الملخص: الفقير يرشح تفسيري القرطبي والثعلبي
المشاركة: الجزء الخامس عشر: قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)} [الإسراء: 79].
التفسير الوسيط - مجمع البحوث (5/ 792 - 793)
التهجد التيقظ بعد النوم، والمقصود بالتهجد هنا الصلاة ليلا بعد النوم، والضمير في قوله: {فتهجد به} يعود على القرآن، أي فتهجد بالقرآن وصل متلبسا بقراءته بعد الفاتحة، وذلك بعد قيامك من النوم ليلا، ويستدل بذلك على تطويل القراءة في التهجد ويجوز عود الضمير على الليل. والباء بمعنى في. أي: وبعض الليل وفتهجد فيه.
{نافلة لك}: فريضة زائدة على المفروض على الأمة. خاصة بك فالخطاب فيه للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل كانت في الابتداء واجبة عليه وعلى الأمة ثم نسخ الوجوب وصار الأمر فيها للندب، فهو إذا تطوع بما ليس بواجب عليه, كان ذلك زيادة له في الدرجات. أما غيره من الأمة فتطوعه لجبر نقص ولتدارك خلل يقع في الفرض أو لتكفير ذنب يلم به أو لزيادة ثواب. قال معناه مجاهد وغيره.
{عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}: أي وبعض الليل فتهجد فيه لتكون على رجاء أن يبلغك ربك إلى كمالك الذي أنت أهل له في الدار الآخرة. فيقيمك في مقام محمود عند نفسك وعند الناس أجمعين. وذلك هو مقام الشفاعة العظمى في فصل القضاء، حيث لا أحد إلا وهو تحت لوائه صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "مقاما يحمد فيه الأولون والآخرون، وتشرف فيه على جميع الخلائق، تسأل فتعطى، وتشفع فتشفع، ليس أحد إلا تحت لوائك". وقيل المقام المحمود هو إعطاؤه عليه السلام مرتبة من العلم لم تعط لغيره من الخلق أصلا، وعلى الجمله فالمقام المحمود ينتظم كل مقام بتضمن كرامة له - صلى الله عليه وسلم - ويشير إلى ذلك التنكير في قوله: {مقاما} حيث يفيد التعميم والتفخيم.أهـ
تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (15/ 38 - 54)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْهَرْ بَعْدَ نَوْمَةٍ يَا مُحَمَّدُ بِالْقُرْآنِ نَافِلَةً لَكَ خَالِصَةً دُونَ أُمَّتِكَ وَالتَّهَجُّدُ: التَّيَقُّظُ وَالسَّهَرُ بَعْدَ نَوْمَةٍ مِنَ اللَّيْلِ. وَأَمَّا الْهُجُودُ نَفْسُهُ: فَالنَّوْمُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]
أَلَا طَرَقَتْنَا وَالرِّفَاقُ هُجُودُ ... فَبَاتَتْ بِعُلَّاتِ النَّوَالِ تَجُودُ
وَقَالَ الْحُطَيْئَةُ:
[البحر الطويل]
أَلَا طَرَقْتُ هِنْدُ الْهُنُودِ وَصُحْبَتِي ... بِحَوْرَانَ حَوْرَانِ الْجُنُودِ هُجُودُ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا أَبِي وَشُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي هِلَالٍ، عَنِ الْأَعْرَجِ، أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ رَجُلٍ، مِنَ الْأَنْصَارِ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: لَأَنْظُرَنَّ كَيْفَ يُصَلِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَتَلَا أَرْبَعَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} حَتَّى مَرَّ بِالْأَرْبَعِ، ثُمَّ أَهْوَى إِلَى الْقِرْبَةِ، فَأَخَذَ سِوَاكًا فَاسْتَنَّ بِهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَصَنَعَ كِصُنْعِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ التَّهَجُّدُ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَا: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، أَنَّهُمَا قَالَا: التَّهَجُّدُ بَعْدَ نَوْمَةٍ
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: التَّهَجُّدُ: بَعْدَ نَوْمَةٍ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى ثنا قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: ثني أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، بِمِثْلِهِ
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: التَّهَجُّدُ: بَعْدَ النَّوْمِ
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: التَّهَجُّدُ: مَا كَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ
حُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ الْعَبَّاسِ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: إِنَّمَا التَّهَجُّدُ بَعْدَ رَقْدَةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ {نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] فَإِنَّهُ يَقُولُ: نَفْلًا لَكَ عَنْ فَرَائِضِكَ الَّتِي فَرَضْتُهَا عَلَيْكَ وَاخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خُصَّ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ كَوْنِ صَلَاةِ كُلِّ مُصَلٍّ بَعْدَ هُجُودِهِ، إِذَا كَانَ قَبْلَ هُجُودِهِ قَدْ كَانَ أَدَّى فَرَائِضَهُ نَافِلَةً نَفْلًا، إِذْ كَانَتْ غَيْرَ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى خُصُوصِهِ بِذَلِكَ: هُوَ أَنَّهَا كَانَتْ فَرِيضَةً عَلَيْهِ، وَهِيَ لِغَيْرِهِ تَطَوَّعٌ، وَقِيلَ لَهُ: أَقِمْهَا نَافِلَةً لَكَ: أَيْ فَضْلًا لَكَ مِنَ الْفَرَائِضِ الَّتِي فَرَضْتُهَا عَلَيْكَ عَمَّا فَرَضْتُ عَلَى غَيْرِكَ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] يَعْنِي بِالنَّافِلَةِ أَنَّهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً، أُمِرَ بِقِيَامِ اللَّيْلِ وَكُتِبَ عَلَيْهِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ قِيلَ ذَلِكَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ ذَلِكَ يُكَفِّرُ عَنْهُ شَيْئًا مِنَ الذُّنُوبِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ قَدْ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَكَانَ لَهُ نَافِلَةَ فَضْلٍ، فَأَمَّا غَيْرُهُ فَهُوَ لَهُ كَفَّارَةٌ، وَلَيْسَ هُوَ لَهُ نَافِلَةً
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: النَّافِلَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَمَا عَمِلَ مِنْ عَمَلٍ سِوَى الْمَكْتُوبَةِ، فَهُوَ نَافِلَةٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ ذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الذُّنُوبِ، فَهِيَ نَوَافِلُ وَزِيَادَةٌ، وَالنَّاسُ يَعْمَلُونَ مَا سِوَى الْمَكْتُوبَةِ لِذُنُوبِهِمْ فِي كَفَّارَتُهَا، فَلَيْسَتْ لِلنَّاسِ نَوَافِلُ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ خَصَّهُ بِمَا فَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، دُونَ سَائِرِ أُمَّتِهِ. فَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي ذَلِكَ، فَقَوْلٌ لَا مَعْنًى لَهُ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ أَكْثَرُ مَا كَانَ اسْتِغْفَارًا لِذُنُوبِهِ بَعْدَ نُزُولِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] عَامَ قُبِضَ. وَقِيلَ لَهُ فِيهَا {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3] فَكَانَ يُعَدُّ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ اسْتِغْفَارَ مِائَةِ مَرَّةٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ إِلَّا لِمَا يُغْفَرُ لَهُ بِاسْتِغْفَارِهِ ذَلِكَ، فَبَيِّنٌ إِذَنْ وَجْهُ فَسَادِ مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: إِنَّمَا كَانَتِ النَّافِلَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، {نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] قَالَ: تَطَوُّعًا وَفَضِيلَةً لَكَ وَقَوْلُهُ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] وَعَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ، وَإِنَّمَا وَجْهُ قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ: عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ، لَعِلْمِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَدَعُ أَنْ يَفْعَلَ بِعِبَادِهِ مَا أَطْمَعَهُمْ فِيهِ مِنَ الْجَزَاءِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَالْعِوَضِ عَلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ لَيْسَ مِنْ صِفَتِهِ الْغُرُورُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَدْ أَطْمَعَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ لَهُ فِي نَفْعِهِ، إِذَا هُوَ تَعَاهَدَهُ وَلَزِمَهُ، فَإِنْ لَزِمَ الْمَقُولُ لَهُ ذَلِكَ وَتَعَاهَدَهُ ثُمَّ لَمْ يَنْفَعْهُ، وَلَا سَبَبَ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْعِهِ إِيَّاهُ مَعَ الْإِطْمَاعِ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْهُ لِصَاحِبِهِ عَلَى تَعَاهُدِهِ إِيَّاهُ وَلُزُومِهِ، فَإِنَّهُ لِصَاحِبِهِ غَارٌّ بِمَا كَانَ مِنْ إِخْلَافِهِ إِيَّاهُ فِيمَا كَانَ أَطْمَعَهُ فِيهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي قَالَ لَهُ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ صِفَتِهِ الْغُرُورُ لِعِبَادِهِ صَحَّ وَوَجَبَ أَنَّ كُلَّ مَا أَطْمَعَهُمْ فِيهِ مِنْ طَمَعٍ عَلَى طَاعَتِهِ، أَوْ عَلَى فِعْلٍ مِنَ الْأَفْعَالِ، أَوْ أَمْرٍ أَوْ نَهْي أَمَرَهُمْ بِهِ، أَوْ نَهَاهُمْ عَنْهُ، فَإِنَّهُ مُوفٍ لَهُمْ بِهِ، وَإِنَّهُمْ مِنْهُ كَالْعِدَةِ الَّتِي لَا يُخْلَفُ الْوَفَاءُ بِهَا، قَالُوا: عَسَى وَلَعَلَّ مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ. وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: أَقِمِ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ يَا مُحَمَّدُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي أَمَرْتُكَ بِإِقَامَتِهَا فِيهَا، وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ فَرْضًا فَرَضْتُهُ عَلَيْكَ، لَعَلَّ رَبَّكَ يَبْعَثُكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَقَامًا تَقُومُ فِيهِ مَحْمُودًا تَحْمَدُهُ، وَتُغْبَطُ فِيهِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، فَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمُ: ذَلِكَ هُوَ الْمَقَامُ الَّذِي هُوَ يَقُومُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلشَّفَاعَةِ لِلنَّاسِ لِيُرِيحَهُمْ رَبُّهُمْ مِنْ عَظِيمِ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ شِدَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: يُجْمَعُ النَّاسُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيُنْفِذُهُمُ الْبَصَرَ، حُفَاةً عُرَاةً كَمَا خُلِقُوا، قِيَامًا لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، يُنَادَى: يَا مُحَمَّدُ، فَيَقُولُ: " لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، وَالْمَهْدِيُّ مَنْ هَدَيْتَ، عَبْدُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَبِكَ وَإِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيتَ، سُبْحَانَكَ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، فَهَذَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: يُجْمَعُ النَّاسُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَلَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ، فَأَوَّلُ مَا يَدْعُو مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُومُ مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ: «لَبَّيْكَ» ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ خَالِدٍ الرَّقِّيُّ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ، رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] قَالَ: الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ: مَقَامُ الشَّفَاعَةِ
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الزَّعْرَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قِصَّةٍ ذَكَرَهَا، قَالَ: ثُمَّ يُؤْمَرُ بِالصِّرَاطِ فَيُضْرَبُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ، فَيَمُرُّ النَّاسُ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، يَمُرُّ أَوَّلُهُمْ كَالْبَرْقِ، وَكَمَرِّ الرِّيحِ، وَكَمَرِّ الطَّيْرِ، وَكَأَسْرَعِ الْبَهَائِمِ، ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى يَمُرُّ الرَّجُلُ سَعْيًا، ثُمَّ مَشْيًا، حَتَّى يَجِيءَ آخِرُهُمْ يَتَلَبَّطُ عَلَى بَطْنِهِ، فَيَقُولُ: رَبِّ لِمَا أَبْطَأْتَ بِي؟ فَيَقُولُ: إِنِّي لَمْ أُبْطِئْ بِكَ، إِنَّمَا أَبْطَأَ بِكَ عَمَلُكَ، قَالَ: ثُمَّ يَأْذَنُ اللَّهُ فِي الشَّفَاعَةِ، فَيَكُونُ أَوَّلَ شَافِعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جِبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، رُوحُ الْقُدُسِ، ثُمَّ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ مُوسَى، أَوْ عِيسَى، قَالَ أَبُو الزَّعْرَاءِ: لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا قَالَ، قَالَ: ثُمَّ يَقُومُ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَابِعًا، فَلَا يَشْفَعُ أَحَدٌ بَعْدَهُ فِيمَا يَشْفَعُ فِيهِ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] قَالَ: الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ: مَقَامُ الشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] قَالَ: شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، قَالَ: هُوَ الشَّفَاعَةُ، يُشَفِّعُهُ اللَّهُ فِي أُمَّتِهِ، فَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ، رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا عَبْدًا، أَوْ مَلَكًا نَبِيًّا، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ جِبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنْ تَوَاضَعَ، فَاخْتَارَ نَبِيُّ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا، فَأُعْطِيَ بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ ثِنْتَيْنِ: أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَكَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ يَرَوْنَ أَنَّهُ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] شَفَاعَةُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] قَالَ: هِيَ الشَّفَاعَةُ، يُشَفِّعُهُ اللَّهُ فِي أُمَّتِهِ
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَالثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] قَالَ: يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ حَيْثُ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، فَيُنْفُذِهُمُ الْبَصَرَ حُفَاةً عُرَاةً، كَمَا خُلِقُوا سُكُوتًا لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، قَالَ: فَيُنَادَى مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، وَالْمَهْدِيُّ مَنْ هَدَيْتَ، وَعَبْدُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَلَكَ وَإِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، سُبْحَانَكَ رَبَّ الْبَيْتِ، قَالَ: فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، قَالَ حُذَيْفَةُ: يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، حَيْثُ يُنْفُذِهُمُ الْبَصَرَ، وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِيَ، حُفَاةً عُرَاةً كَمَا خُلِقُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ يَقُومُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ: «لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ» ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: هُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْعَثَهُ إِيَّاهُ، هُوَ أَنْ يُقَاعِدَهُ مَعَهُ عَلَى عَرْشِهِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] قَالَ: يُجْلِسْهُ مَعَهُ عَلَى عَرْشِهِ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَلِكَ مَا:
حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] سُئِلَ عَنْهَا، قَالَ: «هِيَ الشَّفَاعَةُ»
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثنا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ بْنُ يَزِيدَ الْأَوْدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] قَالَ: «هُوَ الْمَقَامُ الَّذِي أَشْفَعُ فِيهِ لِأُمَّتِي»
حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَةَ الْحِمْصِيُّ أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلٍّ، فَيَكْسُونِي رَبِّي حُلَّةً خَضْرَاءَ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي، فَأَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَقُولَ، فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ»
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، قَالَ: ثني اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الشَّمْسَ لَتَدْنُو حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الْأُذُنِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَقُولُ: لَسْتُ صَاحِبَ ذَلِكَ، ثُمَّ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَقُولُ كَذَلِكَ، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ فَيَشْفَعُ بَيْنَ الْخَلْقِ فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ الْجَنَّةِ، فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا "
حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثني عُثْمَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، وَعَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَقُومُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا ذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكَ إِذَا جِيءَ بِكُمْ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا فَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيُؤْتَى بِرَيْطَتَيْنِ بَيْضَاوَيْنِ، فَيَلْبَسُهُمَا، ثُمَّ يَقْعُدُ مُسْتَقْبِلَ الْعَرْشِ، ثُمَّ أُوتَى بِكِسْوَتِي فَأَلْبَسُهَا، فَأَقُومُ عَنْ يَمِينِهِ مَقَامًا لَا يَقُومُهُ غَيْرِي يَغْبِطُنِي فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، ثُمَّ يُفْتَحُ نَهْرٌ مِنَ الْكَوْثَرِ إِلَى الْحَوْضِ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَدَّ اللَّهُ الْأَرْضَ مَدَّ الْأَدِيمِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِبَشَرٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ» ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُدْعَى وَجِبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَاللَّهِ مَا رَآهُ قَبْلَهَا، فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ إِنَّ هَذَا أَخْبَرَنِي أَنَّكَ أَرْسَلْتَهُ إِلَيَّ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: صَدَقَ، ثُمَّ أَشْفَعُ، قَالَ: فَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ "
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ» فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ: " ثُمَّ أَشْفَعُ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ عِبَادُكَ عَبَدُوكَ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ "
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ آدَمَ بِنِ عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَجِيءُ مَعَ كُلِّ نَبِيٍّ أُمَّتُهُ، ثُمَّ يَجِيءُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ الْأُمَمِ هُوَ وَأُمَّتُهُ، فَيَرْقَى هُوَ وَأُمَّتُهُ عَلَى كَوْمٍ فَوْقَ النَّاسِ، فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ اشْفَعْ، وَيَا فُلَانُ اشْفَعْ، وَيَا فُلَانُ اشْفَعْ، فَمَا زَالَ يَرُدُّهَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: ثنا حَيْوَةُ وَرَبِيعٌ، قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلٍّ، فَيَكْسُونِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ حُلَّةً خَضْرَاءَ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي فَأَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَقُولَ، فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ» وَهَذَا وَإِنْ كَانَ هُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الرِّوَايَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ، فَإِنَّ مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ مِنْ أَنَّ اللَّهَ يُقْعِدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَرْشِهِ، قَوْلٌ غَيْرُ مَدْفُوعٍ صِحَّتُهُ، لَا مِنْ جِهَةِ خَبَرٍ وَلَا نَظَرٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا خَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا عَنِ التَّابِعِينَ بِإِحَالَةِ ذَلِكَ. فَأَمَّا مِنْ جِهَةَ النَّظَرِ، فَإِنَّ جَمِيعَ مَنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ إِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٍ: فَقَالَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمُ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ كَانَ قَبْلَ خَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ، ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ فَلَمْ يُمَاسَّهَا، وَهُوَ كَمَا لَمْ يَزَلْ غَيْرَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي خَلَقَهَا إِذْ لَمْ يَكُنْ هُوَ لَهَا مُمَاسًّا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا مُبَايِنًا، إِذْ لَا فِعَالَ لِلْأَشْيَاءِ إِلَّا وَهُوَ مُمَاسٌّ لِلْأَجْسَامِ أَوْ مُبَايِنٌ لَهَا. قَالُوا: فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَاعِلُ الْأَشْيَاءِ، وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِهِمْ أَنَّهُ يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُمَاسٌّ لِلْأَشْيَاءِ، وَجَبَ بِزَعْمِهِمْ أَنَّهُ لَهَا مُبَايِنٌ، فَعَلَى مَذْهَبِ هَؤُلَاءِ سَوَاءً أَقْعَدَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَرْشِهِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ إِذْ كَانَ مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ بَيْنُونَتَهُ مِنْ عَرْشِهِ، وَبَيْنُونَتَهُ مِنْ أَرْضِهِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي أَنَّهُ بَائِنٌ مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا، غَيْرُ مُمَاسٍّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى: كَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَبْلَ خَلْقِهِ الْأَشْيَاءِ، لَا شَيْءُ يُمَاسُّهُ، وَلَا شَيْءَ يُبَايِنُهُ، ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ فَأَقَامَهَا بِقُدْرَتِهِ، وَهُوَ كَمَا لَمْ يَزَلْ قَبْلَ الْأَشْيَاءِ خَلْقِهِ لَا شَيْءَ يُمَاسُّهُ وَلَا شَيْءَ يُبَايِنُهُ، فَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَيْضًا سَوَاءً أَقْعَدَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَرْشِهِ، أَوْ عَلَى أَرْضِهِ، إِذْ كَانَ سَوَاءً عَلَى قَوْلِهِمْ عَرْشُهُ وَأَرْضُهُ فِي أَنَّهُ لَا مُمَاسَّ وَلَا مُبَايِنَ لِهَذَا، كَمَا أَنَّهُ لَا مُمَاسَّ وَلَا مُبَايِنَ لِهَذِهِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى: كَانَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ قَبْلَ خَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ لَا شَيْءَ يُمَاسُّهُ، وَلَا شَيْءَ يُبَايِنُهُ، ثُمَّ أَحْدَثَ الْأَشْيَاءَ وَخَلَقَهَا، فَخَلَقَ لِنَفْسِهِ عَرْشًا اسْتَوَى عَلَيْهِ جَالِسًا، وَصَارَ لَهُ مُمَاسًّا، كَمَا أَنَّهُ قَدْ كَانَ قَبْلَ خَلْقِهِ الْأَشْيَاءِ لَا شَيْءَ يَرْزُقُهُ رِزْقًا، وَلَا شَيْءَ يَحْرِمُهُ ذَلِكَ، ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ فَرَزَقَ هَذَا وَحَرَمَ هَذَا، وَأَعْطَى هَذَا، وَمَنَعَ هَذَا، قَالُوا: فَكَذَلِكَ كَانَ قَبْلَ خَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ يُمَاسُّهُ وَلَا يُبَايِنُهُ، وَخَلَقَ الْأَشْيَاءَ فَمَاسَّ الْعَرْشَ بِجُلُوسِهِ عَلَيْهِ دُونَ سَائِرِ خَلْقِهِ، فَهُوَ مُمَاسٌّ مَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَمُبَايِنٌ مَا شَاءَ مِنْهُ، فَعَلَى مَذْهَبِ هَؤُلَاءِ أَيْضًا سَوَاءً أَقْعَدَ مُحَمَّدًا عَلَى عَرْشِهِ، أَوْ أَقْعَدَهُ عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ نُورٍ، إِذْ كَانَ مِنْ قَوْلِهمْ: إِنَّ جُلُوسَ الرَّبِّ عَلَى عَرْشِهِ، لَيْسَ بِجُلُوسٍ يَشْغَلُ جَمِيعَ الْعَرْشِ، وَلَا فِي إِقْعَادِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوجِبًا لَهُ صِفَةَ الرُّبُوبِيَّةِ، وَلَا مُخْرِجُهُ مِنْ صِفَةِ الْعُبُودِيَّةِ لِرَبِّهِ، كَمَا أَنَّ مُبَايَنَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ مُبَايِنًا لَهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لَهُ صِفَةَ الرُّبُوبِيَّةِ، وَلَا مُخْرِجَتُهُ مِنْ صِفَةِ الْعُبُودِيَّةِ لِرَبِّهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ لَهُ مُبَايِنٌ، كَمَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَوْصُوفٌ عَلَى قَوْلِ قَائِلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِأَنَّهُ مُبَايِنٌ لَهَا، هُوَ مُبَايِنٌ لَهُ. قَالُوا: فَإِذَا كَانَ مَعْنَى مُبَايِنٍ وَمُبَايِنٌ لَا يُوجِبُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُرُوجَ مِنْ صِفَةِ الْعُبُودَيةِ وَالدُّخُولَ فِي مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ، فَكَذَلِكَ لَا يُوجِبُ لَهُ ذَلِكَ قُعُودَهُ عَلَى عَرْشِ الرَّحْمَنِ، فَقَدْ تَبَيَّنَ إِذًا بِمَا قُلْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُحَالٍ فِي قَوْلِ أَحَدٍ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُقْعِدُ مُحَمَّدًا عَلَى عَرْشِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّا لَا نُنْكِرُ إِقْعَادَ اللَّهِ مُحَمَّدًا عَلَى عَرْشِهِ، وَإِنَّمَا نُنْكِرُ إِقْعَادَهُ إِيَّاهُ مَعَهُ
حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ سَيْفٍ السَّدُوسِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى كُرْسِيِّ الرَّبِّ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَإِنَّمَا يُنْكَرُ إِقْعَادَهُ إِيَّاهُ مَعَهُ. قِيلَ: أَفَجَائِزٌ عِنْدَكَ أَنْ يُقْعِدَهُ عَلَيْهِ لَا مَعَهُ، فَإِنْ أَجَازَ ذَلِكَ صَارَ إِلَى الْإِقْرَارِ بِأَنَّهُ إِمَّا مَعَهُ أَوْ إِلَى أَنَّهُ يُقْعِدُهُ، وَاللَّهُ لِلْعَرْشِ مُبَايِنٌ، أَوْ لَا مُمَاسَّ وَلَا مُبَايِنٌ، وَبِأَيِّ ذَلِكَ قَالَ كَانَ مِنْهُ دُخُولًا فِي بَعْضِ مَا كَانَ يُنْكِرُهُ، وَإِنْ قَالَ: ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ كَانَ مِنْهُ خُرُوجًا مِنْ قَوْلِ جَمِيعِ الْفِرَقِ الَّتِي حَكَيْنَا قَوْلَهُمْ، وَذَلِكَ فِرَاقٌ لِقَوْلِ جَمِيعِ مَنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ، إِذْ كَانَ لَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ إِلَّا الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي حَكَيْنَاهَا، وَغَيْرُ مُحَالٍ فِي قَوْلٍ مِنْهَا مَا قَالَ مُجَاهِدٌ فِي ذَلِكَ.أهـ
تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن (6/ 123 - 126)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ أي قم بعد نومك وصل.
قال المفسرون: لا يكون التهجد إلّا بعد النوم يقال: تهجد إذا سهر، وهجد إذا نام.
وقال بعض أهل اللغة: يقال تهجد إذا نام وتهجد إذا سهر وهو من الاضداد.
روى حميد بن عبد الرحمن بن عوف: عن رجل من الأنصار إنه كان مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر وقال: لأنظرنّ كيف يصلي النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ استيقظ فرفع رأسه إلى السماء فتلا أربع آيات من سورة آل عمران: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... لَآياتٍ ثمّ أهوى بيده إلى القربة وأخذ مسواكا فاستنّ به ثمّ توضأ ثمّ صلى ثمّ نام ثمّ استيقظ، فصنع كصنيعه أول مرة، ويزعمون أنه التهجد الذي أمره الله تعالى.
نافِلَةً لَكَ قال ابن عبّاس: خاصة لك، مقاتل بن حيان: كرامة وعطاء لك.
ابن عبّاس: فريضتك.
وقال: أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بقيام الليل خاصة وكتبت عليه، ويكون معنى النافلة على هذا القول فريضة فرضها الله عليك فضلا عن الفرائض التي فرضها الله علينا زيادة.
وقال قتادة: تطوعا وفضيلة.
وقال بعض العلماء: كانت صلاة الليل فرضها عليه في الابتداء ثمّ رخص له في تركها فصارت نافلة.
وقال مجاهد: والنافلة للنبي صلّى الله عليه وسلّم خاصة من أجل أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما عمل من عمل سوى المكتوبة فهو نافلة لك من أجل أنه لا يعمل ذلك كفارة لذنوبهم، فهي نوافل له وزيادة للناس يعملون ويصلون ما سوى المكتوبة لذنوبهم في كفارتها فليست للناس نوافل.
عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً.
قال أهل التأويل: عسى ولعلّ من الله جزاء لأنه لا يدع أن يفعل لعباده ما أطمعهم فيه من الجزاء على طاعاتهم لأنه ليس من صفته الغرور، ولو أن رجلا قال لآخر: اهدني والزمني لعلي أن أنفعك فلزمه ولم ينفعه مع إطماعه فيه ووعده لكان عارا له وتعالى الله عن ذلك، وأما المقام المحمود فالمقام الذي يشفع فيه لأمته يحمده فيه الأولون والآخرون.
عاصم بن أبي النجود عن زيد عن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو كنت متخذا خليلا لاتخذت ابن أبي قحافة خليلا ولكن صاحبكم خليل الله ثمّ قرأ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً».
وعن حذيفة بن اليمان قال: يجمع الناس في صعيد واحد فلا تكلم نفس فتكون أول من يدعو محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك والمهدي من هديت وبك وعبدك بين يديك وبك وإليك لا ملجأ ولا منجا منك إلّا إليك تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت فذلك قوله تعالى عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً.
قتادة عن مأمون بن مالك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيلهمون فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فأراحنا من مكاننا هذا فيأتون آدم (عليه السلام) فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله عزّ وجلّ بيده وأسجد لك ملائكته وعلّمك أسماء كل شيء فاشفع لنا إلى ربك حتى يريحنا من هذا المكان فيقول لهم لست هناك، ويذكر ذنبه الذي أصابه فيستحي ربّه من ذلك ولكن ائتوا نوحا فإنه أول الرسل بعثه الله إلى أهل الأرض، فيأتون نوحا فيقول لست هناك ويذكر خطيئته وسؤاله ربه هلاك قومه فيستحي ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن فيأتون إبراهيم (عليه السلام) فيقول: لست هناك ولكن ائتوا موسى عبدا كلمه الله وأعطاه التوراة فيأتون موسى (عليه السلام) فيقول: لست هناك، ويذكر لهم النفس التي قتل بغير نفس فيستحي من ذلك فيقول ائتوا عيسى عبد الله ورسوله هو كلمة الله وروحه فيأتون عيسى (عليه السلام) فيقول لست هناك ولكن ائتوا محمّدا عبدا غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتونني فأقوم وأمشي بين سماطين من المؤمنين حتّى أستأذن على ربي فيؤذن لي فإذا رأيت ربي خررت ساجدا لربي فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثمّ يقول: ارفعك رأسك ثم يقول: قل يسمع وسلّ تعط واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه ثمّ أشفع فيحدّ لي حدا فأدخلهم الجنة، ثمّ أعود إليه الثانية فإذا رأيت ربي وقعت أو خررت ساجدا لربي فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثمّ قال: ارفع يا محمّد رأسك قل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأحمد بتحميد يعلمنيه ثمّ أشفع فيحدّ لي حدا فأدخلهم الجنة.
ثمّ أعود إليه الثالثة فإذا رأيت ربي وقعتا وخررت ساجدا لربي فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثمّ يقال ارفع يا محمّد رأسك قل تسمع وسل تعطه واشفع فشفع فأرفع رأسي فأحمده تحميد يعلمنيه ثمّ أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ثمّ أعود إليه الرابعة، وأقول يا رب ما بقي إلّا من حبسه القرآن.
قال أنس بن مالك: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يخرج من النار من قال لا إله إلّا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ثمّ يخرج من النار من قال لا إله إلّا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة».
وروى أبو عاصم محمّد بن أبي أيوب الثقفي عن يزيد بن صهيب قال: كنت قد شغلني رأي من رأى الخوارج وكنت رجلا شابا، قال: فخرجنا في عصابة ذوي عدد يزيد أن يحج ثمّ يخرج على الناس فمررنا على المدينة فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس إلى سارية وإذا هو قد ذكر الجهنميين فقلت له: يا صاحب رسول الله ما هذا الذي تحدث والله عزّ وجلّ يقول: إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وكُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها.
فقال لي: تقرأ القرآن؟ قلت: نعم فقال: فهل سمعت مقام محمّد المحمود الذي يبعثه الله فيه؟ قلت: نعم، قال: فإنه مقام محمّد صلّى الله عليه وسلّم المحمود الذي يخرج الله به من يخرج من النار. ثمّ نعت وضع الصراط ومرور الناس عليه قال: وأخاف أن لا أكون حفظت ذلك غير أنه قد زعم أن قوما يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها، قال: فيخرجون كأنهم عيدان السماسم فيدخلون نهرا من أنهار الجنة فيغتسلون فيه فيخرجون كأنهم القراطيس. قال: فرجعنا وقلنا أيرون كهذا الشيخ يكذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فو الله ما خرج منا غير رجل واحد.
الزهري عن علي بن حسين قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كان يوم القيامة مدّ الأرض مدّ الأديم [بالعكاظي] حتّى لا يكون لبشر من الناس إلّا موضع قدميه».
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فأكون أنا أول من يدعى وجبرئيل عن يمين الرحمن والله ما رآه قبلها، وأقول: يا رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته إليّ فيقول الله تعالى: صدق، ثمّ أشفع فأقول يا رب عبادك عبدوك في أطراف الأرض قال: وهو المقام المحمود».
وروى سفيان عن سلمة بن سهيل عن أبي الزعراء قال: قال عبد الله: يكون أول شافع يوم القيامة روح القدس جبرئيل ثمّ إبراهيم ثمّ موسى ثمّ عيسى ثمّ يقوم نبيكم صلّى الله عليه وسلّم رابعا فلا يشفع أحد بعده فيما يشفع فيه وهو المقام المحمود.
سعيد بن عروبة عن قتادة عن أنس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: إن بالبراق قال لجبرائيل: والذي بعثك بالحق لا يركبني حتّى يضمن لي الشفاعة.
عبد الله بن إدريس عن عبد الله عن نافع عن ابن عمرو قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً. قال: يدنيني فيقعدني معه على العرش.
ابن فنجويه: أجلسني معه على سريره.
أبو أسامة عن داود بن يزيد [الأزدي] عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال: «الشفاعة».
عاصم عن أبي وائل عن عبد الله قال: إن الله تعالى اتخذ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا وإن صاحبكم خليل الله وأكرم الخلق على الله ثمّ قرأ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال: يقعده على العرش.
وروى سعيد الجروي عن سيف السدوي عن عبد الله بن سلام قال: إذا كان يوم القيامة يؤتي نبيكم صلّى الله عليه وسلّم فيقعد بين يدي الرب عزّ وجلّ على الكرسي.
وروى ليث عن مجاهد في قوله عزّ وجلّ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال: يجلسه على العرش.
قال الأستاذ الإمام أبو القاسم الثعلبي: هذا تأويل غير مستحيل لأن الله تعالى كان قبل خلقه الأشياء قائما بذاته ثمّ خلق الأشياء من غير حاجة له إليها، بل إظهارا لقدرته وحكمته ليعرف وجوده وحده وكمال علمه وقدرته بظهور أفعاله المتقنة بالحكمة، وخلق لنفسه عرشا استوى عليه كما يشاء من غير أن صار له مما شاء أو كان له العرش مكان بل هو الآن على الصفة التي كان عليها قبل أن خلق المكان والزمان، فعلى هذا القول سواء أقعد محمدا صلّى الله عليه وسلّم على العرش أو على الأرض لأن استواء الله على العرش ليس بمعنى الاستقبال والزوال أو تحول الأحوال من القيام والقعود أو الحال الذي يشغل العرش، بل هو مستو على عرشه كما أخبر عن نفسه بلا كيف، وليس إقعاده محمّدا صلّى الله عليه وسلّم على العرش موجبا له صفة الربوبية أو مخرجا إياه من صفة العبودية بل هو رفع لمحله وإظهار لشرفه وتفضيل له على غيره من خلقه، وأما قولهم: في الأخبار معه، فهو شابه قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ ورَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ ونحوهما من الآيات،كل ذلك راجع إلى الرتبة والمنزلة لا إلى المكان والجهة والله أعلم.أهـ
لطائف الإشارات = تفسير القشيري (2/ 364 - 365)
الليل لأحد أقوام: لطالبى النجاة وهم العاصون من جنح منهم إلى التوبة، أو لأصحاب الدرجات وهم الذين يجدّون فى الطاعات، ويسارعون فى الخيرات، أو لأصحاب المناجاة مع المحبوب عند ما يكون الناس فيما هم فيه من الغفلة والغيبة.
ويقال الليل لأحد رجلين: للمطيع والعاصي: هذا فى احتيال أعماله، وهذا فى اعتذاره عن قبيح أفعاله.
والمقام المحمود هو المخاطبة فى حال الشهود، ويقال الشهود.
ويقال هو الشفاعة لأهل الكبائر. ويقال هو انفراده يوم القيامة بما خصّ به- صلى الله عليه وسلم - بما لا يشاركه فيه أحد.أهـ
تفسير البغوي - إحياء التراث (3/ 149 - 156)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ أَيْ: قُمْ بَعْدَ نَوْمِكَ، وَالتَّهَجُّدُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ النَّوْمِ، يُقَالُ:
تَهَجَّدَ إِذَا قَامَ بعد ما نَامَ، وَهَجَدَ إِذَا نَامَ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ: قِيَامُ اللَّيْلِ لِلصَّلَاةِ، وَكَانَتْ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَرِيضَةً عَلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِابْتِدَاءِ، وَعَلَى الْأُمَّةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [الْمُزَّمِّلِ: 1] ، ثُمَّ نَزَلَ التَّخْفِيفُ فَصَارَ الْوُجُوبُ مَنْسُوخًا فِي حَقِّ الْأُمَّةِ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَبَقِيَ الِاسْتِحْبَابُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [الْمُزَّمِّلِ: 20] ، وَبَقِيَ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
«1313» وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرِيضَةٌ، وهنّ سنة لكم: الْوِتْرُ وَالسِّوَاكُ وَقِيَامُ اللَّيْلِ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: نافِلَةً لَكَ أَيْ: زيادة لك، يريد فريضة زَائِدَةٌ، عَلَى سَائِرِ الْفَرَائِضِ، فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَيْكَ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْوُجُوبَ صَارَ مَنْسُوخًا فِي حَقِّهِ كَمَا فِي حَقِّ الْأُمَّةِ، فَصَارَتْ نَافِلَةً، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: نافِلَةً لَكَ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْكَ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى التَّخْصِيصِ وَهِيَ زِيَادَةٌ فِي حَقِّ كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ: التَّخْصِيصُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ نَوَافِلَ الْعِبَادِ كَفَّارَةٌ لِذُنُوبِهِمْ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ فَكَانَتْ نَوَافِلُهُ لَا تَعْمَلُ فِي كَفَّارَةِ الذُّنُوبِ فَتَبْقَى لَهُ زِيَادَةٌ فِي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ.
«1314» أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كليب [الشاشي] ثنا أَبُو عِيسَى [مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى] الترمذي ثنا قُتَيْبَةُ وَبِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَا ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عَلَاقَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَتَكَلَّفُ هَذَا وَقَدْ غفر [الله] لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» .
«1315» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي بكر عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَأَرْمُقَنَّ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّيْلَةَ، فَتَوَسَّدْتُ عَتَبَتَهُ أَوْ فسطاطه، فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، [ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا]، ثُمَّ أَوْتَرَ فَذَلِكَ ثَلَاثُ عَشْرَةَ رَكْعَةً.
«1316» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟ قَالَ: فَقَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا. قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ:
«يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنِيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» .
«1317» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَاينِيُّ أَنَا أَبُو عُوَانَةَ يعقوب بن إسحاق أنا يونس [هو] بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ وَابْنُ أَبِي ذئب وعمرو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُمْ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرَغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ مِنْ كل ركعتين ويوتر بواحدة، ويسجد سجدتين قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، فإذا سكت المؤذن من صلاة الْفَجْرِ وَتَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ فَيَخْرُجُ، وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ على بعض.
«1318» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَا كُنَّا نَشَاءُ أَنْ نَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الليل مصليا إلا رأيناه، وما نَشَاءُ أَنْ نَرَاهُ نَائِمًا إِلَّا رأيناه، وقال: وكان يَصُومُ [مِنَ] الشَّهْرِ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ [مِنْهُ شَيْئًا]، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ مِنْهُ شَيْئًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً عَسَى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبٌ لِأَنَّهُ لَا يَدْعُ أَنْ يُعْطِيَ عِبَادَهُ أَوْ يَفْعَلَ بِهِمْ مَا أَطْمَعَهُمْ فِيهِ، وَالْمَقَامُ الْمَحْمُودُ هُوَ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ لِأُمَّتِهِ لِأَنَّهُ، يَحْمَدُهُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ.
«1319» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زنجويه أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ المقري أنا حيوة عن كعب بن عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عليّ فمن صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا لِيَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ» .
«1320» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا علي بن عياش ثنا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
«1321» أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بن منيب أنا يَعْلَى عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي وَهِيَ نَائِلَةٌ مِنْكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بالله شيئا» .
«1322» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: وَقَالَ الحجاج بن منهال ثنا همام بن يحيى ثنا قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُحْبَسُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَهْتَمُّوا بِذَلِكَ فَيَقُولُونَ لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا فَيُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ آدَمُ أَبُو النَّاسِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، اشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا من مكاننا هذا [قال]، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ التي أصاب أكله مِنَ الشَّجَرَةِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ ويذكر خطيئته الَّتِي أَصَابَ سُؤَالَهُ رَبَّهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ. وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ، قَالَ: فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ [ثَلَاثَ] كَذِبَاتٍ كَذَبَهُنَّ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا آتَاهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ وَكَلَّمَهُ وَقَرَّبَهُ نَجِيًّا. قَالَ: فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خطيئته التي أصاب قتله النَّفْسِ، وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ وَرُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ، قال: فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا عَبْدًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ: فَيَأْتُونِي فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ الله أن يدعني، فيقول ارفع [رأسك] مُحَمَّدُ وَقُلْ تُسْمَعْ وَاشْفَعْ [تُشَفَّعْ]، وسل تعط قَالَ: فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأُثْنِي عَلَى ربي بثناء وتحميد يعلمنيه [قال]، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدَّ لِي حَدًّا فأخرج، وأدخلهم الجنة، [ثم أعود الثانية فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي] عَلَيْهِ فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ [سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ: ارفع مُحَمَّدُ وَقُلْ تُسْمَعْ وَاشْفَعْ] تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَهُ، [قَالَ: فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدَّ لِي حدا فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ الثَّالِثَةَ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ تُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَهُ، قَالَ: فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدَّ لِي حَدًّا فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ]. قَالَ قتادة: وقد سمعته يَقُولُ: «فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ حَتَّى مَا يَبْقَى فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ»، أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ:عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قَالَ:«وَهَذَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وُعِدَهُ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
«1323» وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن إسماعيل ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد ثنا معبد بن هلال قَالَ: ذَهَبْنَا إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ، بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ: «فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا لَا تَحْضُرُنِي الْآنَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ تُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ له ساجدا فذكر مثله، وقال: فيقال لي: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ أَوْ خَرْدَلَةٍ من إيمان، قال: فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ ساجدا، فذكر مِثْلَهُ، ثُمَّ يُقَالُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أدنى مثقال حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ» ، فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ أَنَسٍ مَرَرْنَا بِالْحَسَنِ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَحَدَّثْنَاهُ بِالْحَدِيثِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ: هِيهِ، فَقُلْنَا [لَمْ] يَزِدْنَا عَلَى هَذَا، فَقَالَ: لَقَدْ حَدَّثَنِي وَهُوَ يَوْمَئِذٍ جَمِيعٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً كَمَا حَدَّثَكُمْ، ثُمَّ قال: «أَعُودُ الرَّابِعَةَ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ تُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأقول يا ربي ائذن لي فيمن قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَقُولُ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» .
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الْأُذُنِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ ثُمَّ بِمُوسَى ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشْفَعُ لِيُقْضَى بَيْنَ الْخَلْقِ، فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ الْبَابِ فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَحْمَدُهُ أَهْلُ الْجَمْعِ كُلُّهُمْ.
«1324» وَأَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الحسين القطان ثنا محمد بن حيويه ثنا سعيد بن سليمان ثنا منصور بن أبي الأسود ثنا اللَّيْثُ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوَّلُهُمْ خُرُوجًا [إِذَا بُعِثُوا] وَأَنَا قَائِدُهُمْ إِذَا وَفَدُوا وَأَنَا خَطِيبُهُمْ إِذَا أَنْصَتُوا وَأَنَا شَفِيعُهُمْ إِذَا حُبِسُوا وَأَنَا مُبَشِّرُهُمْ إِذَا أَيِسُوا، الْكَرَامَةُ وَالْمَفَاتِيحُ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي، وَلِوَاءُ الْحَمْدِ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي، وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي، يَطُوفُ عَلِيَّ أَلْفُ خَادِمٍ كَأَنَّهُمْ لؤلؤ بِيضٌ مَكْنُونٌ أَوْ لُؤْلُؤٌ مَنْثُورٌ».
«1325» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بن موسى ثنا هقل بْنُ زِيَادٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو عَمَّارٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَرُّوخٍ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ» .
وَالْأَخْبَارُ فِي الشفاعة متواترة كَثِيرَةٌ وَأَوَّلُ مَنْ أَنْكَرَهَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَهُوَ مُبْتَدِعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ.
«1326» وَرُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ صُهَيْبٍ الْفَقِيرِ قَالَ: كُنْتُ قَدْ شَغَفَنِي رَأْيٌ مِنْ رَأْيِ الْخَوَارِجِ، وَكُنْتُ رَجُلًا شَابًّا فَخَرَجْنَا فِي عِصَابَةٍ نُرِيدُ أَنْ نَحُجَّ ، فَمَرَرْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ فَإِذَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، وذكر حديث الْجُهَنَّمِيِّينَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ مَا هَذَا الَّذِي تحدثون وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ [آل عمران: 192] ، وكُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها [السَّجْدَةِ: 20] ، فَقَالَ لِي: يَا فتى أتقرأ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ سَمِعْتَ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ الْمَحْمُودِ الَّذِي يَبْعَثُهُ اللَّهُ فِيهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّهُ مَقَامُ مُحَمَّدٍ الْمَحْمُودُ الَّذِي يُخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مَنْ [النار من] يخرج، ثُمَّ نَعَتَ وَضْعَ الصِّرَاطِ وَمَرَّ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ من النار بعد ما يَكُونُونَ فِيهَا، قَالَ: فَرَجَعْنَا وَقُلْنَا أَتَرَوْنَ هَذَا الشَّيْخَ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
«1327» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اتَّخَذَ إبراهيم خليلا، وإن صاحبكم خليل اللَّهِ وَأَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ» ، ثُمَّ قَرَأَ: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً، قَالَ: يُجْلِسُهُ عَلَى الْعَرْشِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قال: يقعده على الكرسي.أهـ
زاد المسير في علم التفسير (3/ 46 - 48)
قوله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ قال ابن عباس: فَصَلِّ بالقرآن. قال مجاهد، وعلقمة، والأسود: التهجُّد بعد النوم. قال ابن قتيبة: تهجَّدت: سهرت، وهجدت: نمت. وقال ابن الأنباري: التّهجّد ها هنا بمعنى: التيقُّظ والسَّهَر، واللغويون يقولون: هو من حروف الأضداد يقال للنائم: هاجِد ومتهجِّد، وكذلك للساهر، قال النابغة:
وَلَو انَّها عَرَضَتْ لأشْمَطَ رَاهِبٍ ... عَبَد الإِلهَ صَرُوْرَةٍ مُتَهَجِّدِ
لَرَنَا لِبَهْجَتِهَا وَحُسْنِ حَدِيْثِهَا ... وَلَخَالَهُ رَشَداً وَإِنْ لَمْ يَرْشُدِ
يعني بالمتهجد: الساهر، وقال لبيد:
قَال هَجِدْنَا فقد طال السّرى
أي: نَوِّمْنا. وقال الأزهري: المتهجِّد: القائم إِلى الصلاة من النَّوم: وقيل له: متهجد، لإِلقائه الهُجُود عن نفسه، كما يقال: تَحَرَّج وتأثَّم.
قوله تعالى: نافِلَةً لَكَ النافلة في اللغة: ما كان زائداً على الأصل.
وفي معنى هذه الزيادة في حقه قولان: أحدهما: أنها زائدة فيما فُرِض عليه، فيكون المعنى:
فريضة عليك، وكان قد فرض عليه قيام الليل، هذا قول ابن عباس، وسعيد بن جبير. والثاني: أنها زائدة على الفرض، وليست فرضاً فالمعنى: تطوعاً وفضيلة. قال أبو أُمامة، والحسن، ومجاهد: إنما النّافلة للنبيّ صلى الله عليه وسلّم خاصة. قال مجاهد: وذلك أنه قد غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما زاد على فرضه فهو نافلة له وفضيلة، وهو لغيره كفارة. وذكر بعض أهل العلم: أن صلاة الليل كانت فرضاً عليه في الابتداء، ثم رخِّص له في تركها، فصارت نافلة. وذكر ابن الأنباري في هذا قولين: أحدهما: يقارب ما قاله مجاهد، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إِذا تنفَّل لا يقدر له أن يكون بذلك ماحياً للذنوب، لأنه قد غُفر له ما تقدم من ذَنْبه وما تأخَّر، وغيره إِذا تنفَّل كان راجياً، ومقدّراً محو السيئات عنه بالتّنفّل، فالنّافلة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم زيادة على الحاجة، وهي لغيره مفتقَر إِليها، ومأمول بها دفع المكروه. والثاني: أن النافلة للنبيّ صلى الله عليه وسلّم وأمته، والمعنى: ومن الليل فتهجدوا به نافله لكم، فخوطب النبيّ صلى الله عليه وسلّم بخطاب أمته.
قوله تعالى: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً «عسى» من الله واجبه، ومعنى «يبعثك» يقيمك مَقاماً مَحْمُوداً وهو الذي يحمَده لأجله جميع أهل الموقف. وفيه قولان:
أحدهما: أنه الشفاعة للناس يوم القيامة، قاله ابن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وابن عمر، وسلمان الفارسي، وجابر بن عبد الله، والحسن، وهي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد.
والثاني: يجلسه على العرش يوم القيامة. روى أبو وائل عن عبد الله أنه قرأ هذه الآية، وقال:يُقعده على العرش، وكذلك روى الضحاك عن ابن عباس، وليث عن مجاهد.أهـ
يتبع.