اشترك في: الأربعاء فبراير 25, 2004 12:52 pm مشاركات: 170
|
بسم الله الرحمن الرحيم
محاورة 2
كنت أتحدث يوماً فى بعض الدروس حول قاعدة أن العبادات توقيفية وتفنيدها إلى بعض طلبة العلم ، فحضر أحد طلبة علم الحديث ـ وقد مضى عليه سنوات طويلة فى طلب الحديث تحت يد من يُشار إليهم بالبنان ـ فلما سمع قولى أن العبادات ليست توقيفية استرعى ذلك انتباهه بل كل انتباه ، وقال : يا شيخ : تقصد العبادات توقيفية ، فقلت : له : بل أقثد وأعنى ما أقول ، العبادات ليست توقيفية ، قال : كيف يا شيخ تقول هذا ونحن قد درجنا على هذه القاعدة وتعلمناه وعملنا بها طيلة عمرنا ومشايخنا يدرسوننا تلك القاعدة ، قلت له : هل تعرف من هو واضع تلك القاعدة ، قال : الحق أقول لك : لا أعرف ولم أفكر يوماً فى البحث عن واضعها ، قلت له : أنا أقول لك : وضع هذه القاعدة ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 22 / 510) قال : لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات والعبادات مبناها علي التوقيف والاتباع لا علي الهوى والابتداع … فليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون ويجعلها عبادة راتبة يواظب عليها الناس كما يواظبون علي الصلوات الخمس هذا ابتداع دين لم يأذن الله به …وأما اتخاذ ورد غير شرعي واستنان ذكر غير شرعي فهذا مما ينهى عنه ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار غاية المطالب ونهاية والمقاصد العلية ولا يعدل عنها إلي غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد ).ا هـ
ـ قلت له : هل لك أن تتأمل فى ألفاظ تلك العبارة من شيخ الإسلام ابن تيمية ـ وقولى هنا شيخ الإسلام هو من باب المجاراة فقط وإلا فهو يعلم أنى راد عليه ـ وتقف على المقصود بذلك الكلام وتلك القاعدة ، إنهم الصوفية ـ ولعلنا نشرح مقالته فى وقت آخر .
ـ قلت له : أنت تقول أن العبادات توقيفية ، وأنت تعرف أن الحديث هو العبادة وفى رواية مخ العبادة ، والرواية الأولى صحيحة والثانية ضعيفة قال بهذا شيخك الألبانى ، صحيح أن أنا مخطئ .
ـ قل : صحيح .
ـ قلت له : فهل يعنى هذا أنك لا تتعدى الدعاء الوارد فى الكتاب والسنة فلا تدعوا بغير ما ورد ، لأن الدعاء عبادة ، والعبادات توقيفية ؟
ـ فقال : نعم ، فلما قالها تعجب منه الحضور حتى أصحابه .
ـ فقلت له : إذن أنت لا تدعوا إلى بما ورد فى الكتاب والسنة لا تتعدى هذا ، فماذا عن دعاء الشيخ … وهو يدعو فى نهاية خطبة الجمعة بدعاء لم يرد فى الكتاب ولا فى السنة .
ـ قال : ومن قال أنى أوافقه على ذلك .
ـ قلت : يعنى الشيخ … مبتدع ، لأنه لم يتقيد بالكتاب والسنة فى الدعاء ، وهو عبادة .
ـ فقال لى : لا تقل على يل شيخ ما لم أقله .
ـ قلت : له : دعك من هذا ، أنا أسألك إلا تدعو لإخوانك المجاهدين فى فلسطين وغيرها بالنصر ، فإن قلت نعم خالفت كلامك ، وإن قلت : لا ، فأنت نخالف لكل أمة الإسلام ثم إنك مقصر فى ذلك .
ـ فلما ظهر عليه التردد ، قلت له : دعك من هذا ، هل تدعو ربك إذا مرضت أو احتجت مالاً أو نحو هذا أم لا .
ـ قلت له : طبعاً بما ورد فى الكتاب والسنة لا تتعداه ، قال : نعم .
ـ قلت له : هل أخطأ الإمام الشافعى وأحمد وأبو حنيفة وابن حنبل وغيرهم من كل علماء الأئمة سلفاً وخلفاً وهم يفتتحون كتبهم وينهونها بأدعية لم ترد فى الكتاب والسنة ؟
ـ قال متعنتاً ـ لم يتعد أحدهم الدعاء الوارد فى الكتاب والسنة !
ـ قلت له : يبدو أنك لم تقرأ مفتتح ومنتهى كتبهم ، المهم : هل تعلم حديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقد سأله رجل عما يقول بعد التشهد ،وهو لا يحسن دندنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولا دندنة معاذ ، وقال الرجل : إنى أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار ، فقال ل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : حولها ندندن ، هل هذا يعطيك أن الدعاء مقيد أم مطلق ، فسكت.
ـ قلت له : هل تعلم حديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، وأمره صلى الله تعالى عليه وسلم لنا أن نكثر من الدعاء ، وأمره صلى الله تعالى عليه وسلم أن يتخير العبد ما شاء من الدعاء والمسألة ، هل هذا كله مطلق أم مقيد ، وهذا كله دعاء والدعاء عبادة كما فى الحديث الشريف ، والعبادات توقيفية على قول ابن تيمية ، فهل هذا كله مخالف للقاعدة أم موافق لها ؟
ـ قال : ليس فى هذا شي ينقض القاعدة ، قلت له : ممكن تعرّف لنا ما هى شروط القاعدة : قال : أن تكون جامعة مانعة لا يَرِد عليها شي ، قلت : له : نعم : كقول العبد " لا إله إلا الله " هذه قاعدة كلية لا يَرِد عليها شئ وترد هى على كل شئ ، وليس فيها استثناء ، فهل ما تقدم يَرِد على قاعدة ابن تيمية ام لا . قال : نعم : يرد .
ـ ثم قال : فيه شئ تانى غير الدعاء ، قلت له : يكفيك هذا أن الدعاء يرد على تلك القاعدة فلم تعد قاعدة ولا جامعة ولا مانعة ، فقد أوردنا عليها الدعاء فخرقها فل تعد تصح أن تكون قاعدة .
ـ قال : فيه شئ تانى يرد عليها : قلت له : نعم : الصلاة .
ـ قال : لا طبعاً : الصلاة من العبادات التوقيفية لا نزيد فيه ولا ننقص ، قلت له : نعم الصلاة عبادة ولكنها غير توقيفية على منهج ابن تيمية ، قال : يعنى ينفع اصلى العشاء ثمانية ، قلت له : أنا قلت لك : أن العبادات غير توقيفية ، فنادى فى الحضور : الشيخ بيقول أن الصلاة غير توقيفية : طيب أنا أروح إلى البيت بالليل وأصلى العشاء ثمانية ، قلت : هل ستفعل ذلك حقاً ، قال نعم : فالعبادات ليست توقيفية عندك ، قلت له : هل ستصلى العشاء ثمانية ؟ قال :نعم : قلت للحضور : اشهدوا أنه يقول ويعمل بأن العبادات غير توقيفية .
ـ قلت له : اتق الله ، أنا لم اقل لك أن تصلى العشاء ثمانية أو عشرا ، إنما أنقد لك قاعدة ابن تيمية ، فهل نتعلم فى هدوء ودون غلوشة أو تشدق وتنطع ، أنا أقول لك : النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يقول : صلاة الليل مثنى مثنى ، فهل هذا يعنى عندك التقييد أم الإطلاق ، قال الإطلاق : قلت له : وهذا هو المراد ، أنا لا أتحدث فى فريضة العشاء أو غيرها ، ابن تيمية لما قال العبادات توقيفية ، هل هذا يعنى أننا لا نصلى من الليل إلا مثنى أو اربع أم المراد من الحديث الإطلاق ، قال : الإطلاق ، قلت له : فهذا أيضاً يرد على قاعدة ابن تيمية قوله أن العبادات توقيفية ، قلت له : فهذان أمران وردا على قاعدة ابن تيمية : الدعاء والصلاة وهما من العبادات ، وليس فيها توقف ، فليست كل العبادات توقيفية .
ـ قال : إذا ما الصحيح ؟
ـ قلت له : الصحيح أن يقال يا أخى : العبادات التوقيفية توقيفية ، والعبادات الغير توقيفية غير توقيفية ، التوقيفية كالصولت الخمس وعدد ركعاتها وهيئاتها ، والغير توقيفية غير توقيفية كصلاة الليل والدعاء والذكر الذى نقمه ابن تيمية على الصوفية فوضع تلك القاعدة للحجر عليهم وعلى أذكارهم وصلواتهم ودعواتهم ، لعلم فهمت .
ـ قال : دعنى أراجع المسألة .
ـ قلت له : أمهلتك إلى يوم القيامة .
ـ ثم بدأنا الحديث عن الذكر الصوفى وهو المقال التالي إن شاء الله تعالى .
|
|