موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 21 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: بمناسبة مولاد سيدنا حضرة النبى سيدنا محمد صلى الله عليه
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين أكتوبر 14, 2024 8:49 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء يناير 06, 2009 4:44 pm
مشاركات: 6308


بمناسبة ذكرى المولد الشريف

للأستاذ محمد فريد وجدى

مجلة نور الاسلام لسنة 1353هـ



ذكرى مولد حضرة سيدنا النبى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

فى صبيحة الآثنين التاسع من شهر ربيع الأول الموافق لعشرين أبريل سنة 571 م وضعت السيدة آمنة بنت وهب القرشية أرملة سيدنا عبد الله بن عبد المطلب ولدا أسمته ( محمدا ) فاعطته على عادة العرب فى تنشئة أبنائهم بالبادية لحليمة بنت أبى ذؤيب السعدية فمكث لديها أربع سنين ؟ ثم أخذته أمه وسافرت به إلى المدينة لزيارة أخوال أبيه ، وبينما هى عائدة إلى مكة أدركتها الوفاة ، فدفنت بالأبواء ، وهى قرية بين مكة والمدينة ، فأحتضنته أم أيمن ، وكفله جده عبد المطلب سيد بنى قريش ، فتوفى جده وعمره صلى الله عليه وسلم ثمان سنين ، فكفله عمه ابو طالب .

ولما بلغت سنة اثنتى عشرة سنة أخذه عمه معه إلى الشام ولم يلبث بها طويلا .
ولما كانت سنة عشرين سنة سافر إلى الشام ثانية فى تجارة السيدة خديجة بنت خويلد رضى الله تعالى عنها إحدى عقائل قريش ، وكانت ذات مال ونسب ، فأربح تجارتها مالا جما . فلما آنست نجابته وامانته ورجحان عقله أرسلت تخطبه لنفسها ، فقبل وتزوجها ، وكان لها ولد اسمه هالة من رجل يدعى ابا هالة مات عنها وترك لها ذلك الولد ، فرباه حضرة سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم

لم يرث رسول الله صلى الله عليه وسلم من والده شيئا ، ولكن كان يرعى الغنم مع إخوته من الرضاع فى البادية ، وكذلك كان عمله لما عاد إلى مكة . ولما شب مارس التجارة بمكة .

سيرته صلى الله عليه وسلم قبل النبوة

كان أقوم الناس سيرة ، وأحسنهم سمعة ، وأكملهم أخلاقا ، لم تعهد عليه بادرة من كذب أو رياء أو خيانة .

أما صفاته الجسدية ، فكان كما قلا على بن أبى طالب رضى الله عنه : ( لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطويل الممغط ( أى الكثير الطول ) ، ولا بالقصير المتردد ( والمتردد الشديد القصر ) وكان ربعة من القوم ، لم يكن بالجعد ولا بالسبط ( أى أن شعره لم يكن مجعدا ولا مرسلا ولكنه كان وسطا ) ولم يكن بالمطهم ولا بالمكلثم ( المطهر السمين والمكلثم المدور الوجه ) ، أبيض مشربا بحمرة ، أدعج العينين ، أهدب الأشفار ( أى واسع العينين مع شدة سوادهما وطويل شعر الجفون ) ، أجرد ذو مسربة ( أى قليل الشعر له شعر بين الصدر والسرة ) ، شثن الكفين والقدمين ( أى سمينهما ) ، إذا مشى تقلع كأنما ينحط من صبب ( أى مشى كأنه ينحدر ) ، أجود الناس صدرا ، وأصدقهم لهجة ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشرة ، من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة احبه ، يقول ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله )

بدء الوحى

لما بلغ النبى صلى الله عليه وسلم الأربعين من عمره ، وكان ذلك فى أول قبراير سنة 610م ، بدىء من الوحىلا بالرؤيا الصادقة ، ثم حبب اليه الاختلاء بنفسه للتعبد ، فكان يمضى إلى غار فى جبل حراء بقرب مكة ،فيختلى فيه تارة عشر ليال ، وتارة أكثر ، إلى شهر ؟

فبينما هو قائم فى بعض الأيام على الجبل إذ ظهر له شخص وقال له : أبشر يا محمد ، أنا جبريل وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذه الأمة ، ثم قال له : اقرأ ، فقال : ليست بقارىء ( أى أنا لا أدرى القراءة ) ، فأخذه فغطه بالنمط الذى كان ينام عليه حتى بلغ به الجهد ، ثم ارسله وقال له : اقرأ ، فقال : ما أنا بقارىء ، ففعل به كالأول ، ثم قال الثالثة ، فأجاب بما أجاب به أولا وثانيا ، فغطه ثم أرسله وقال : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}
فقرأها كما لقنها له جبريل

فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة خائفا مروعا وهو يقول : زملونى زملونى ، أى غطونى غطونى ، فلما زال عنه الروع أخبر خديجة بما حدث له ظانا أن الذى ظهر له شيطان ، فقالت له : ( لا والله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقرى الضيف ، وتعين على نوائب الحق ، فلا يسلط الله عليك الشياطين )

ثم أخذته وانطلقت به الى عمها ورقة بن نوفل ، وكان شيخا عارفا بأحوال النبوات ، وأخبرته بما خدث له ، فقال ورقة : هذا الناموسى الذى نزل لله على موسى .

ثم فتر الوحى حتى يئس رسول الله صلى الله عليه وسلم من عوده ، واصابه لذلك كرب عظيم ، وبينما هو يمشى إذ سمع صوتا ،فنظر صوبه فإذا بالشيخ الذى ظهر له ، فعاوده الرعب ، فذهب الى خديجة وهو يقول : ( دثرونى دثرونى ) أىعطونى ، فأنزل الله عليه قوله (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ )

فقام من فوره يدعو الناس إلى دينه سرا ، فلباه نفر من قومه ، ثم أمره الله بأن يدعو للإسلام عشيرته الأقربين ، فجمعهم وخطب فيهم قائلا ( إن الرائد لا يكذب أهله ، والله لوكذبت الناس جميعا ما كذبتكم ، ولو غررت الناس جميعا ما كذبتكم ، ولو غررت الناس جميعا ما غررتكم .
والله الذى لا إله إلا هو إنى لرسول الله اليكم خاصة ، والى الناس كافة )


فتكلم القوم كلاما لينا إلا عمه أبا لهب فإنه قال : خذوا على يديه قبل أن يجتمع عليه العرب ، فإن أسلمتموه إذا ذللتم ، وإن منعتموه قتلتم

ثم أمره الله تعالى بدعوة الناس كافة ، فأخذ يغشى مجالس قريش يدعوهم للاسلام فهزءوا بدعوته ، وسخروا منها ، ولما أخذ ينزل القرآن فى النعى عليهم والتشير بآلهتهم تذمرت قريش وأخذت فى اضطهاده من آمن به ، وتمادوا فى ذلك حتى قاطعوهم واضطروهم لآن يلتجئوا الى شعب فى الجبل يمتنعون فيه من أعدائهم ، فمكثوا فيه ثلاث سنين .

