تنزيه ذات الله تعالى عن الجوارح والأجزاء والأعضاء التي تتصف به ذات المخلوق.
(أ) الله تبارك وتعالى ليس كمثله شيء ليس كذاته ذات ليس لذاته حد أو نهاية كما أنه ليس لصفاته حد أو نهاية وهو منزه عن الحد والمقدار إذ كل محدود مخلوق مقدر متناه والله تعالى هو الخالق المقدر لها ، فجلّ المقدِرُ أن يكونَ مقدَرَا ، وذاته سبحانه منزهة عن الصور والتخطيط والتركيب لأن الله تعالى هو المصور وجلّ المصوِرُ أن يكون مصَورا وتعالى عن ذلك علوا كبيرا.
لأن الهيئة والصورة والتركيب والتأليف كل ذلك إنما يصح على الأجسام المحدودة والجواهر المخلوقة ، والتنزيه عن الصورة يعني بالضرورة التنزيه عن الأجزاء والأعضاء إذ الصورة تفيد التركيب وكل مركب محدث ، والباري سبحانه وتعالى ليس بمحدث ، فليس بمركب.
(ب) أجمع أهل القبلة عدا المجسمة والمشبهة على تنزيه الله تعالى عن الأجزاء والأعضاء والجوارح تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، قال تعالى : {قل هو الله أحد} (الإخلاص : 1) ، وقال تعالى : {والله الغني وأنتم الفقراء} (محمد : 38) ولو كان مركباً من الأجزاء والأبعاض لكان محتاجاً إليها وذلك يمنع من كونه غنياً على الإطلاق ، فثبت بهذه الوجوه أن القول بإثبات الأعضاء والأجزاء لله محال.
(ت) الأدلة النقلية المجملة على تنزيه الله تعالى عن الجوارح والأعضاء والأجزاء كثيرة منها : قوله تعالى (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد) قوله تعالى (أحد) ولفظ الأحد مبالغة في الوحدة ، وذلك ينافي كونه مركباً من الأجزاء والأبعاض ، والأحدية تدل على نفى الأجزاء المتمثل في نفي التركيب والتأليف في الذات فلو كان تعالى مركبا من جوارح وأجزاء لم يكن أحدا ، لأن أجزاؤه توجب وقوع الكثرة في ذات الله تعالى والكثرة تنافي الأحدية في ذات الله.
وقوله تعالى (الله الصمد) الصمدية كذلك تدل نفي الجارحة والأجزاء على الله بدليل : أن كل جسم فهو مركب ، وكل مركب فهو محتاج إلى كل واحد من أجزائه وكل واحد من أجزائه غيره ، فكل مركب فهو محتاج إلى غيره والمحتاج إلى الغير لا يكون غنياً محتاجا (إليه) فلم يكن صمداً مطلقاً وكذلك لو كان سبحانه مركباً من الجوارح والأعضاء لأحتاج في الإبصار إلى العين وفى الفعل إلي اليدو فى المشي إلي الرجل وذلك ينافى كونه صمداً مطلقاً له كمال الغني ونفي الاحتياج.
وقوله تعالى ( ولم يكن له كفوا أحد ) نفي للمثلية كقوله تعالى (ليس كمثله شيء) ولو كان مركبا من أجزاء وجوارح لكان مثلاً لسائر المخلوقات المركبة من أجزاء وجوارح ، وقوله تعالى (والله الغنى وأنتم الفقراء) دلت هذه الآية على كونه تعالى غنى ولو كان مركبا من أجزاء وجوارح لما كان غنياً لأن كل جسم مركب وكل مركب محتاج إلى كل واحد من أجزائه.
وقوله تعالى (لا إله إلا هو الحي القيوم) والقيوم مبالغة في كونه غنياً عن كل ما سواه ، وكونه مقوماً لغيره : عبارة عن احتياج كل ما سواه إليه ، فلو كان مركبا من جوارح وأجزاء لكان هو مفتقراً إلى غيره وهو جزؤه الذي منه يتألف ، ولكان غيره غنياً عنه وهو جزئه وحينئذ لا يكون قيوماً ، وقوله تعالى (ليس كمثله شيء) ولو كان مركبا من أجزاء وجوارح لكان مثلاً لسائر المخلوقات المركبة من أجزاء وجوارح.