حديث (( أنا مدينة العلم ))
قال حسن قاسم فى مجلة هدى الإسلام بتاريخ 21/10/1935
حديث أنا مدينة العلم وعلى بابها حديث صحيح لا غبار عليه وقلنا ثمة ومصداقة ما ظهر من العلم الواسع من سيدنا على عليه السلام الذى خضعت له به الرقاب ودانت له الفلاسفة والحكماء من كل أمة وملة ، ونقلنا قول حبر الأمة فيه وغيره من الأئمة ، ونريد أن نقول هنا ، ان سماحة استاذنا السيد أحمد الصديق الحسنى (1) أحد أئمة الحديث وحفاظه فى هذا العصر، أخرج لنا من منتجاته تأليفا مستقلا فى هذا الحديث أسماه ( فتح الملك العلى بصحة حديث باب مدينة العلم على ) (2) عنى فيه بهذا الموضوع عناية تامة وأحاط بكل آثاره وليست هذه أولى مكرماته فكم له من آثار وهذا من خير منتجاته وبحثه ، فقد أحق فيه الحق وأزهق الباطل وقمع بالحجة والتحقيق أقوال المنافقين ، ولعمر الحق أن فضائل الامام على عليه السلام التى أحرزها بفضل حسبه ونسبه وعلمه ونبل قدره لتربو بكثير على كل فضائل جمعت لأحد من البشر ولكن لأمور سياسية عرفها من عرفها ، راحت فضائله تطوى كطى السجل للكتب ، ولقد مضى عليها وهى على هذا الحال والمنوال حقب من الزمن ظن العادون المعتدون فى أثنائها أنهم استأصلوا مجد بنى هاشم بسلب كبيرهم وقبر فضائله وقد ناصبوه وحزبه العداء وكان ما كان من مواقفه المحمودة التى كان فى كلها مؤيدا منصورا وعداته فى تأخير وتقهقر وحقد عليه فلما اختاره الله واستشهد ساجدا فى محرابه فرح العدو بزوال ذلك الشبح الرهيب الذى كان يخفيه فى منامه وفى خلواته وجلواته فتوجهت نفسه الى قبر تلك الآثار النبوية المشهورة فيه التى كانت لا تقاس كثرة وشهرة بما فى شأن غيره فضلا عن الخدمات التى قدمها للمجتمع البشرى ، فضيقت دوائر حكومة العدو على الأهالى النفوذ وحذرتهم بطشها وقوتها وبثت أموالها ورجالهم بينهم ، وهددتهم بالوعيد وصار العقاب إن هم تحدثوا ، بعلى وفضائل على وحذرت عليهم كتابتها وروايتها فاشتد اللاعج بالناس ، ولكن هل من حيلة هل من وسيلة ، فلما بلغت القلوب الحناجر أتى الله بقوم يحبهم ويحبونه وقيض منهم أخيارا أبرارا دأبو على نشر تلك الفضائل ولم يسلكوا مسالك التهم وتجنبوا طريق التعصب والاعتساف وسلكوا سبيل العدل والانساف فراحوا يمحصون تلك الفضائل التى قبرت أوكادت من أيدى الآثمين الغاشمين ، فأعادوا الحق الى نصابه ، فحمد لهم ذلك الصنيع وشكر لهم ذلك السعى الذى لا يسألون عليه أجرا الا المودة فى القربى وهذا الأثر الذى طالعنا به سماحة الاستاذ يجرى عليه هذا المجرى فحقيق بالأمة أن تقدره قدره فهو مؤلف لم يسبقه فيه مؤلف آخر من ثلاثة عشر قرنا مضت وقد استدل فيه على صحة هذا الحديث من وجه كثيرة ورواه من عدة طرق ( يقول فى مقدمته )
والحديث رواه عن أبى الصلت جماعة منهم محمد بن اسماعيل الضرارى ، ومحمد بن عبد الرحيم لهروى – والحسن بن على المعمرى ومحمد بن على الصائغ واسحاق بن حسن بن ميمون الحربى والقاسم بن عبد الرحمن الابيارى والحسين بن فهم ابن عبد الرحمن . اما رواية محمد بن اسماعيل فأخرجها ابن جرير فى تهذيب الآثار ، قال حدثنا محمد بن اسماعيل الضراوى ثنا عبد السلام بن صالح الهروى ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا مدينة العلم وعلى بابها فمن أراد المدينة فلياتها من بابها وأما رواية محمد بن عبد الرحيم فأخرجها الحاكم فى المستدرك على الصحيحين ، قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عبد الرحيم الهروى ثنا ابو الصلت عبد السلام بن صالح ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنا مدينة العلم وعلى بابها فمن أراد المدينة فيأت الباب ) وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وأما رواية الحسن بن على ومحمد بن الصايغ فأخرجهما الطبرانى فى المعجم الكبير قال – حدثنا أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروى ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال : قال رسول الله عليه وسلم ( أنا مدينة العلم وعلى بابها فمن أراد فيأت من بابه ) .
وأما رواية اسحاق بن الحسن الحربى فأخرجها الخطيب – قال أخبرنا محمد بن عمر بن القاسم أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعى ثنا اسحاق بن الحسن بن ميمون الحربى ثنا عبد السلام بن صالح يعنى الهروى ثنا ابو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال – قال سول الله صلى الله عليه وسلم : أنا مدينة العلم وعلى بابها .
وأما رواية القاسم بن عبد الرحمن الانبارى فأخرجها الخطيب أيضا ، قال أخبرنا محمد بن احمد بن رزق أخبرنا أبو بكر مكرم القاضى ثنا القاسم بن عبد الرحمن الأنبارى ثنا أبو الصلت الهروى ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنا مدينة العلم وعلى بابها ) قال القاسم ، سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال هو صحيح . وأما رواية الحسين بن فهم فأخرجها الحاكم فى المستدرك قال حدثنا أبوالحسن بن محمد بن احمد بن ثميم ثنا الحسين بن فهم قال – حدثنا ابوالصلت الهروى عن أبى معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا مدينة العلم وعلى بابها فمن أراد المدينة فيأت الباب ، قال الحاكم الحسين بن فهم بن عبد الرحمن ثقة مأمون حافظ فهذا الحديث بمفرده على شرط الصحيح كما حكم به يحيى بن معين والحاكم وابو محمد السمرقندى انتهى . ثم أخذ الأستاذ يبين مسالك الحديث ، فذكر فى كل مسلك ما يثلج الصدور ويقر العيون من الحجج الداحضة والأدلة الثابتة المؤيدة فلم يدع لناقد نقدا وسد ثلة كبيرة كنا فى أشد الحاجات اليها وإذن فله من الله على العلم والسنة الجزاء الأوفى .
----------------------------------------------------------------------------------
(1) هو شهاب الدين أبو الفيض أحمد بن محمد بن الصديق بن أحمد بن محمد بن قاسم بن محمد بن محمد بن عبد المؤمن التجُكاني المنصوري، الإدريسي الحسني. ينتهي نسبه إلى إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب. ونسبه من جهة أمه ينتهي أيضا إلى إدريس الأكبر، فهي حفيدة أحمد بن عجيبة الإدريسي الحسني. ( ولد سنة 1901 م وتوفى 1960 )
(2) كتاب لدينا
---------------------------------------------