فلما اشتد عليهم الأذى استأذنوا النبى صلى الله عليه وسلم فى الهجرة إلى الجبشة فأذن لهم ن واستمر هو يدعو الناس الى دينه ، ويعرض نفسه على القبائل فى موسم الحج طالبا أن تحمى دعوته ، فلم تقدم واحدة منها على ما يندبها اليه

فلما جاء الموسم فى السنة الحادية عشرة من مبعثه ، تعرض لجماعة من بنى الخزرج الذىن يسكنون يثرب مع بنى الأوس ، فدعاهم للاسلام فصغت إليه قلوبهم فآمنوا به ، ووعدوه أن يخبروا قومهم ويعودوا اليه فى الموسم المقبل ، فلما اقبل الموسم حضر منهم اثنا عشر رجلا منهم رجلان من بنى الأوس فبايعوه على الأسلام ، فلما عادوا إلى مدينتهم أخذوا ينشرون بها الاسلام ، فلما كان موعد الحج أقبل منهم ثلاثة وسبعون نفرا منهم امرأتان ، وواعدوه على الاجتماع ليلا فى أحد شعاب مكة حتى لا يشعر بهم القرشيون ، فاجتمعوا هناك واتفقوا معه على الجهاد فى نشر دعوته ومقاتلة الأبيض والأحمر فى سبيلها حتى تكون كلمة الله هى العليا ، وطلبوا اليه ان يهاجر إليهم .

فأخذ النبى صلى الله عليه وسلم من ذلك الحين يأمر الذين آمنوا به أن يهاجروا غلى يثرب ، ففعلوا متسللين اليها سرا ، زرافات ووحدانا ، حتى لم يبق فى مكة غيره وغير أبى بكر وعلى والمستضعفين الذين لم يستطيعوا الهجرة ، وشعر القرشيون بالأمر فأتمروا على قتله فأعلمه الله بما عزموا عليه وأمره بالهجرة ، فأمر عليا أن يبيت على فراشه ، وخرج هو وابو بكر خفية قاصدين المدينة ، فلما انبثق الفجر لجأوا الى غار مهجورة فاختبأوا به ، فلما أدرهم الطلب لم يجرؤ أحد على دخول الغار ، ولم يدر بخلدهم أن محمدا وصاحبه قد لجأ اليهه ، فتركوها وعادوا إلى مكة ، فلما انصرف المشركون عادوا السير قاصدين المدينة حتى وصلاها ، فاستقبلهما كبار أهلها بالترحاب والفرح الكبير ، وكان ذلك فى 20 سبتمبر سنة 622 ميلادية ، ثم ارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من يحضر له أهله ، فأحضروهن ، وبقى فى مكة قليل من المسلمين منعهم المشركون من الخروج منها

أصبحت المدينة بإسلام أهلها وهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليها معقل الاسلام وبيئته ، فأخذ الوحى يتتابع على النبى صلى الله عليه وسلم ، واذن له فى القتال لحماية المسلمين وحماية الدعوة ، فحدثت بينه وبين اليهود وقريش وقائع كان النصر حليفه فيها كلها إلا وقعة أحد ، فقد أصاب المسلمين فيها قرح بسبب خطأ بعض فرق الجيش فى فهم كلام الرسول صلى الله عليه وسلم الذى أمرهم بالثبات فى اماكنهم ، وقد أظهر المسلمون فيها من ثبات الجأش والترابط ما أصبح مضرب الأمثال ، حتى مدحهم الله على ذلك بقوله : ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم )

ثم أنتهت هذه المعارك ودخل النبى صلى الله عليه وسلم مكى وكانت معقل قريش وبيئة أعدائه صلى الله عليه وسلم ، فكان ذلك نصرا لدين الله وفتحا مبينا ، واستراح قليلا ، ثم سار ويجانبه أبو بكر وهو يقرا سورة الفتح : ( إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا (1) لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا (2) وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصۡرًا عَزِيزًا (3) هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِيمَٰنٗا مَّعَ إِيمَٰنِهِمۡۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا) حتى انتهى صلى الله عليه وسلم الى البيت الحرام ، فطاف به سبعا وهو راكب على راحلته ، واستلم الحجر بمحجنه ، وكان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعنها بعود فى يده وهو يقول ( جاء الحق وزهق الباطل ، وما يبدىء الباطل وما يعيد )

ثم أمر بهذه الأصناح فأخرجت من البيت الحرام ، وفيها صورتا إبراهيم وإسماعيل وفى أيديهما الأزلام ، ثم دخل الكعبة وكبر فى جوانبها ، ثم خرج إلى مقام إبراهيم وصلى فيه ، ثم شرب من ماء زمزم وجلس فى المسجد والناس حوله ، ثم قال : يا معشر قريش ما تظنون أنىفاعل بكم ؟ قالوا : خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم ، فقال عليه الصلاة والسلام : اذهبو فأنتم الطلقاء ، فأخذوا يبايعونه على الاسم ودخل الناس فى دين الله أفواجا .

(( يتبع ))








أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بمناسبة مولاد سيدنا حضرة النبى سيدنا محمد صلى الله عليه
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أكتوبر 16, 2024 7:22 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء يناير 06, 2009 4:44 pm
مشاركات: 6308



تمرد بنى هوازن وبنى ثقيف

لما رأت هاتان القليلتان أن النبى صلى الله عليه وسلم قد دخل مكة وصار قريبا منهم ، حسدوه على هذه النعمة وخافوا على ما بأيديهم من الزعامة ، فاجتمع قادتهم وقرروا الهجوم علىه بمكة ، فجمعوا جيشهم وكان يبلغ ثلاثين ألفا ، وجعلوا عليه مالك بن عوف فأمرهم بأخذ نسائهم وأموالهم معهم ليدافع كل منهم عن أهله وماله فلا ينهزم

فخرج اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اثنى عشر الف مقاتل ، فقال بعض أصحابه لبعض : لن نهم اليوم من قلة ، فغضب النبى صلى الله عليه وسلم ، لأن نصره ما كان بكثرة العدد وإنما كان بتأييد الله

فتقدمت مقدمة المسلمين صوب العدو فخرج لهم كمين كان قدأعده المشركون ، وقابلهم بوابل من السهام ، فولوا مدبرين ، وتبعهم فى الهزيمة من وراءهم

أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبت على بغلته ، وثبت معه عدد قليل من الأنصار والمهاجرين ، وصار ينادى باعلى صوته : ألى أيها الناس ، فلا يلوى عليه احد حتى بلغت فلول الجيش مكة

ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتا مكانه ثم قال لعمه العباس ، وكان جهير الصوت : ناد بالأنصار ، فناداهم ، فسمعه من بالوادى ،فأقبلوا اليه يقولون : لبيك لبيك ، ويريد كل واحد منهم أن يلوى عنان بعيره فيمنعه تدافع المنهزمين ، فيرمى بدرعه وينزل عن بعيره ناحيا نحو الصوت ، حتى اجتمع الى النبى صلى الله عليه وسلم منهم عدد كبير ، فهجم بهم على الأعداء هجمة صادقة ، فتشتتوا تاركين اموالهم ونسائهم ، فاحصيت الغنائم فبلغت اربعة وعشرين ألف بعير ، وأكثر من أربعين ألف شاة ، واربعة آلاف اوقية من الفضة

وقد دعيت هذه المعركةو بغزوة حنين ، وفيها أنزل الله تعالى قوله "

(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ )

فجعل الله هزيمتهم جزاء لهم على إعجابهم بكثرتهم ، تمحيصا لقلوبهم ، وتطهرا لنفوسهم ، ليعلموا أن الله كان ينصرهم تأييدا منه على ضعفهم وقلة عددهم ، لا بسبب كثرتهم وحسن استعدادهم

بعد هذه المعركة لم يبق فى جزيرة العرب قبيلة يخشى بأسها على الاسلام والمسلمين

غزوة تبول

لم يندب النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه لمحاربة أعداء الاسلام من العرب وحدهم ، ولكن من جميع الخلق ، ولذلك لما بلغه أن الرومانيين يتجهزون لقتاله دعا أصحابه لغزوهم فى بلادهم ، فخرج على رأسى ثلاثين ألف ، ولم يبال بما يروى عن كثرة عددهم ، ودربه جيوشهم وقادتهم ، فطالت ألسنة المنافقين فى التشهير بهذا الأمر ، فقال كبيرهم عبد الله ابن أبى : يغزو محمد بنى الأصفر يحسب أن قتالهم معه اللعب ، والله لكأنى بهم مقرنين فى الحبال ؟ وارجف قوم آخرون بغير ذلك ، فلم يأبه النبى صلى الله عليه وسلم بهذا كله لأن الله وعده النصر على أعدائه ، فلما صول الى تبوك على حدود المملكة الرومانية لم يجد أحدا ، فأقام أياما جاءه فى خلالهما يوحنا صاحب إيلة ومعه أهل جرباء وأذرح وميناء ، وكانوا تابعين للرومانيين ، فصالحهم على الجزية

ثم استشار أصحابه فى الرجوع أو التقدم فأشاروا عليه بالرجوع فرجع

حجة الوداع

حج النبى صلى الله عليه وسلم بالناس فى السنة العاشرة للهجرة ، وخطب فيها خطبة جامعة ودع فيها الناس ، ولم يحج بعدها ، فلما وصل الى البيت طاف به واستلم الحجر ، وصلى ركعتين وشرب من ماء زمزم ، ثم سعة راكبا بين الصفا والمروة ، وكان إذا صعد الصفا يوقل : لا إله إلا الله ، الله أكبر ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثم توجه الى منى فى الثامن من ذى الحجة فبات بها ، وفى التاسع من الشهر المذكور قصد عرفة ، وهناك خطب خطبته المشهورة بخطبة الوداع ، وهى :

(( الحمدلله نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونتوب اليه ، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .

(( أوصيكم عباد الله بتقوى الله ، وأحثكم على طاعته ، واستفتح بالذى هو خير ))

أما بعد : أيها الناس ! اسمعوا منى أبين لكم ، فإنى لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا فى موقفى هذا .

(( أيها الناس : إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا . ألا هل بلغت ، اللهم فاشهد .

(( فمن كانت عنده أمانة فليردها الى من ائتمنه عليها ، وغن ربا الجاهلية موضوع ، وأول دم ابدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث ، وإن مآثر الجاهلية موضوع ، غير السدانة والسقاية .

(( والعمد قود ( أى أن فى قتل العمد قصاصا ) ، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر ، وفيه مائة بعير ، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية .

( أيها الناس : إن الشيطان قد يئس أن يعبد فى أرضكم هذه ، ولكنه قد رضى أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم .

(( أيها الناس : النسىء زيادة فى الكفر (1) يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله ، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، وإن عدة الشهوراثنا عشر شهر فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض ، منها أربعة حرم ، ثلاث متواليات وواحد فرد : ذو القعدة وذى الحجة والمحرم ورجب الذى بين جمادى وشعبان . ألا هل بلغت ، اللهم اشهد .

ايها الناس : إن لنسائكم عليكم حقا ، ولكن عليهن حق " إن لا يوطئن فراشكم غيركم ، ولا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ، ولا يأتين بفاحشة ، فإن فعلن فإن الله أذن لكم أن تعضلوهن ( أن تمسكوهن وتضيقوا عليهم ) ، وتهجروهن فى المضاجع ، وتضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وإنما النساء عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا ( أى ضعاف ) ، أخذتموهن بأمانة الله ،واستحللتهم فروجهن بكلمة الله ، فاتقوا الله فى النساء ، واستوصوا بهن خيرا ، ألا هل بغلت ، اللهم اشهد

( أيها الناس : إنما المؤمنون إخوة ، ولا يحل لامرىء مال أخيه إلا عن طيب نفس منه ، ألا هل بلغت ، اللهم اشهد
0 فلا ترجعن بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، فإنى قد تركت فيكم ما إن اخذتم به لن تضلوا بعدى : كتاب الله . ألا هل بلغت ، اللهم اشهد

_ أيها الناس : إن ربكم واحد ، وإن اباكم واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب ، أكرمكم عند الله أتقاكم ، ليس لعربى فضل على عجمى إلا بتقوى ، ألا هل بغلت ، الله اشهد ، فيبلغ الشاهد منكم الغائب

( أيها الناس : إن الله قسم لكم وارث نصيبله من الميراث ، ولا تجوز لوارث وصية فى أكثر من الثلث ، والولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، من ادعى الى غير أبيه أوتولى غير مواليه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ))

وفى هذا اليوم نزل قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )


مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم :

فى أوائل صفر من السنة الحادية عشرة ، شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانحراف فى صحبته ، ثم اشتد عليه المرض حتى تعذر خروجه للصلاة واناب عنه أبا بكر ، فلما علم الناس باشتداد المرضى عليه قلقوا غاية القلق وأحاطوا بالمسجد ، فدخل على النبى عمه العباس وأعلمه بما هم عليه من الكرب ، فخرج عليه الصلاة والسلام معصوب الرأس ، متوكئا على على والفضل ، ومشى يخط برجليه الأرض حى جلس فى أسفل مرقاة المنبر ، واجتمع الناس اليه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :

( أيها الناس بلغنى أنكم تخافون من موت نبيكم ، هل خلد نبى قبلى فيمن بعث الله فأخلد فيكم ? ألا إنى لاحق بركم ، وإنكم لاحقون بى ، فأوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرا ، وأوصيى المهادرين فيما بينهم ، فإن الله تعالى يقول : ( والعصر إن الانسان لفى خضر ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصو بالصبر ) وإن الأمور تجرى بإذن الله عز وجل ، لا يعجل بعجلة أحد ، ومن غالب الله غلبه ، ومن خادع الله خدعه ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم ) وأوصيكم بالأنصار خيرا ، فإنهم تبوءوا الدار والإيمان من قبلكم ، أن تحسنوا اليهم . ألم يشاطروكم فى الثمار ، ألم يوسعوا لكم فى الدار ، ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم الخصاصة ? ألا فمن ولى أن يحكم بين رجلين فيقبل من محسنهم ، وليتجاوز عن مسيئهم ، ألا ولا تستأثروا عليهم ، ألا وغنى فرط لكم ، وأنتم لاحقون بى ، ألا فإن موعدكم الحوص ، ألا فمن أحب ان يرده على غدا فيكفف يده ولسانه إلا فيما ينبغى )

ولما كان يوم الاثنين ثالث عشر ربيع الأول والناس يصلون وامامهم ابو بكر إذا برسول الله صلى الله عليه وسلم قد كشف سجف حجرة عائشة فنظر اليهم وهم صفوف ثم تبسم يضحك ، فرجع أبو بكر على عقبه ليدخل الى الصف ، ظنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الصلاة بالناس ، وكان يفتتن المسلمون فى صلاتهم فرحا برسول الله ، فأشار اليهم بيده أن أتموا صلاتكم ، ودخل الحجرى وارخى الستر .

فلما كانت ضحوة ذلك اليوم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بربه ، وكان ذلك يوم 13 ربيع الأول سنة 11 للهجرة ، الموافق 8 يونيو سنة 632 ميلادية ، فيكون قد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا وستين سنة قمرية وثلاثة ايام .

فلما شاع الخبر اشتد الأمر على الناس وحاروا فى أمرهم ، فصعد أبو بكر المنبر وخطبهم قائلا : ألا من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت ، ثم تلا قوله تعالى : ( إنك ميت وإنهم ميتون ) وقوله تعالى ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، أفإن مات أو قتل أنقلبتم على أعقابكم ، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شئيا ، وسيجزى الله الشاكرين )

فكانت هذه الخطبة سكنا للقلوب الواجفة ، ورقودا للدموع الواكفة ، ومضى الناس فى الطريق الذى نهجه لهم النبى صلى الله عليه وسلم ، وكتانب الله يقدمهم حتى بلغوا بأمتهم الأوج الذى يحدثنا عنه التاريخ ، ولم تبلغ اليه امة قبلهم ولا بعدهم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بمناسبة مولاد سيدنا حضرة النبى سيدنا محمد صلى الله عليه
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أكتوبر 16, 2024 1:51 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء يناير 06, 2009 4:44 pm
مشاركات: 6308



-----------------------------------------------
1- النسىء المراد به تعديل الأشهر على حسن أهوائهم ، فاذا أرادوا الحرب فى شهر من الشهر الحرم أحلوه وحرموا شهرا من شهور الحل وجعلوه حراما مكانه
-----------------------------------------------------------

نظرة عجلى على ماسبق

هنا يتساءل العقل : أى صنف من الناس كان محمد بن عبد الله ? حكيما ? مصلحا ? موجدا لأمة ? بانيا لدولة ، مؤسسا لدين ، واضعا لدستور ? أم كان كل هؤلاء كان فى شخص واحد ?

هنا يتخل العلم ويقول : الحكيم مهما حلق فى سماء الحكمة ، فلا يستطيع أن يخرق نظام الكون فيقلب الأحوال الىعكس ما هى عليه فى سنوات معدودة .

والأخلاق ليست من المرونة بحيث يستطيع أن يطبعها المصلح على ما يريد من طريق الطفرة ، ولكن إصلاحها يقتضى أجيالا متعاقبة لتستوفى فى خلالها أدوار التطورات الطبيعية المقررة ، والقبائل ليست كلأحجار يضع منها البناء حجرا على حجر ، فشيد منها ما يشاء من المبانى الاجتماعية ، ولكن لا بدلها من أدوار متعاقبة تمر بها فى عصور متتالية لتصلح أن يتألف من مجموعها أمة . والدول لا تبنى من لا شىء ، فلا بد أن يبسبقها دويلة قابلة للتطوير بعوامل شتى تدفعها للتكمل فى آماد متواصلة ، والدستور لا يكون إلا ثمرة ثقافية شرعية عميقة الجذور فى حياة الأمة التى تضطلع بأعبائه ، وأين هذا الشرط فى حياة الأمة العربية ، وقد كانت فى فوضى ليس وراءها مذهب ?

هذا ما يقوله العلم فى هذا الموطن ، فإن عده محالا ، فهو أمام أمر واقع ظهر عل ىيد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فإما أن يعلله بعلل علمية ، وإما أن ينكر وقوعه ، أما تعليله فممتنع كما رأيت ، وأما إنكار الواقع فليس اليه من سبيل ، فهل من مخرج من هذه الحيرة ?

نعم : هو أننعتقد أن سيدنا محمدا كان رسولا لله ، صدر فى كل أموره عنه ، وتأيد بروجح منه . فإن قلت فما الدليل على بنوئته ? فهنا موطن العجب العاجب ! رجل يدعى أنه نبى ويعجز العقل والعلم عن تعليل بعض ما قام به من عظائم بذ بها الحكماء والمصلحين وفاق القادة والمشترعين ، وشأى العياهلة والمملكين ، وصغر شأن الفلاسفة الأولين والآخرين ، رجل يأتى بكل هذا لا يمكن أن يتصوره العقل مصلحا كبقية المصلحين لأن ما قام به من الأعمال ، لا يأتيه إنسان موكول الى قواه الذاتية

ما أحسن ما قاله الفليسوف الأنجليزى الكبير ( كارلايل ) فى كتابه ( الأبطال وديانة الأبطال ) :

أى دليل تريد على صحة قول من يدعى لك أنه بناء ، أقوى من أن يبنى لك بيتا كبيرا يسع الملايين ، ومن المتانة بحيث يبقى مئات السنين ? كذلك أى دليل تبغى على صدق سيدنا محمد فيما يدعيه من النبوة أكبر من يأتى للناس بدين يهيديهم به ، ويدفعهم فى طريق الحياة الفاضلة ، وأن يبقوا محافظين عليه ومتحمسين له أكثر من اثنى عشر قرنا ? ألا فليعلم الناس أن مثل الباطل كمثل ورق البنك الزائف يمر من يد ويدين ، ثم يضبط ويعرف أنه زائف ، فلا يرفع به احد رأسا ، ولكن الاسلام هدى العقول كل هذه الأجيال ، وأهله أشد اعتدادا وتمسكا به من أية أمة بدينها فى الأرض )

محمد فريد وجدى
مجلة نور الاسلام - الجزء الأول - المحرم سنة 1353 - المجلد الخامس



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بمناسبة مولاد سيدنا حضرة النبى سيدنا محمد صلى الله عليه
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس أكتوبر 17, 2024 1:39 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء يناير 06, 2009 4:44 pm
مشاركات: 6308


مولد النبى صلى الله عليه وسلم



ورد رسالة الأزهر الجلية خطاب من حضرة الأستاذ الشيخ عبد المجيد قرشى من بلدة بنتى يلاهور من الهند فى الدعوة إلى إقامة حفلات عامة لذكرى مولد النبى صلى الله عليه وسلم فى اليوم الثانى عشر من ربيع الاول –

فأجابه حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر بخطاب يحيذفيه الدعوة ويشكره على هذه الهمة ، وبعص اليه صحبة الخطاب الرسالة الأتية : -

إن الاحتفال بالذكريات العظمى وتمجيد أيام النعم الكبرى أقوى أمارات ارقاء الشعور وحياة الوجدان ، وهو ما يساعد المنهم عليه على أن يعرف للنعمة قدرها ويقوم بواجب شكرها ، وذلك حق محتوم على كل من انتفع بهذه النعمة وجنى ثمرة من ثمارها , ولله على عباده نعم لا يحصيها العد ولا تقف عند حد ، تتفاوت مقاديرها بحسب عموم أثرها وعظم خطرها ودوام النفع بها . وإن من أعظم النعم خطرا ، واعمها أثرا وأدومها نفعا ، وأجملها وقعا ، رحمة الله التى بسطها على جميع العالمين ليهيدهم بها الى سعادة الدارين ، ذاك هو ظهور النور المحمدى ، ومولد صفوة الله من خلقه ، الذى خاطبه جل شأنه بقوله : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) فقد جاءت شريعته الغراء كفيلة بسعادة الحياتين ، وانتفع بها جميع العالمين فى الدارين .

أما الانتفاع العاجل فى الدنيا فحسبك منه ان تعرف ما كان عليه العالم قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت الدولتان المهيمنتان على معظم المعمور فى الشرق والغرب ( فارس والروم ) تقتسمان العالم اقتسام امتلاك ، فتفرضان على رعاياهما من صنوف الإذلال والإرهاق ما جعل الحياة بؤسا والعيس شقاء وجحيما ، وطال عهد ذلك بالناس حتى حسبوه من لوازم الحياة ، فنشئوا وكأنهم يعتقدون أن الناس بطبعهم صنفان : صنف خلق للسيادة والعز ، وآخر خلق للعبودية والمذلة ، وتربت على ذلك نفوسهم حتى استكانوا للشقاء وخنعوا للإنات ، وملك الطغيان رءوس ساداتهم فأغلوا فى إرهاق العالم وتزاحموا على الثرة بالسيادات حتى وقع العالم فى لجة عميقة من الاضطراب وارتباك الحياة ، فعم البؤس طبقات الناس ، وكانت الحياة جد مريرة ، فلما جاء الاسلام أزال الفوارق الجنسية ، وقرر مبدأ المساواة فى أصل الخلقة ، وأن التفاضل بينهم إنما يكون بما يبدو من آثارهم وعظيم الانتفاع بهم فى الدين والدنيا ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم ) ففتح بذلك باب جديد من ابواب سعادة البشر ، وهو باب ( خير الناس أنفعهم للناس ) وأكرم الناس عند الله أتقاهم ، فرد طغيان الطاغين ، وكبخ جماح الجامحين ، وعاد التنافس فى النفع وتقديم الخير على النوع البشرى باظم المنافع .

وكذلك كان العلم محتكرا لطائفة من الناس يحجرونه عن غيرهم ، ويقصرون الاعتزاز به على من يختارون ، فكان فى دائرة ضيفة خاليا من المنافسة التى تشحذ العزائم وتزكى العمم ، فقرر الاسلام إباحة ساحته ، بل اكد فى الحث عليه والترغيب فيه ن ووضع قاعدة ( خلق لكم ما فى الأرض جميعا ) وقرنها بقاعدة ( أو لم يتفكروا فى السماوات والأرض ) وأطلق الفكر من كل عقال ، ما لم يصطدم بإضرار أحد ، أو يطغ عل ىمقام العزة الإلهية ، أو يصطدم بحكم من الأحكام الدينية ، فكان فى هذا باب اوسع للسعادة البشرية ، وغير خاف ما عاد على العالم أجمع من تقرير هذيني المبدأين من عظيم النفع العاجل ، وهما مبدأ انتزاع المفاضلة بالأجناس وتوطها بنفع الناس ، ومبدأ إباحة العلم لكل من هو أهل له .

وأما الانتفاع الآجل فى الآخرة فحسبك منه أن جعل سبيله واضحا ، وبابه مفتوحا سهل التوصيل لأعظم الغايات وهى السعادة الخالدة ، وقرن أحكامه بحكم ومصالح ترغب فيها العقول السليمة ، وكلما اعرض المرء عن سلوكه بمعصية فتح أمامه باب التوبة مع الترغيب وتأكيد الطلب ن فاذا فوت امرؤ بعض هذه المنافع على نفسه فليس ذلك بقادح فى عموم الرحمة ، فالشمس نعمة ولو على غير المبصرين ، وعسى أن ينتفع بشروقها الأعمى بأن يراه المبصر فلا يصطدم به فيؤذيه ، فضلا عما عاد عليه من منافعها الأخرى ,

فجدير بالمسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها بجميع الأمم نظرا لما عاد عليها من سنا ثوره مما اضاء لها سبل الحياة أن تعرف لهذا اليوم السعيد فضله على الانسانية جميعها

وإنه لما يملأ القلب سرورا والنفوس غيطة أن نرى فى الأقطار المصرية لهذا الموسم العظيم موسم المولد النبوى من مظاهر التعظيم والتبجيل ما لا يكاد يداينه موسم آخر ، فترى من عناية حضرة صاحب الجلالة ملك مصر الملك فؤاد الأول والحفاوة بهذا الموسم ما يناسب جلال صاحبه عليه السلام ، ويليق بعظيم آثار نعمته على العالم ، وتتبعه فى ذلك حكومته الرشيدة ،وتقتدى به فى هذاالعمل الجميل الأمة المصرية ، فلايكاد يهل هلال ربيع الأول من كل سنة حتى ترى أعظم ساحة فى القاهرة عاصمة الديار المصرية قد غصت بأفخم السرادقات ، متحلية بأبدا عالزينات ، متلألئة الأنوار بالثريات الكهربائية والمصابيخ المضيئة ، وفى سوطها سرادق الملك أعظم سرادق ممتاز بأبهته وجماله ، وسرادق الخاصة الملكية لإطعام الطعام على نفقه الجيب الملكى الخاص ، ويتبع ذلك سرادقات وزارات الحكومة ، ثم سرادقات العظماء وأرباب الطرق الصوفية ، وكأن لوامع الأنورا فيها تذكر بطلوع النور الإلهى ، نور الرحمة والهداية على العالم الرضى بمولده صلى الله عليه وسلم

وليس جمال تلك الأنورا الساطعة ليلا بأبهج رواء ولا أروع منظرا من هالات الموائد قد صفت عليها أشهى ألوان الطعمة ، تحيط بها دوائر من العقاة ، يطعمون مما يشتهون ، ويتعاقون عليها ليلا ونهارا ، فئة تنصرف وفئة تخلفها حتى يعم الفرح والسرور به الغنى والفقير ، فيصرف من ذلك فى الصدقات ، وإطعام الفقراء ، وإكرام الضيوف ، وإقامة الزينات ، ومظاهر السرور ، أموال طائلة من الجيب الملكى وخزانة الدولة وغيراد الأوقاف وتبرعات العظماء والأعيان ، فاذا ما وافت الليلة الثانية عشرة منه سارت مواكب أرباب الطرق الصوفية تؤم هذه الساحة الفيحاء ، ويستقبلها جلالة الملك بنفسه أوأعظم رجال فى الدولة بالنيابة عنه ، حفاوة بالموسم وإجلالا للذكرة

وفى صبحة اليوم الثانى عشر يتوجه جلالته أو من ينيبه للمشهدالحسينى حيث تتلى بمسمع منه قصة المولد الشريف بغاية التجلة والتعظيم ، وتجرى صورة من هذا فى المدن العظمى وسائر البلدان المصرية ، وفى هذا اليوم يستريح عمال الدولة فى كل مصالح الحكومة أسوة ببقية الأعياد الرسمية ، فترى فى ذلك عيدا تشترك فيه الأمة المصرية على بكرة أبيها ، ويكون مهرجانه أفخك مهرجان تشهده البلاد كل عام ، فيشمل الابتهاج به كل الطوائف من مسلمين وغير مسلمين

وإن فى ذلك لمظهر للشعور الراقى والوجدان الحى ، ومعرفة القدر وأداء واجب الشكر ، ويتبعه من آثار المحبة والوئام وانتشار السكينة والسلام ما يجل عن الوصف

نسأله جلت قدرته أن يديم نعمه على بنى الإنسان ، وأن يهيدهم الى مافيه السعادة الكاملة فى جميع الأزمان ، والله المستعان
=================================

من مجلة نور الاسلام التى تصدرها مشيخة الأزهر عام 1351 هـ - 1933م
المجلد الثالث ص 138




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بمناسبة مولاد سيدنا حضرة النبى سيدنا محمد صلى الله عليه
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة أكتوبر 18, 2024 4:54 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء يناير 06, 2009 4:44 pm
مشاركات: 6308


شهادة كبار الفلاسفة والمؤرخين
لحضرة سيدنا البنى الاعظم صلى الله عليه وسلم



الم المؤرخ الانجليزى المشهور المستر ( بو سوورت سميث ) بتاريخ خاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فى كتابه ( محمد والدين المحمدى ) فاظهر إنصافا يستحق أن يسجل له ، قال فى عرض كلامه عنه :

( وكما كان محمد رئيسا للدولة كان رئيسا للدين أيضا ، أى أنه كان قيصرا وبابا فى شخص واحد ن ولكنه كان بابا فى غير مزاعم البابا ، وقيصرا دون أن يكون له جيوش قيصر ؟ فاذا حق لإنسان أن يقول عنه نفسه إنه يحكم بحق إلهى فقد كان ذلك الإنسان محمدا ، إذ كان حاصلا على كل سلطان الحكم لا من طريق وسائله العادية ، ولا يمقوماته المعروفة

( كان محمد فى وقت واحد مؤسسا لأمة ، ومفيما لأمبراطورية ، وبانيا لدين ، وهو وإن كان أميا فقد أتى بكتاب يحوى أدبا وقانونا ، وأخلاقا عامة ، وكتبا مقدسة فى كتاب واحد ، وهو كتاب يقدسة إلى يومنا هذا سدس مجموع النوع البشرى ، لأنه معجزة فى دقة الأسلوب وسمو الحكمة وجلالة الحق ، كان يقول عنه محمد إنه معجزته الخالدة ، حقا إنه لمعجزة .

( ثم إذا نظرنا الى ظروف الأحوال ، والى ما كان لمحمد من الاحترام الفائق الوصف عند أتباعه ، وقارناه بآباء الكنسية وبقديسى القورن الوسطى ، فإن ادعى شىء للدهش فى محمد أنه لم يدع قط القدرة الذاتية على إحداث المعجزات ، نعم كان يفعل ما يقول ، وكان أتباعه يرونه يقوم بتحقيق كا ما يقول ، أفتريد بعد هذا برهان قاطعا على صحة صدقه وإخلاصه ?

لم يحرص محمد الى آخر حياته على شىء إلا على ذلك اللقب الذى تلقب به من أول أمره ن وهو لقب اعتاقد بأنه سيأتى يوم ترضى فيه أرق فلسفة ، وأخلص مسيحية أن تسلم له به ، وهذا اللقب هو أنه رسول ، رسول لله حقا ) أنتهى .

نقول : لقد وفق المستر ( بوسوورث سميث ) الى الصواب كله فيما ذكره عن خاتم النبين محمد صلى الله عليه وسلم ، وأكثر ما أعجبنا به من عبارته قوله : إنه يعتقد بأنه سيأتى يوم تسلم فيه أرقى فلسفة وأخلص مسيحية بأن محمدا كان رسول الله حقا .

نعم : وكيف يعقل غير ذلك وكل ما حال النبى صلى الله عليه وسلم يوجب التسليم له بالنبوة ? قال المؤرخ والفيلسوف الانجليزى المشهور ( كارلايل ) عند ذكره للنبى صلى الله عليه وسلم فى كتابه ( الأبطال وديانة الأبطال ) ما مؤداه : أرأيت إن ادعى لك رجل بأنه بناء ، أكتب تطلب اليه دليلا على صدقه أكثر من أن يبنى لك شيئا يوجب عليك التسليم له بهذا الوصف ? فما ظنط لو شيد لك بناء يسع مائتى مليون من النسمات ، ويبقى ما بناه سليما من العطب قروننا كثيرة ? فهذا محمد قد أعلن الناس أنه نبى ، وأتى لهم بدين دخل فيه نحو مائتى مليون منهم ، وبقى الى عهدنا هذا قوى الدعائم ركين الأركان ، واهله أشد تمسكا وحياله من أهل اآ دين كان لدينهم ، أتضن عليه النبوة وقد أقام على صدق قوله هذا البرهان ?

نقول نحن : هذا دليل محسوس يرضى به الفيلسوف المؤرخ الكبير وكبار العقول من العلماء ، ولكن قد لا يرضى به صغار العقول من الذين يتخيلون أن الصفات الذمية من التدليس والنزوير قد توصل الى النجاح الكبير ن وتقوم مقام الصفات النفسية العليا من الصدث وتقديس الحق ، بل منهم من يتوهم أن تلك أفعل فى تحصيل الصيت البعيد والفوز العظيم من هذه ، فمع هؤلاء يعجز التعليل ، ولا يجدى الدليل ، لا لضعف فيهما ، ولا لقصور منهما ، ولكن لجهل اوليك الخابطين ن وعمايتهم عن حقائق الشئون .

لا ننكر انه قد يبلغ المجد الكاذب رجل يعتمد على خسيس المحاولات استغلال لجهل الناس أوضعف أخلاقهم ، ولكن ذلك لا يخفى على أغبى رجل من معاصرية ،فيعلم أنه ما وصل الىما وصل اليه إلا عن طريق الخداع والملق والتلبيس ، فإذا مات تولاه التاريخ فكشف من حاله ما كان مستترا ، ونقده نقد الصيرف للدينار الزائف ، وبطل عمله كما يبطل كل ما لم يبن على أساس صحيح ، فإن كان يخلط عملا سيئا بىخر صالحا فرق التاريخ بين سيئه وصالحه ، كنا يفرق المحك بين الذهب الخالص وما شابه من الخبث الدخيل ، وعين النسب المضبوطة لكل منهما ، ولولا ذلك لكان أمر الناس فوضى ، وشأنهم مرتبكا مشوشا ، ولما كان للأعمال قسطاس مستقيم ، ولما ألهم الناس مدح الفضائل وذم الرذائل منذ ان يرأ الله الخق الى اليوم

إن الخيط بين الحق والباطل ، والصالح والطالخ ن مستحيل فى الأمور الطبيعية البحثة ، فلا يمكن أن تصادف فيها شيئا لا يجرى منها على قانون ثابت ، ونظام حكيم ، أفيعقل أن يكون ذلك جائزا فى الأمور المعنوية كالآدب الفاضلة والأخلاق الذميمة وهى أوضح عند الناس وأولى بأن تنال إجماعهم عليها

وغذا كان هذا مصير الباطل فى حياة الأفراد ، وذلك حاله من علم المعاصرين ونقدة التاريخ ، فما ظنط به فيما يختص بحياة الجماعات التى عرف بوده خاص ان شئونها مرتبطة بنواميس مقررة ، ونظم ثابتة ، ابنتى عليها علم هو أرفع جميع العلوم ، وهو علم الاجتماع البشرى ، فهل مما يعقل والحالة هذه أن يقوم فى جماعة منها مدلس فيجمع شتيتها ، ويوحد كلمتها ، ويقوم وجهتها ، ويعين غايتها ، وياتى لها بقانون حكيم يضمن حياتها ، ويقيم اودها ، ويكفل سلامتها ، ويقود تطوراتها ، ويحيى عوادف الصلاح والاستقامة فى نفوسها ، ويملؤها روحا وقوة وثابة تدفعها للنهوض المادى والأدبى على حال يحصل لها زعامة العالم وخلافة الله فى الأرض ?

هذا أمر يوجب الدهش ، فكيف يعقل من لديه مسكة من عقل ان نفسا مريضة منحلة كنفس مدلس كذاب تكون مصدرا لحياة أمة برمتها ، فتنقلها من الظلمات الى النور ، وتدفعها فى طريق الحياة الصحيحة حتى تبلغ بها الى زعامة العالم ن وهى درجة لا تنال اعتباطا ، ولكنها تتوقف على علم وعمل ن وفضائل خلقية ونفسية ، وعلى ذخر معنوى تستمد منه الأمة فى كل طور من أطوارها قوة على مكافحة المعضلات ، ومقاومة المحللامن كل ضرب ?

إن نشوء الأمة الاسلامية وقيامها وانتشارها فى الأرض ، واضطلاعها بالخلافة الاليهة فى العالم كله ، وتأسيسها لدولة بلغت من سعة الملك وقوة السلطان الى ما لم تبلغ إليه أمة قبلها ولا بعدها ، قد دوى فى العالم دويا لا يزال صداه يرن فى الآذان الى اليوم ، وقد تغيرت له خريطة العالم كله ، وقامت به أمم وسقطت أمم ، وماتت به لغات وحييت لغات ، أفيعقل أن تكون عوامل هذا الحادث الجلل الذى لم تر الأرض ما يشبهه مرتكزة على أساس من الكذب والزور والتدليس ن ودعامة من الختل والخديعة والتلبيس !

اللهم إن هذا محال : ويدل التأمل المجرد عن الهوى فى هذا الأمر أن محمدا كان نبيا حقا وخاتم المرسلين ، وأن أرقى فلسفة وأخلص مسيحية كما يقول المستر ( بوسوورث سميث ) ستسلم له بذلك كل التسليم ، صلى الله عليه وسلم صلاة وتسلليما يكونان إزاء مقامه المحمود ، وفضله المشهود

إلى اللقاء فى شهادة الكاتب الفيلسوف الانجلزيى برنارد شو ودخلو أوربا




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بمناسبة مولاد سيدنا حضرة النبى سيدنا محمد صلى الله عليه
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت أكتوبر 19, 2024 6:24 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء يناير 06, 2009 4:44 pm
مشاركات: 6308





شهادة كباار الفلاسفة للاسلام

برنارد شو يعتقد بأن أوربا ستدخل فيه



برنارد شو الكاتب الفيلسوف الانجليزى لا يحتاج لتعريف ، فهو ليس برجل عظيم فحسب ، ولكنه فى طليعة الأقذاذ ، والعالم كله يرقب حركاته وسكناته ، ويهتم بقراءة أخبارة ، ومن أخص مميزاته آلء جريئة يبديها بصراحة لا ييستطيعها غيره .

وهو ممن يعتقد عقيدة راسخة بأن الأمة الإنجليزية ستدخل فى الديانة الإسلامية قبل أن ينتهى هذا القرن

ولقد وقفنا على حديث له فى رسالة انجليزية عنوان ( نداء للعمل ) كشف فيها القناع عن عقيدته فى صلاحية الاسلام لجميع الأمم ، وفى كل الأطوار التى تدخل فيها فى أى مكان وزمان .

فقال فى ذلك الحديث أثناء سياحته فى بمباى :

( لقد وضعت دائما دين محمد موضع الاعتبار السامى بسبب حيويته المدهشة ، فهو الدين الوحيد الذى يلوح لى أنه حائز أهلية الهضم لأطوار الحياة المختلفة ، بحيث يستطيع أن يكون جذابا لكل جيل من الناس

لا مشاحة فى أن العالم يعلق قيمة كبيرة على نبوءات كبار الرجال ، ولقد تنبأت بأن دين محمد سيكون مقبولا لدى أوربا غدا ، وقد بدأ يكون مقبولا لديها اليوم ، وقد صور أكليروس القرون الوسطى الاسلام بأحلك الألوان ، إما بسبب الجهل ، أو بسبب التعصب الذميم

ولقد كانوا فى الواقع يمرنون على كراهية محمد وكراهية دينه ، وكانوا يعتبرونه خصما للمسيح ، ولقد درسته باعتباره رجلا مدهشا فرأيته بعيدا عن مخاصمة المسيخ ، بل يجب أن يدعى منقذ الانسانية ، وإنى لأعتقد بأنه لو تولى رجل مثله دكتاتورية العالم الحديث لنجح فى حل مشكلاته بطريقة تجلب الى العالم السلام والسعادة اللذين هو فى أشد الحاجة إليهما ، ولقد أدرك فى القرون التاسع عشر مفكرون مخلصون أمثال كارلايل وجوت وجيبون القيمة الذاتية لدين محمد ، وهكذا وجد تحول حسن فى موقف أوروبا من الاسلام ، ولكن أوروبا فى القرن الراهن تقدمت فى هذا السبيل كثيرا ، فبدأت تعشق عقيدة محمد ، وفى القرن التالى ريما ذهبت الى ابعد من ذكل ، فتعترف بفائدة هذه العقيدة فى حل مشاكلها ، فبهذه الروح يجب ان تفهموا نبوءتى ، وفى الوقت الحاضر كثيرون من أبناء قوى قومى ومن أهل اوروبا قد دخلوا فى دين محمد ، حتى ليمكن أن يقال إن تحول أوروبا الى الاسلام قد بدأ ( انتهى )

يرى القارئ مما مر أن الفيلسوف الأنجليزى برناردشو يعتقد عقيدة راسخة فى ان أوروبا قد بدأت تتعشق الإسلام ، وأن القرن الحادى والعشرين لن يمضى حتى تكون أوروبا قد اتخذته دينا لها ، وعهدت اليه فى حل مشاكلها .

وأحسن ما قاله فى حديثه هذا أن الاسلام هو الدين الوحيد الذى يعترف بالتطورات المختلفة للحساة البشرية ، ويستطيع أن يكون جذابا لجميع اجيالها

فهذه الأقوال لا تصدر إلا من رجل يكون قد عرف حقيقة الاسلام ، وشعر كيف يؤثر بجماله على القلب ن ويتسلط بجلاله على النفس ، وليس برناردشو أول من شعر بهذا ، فقد سبقه كثرون وعلى رأسهم ( جوت الفيلسوف الألمانى ) المشهور المتوفى سنة 1832 م وهو يعتبر من أكثر رجلات الألمان علما وعقلا وبعد نظر يؤثر عنه أنه نظر فى الاسلام فأعدبه فقال ( إذا كان هذا هو الاسلام فنحن إذا فيه )
وليس يخفى أن الألمانيين فى ذلك العهد كانوا مظهر الثقافة العلمية بكل ما فيها من مفيد وطريق

مما يلفت نظر الباحث الاجتماعى فى حديث الفيلسوف الانجليوى قوله : إن أوروبا ربما اعترفت بالعقيدة الاسلامية طلبا لحل مشاكلها ، وقوله قبل ذلك : إنه لو تولى رجل على مثل صفات محمد صلى الله عليه وسلم دكتاتورية العالم الحديث لنجح فى حل مشكلاته بطريقة تجلب اليه السلام ، والسعادة اللذين هو فى أشد الحاجة اليهما ، فهذه الأقوال ليست ملقاة على عواهنها ، ولكنها ثمرات بحث وتحليل وتفكير ، فإن القرآن الكريم أرصد لكل مسألة من مسائل الاجتماع حلا معقولا لا يدع للافراط والتفريط سبيلا الى العبث بالمجتمع ، وقد قام النبى صلى الله عليه وسلم بتطبيق ذلك النظام الإلهى على الآحاد الذين اتبعوه ، فألف منهم أمة ما فتئت تنموا وتستد وترقى الدرجات العلى فى كل مجال من مجلات النشاط العقلى والمادى ، حتى انتهت اليها زعامة العالم قرونا متواليه ن فكيف لا ينجح فى معالجة أدواء العالم الحديث رجل يقوم على قدم محمد ، فيطبق عليها ما أرصده القرآن الكريم لكل منها من علاج حاسم

هذا كلام لا غبار عليه ، وقد رددناه فى افتتاحياتنا هنا وقرناه بالأدلة العلمية المحسوسة ، فاذا صح هذا على الأمة الاسلامية الأولى وصح على الأمم الأوربية الحديثة ، أفلا يكون أصح على الشعوب الاسلامية الراهنة ، فتسترد به مجدها الضائع وتستعيد فاءها الزائل ، وتصبح جديرة بالانتساب لأسلافها الأولين ، وهذا ما رددناه كثيرا ونردده فى كل فرصة ، وبالله الموفق

محمد قريد وجدى
نور الاسلام – الجزء الأول – المحرم سنة 1352 هـ - المجلد الرابع




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 21 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 8 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط