اشترك في: الثلاثاء يناير 06, 2009 4:44 pm مشاركات: 6308
|
مولد النبى صلى الله عليه وسلم
ورد رسالة الأزهر الجلية خطاب من حضرة الأستاذ الشيخ عبد المجيد قرشى من بلدة بنتى يلاهور من الهند فى الدعوة إلى إقامة حفلات عامة لذكرى مولد النبى صلى الله عليه وسلم فى اليوم الثانى عشر من ربيع الاول –
فأجابه حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر بخطاب يحيذفيه الدعوة ويشكره على هذه الهمة ، وبعص اليه صحبة الخطاب الرسالة الأتية : -
إن الاحتفال بالذكريات العظمى وتمجيد أيام النعم الكبرى أقوى أمارات ارقاء الشعور وحياة الوجدان ، وهو ما يساعد المنهم عليه على أن يعرف للنعمة قدرها ويقوم بواجب شكرها ، وذلك حق محتوم على كل من انتفع بهذه النعمة وجنى ثمرة من ثمارها , ولله على عباده نعم لا يحصيها العد ولا تقف عند حد ، تتفاوت مقاديرها بحسب عموم أثرها وعظم خطرها ودوام النفع بها . وإن من أعظم النعم خطرا ، واعمها أثرا وأدومها نفعا ، وأجملها وقعا ، رحمة الله التى بسطها على جميع العالمين ليهيدهم بها الى سعادة الدارين ، ذاك هو ظهور النور المحمدى ، ومولد صفوة الله من خلقه ، الذى خاطبه جل شأنه بقوله : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) فقد جاءت شريعته الغراء كفيلة بسعادة الحياتين ، وانتفع بها جميع العالمين فى الدارين .
أما الانتفاع العاجل فى الدنيا فحسبك منه ان تعرف ما كان عليه العالم قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت الدولتان المهيمنتان على معظم المعمور فى الشرق والغرب ( فارس والروم ) تقتسمان العالم اقتسام امتلاك ، فتفرضان على رعاياهما من صنوف الإذلال والإرهاق ما جعل الحياة بؤسا والعيس شقاء وجحيما ، وطال عهد ذلك بالناس حتى حسبوه من لوازم الحياة ، فنشئوا وكأنهم يعتقدون أن الناس بطبعهم صنفان : صنف خلق للسيادة والعز ، وآخر خلق للعبودية والمذلة ، وتربت على ذلك نفوسهم حتى استكانوا للشقاء وخنعوا للإنات ، وملك الطغيان رءوس ساداتهم فأغلوا فى إرهاق العالم وتزاحموا على الثرة بالسيادات حتى وقع العالم فى لجة عميقة من الاضطراب وارتباك الحياة ، فعم البؤس طبقات الناس ، وكانت الحياة جد مريرة ، فلما جاء الاسلام أزال الفوارق الجنسية ، وقرر مبدأ المساواة فى أصل الخلقة ، وأن التفاضل بينهم إنما يكون بما يبدو من آثارهم وعظيم الانتفاع بهم فى الدين والدنيا ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم ) ففتح بذلك باب جديد من ابواب سعادة البشر ، وهو باب ( خير الناس أنفعهم للناس ) وأكرم الناس عند الله أتقاهم ، فرد طغيان الطاغين ، وكبخ جماح الجامحين ، وعاد التنافس فى النفع وتقديم الخير على النوع البشرى باظم المنافع .
وكذلك كان العلم محتكرا لطائفة من الناس يحجرونه عن غيرهم ، ويقصرون الاعتزاز به على من يختارون ، فكان فى دائرة ضيفة خاليا من المنافسة التى تشحذ العزائم وتزكى العمم ، فقرر الاسلام إباحة ساحته ، بل اكد فى الحث عليه والترغيب فيه ن ووضع قاعدة ( خلق لكم ما فى الأرض جميعا ) وقرنها بقاعدة ( أو لم يتفكروا فى السماوات والأرض ) وأطلق الفكر من كل عقال ، ما لم يصطدم بإضرار أحد ، أو يطغ عل ىمقام العزة الإلهية ، أو يصطدم بحكم من الأحكام الدينية ، فكان فى هذا باب اوسع للسعادة البشرية ، وغير خاف ما عاد على العالم أجمع من تقرير هذيني المبدأين من عظيم النفع العاجل ، وهما مبدأ انتزاع المفاضلة بالأجناس وتوطها بنفع الناس ، ومبدأ إباحة العلم لكل من هو أهل له .
وأما الانتفاع الآجل فى الآخرة فحسبك منه أن جعل سبيله واضحا ، وبابه مفتوحا سهل التوصيل لأعظم الغايات وهى السعادة الخالدة ، وقرن أحكامه بحكم ومصالح ترغب فيها العقول السليمة ، وكلما اعرض المرء عن سلوكه بمعصية فتح أمامه باب التوبة مع الترغيب وتأكيد الطلب ن فاذا فوت امرؤ بعض هذه المنافع على نفسه فليس ذلك بقادح فى عموم الرحمة ، فالشمس نعمة ولو على غير المبصرين ، وعسى أن ينتفع بشروقها الأعمى بأن يراه المبصر فلا يصطدم به فيؤذيه ، فضلا عما عاد عليه من منافعها الأخرى ,
فجدير بالمسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها بجميع الأمم نظرا لما عاد عليها من سنا ثوره مما اضاء لها سبل الحياة أن تعرف لهذا اليوم السعيد فضله على الانسانية جميعها
وإنه لما يملأ القلب سرورا والنفوس غيطة أن نرى فى الأقطار المصرية لهذا الموسم العظيم موسم المولد النبوى من مظاهر التعظيم والتبجيل ما لا يكاد يداينه موسم آخر ، فترى من عناية حضرة صاحب الجلالة ملك مصر الملك فؤاد الأول والحفاوة بهذا الموسم ما يناسب جلال صاحبه عليه السلام ، ويليق بعظيم آثار نعمته على العالم ، وتتبعه فى ذلك حكومته الرشيدة ،وتقتدى به فى هذاالعمل الجميل الأمة المصرية ، فلايكاد يهل هلال ربيع الأول من كل سنة حتى ترى أعظم ساحة فى القاهرة عاصمة الديار المصرية قد غصت بأفخم السرادقات ، متحلية بأبدا عالزينات ، متلألئة الأنوار بالثريات الكهربائية والمصابيخ المضيئة ، وفى سوطها سرادق الملك أعظم سرادق ممتاز بأبهته وجماله ، وسرادق الخاصة الملكية لإطعام الطعام على نفقه الجيب الملكى الخاص ، ويتبع ذلك سرادقات وزارات الحكومة ، ثم سرادقات العظماء وأرباب الطرق الصوفية ، وكأن لوامع الأنورا فيها تذكر بطلوع النور الإلهى ، نور الرحمة والهداية على العالم الرضى بمولده صلى الله عليه وسلم
وليس جمال تلك الأنورا الساطعة ليلا بأبهج رواء ولا أروع منظرا من هالات الموائد قد صفت عليها أشهى ألوان الطعمة ، تحيط بها دوائر من العقاة ، يطعمون مما يشتهون ، ويتعاقون عليها ليلا ونهارا ، فئة تنصرف وفئة تخلفها حتى يعم الفرح والسرور به الغنى والفقير ، فيصرف من ذلك فى الصدقات ، وإطعام الفقراء ، وإكرام الضيوف ، وإقامة الزينات ، ومظاهر السرور ، أموال طائلة من الجيب الملكى وخزانة الدولة وغيراد الأوقاف وتبرعات العظماء والأعيان ، فاذا ما وافت الليلة الثانية عشرة منه سارت مواكب أرباب الطرق الصوفية تؤم هذه الساحة الفيحاء ، ويستقبلها جلالة الملك بنفسه أوأعظم رجال فى الدولة بالنيابة عنه ، حفاوة بالموسم وإجلالا للذكرة
وفى صبحة اليوم الثانى عشر يتوجه جلالته أو من ينيبه للمشهدالحسينى حيث تتلى بمسمع منه قصة المولد الشريف بغاية التجلة والتعظيم ، وتجرى صورة من هذا فى المدن العظمى وسائر البلدان المصرية ، وفى هذا اليوم يستريح عمال الدولة فى كل مصالح الحكومة أسوة ببقية الأعياد الرسمية ، فترى فى ذلك عيدا تشترك فيه الأمة المصرية على بكرة أبيها ، ويكون مهرجانه أفخك مهرجان تشهده البلاد كل عام ، فيشمل الابتهاج به كل الطوائف من مسلمين وغير مسلمين
وإن فى ذلك لمظهر للشعور الراقى والوجدان الحى ، ومعرفة القدر وأداء واجب الشكر ، ويتبعه من آثار المحبة والوئام وانتشار السكينة والسلام ما يجل عن الوصف
نسأله جلت قدرته أن يديم نعمه على بنى الإنسان ، وأن يهيدهم الى مافيه السعادة الكاملة فى جميع الأزمان ، والله المستعان =================================
من مجلة نور الاسلام التى تصدرها مشيخة الأزهر عام 1351 هـ - 1933م المجلد الثالث ص 138
|
|