَاتٍ!) وَ(أَبْعَادٍ!) مِنْ (طُولٍ!) وَ(عَرْضٍ!) وَ(عُمْقٍ!) كَمَا سَبَقَ مَعَكَ فِي تَعْرِيفِ الحَرَّانِي نَفْسُهُ لِلْجِسْمِ؟!

وَمَعَ أَنَّ لِلْوَهْمِ وَالْخَيَالِ شَأْنٌ عَظِيمٌ عِنْدَ هَذَا الْحَرَّانِي فِي تَقْرِيرِ مِثْلِ هَذِهِ الأُمُورِ فِي الإِلَهِيَّاتِ؟!، إِلاَّ أَنَّ هَذَا الْرَّجُل زَادَ وَعَطَفَ كَلاَمهُ الْسَّابِقِ بِمَا يَقْطَعُ أَدْنَى شَكٍّ فِي إِرَادَته الْجِسْمِيَّة الـمَذْكُورَة؟! وَاسْتَمِع إِلَيْهِ الآن وَهُوَ يَنْتَحِلُ لِسَانَ (الْـمُثْبِتَةِ!) بَعْدَ أَن انْتَحَلَ لِسَانَ (العُقَلاَءِ!) لِيَدْعَمُ قَوْل هَؤُلاَءِ بِتَصْدِيق هَؤُلاَءِ؟! فَيَقُول: ((ثُمَّ الـمُثْبِتَةُ قَالُوا: وَهَذَا حَقٌّ مَعْلُومٌ أَيْضًا بِالأَدِلَّةِ العَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ، بَلْ بِالضَّرُورَةِ)) إذًا: فَـحَاصِلُ تَقْرِيرِ الْحَرَّانِي يَقُولُ: (الْمُثْبِتَةُ!) لِلْصِّفَاتِ يُصَدِّقُونَ أَيْضًا قَوْلَ هَؤُلاَءِ (العُقَلاَءِ!) فِي أَنَّ الْـخَالِقَ الـمَعْبُود: جِسْمٌ مَحْدُودٌ؟!، وَأَنَّ هَذِهِ (الْجِسْمِيَّة!) فِي حَقِّهِ تَعَالَى عِنْدَ هَؤُلاَءِ (الْمُثْبِتَةِ!) هِيَ حَقٌّ مَعْلُومٌ بِالْأَدِلَّةِ الْشَّرْعِيَّةِ أَيْ: الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؟! وَكَذَلِكَ الأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ؟! بَلْ هِيَ عِنْدَهُم ضَرُورِةٌ رَاسِخَةٌ لاَ تُدْفَع بِأَيِّ حَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ؟!

وَ(طَبْعًا!) ابْن تَيْمِيَّة مِنْ (الْمُثْبِتَةِ!) لِلْصِّفَاتِ لاَ مِنَ (النُّفَاةِ!)؟! وَ(الْـمَفْرُوض!) أَنَّهُ مِنْ زُمْرَةِ (الْعُقَلاَءِ!) لاَ (الدَّهْمَاءِ!)؟!، فَعَقْلهُ لاَ يَسْمَحُ لِمِثْلِهِ بِتَجَاوُزِ تَقْرِيرَاتِ مَنْ يُسَمِّيهِم بِـ: (الْعُقَلاَءِ!)؟! وَلاَ الخُرُوج عَنْ الأَدِلَّةِ العَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ لِـمَنْ يُحَلِّيهِم بِـ: (الْمُثْبِتَةِ!) لِلْصِّفَاتِ؟! وَلاَ التَّنَكُّب عَنِ الْضَّرُورَةِ؟!، فَابْن تَيْمِيَّة إِذًا: عَلَى عَقِيدَةِ هَؤُلاَءِ (الْـمُثْبِتَة!) (الْعُقَلاَءِ!) فِي أَنَّ رَبَّهُ: (جِسْمٌ!) يَمْتَدُّ فِي الأَبْعَادِ؟! فَهُوَ لاَ يَبْغِي عَنْ هَذِهِ العَقِيدَةِ (الْضَّرُورِيَّةِ!) -كَمَا وَصَفَهَا هُوَ نَفْسُهُ!- حِوَلاً؟!

