موقع د. محمود صبيح

بسم الله الرحمن الرحيم
مقال 3
ـ قلت له : تنقمون على الصوفية أورادهم وصلواتهم ـ أعنى الصلاة على النبى  ـ وقد تقدم أخى الكريم مثالاً لصلاة على ابن أبى طالب  .
ـ ماذا لو أنك جلست إلى أحد مشايخك الذين تظن فيهم الصلاح والعلم وأدرت أن تحذو حذوه وأن تتعلم منه كيف وصل إلى تلك المكانة من الإيمان والولاية فى نظرك وعلى منهجك ، فقال لك : أن لى دعاء أواظب عليه ليل نهار ، إذا بدأت به رأيت التوفيق ، ثم علمك إياه ، فنقلته أنت إلى عشرة من أصحابك ، أو قاله شيخك لعشرة منكم ، فالتزمتوه لتصلوا إلى ما وصل إليه فى نظركم ، هل هناك حرج فى هذا ؟
ـ قال : لا .
ـ قلت له : و لم يلزمك بهذا بل أنت ألزمت نفسك به لتصل إلى ما وصل إليه كما تراه ، وكذلك الصوفية ، هم لم يلزموك بشئ ، إنما تلقى المريد من شيخه ورداً أو دعاء أو ذكراً فهو يواظب عليه ليصل إلى الولاية كما وصل شيخه ـ مع الفارق بين شيخ الصوفية وشيخ الوهابية ـ وأقت له ميقات فهل فى هذا من حرج ؟
ـ قال : لا .
ـ قلت له : فماذا إذا قال لك شيخك أن يكرر هذا الدعاء كذا وكذا مرة ، فهل فى هذا من حرج شرعى .
ـ قال : لا
ـ قلت له : وكذلك الصوفى ، غير أنه ـ الصوفى ـ لديه الدليل الشرعى أما أنت فدليلك شيخك ، قال كيف ، قلت : الصوفى أخذ مسألة الذكر بعدد معين من قوله  : أيعجز أحدكم أن يكتسب كل يوم ألف حسنة ؟فسأله سائل من جلسائه قال : كيف يكسب ألف حسنة ؟ قال : يسبح الله مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة ويحط عنه ألف خطيئة . أخرجه مسلم ، قلت له : وهذا مطلق فمن زاد زاده الله تعالى "والله واسع عليم" .
ـ قال : لا ، بل يجب عليه أن يتوقف عند المائة ولا يزيد عليها ، قلت له : وما دليلك على هذا ومنطوق الحديث يخالفك ، فرد أحد الحاضرين ـ ممن هو على مذهبه ـ وقال لصاحبه : هذا تعنت فى الرد يا أخى ، فكلام الشيخ صحيح ، فأنا أريد أن استزيد من الحسنات أتنهانى أنت عن الاستزادة من رحمة ربى وفضله .
ـ قلت له : لنكمل الحديث ، بل أهديك هذا الحديث عسى أن تنقطع حجتك ، فقال : أى حديث ؟ قلت : قوله : من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير فى كل يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان حتي يمسى ،ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه .أخرجه البخارى ومسلم ، وقوله  : من قال حين يصبح وحين يمسى : سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه . أخرجه الترمذى ، فهل تفهم من الحديث أن الذكر مطلق أو مقيد ، فقال : مقيد ! فعجب منه أصحابه ولفهمه الغريب !
ـ مسألة : قلت له : أما مسألة الذكر بالاسم المفرد ، فمأخوذ من قوله تعالى "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها" ومن حديث بلال  ورده على المشركين ـ حال تعذيبه ـ بقوله : الله ، الله ، وفى رواية : أحد ، أحد ،ومن قوله  " ألظوا بياذا الجلال والإكرام " أى : الهجوا بها ، ، واستشهد بعضهم بقوله فى الحديث الصحيح : لا تقوم الساعة حتى لا يقال فى الأرض الله الله .
ـ أما مسألة التكرار : فمما تقدم ، ولعله مأخوذ أيضاً من قوله تعالى فى سورة الرحمن ـ أكثر من ثلاثين ـ "فبأى آلاء ربكما تكذبان" فهل تبقى لك حجة بعد هذا ، قال : دعنى أراجع المسألة مرة أخرى ، قلت : راجعها كما شئت ، ولقد أمهلتك إلى يوم القيامة .
ـ تنبيه : أما منع التيمية أدعياء السلفية اليوم الذكر بالاسم المفرد فمرجعهم فى ذلك قول ابن تيمية فى الرد على المنطقيين (35) : فأما الاسم المفرد ـ يعنى لفظ الجلالة ـ فلا يكون كلاماً مفيداً عند أحد من أهل الأرض ، بل ولا أهل السماء ،وإن كان وحده كان معه غيره مضمراً ، أو كان المقصود به تنبيهاً أو إشارة كما يقصد بالأصوات التى لم توضع لمعنى ، لا أنه يقصد به المعانى التى تقصد بالكلام ، ولهذا عدّ الناس من البدع ما يفعله بعض النساك من ذكر اسم الله وحده بدون تأليف كلام .