موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: تعرض الفتن على القلوب كالحصير
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت فبراير 12, 2011 10:28 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 11:21 pm
مشاركات: 2119
مكان: مصر
حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير‏.‏ حدثنا أبو خالد، يعني سليمان بن حيان، عن سعد بن طارق، عن ربعي، عن حذيفة؛ قال‏:‏ كنا عند عمر‏.‏ فقال‏:‏ أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن‏؟‏ فقال قوم‏:‏ نحن سمعناه‏.‏ فقال‏:‏ لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره‏؟‏ قالوا‏:‏ أجل‏.‏ قال‏:‏
تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة‏.‏ ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن التي تموج موج البحر‏.‏ قال حذيفة‏:‏ فأسكت القوم‏.‏ فقلت‏:‏ أنا‏.‏ قال‏:‏ أنت، لله أبوك‏!‏ قال حذيفة‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏
‏"‏تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا‏.‏ فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء‏.‏ وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء‏.‏ حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا‏.‏ فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض‏.‏ والآخر أسود مربادا، كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا‏.‏ إلا ما أشرب من مراه‏"‏‏.‏
قال حذيفة‏:‏ وحدثته؛ أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر‏.‏ قال عمر‏:‏ أكسرا، لا أبا لك‏!‏ فلو أنه فتح لعله كان يعاد‏.‏ قلت‏:‏ لا‏.‏ بل يكسر‏.‏ وحدثته؛ أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت‏.‏ حديثا ليس بالأغاليط‏.‏
قال أبو خالد‏:‏ فقلت لسعد‏:‏ يا أبا مالك‏!‏ ما أسود مربادا‏؟‏ قال‏:‏ شدة البياض في سواد‏.‏ قال، قلت‏:‏ فما الكوز مجخيا‏؟‏ قال‏:‏ منكوسا‏.‏


صحيح مسلم: كتاب الإيمان – باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً ... حديث (144)

قال الإمام النووي رحمه الله في ( شرح مسلم ):
(وَقَوْله : ( فِتْنَة الرَّجُل فِي أَهْله وَجَاره تُكَفِّرهَا الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالصَّدَقَة )
قَالَ أَهْل اللُّغَة : أَصْل الْفِتْنَة فِي كَلَام الْعَرَب الِابْتِلَاء وَالِامْتِحَان وَالِاخْتِبَار . قَالَ الْقَاضِي : ثُمَّ صَارَتْ فِي عُرْف الْكَلَام لِكُلِّ أَمْر كَشَفَهُ الِاخْتِبَار عَنْ سُوء . قَالَ أَبُو زَيْد . فُتِنَ الرَّجُل يُفْتَن فُتُونًا إِذَا وَقَعَ فِي الْفِتْنَة ، وَتَحَوَّلَ مِنْ حَال حَسَنَة إِلَى سَيِّئَة . وَفِتْنَة الرَّجُل فِي أَهْله ، وَمَاله ، وَوَلَده ضُرُوب مِنْ فَرْط مَحَبَّته لَهُمْ ، وَشُحّه عَلَيْهِمْ ، وَشُغْله بِهِمْ عَنْ كَثِير مِنْ الْخَيْر ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { إِنَّمَا أَمْوَالكُمْ وَأَوْلَادكُمْ فِتْنَة } أَوْ لِتَفْرِيطِهِ بِمَا يَلْزَم مِنْ الْقِيَام بِحُقُوقِهِمْ وَتَأْدِيبهمْ وَتَعْلِيمهمْ فَإِنَّهُ رَاعٍ لَهُمْ وَمَسْئُول عَنْ رَعِيَّته وَكَذَلِكَ فِتْنَة الرَّجُل فِي جَاره مِنْ هَذَا فَهَذِهِ كُلّهَا فِتَن تَقْتَضِي الْمُحَاسَبَة ، وَمِنْهَا ذُنُوب يُرْجَى تَكْفِيرهَا بِالْحَسَنَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { إِنَّ الْحَسَنَات يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات } .
وَقَوْله : ( الَّتِي تَمُوج كَمَا يَمُوج الْبَحْر )
أَيْ تَضْرِب وَيَدْفَع بَعْضهَا بَعْضًا . وَشَبَّهَهَا بِمَوْجِ الْبَحْر لِشِدَّةِ عِظَمِهَا ، وَكَثْرَة شُيُوعهَا .
وَقَوْله : ( فَأَسْكَتَ الْقَوْم )
هُوَ بِقَطْعِ الْهَمْزَة الْمَفْتُوحَة . قَالَ جُمْهُور أَهْل اللُّغَة سَكَتَ وَأَسْكَتَ لُغَتَانِ بِمَعْنَى صَمَتَ . وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : سَكَتَ صَمَتَ ، وَأَسْكَتَ أَطْرَقَ . وَإِنَّمَا سَكَتَ الْقَوْم لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَحْفَظُونَ هَذَا النَّوْع مِنْ الْفِتْنَة ، وَإِنَّمَا حَفِظُوا النَّوْع الْأَوَّل .
وَقَوْله : ( لِلَّهِ أَبُوك )
كَلِمَة مَدْح تَعْتَاد الْعَرَب الثَّنَاء بِهَا فَإِنَّ الْإِضَافَة إِلَى الْعَظِيم تَشْرِيف ، وَلِهَذَا يُقَال بَيْت اللَّه . قَالَ صَاحِب التَّحْرِير : فَإِذَا وُجِدَ مِنْ الْوَلَد مَا يُحْمَد قِيلَ لَهُ لِلَّهِ أَبُوك حَيْثُ أَتَى بِمِثْلِك .
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تُعْرَض الْفِتَن عَلَى الْقُلُوب كَالْحَصِيرِ عُودًا )
هَذَانِ الْحَرْفَانِ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِي ضَبْطه عَلَى ثَلَاثَة أَوْجُه أَظْهَرهَا وَأَشْهَرهَا عُودًا عُودًا بِضَمِّ الْعَيْن وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَة ، وَالثَّانِي بِفَتْحِ الْعَيْن وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَة أَيْضًا ، وَالثَّالِث بِفَتْحِ الْعَيْن وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَة ، وَلَمْ يَذْكُر صَاحِب التَّحْرِير غَيْر الْأَوَّل . وَأَمَّا الْقَاضِي عِيَاض فَذَكَرَ هَذِهِ الْأَوْجُه الثَّلَاثَة عَنْ أَئِمَّتهمْ ، وَاخْتَارَ الْأَوَّل أَيْضًا . قَالَ : وَاخْتَارَ شَيْخنَا أَبُو الْحُسَيْن بْن سَرَّاج فَتْح الْعَيْن وَالدَّال الْمُهْمَلَة . قَالَ : وَمَعْنَى ( تُعْرَض ) أَنَّهَا تُلْصَق بِعَرْضِ الْقُلُوب أَيْ جَانِبهَا كَمَا يُلْصَق الْحَصِير بِجَنْبِ النَّائِم ، وَيُؤَثِّر فِيهِ شِدَّة اِلْتِصَاقهَا بِهِ . قَالَ : وَمَعْنَى ( عُودًا عُودًا ) أَيْ تُعَاد وَتُكَرَّر شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ . قَالَ اِبْن سَرَّاج : وَمَنْ رَوَاهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة فَمَعْنَاهُ سُؤَال الِاسْتِعَاذَة مِنْهَا كَمَا يُقَال غُفْرًا غُفْرًا ، وَغُفْرَانك أَيْ نَسْأَلك أَنْ تُعِيذنَا مِنْ ذَلِكَ ، وَأَنْ تَغْفِر لَنَا . وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو عَبْد اللَّه بْن سُلَيْمَان : مَعْنَاهُ تَظْهَر عَلَى الْقُلُوب أَيْ تَظْهَر لَهَا فِتْنَة بَعْد أُخْرَى . وَقَوْله : ( كَالْحَصِيرِ ) أَيْ كَمَا يُنْسَج الْحَصِير عُودًا عُودًا وَشَظِيَّة بَعْد أُخْرَى . قَالَ الْقَاضِي : وَعَلَى هَذَا يَتَرَجَّح رِوَايَة ضَمّ الْعَيْن وَذَلِكَ أَنَّ نَاسِج الْحَصِير عِنْد الْعَرَب كُلَّمَا صَنَعَ عُودًا أَخَذَ آخَر وَنَسَجَهُ فَشَبَّهَ عَرَضَ الْفِتَن عَلَى الْقُلُوب وَاحِدَة بَعْد أُخْرَى بِعَرْضِ قُضْبَان الْحَصِير عَلَى صَانِعهَا وَاحِدًا بَعْد وَاحِد . قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا مَعْنَى الْحَدِيث عِنْدِي وَهُوَ الَّذِي يَدُلّ عَلَيْهِ سِيَاق لَفْظه وَصِحَّة تَشْبِيهه . وَاَللَّه أَعْلَم .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَأَيّ قَلْب أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَة سَوْدَاء ، وَأَيّ قَلْب أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَة بَيْضَاء )
مَعْنَى ( أُشْرِبَهَا ) دَخَلَتْ فِيهِ دُخُولًا تَامًّا وَأُلْزِمَهَا وَحَلَّتْ مِنْهُ مَحَلّ الشَّرَاب . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبهمْ الْعِجْل } أَيْ حُبّ الْعِجْل ، وَمِنْهُ قَوْلهمْ : ثَوْب مُشْرَب بِحُمْرَةٍ : أَيْ خَالَطَتْهُ الْحُمْرَة مُخَالَطَة لَا اِنْفِكَاك لَهَا . وَمَعْنَى نُكِتَ نُكْتَة نُقِطَ نُقْطَة وَهِيَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة فِي آخِره . قَالَ : اِبْن دُرَيْدٍ وَغَيْره : كُلّ نُقْطَة فِي شَيْء بِخِلَافِ لَوْنه فَهُوَ نَكْت وَمَعْنَى ( أَنْكَرَهَا ) رَدَّهَا . وَاَللَّه أَعْلَم .
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حَتَّى تَصِير عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَض مِثْل الصَّفَا فَلَا تَضُرّهُ فِتْنَة مَا دَامَتْ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْآخَر أَسْوَد مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِف مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِر مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ )
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه لَيْسَ تَشْبِيهه بِالصَّفَا بَيَانًا لِبَيَاضِهِ لَكِنْ صِفَة أُخْرَى لِشِدَّتِهِ عَلَى عَقْد الْإِيمَان وَسَلَامَته مِنْ الْخَلَل ، وَأَنَّ الْفِتَن لَمْ تَلْصَق بِهِ ، وَلَمْ تُؤَثِّر فِيهِ كَالصَّفَا وَهُوَ الْحَجْر الْأَمْلَس الَّذِي لَا يَعْلَق بِهِ شَيْء .
وَأَمَّا قَوْله : ( مُرْبَادًّا ) فَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَتنَا وَأُصُول بِلَادنَا وَهُوَ مَنْصُوب عَلَى الْحَال . وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه خِلَافًا فِي ضَبْطه ، وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ . وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ ( مُرْبَئِد ) بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَة بَعْدَ الْبَاء قَالَ الْقَاضِي : وَهَذِهِ رِوَايَة أَكْثَر شُيُوخنَا . وَأَصْله أَنْ لَا يُهْمَز وَيَكُون ( مُرْبَدّ ) مِثْل مُسَوَّد وَمُحْمَرّ وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْد وَالْهَرَوِيّ وَصَحَّحَهُ بَعْض شُيُوخنَا عَنْ أَبِي مَرْوَان بْن سَرَّاج لِأَنَّهُ مِنْ اِرْبَدَّ إِلَّا عَلَى لُغَة مَنْ قَالَ اِحْمَأَرَّ بِهَمْزَةٍ بَعْد الْمِيم لِالْتِقَاءِ السَّاكِنِينَ فَيُقَال : اِرْبَأَدّ وَمُرْبَئِدّ وَالدَّال مُشَدَّدَة عَلَى الْقَوْلَيْنِ ، وَسَيَأْتِي تَفْسِيره .
وَأَمَّا قَوْله : ( مُجَخِّيًا ) فَهُوَ بِمِيمٍ مَضْمُومَة ثُمَّ جِيم مَفْتُوحَة ثُمَّ خَاء مُعْجَمَة مَكْسُورَة مَعْنَاهُ مَائِلًا كَذَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْره . وَفَسَّرَهُ الرَّاوِي فِي الْكِتَاب بِقَوْلِهِ : مَنْكُوسًا وَهُوَ قَرِيب مِنْ مَعْنَى الْمَائِل . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : قَالَ لِي اِبْن سَرَّاج : لَيْسَ قَوْله كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا تَشْبِيهًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ سَوَاده بَلْ هُوَ وَصْف آخَر مِنْ أَوْصَافه بِأَنَّهُ قُلِبَ وَنُكِّسَ حَتَّى لَا يَعْلَق بِهِ خَيْر وَلَا حِكْمَة . وَمِثْله بِالْكُوزِ الْمُجَخِّي وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ لَا يَعْرِف مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِر مُنْكَرًا .
قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّه : شَبَّهَ الْقَلْب الَّذِي لَا يَعِي خَيْرًا بِالْكُوزِ الْمُنْحَرِف الَّذِي لَا يَثْبُت الْمَاء فِيهِ . وَقَالَ صَاحِب التَّحْرِير : مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الرَّجُل إِذَا تَبِعَ هَوَاهُ وَارْتَكَبَ الْمَعَاصِي دَخَلَ قَلْبه بِكُلِّ مَعْصِيَة يَتَعَاطَاهَا ظُلْمَة ، وَإِذَا صَارَ كَذَلِكَ اُفْتُتِنَ وَزَالَ عَنْهُ نُور الْإِسْلَام . وَالْقَلْب مِثْل الْكُوز فَإِذَا اِنْكَبَّ اِنْصَبَّ مَا فِيهِ وَلَمْ يَدْخُلهُ شَيْء بَعْد ذَلِكَ .
وَأَمَّا قَوْله فِي الْكِتَاب : ( قُلْت لِسَعْدٍ : مَا أَسْوَد مُرْبَادًّا فَقَالَ : شِدَّة الْبَيَاض فِي سَوَاد )
فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه : كَانَ بَعْض شُيُوخنَا يَقُول : إِنَّهُ تَصْحِيف ، وَهُوَ قَوْل الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيد الْكِنَانِيّ قَالَ : أَرَى أَنَّ صَوَابه شَبَّهَ الْبَيَاض فِي سَوَاد ، وَذَلِكَ أَنَّ شِدَّة الْبَيَاض فِي سَوَاد لَا يُسَمَّى رُبْدَة ، وَإِنَّمَا يُقَال لَهَا ( بُلْق ) إِذَا كَانَ فِي الْجِسْم ، وَحَوَرًا إِذَا كَانَ فِي الْعَيْن . وَالرُّبْدَة إِنَّمَا هُوَ شَيْء مِنْ بَيَاض يَسِير يُخَالِط السَّوَاد كَلَوْنِ أَكْثَر النَّعَام ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلنَّعَامَةِ : رَبْدَاء فَصَوَابه : شَبَّهَ الْبَيَاض لَا شِدَّة الْبَيَاض . قَالَ أَبُو عُبَيْد عَنْ أَبِي عَمْرو وَغَيْره : الرُّبْدَة لَوْن بَيْن السَّوَاد وَالْغَبَرَة . وَقَالَ اِبْن دُرَيْدٍ : الرُّبْدَة لَوْن أَكْدَر . وَقَالَ غَيْره : هِيَ أَنْ يَخْتَلِط السَّوَاد بِكَدِرَةٍ . وَقَالَ الْحَرْبِيّ : لَوْن النَّعَام بَعْضه أَسْوَد وَبَعْضه أَبْيَض ، وَمِنْهُ اِرْبَدَّ لَوْنه إِذَا تَغَيَّرَ وَدَخَلَهُ سَوَاد . وَقَالَ نَفْطَوَيْهِ : الْمِرْبَد الْمُلَمَّع بِسَوَادٍ وَبَيَاض ، وَمِنْهُ تَرَبَّدَ لَوْنه أَيْ تَلَوَّنَ . وَاَللَّه أَعْلَم .
قَوْله :
( حَدَّثْته أَنَّ بَيْنَك وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا يُوشِك أَنْ يُكْسَر قَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَكَسْرًا لَا أَبَا لَك فَلَوْ أَنَّهُ فُتِحَ لَعَلَّهُ كَانَ يُعَاد )
أَمَّا قَوْله : ( إِنَّ بَيْنك وَبَيْنهَا بَابًا مُغْلَقًا ) فَمَعْنَاهُ أَنَّ تِلْكَ الْفِتَن لَا يَخْرُج شَيْء مِنْهَا فِي حَيَاتك .
وَأَمَّا قَوْله : ( يُوشِك ) بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الشِّين وَمَعْنَاهُ يَقْرُب .
وَقَوْله : ( أَكَسْرًا ) أَيْ أَيُكْسَرُ كَسْرًا فَإِنَّ الْمَكْسُور لَا يُمْكِن إِعَادَته بِخِلَافِ الْمَفْتُوح ، وَلِأَنَّ الْكَسْر لَا يَكُون غَالِبًا إِلَّا عَنْ إِكْرَاه وَغَلَبَة وَخِلَاف عَادَة .
وَقَوْله : ( لَا أَبَا لَك ) قَالَ صَاحِب التَّحْرِير : هَذِهِ كَلِمَة تَذْكُرهَا الْعَرَب لِلْحَثِّ عَلَى الشَّيْء وَمَعْنَاهَا أَنَّ الْإِنْسَان إِذَا كَانَ لَهُ أَب وَحَزَبَهُ أَمْر وَوَقَعَ فِي شِدَّة عَاوَنَهُ أَبُوهُ وَرَفَعَ عَنْهُ بَعْض الْكُلّ فَلَا يَحْتَاج مِنْ الْجِدّ وَالِاهْتِمَام إِلَى مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ الِانْفِرَاد وَعَدَم الْأَب الْمُعَاوِن . فَإِذَا قِيلَ لَا أَبَا لَك فَمَعْنَاهُ جِدَّ فِي هَذَا الْأَمْر وَشَمِّرْ وَتَأَهَّبْ تَأَهُّب مَنْ لَيْسَ لَهُ مُعَاوِن . وَاَللَّه أَعْلَم .
قَوْله : ( وَحَدِيثه أَنَّ ذَلِكَ الْبَاب رَجُل يُقْتَل أَوْ يَمُوت حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ )
أَمَّا الرَّجُل الَّذِي يُقْتَل فَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الصَّحِيح أَنَّهُ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقَوْله : ( يُقْتَل أَوْ يَمُوت ) يَحْتَمِل أَنْ يَكُون حُذَيْفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا عَلَى الشَّكّ وَالْمُرَاد بِهِ الْإِبْهَام عَلَى حُذَيْفَة وَغَيْره . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون حُذَيْفَة عَلِمَ أَنَّهُ يُقْتَل وَلَكِنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُخَاطِب عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِالْقَتْلِ ؛ فَإِنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ يَعْلَم أَنَّهُ هُوَ الْبَاب كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الصَّحِيح أَنَّ عُمَر كَانَ يَعْلَم مَنْ الْبَاب كَمَا يَعْلَم أَنَّ قَبْل غَد اللَّيْلَة فَأَتَى حُذَيْفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِكَلَامٍ يَحْصُل مِنْهُ الْغَرَض مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ إِخْبَارًا لِعُمَرَ بِأَنَّهُ يُقْتَل .
وَأَمَّا قَوْله : ( حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ ) فَهِيَ جَمْع أُغْلُوطَة وَهِيَ الَّتِي يُغَالَط بِهَا فَمَعْنَاهُ حَدَّثْته حَدِيثًا صِدْقًا مُحَقَّقًا لَيْسَ هُوَ مِنْ صُحُف الْكِتَابِيِّينَ وَلَا مِنْ اِجْتِهَاد ذِي رَأْي بَلْ مِنْ حَدِيث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْحَاصِل أَنَّ الْحَائِل بَيْن الْفِتَن وَالْإِسْلَام عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَهُوَ الْبَاب فَمَا دَامَ حَيًّا لَا تَدْخُل الْفِتَن ، فَإِذَا مَاتَ دَخَلَتْ الْفِتَن وَكَذَا كَانَ وَاَللَّه أَعْلَم .

_________________

ما خاب بين الورى يوما ولا عثرت***في حالة السير بالبلوى مطيته
من كان لله رب العرش ملتجأ***ومن تكن برسول الله نصرته


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: [AhrefsBot] و 12 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط