أحمد ماهرالبدوى كتب:
خصوصية الرحمن دون سائر الصفات من وجوه:
أولها: أنه أخص أسماء الصفات إلى الذات؛ لأن الأسماء على نوعين أسماء صفات اللطف وأسماء صفات القهر، وللرحمن خصوصيته بالصفتين بأن يوجد منه اللطف والقهر كما يوجد من الذات المقدسة، ويوجد منه الإيجاد والإفناء كما يجيء، وهذا من خصائص الذات الإلهي دون سائر الصفات، فثبت أنه أخص الأسماء.
وثانيها: أن له مناسبة مع الذات دون سائر الصفات، وهي أن اسم الذات وهو الله كما لا يجوز على غيره، فكذلك اسم الرحمن لا يجوز على غير الله، ولهذا المناسبة صار مخصوصاً بالذكر في الدعاء مع ذكر الله تعالى بقوله: { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } [الإسراء: 110].
وثالثها: أن الرحمن أقرب إلى اسم الله من سائر الأسماء، يدل على هذا القرآن والحديث أما القرآن فقوله تعالى: {بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ} [الفاتحة: 1] ذكر بعد اسم الله الرحمن لقربته إلى الله، وأما الحديث ما روي أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسع وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم... الحديث" .
ذكر بعد اسم الله الرحمن وقدمه على سائر أسماء الصفات فعلمنا أنه أقرب الأسماء إلى الله، وأما الفرق بين الرحمن والرحيم وإن كانا اسمين مشتقين من الرحمة أن الرحمن من صفة جلاله، والرحيم من صفة جماله، والفرق بينهما أن الجلال متوسط بين الذات الإلهي والذي من شأنه القهر والعزة التي اقتضت ونفي شركة الوجود بين صفة الجمال التي من شأنها اللطف والرحمة التي اقتضت الإيجاد والإبقاء، فنسبة أحد طرفي الجلال إلى قهَّارية الذات فيه طرف من القهر، وبنسبة أحد طرفيه إلى رحيميَّة الجمال فيه رحمة، فالرحمة فيه تغوث بقوة القهارية، فصارت أقوى من رحيميَّة الجمال، فأعطيت المبالغة في الرحمة والقهر فيه صار مسبوقاً ومغلوباً بلطف الرحمة بقوله تعالى: "سبقت رحمتي غضبي" ، وفي رواية: "غلبت رحمتي غضبي" ، فالقهر المسبوق بالرحمة والرحمة المقوية بالقهر هو الرحمن الرحيم المبالغ في الرحمة، فثبت أن الرحمن من صفة الجلال، والرحيم من صفة الجمال، ولهذا جاء الرحمن واسطة بين الله والرحيم في {بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ}، وإذا كان الرحمن متوسط بين القهر الصرف وبين اللطف المحض فتارة بالقهر يقتضي الإفناء وتارة باللطف يقتضي الإثبات، كما أخبر الله تعالى عن صفة إفنائه بقوله: { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً * ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ } [الفرقان: 25-26].
وأخبر عن صفة إيجاده وإثباته بقوله: { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱلرَّحْمَـٰنُ } [الفرقان: 59] أي: الذي ظن هو الرحمن فظهر أن الرحمن أكثر مبالغة في الرحمة من الرحيم، وفيه طرف من هيبة الألوهية وهو مخصوص دون الرحيم
----
التأويلات النجمية
ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الرحمين
جزاكم الله خيرا كثيرا أخي الكريم الفاضل وكل عام وحضرتك بألف خير