وَاللهُ الْـمُوَفِّق
______________
(1) بَيَانُ تَلْبِيس الـجَهْمِيَّة فِي تَأْسِيسِ بِدَعِهِم الكَلاَمِيَّةِ لاِبْنِ تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي (1/364-365)، تَحْقِيق: مَجْمُوعَة مِنَ الـمُحَقِّقِينَ، النَّاشِر: مُجَمَّع الـمَلِك فَهْد لِطِبَاعَة الـمَصْحَف الشَّرِيف-الـمَمْلَكَة العَرَبِيَّة السُّعُودِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: 1426هـ
(2) بَيَانُ تَلْبِيس الـجَهْمِيَّة فِي تَأْسِيسِ بِدَعِهِم الكَلاَمِيَّةِ لاِبْنِ تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي (1/363-364)، تَحْقِيق: مَجْمُوعَة مِنَ الـمُحَقِّقِينَ، النَّاشِر: مُجَمَّع الـمَلِك فَهْد لِطِبَاعَة الـمَصْحَف الشَّرِيف-الـمَمْلَكَة العَرَبِيَّة السُّعُودِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: 1426هـ
(3) النُّبُوَّات لاِبْنِ تَيْمِيَّة الحَرَّانِي (1/310)، تَحْقِيق: الدُّكْتُور عبد العَزيز بن صَالح الطويَان ،النَّاشِر: أَضْوَاء السَّلَفِ- الـمَمْلَكَة العَرَبِيَّة السُّعُودِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: 1420ه-2000م

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مفاهيم يجب أن تصحح
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس فبراير 23, 2023 11:50 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يناير 25, 2021 8:59 pm
مشاركات: 2717


عَقِيدَة_ابْن_تَيْمِيَّة_الحَرَّانِي !

كَلاَمُ_ابْن_تَيْمِيَّة_الحَرَّانِي_فِي_تَقْرِيرِ_بِدْعَة_التَّجْسِيمِ_وَالتَّكْفِيرِ 12!

قَالَ ابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي (728هـ): ((الوَجْه السَّابِع عَشَر: أَنَّهُم يَقُولُونَ: نَقُولُ إِنَّهُ لاَ يُرَى إِلاَّ #كَبِيراً_عَظِيمًا، #لاَ_نَقُولُ إِنَّهُ يُرَى: #لاَ_صَغِيراً_وَلاَ_كَبِيراً، بَلْ نَقُولُ إِنَّهُ يُرَى: #عَظِيمًا_كَبِيراً_جَلِيلاً كَمَا سَمَّى وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ فِي الْكِتَابِ وَالْسُّنَّةِ))(1)

الْتَّعْقِيب:
كَلاَم ابْن تَيْمِيَّة أَعْلاَه جَاءَ فِي سِيَاقِ رَدِّهِ عَلَى الإِمَامِ الرَّازِي حَوْلَ مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَة يَوْمَ القِيَامَةِ، والْـحَرَّانِي هُنَا وَكَمَا هِيَ عَادَتهُ الـمَعْرُوفَة يَنْتَحِلُ لِسَانَ مَنْ يُسَمِّيهِم (#الـمُثْبِتَة!) وَهُمْ فِي الحَقِيقَةِ قَوْمهُ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ الْصِّفَاتِ الإِلَهِيَّةِ -كَمَا يَدَّعِي- بِمُقَابِلِ: (#النُّفَاةِ!) كَمَا يَحْلُو لَهُ أَنْ يَنْعَتَهُم؟! وَهُم فِي الْحَقِيقَةِ: جُمْهُورُ أَهْل السُّنَّةِ وَالْـجَمَاعَةِ الَّذِينَ (يَنْفُونَ!) عَنْ الله مَعَانِي الـجِسْمِيَّةِ وَسِمَاتِ الْحُدُوثِ؟!

يَبْدَأُ ابْنُ تَيْمِيَّة فَيَقُولُ: ((نَقُولُ إِنَّهُ لاَ يُرَى إِلاَّ كَبِيراً عَظِيمًا)) أَيْ: أَنَّ (الـمُثْبِتَة!) لِلْصِّفَاتِ -وَهُوَ مِنْهُم (طَبْعًا!)؟!- يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُم سَيَرَوْنَ رَبَّهُم يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّصَالِ شُعَاعٍ أَيْ: بِمُقَابَلَةٍ بَيْنَهُم وَبَيْنَهُ تَعَالَى وَهُوَ فِي جِهَةٍ مِنْهُم تَمَامًا كَمَا هِيَ الرُّؤْيَة فِي الْـمَخْلُوقَاتِ الْفَوْقَانِيَّةِ كَالْقَمَرِ وَالْشَّمْسِ؟!، وَلاَ يَرَوْنَهُ تَعَالَى إِلاَّ كَبِيراً عَظِيمًا أَيْ: مُتَرَامِي (#الأَبْعَادِ!) وَضَخْمَ (#الـمِسَاحَةِ!) وَعَظِيم (#الْـحَجْمِ!)؟!

وَلاَ عَلاَقَة لِكَلاَمِ الحَرَّانِي هَهُنَا بِعَظَمَةِ الْـمَكَانَةِ، لأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ لِـمَا هُوَ فِي (#جِهَةٍ!) مُقَابِلَةٍ لَهَا كَمَا أنَّ وَصْف الْـمَرْئِي بِالْعَظَمَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْـمَقَامِ وَكَذَا سِيَاقٍ لاَ يَكُونُ الْقَصْد مِنْهُ إِلاَّ عَظَمَة (الْحَجْمِ!) كَمَا لاَ يَخْفَى؟! ثُمَّ إِنَّهُ لاَ يُوجَدُ مِنْ السَّادَةِ الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الـحَدِيثِ وَالَّذِينَ يَشُنُّ عَلَيْهِم هَذَا الحَرَّانِي حَرْبًا فِي (#الخَفَاءِ!) لِمُحَاوَلَةِ تَشْوِيهِ مَجْدهِم العَالِي بِالأَكَاذِيبِ وَالتَّهْوِيلاَتِ وَالتَّلْفِيقَاتِ، مَنْ يَنْفِي عَنِ اللهِ عَظَمَة الْـمَكَانَةِ؟! فَالرَّجُل يَقْصِدُ حَتْمًا الـمَفْهُومِ الحَجْمِي الحِسِّي.

وَمِـمَّا يُؤَكِّدُ مَا سَبَقَ قَوْل الْحَرَّانِي مُبَاشَرَةً بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ حِزْبِهِ (الـمُثْبِتَة!): ((لاَ نَقُولُ إِنَّهُ يُرَى: لاَ صَغِيراً وَلاَ كَبِيراً)) فَإِذَا كَانَ مَا لاَ (#حَجْم!) لَهُ لاَ يُوصَفُ بِالْصِّغَرِ وَلاَ بِالكِبَرِ؟! فَالْـحَرَّانِي إذًا: يَمْنَعُ رُؤْيَة مَا لاَ (#حَجْم!) لَهُ: ((لاَ صَغِيراً وَلاَ كَبِيراً))؟! فَوَصْفهُ تَعَالَى بِعَظَمَةِ (الْحَجْمِ!) ضَرُورِيٌّ لِحُصُولِ الْرُّؤْيَةِ عِنْدَ ابْن تَيْمِيَّة؟! لأَجْلِ ذَلِكَ أَكَّدَ بَعْدَهَا: ((بَلْ نَقُولُ إِنَّهُ يُرَى: عَظِيمًا كَبِيراً جَلِيلاً)) فَاللهُ عِنْدَ ابْن تَيْمِيَّة يُرَى عَظِيم (#الْحَجْمِ!) لاَ صَغِيراً حَقِيراً؟!

وَاللهُ الْـمُوَفِّق
الشيخ ياسين بن ربيع الجزائري
______________
(1) بَيَانُ تَلْبِيس الـجَهْمِيَّة فِي تَأْسِيسِ بِدَعِهِم الكَلاَمِيَّةِ لاِبْنِ تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي (4/479)، تَحْقِيق: مَجْمُوعَة مِنَ الـمُحَقِّقِينَ، النَّاشِر: مُجَمَّع الـمَلِك فَهْد لِطِبَاعَة الـمَصْحَف الشَّرِيف-الـمَمْلَكَة العَرَبِيَّة السُّعُودِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: 1426هـ

_________________
أغث يا سيدى وأدرك محبا يرى الأقدار تضربه سهاما
لكل قضية أعددت طه بغير شكية يقضى المراما
أيغدرنا الزمان وأنت فينا معاذ الله يا بدر التماما
(ﷺ)


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 200 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5 ... 14  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 2 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط