من فتن الخوارج في عصرنا الحاضر منعهم تلقين الميت ، بل وتبديعهم من يفعل ذلك.
وهذا مشاهد معاين منهم سيما عند اتباع الجنائز ومواراة الميت الثرى.
ويال العجب من الخوارج ففتنتهم تعدت الأحياء وأبت إلا مطاردة المسلمين حتى في قبورهم أول منازل الآخرة ، نسأل الله العفو والعافية.
وبعيداً عن تشغيب خوارج العصر أعرض ههنا بفضل الله ما تقرر لدينا معشر أهل السنة والجماعة في هذه المسألة.
* أولاً : لأحناف.
- قال الإمام الزيلعي في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (1/234): [(قَوْلُهُ: يُلَقَّنُ لِظَاهِرِ مَا رَوَيْنَا إلَخْ) وَنُسِبَ إلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَخِلَافُهُ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ. اهـ. كَمَالٌ قَالَ قَاضِي خَانْ: إنْ كَانَ التَّلْقِينُ لَا يَنْفَعُ لَا يَضُرُّ أَيْضًا فَيَجُوزُ. اهـ. قَالَ فِي الْحَقَائِقِ قَالَ صَاحِبُ الْغِيَاثِ سَمِعْت أُسْتَاذِي قَاضِي خَانْ يَحْكِي عَنْ ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ أَنَّهُ لَقَّنَ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَ دَفْنِهِ، وَأَوْصَانِي بِتَلْقِينِهِ فَلَقَّنْتُهُ بَعْدَ مَا دُفِنَ ثُمَّ نَقَلَ صَاحِبُ الْحَقَائِقِ مَا نَقَلَهُ أَوَّلًا عَنْ قَاضِي خَانْ.وَعِبَارَتُهُ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي بَابِ الشَّافِعِيِّ وَيَحْسُنُ التَّلْقِينُ وَالتَّسْمِيعُ، قَالَ فِي الْحَقَائِقِ ذَكَرَ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ الصَّفَّارُ فِي التَّلْخِيصِ أَنَّ تَلْقِينَ الْمَيِّتِ مَشْرُوعٌ لِأَنَّهُ تُعَادُ إلَيْهِ رُوحُهُ، وَعَقْلُهُ وَيَفْهَمُ مَا يُلَقَّنُ قُلْت وَلَفْظُ التَّسْمِيعِ يُخَرَّجُ عَلَى هَذَا وَصُورَتُهُ أَنَّهُ يَقُولُ يَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ اُذْكُرْ دِينَكَ الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ رَضِيتَ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا، وَعَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةُ لَا يُفِيدُ التَّلْقِينُ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ عِنْدَهُمْ مُسْتَحِيلٌ.]اهـ
- قال الإمام أبو بكر الزبيدي في الجوهرة النيرة (1/102) : [وَأَمَّا تَلْقِينُ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ فَمَشْرُوعٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِيه فِي الْقَبْرِ وَصُورَتُهُ أَنْ يُقَالَ يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اُذْكُرْ دِينَك الَّذِي كُنْت عَلَيْهِ وَقَدْ رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا.]اهـ
- وقال الإمام ملا خسرو في درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 160) : [وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَأَمَّا تَلْقِينُ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ فَمَشْرُوعٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِيهِ فِي الْقَبْرِ وَصُورَتُهُ أَنْ يُقَالَ: يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانَةَ أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اُذْكُرْ دِينَك الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ وَقُلْ رَضِيتُ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَالْأَشْهَرُ أَنَّ السُّؤَالَ حِينَ يُدْفَنُ وَقِيلَ فِي بَيْتِهِ تُقْبَضُ عَلَيْهِ الْأَرْضُ وَتَنْطَبِقُ كَالْقَبْرِ، فَإِنْ قِيلَ هَلْ يُسْأَلُ الطِّفْلُ الرَّضِيعُ فَالْجَوَابُ أَنَّ كُلَّ ذِي رُوحٍ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَإِنَّهُ يُسْأَلُ فِي الْقَبْرِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ لَكِنْ يُلَقِّنُهُ الْمَلَكُ فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ رَبُّك ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: قُلْ اللَّهُ رَبِّي ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: مَا دِينُك ثُمَّ يَقُولُ لَهُ قُلْ دِينِي الْإِسْلَامُ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ مَنْ نَبِيُّك ثُمَّ يَقُولُ لَهُ قُلْ نَبِيِّ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُلَقِّنُهُ بَلْ يُلْهِمُهُ اللَّهُ حَتَّى يُجِيبَ كَمَا أَلْهَمَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْمَهْدِ.]اهـ
- وقال الإمام ابن عابدين في الدر المحتار (2/ 191) : [مَطْلَبٌ فِي التَّلْقِينِ بَعْدَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُلَقَّنُ بَعْدَ تَلْحِيدِهِ) ذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْخَبَّازِيَّةِ وَالْكَافِي عَنْ الشَّيْخِ الزَّاهِدِ الصَّفَّارِ: أَنَّ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ بَعْدَ الْمَوْتِ عِنْدَهُمْ مُسْتَحِيلٌ أَمَّا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ فَالْحَدِيثُ أَيْ «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِيهِ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّلْقِينِ بَعْدَ الدَّفْنِ فَيَقُولُ: يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ اُذْكُرْ دِينَك الَّذِي كُنْت عَلَيْهِ مِنْ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَأَنَّك رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا» . اهـ. وَقَدْ أَطَالَ فِي الْفَتْحِ فِي تَأْيِيدِ حَمْلِ مَوْتَاكُمْ فِي الْحَدِيثِ عَلَى حَقِيقَتِهِ مَعَ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ أَوْ لَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: إنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَجَازُهُ ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا لَا يُنْهَى عَنْ التَّلْقِينِ بَعْدَ الدَّفْنِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ بَلْ نَفْعٌ فَإِنَّ الْمَيِّتَ يَسْتَأْنِسُ بِالذِّكْرِ عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْآثَارِ إلَخْ.
قُلْت: وَمَا فِي ط عَنْ الزَّيْلَعِيِّ لَمْ أَرَهُ فِيهِ وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ قِيلَ يُلَقَّنُ لِظَاهِرِ مَا رَوَيْنَاهُ وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ لَا يُؤْمَرُ بِهِ وَلَا يُنْهَى عَنْهُ اهـ وَظَاهِرُ اسْتِدْلَالِهِ لِلْأَوَّلِ اخْتِيَارُهُ فَافْهَمْ.]اهـ