اشترك في: الجمعة إبريل 28, 2006 11:18 pm مشاركات: 4147 مكان: الديار المحروسة
|
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كلام منقول من ارشيفي لا اتذكر من أي شخص ولكن فيه كلام اري انه يحبذ الاحتفاظ به بالمنتدي
سلامٌ مِن الله السلام على أخى .. و إخوانهِ أهل المحبّةِ و النُهى
ومِنّى سلامٌ و التحياتُ و المُنى .. عسى روحهُ ترقى إلى فوق السُها
الحمد لله الذى أعطى كلَّ شىءٍ خلقَهُ ثُم هدى ، و الصلاة و السلام على نبى الهدى سيدنا محمدٍ و آلهِ و صحبهِ نجوم الاقتداء .
وبعد ...
أمَا بعد .. فاعلموا أن العلم القديم اقتضى علمه تعالى بجميع المعلومات جملةً و تفصيلا حال عدمها النسبىّ ، أى عدمها المقيد بخفاء صوَرها ، إذ العدم المحض مُحال لأنه الشر المحض ، فالعدم نسبةٌ عدمية ، أعنى غير وجودية ، والأصل الوجود المحض ، وجود الحق تعالى .
و رؤية الحق للمعلومات غير مُقيَّدة بوجودها الصورىّ؛ و شاهد ذلك ما يراه النائم مِن الأمور الحادثات قبل حدوثها ، وكذلك ما يُحضره أرباب الصناعات و الاختراعات فى أذهانهم مِن الصوَر المراد إحداثها بالقوة قبل حدوثها بالفعل ، و لله المثل الأعلى ؛ فمَن عَلِم ذلك أدرك أنَ كل معلومٍ للحق فهو مشهودٌ له غائب عن شهود ذاته لاستهلاكهِ فى الحق تعالى
.
و بعد .. فلما شاء الحق إيجاد العالم أفاض نوره على المعلومات مِن حيث أعيانها الثابتة فى علمِ الله القديم ، فأبصرت أنفسها و غابت عن نور الوجود لأن النور لا يُرى بل يُرى به ، فلمَا أبصرت بذلك النور لم تر إلا أنفسها ، فاستفادت بشهودها وجودا لم يكن عندها ، أو قُل شعورا لم تكن تجده مِن قبل، و قد حكمَ سبحانه و تعالى عليها بالثبوت و البهت فى حضرة أحديته ، و التغير و الشعور فى حضرة الكثرة التى هى أسماؤه .
و لمّا كان الفيض النورى دائم لا ينقطع كان شعورها بأنفسها دائم لا ينقطع ، و الأعيان لا زالت فى علم الله لم تبرح ، فهى فى عماء مِن حيث نظرها لأحديتهِ ، و فى نور و ظهور مِن حيث نظرها لأسمائه المعبر عنها بالكثرة كما أوضحنا ، ولا حُكم و لا أثر لهذه الكثرة فى حضرة الذات الأحدية ، بل ظهور أحكام و أثار الكثرة الأسمائية كائنٌ فى المعلومات، و من أدرك هذا أدرك ظهور العالم من هذا الوجه ؛ أعنى أن صدور العالم عبارة عن ظهور أحكام و آثار الأسماء الإلهية فى المعلومات المحكوم عليها بالكثرة فى حضرة الأسماء ، و هذا عين قبولها الأنوار الإلهية الأسمائية ، و عَلِم أن العالَم هو الناظر إلى الكنز الذى كان مخفيّا كما قال تعالى فى الحديث القدسى ،و أنه عين جواهر الكنز لبروزه مِن الخفاء إلى الظهور بذلك النور ، و إن شئتَ قُلت مِن العدم إلى الوجود الذى هو الحق وهو عين الكنز ، و قد نبّه تعالى إلى ما ذكرنا كما أشرنا
.
و متى بان هذا فاعلموا أن جميع المعلومات لم تر أعيانها إلا فى مرآة الحق إذ لا غير ، و هى حضرة تجليه الدائم و إن غابت أكثر الأعيان عن إدراك التجلى كما غابت عن إدراكها لنور الوجود المفاض ؛ كما ذكرنا ؛ لاستهلاكها فى رؤية أعيانها و انشغالها بأنفسها و أمثالها المسماة أغيارا ، لكونها صورا يطرأ عليها التغيير، أو لكونها غير الحق من هذا الوجه ، و هى حقٌ بوجه ، أعنى هى عين الحق مِن حيث أحديتها حال استهلاكها ، و هى غيره من حيث كثرتها المسماة خلقا و عالَماً ، فالوجود حق ، والعالم حقٌّ فى خلق
.
ثم إن الحق تعالى أول ما أفاض نوره على الأعيان العلمية الثابتة ، أفاضه على أول مُبدَع ، وهو العقل الأول ، عقل العالم وهو القلم و الروح وله أسماء أخرى بحسب مراتبه ، وكان ذلك بنظر اسمه البديع.
فأول من شاهد نفسه كان العقل الأول وهو القلم كما ذكرنا ، رأى نفسه فى مرآة الحق و هو مرآة الحق ، و مِن أسمائه حقيقة الحقائق ، و الحق المخلوق به إلى آخر أسمائه المعلومة بحسب اصطلاح القوم .
فلمّا شاهد نفسه كان عين الحجاب على نفسه لكونه لم ير غير نفسه فى تلك الحضرة و إن عَلِم ما علم باستمداده مِن الحق لمَا قال له كما أنبأنا صلى الله عليه و سلم ( أكتب قال و ما أكتب قال أكتب و أنا أملى عليك ) و كذا أجاب صلى الله عليه و سلم لمّا سُئل عن رؤيته لله تعالى فى المعراج فقال ( نورٌ أنّى أراه ) لذا قلنا فى العقل فما رأى إلا نفسه فى تلك الحضرة
.
ثم إن القلم سأل سؤالا حاليَاً و هو ( فيما أكتب ) فانبعث له لوح العالم لمّا أجابه الحق بإفاضة نوره باسمه الباعث على النفس وهى اللوح مِن وراء حجاب العقل ، وكانت فى ظلمة العماء ، فشاهدت نفسها بالنور المفاض فى مرآة العقل ، فهى لا زالت تستمد مِن الحق تعالى بطريق الإلهام ( فألهمها فجورها ) و هو ظهورها ( و تقواها ) و هو خفاها ، و هذا ما يُسمى الوجه الخاص فى الاستمداد ، كما تستمد مِن العقل بوجهٍ آخر لرؤيتها نفسها فى مرآته و هو الكاتب فى لوحها ، و هى محجوبةٌ عنه حجاب الناظر إلى صورته فى المرآة عن المرآة ، وهى محجوبةٌ عن الحق بالعقل الذى هو مجلى الحق بالنسبة إلى النفس ، فمتى أدركت النفس العقل فقد أدركت الحق فافهم و انظر إلى تعدد الحجب بحسب مراتب الموجودات ، و اعلم أن النفس الكلية إنما هى نفس العالم ، و النفوس الجزئية صورها فى عالم الصوَر ، و جميعها مستفيدة مِن النفس الكلية ، ولا أقول اعلم أو افهم لأخوتى إلا تنبيها إلى ما يترتب على ما أشير إليه حال جمعهم ، لا أنى أظن أن ما أقول غير معلومٍ لهم ، كما قيل شعرا ( حالى و حالك فى الرواية واحدُ .. ما القصد إلا العلم و استعمالهِ ) .
ثم إنه تعالى أفاض نوره على عين الطبيعة مِن وراء حجاب النفس كما سبق أن أفاض نوره على النفس مِن وراء حجاب العقل ( سُنّة الله ولن تجد لسُنة الله تبديلا ) فظهرت الطبيعة فى مرآة النفس ، و إن شئت قل بطنت ، فما أفاض عليها نور وجودها إلا بنظر اسمه الباطن ، أعنى شاهدت صورتها فى مرآة النفس و غابت عن مشاهدة النفس ، كما غابت النفس عن انطباع صورة الطبيعة فى مرآتها ، و كل روح مِن هذه الأرواح الملكية لا يرى إلا نفسه و إن شعر بغيره بعض الشعور ، فيرى لنفسه التقدم فى المرتبة و الوجود عن غيره ، كما أن شعور الشخص بنفسه سابق لشعوره بما يقابله مِن العالم و إن وجِد قبله ، و مِن ها هنا قالت الملائكة ( أتجعل فيها مَن يفسد فيها ) و رأت فى أنفسها التقدم على خليفة الله فى الأرض و لِما علمت مما علمت عن أصل نشأته الجسمانية القابلة للفساد والحاوية للأضداد ، مع غيابهم عن مشاهدة حقيقته الجمعية و عينه الثابتة فى علم الله ، لذا قال تعالى ( إنى أعلم ما لا تعلمون ) ( و علّم آدم الأسماء كلها ) فاستفادت صورة آدم عليه السلام علما لم يكن عندها من حيث صورته الطينية ، و إن كان مركوزا فى حقيقته و عينه الثابتة فى علم الله و هى عين جمعيته فاعلموها .
ثم مِن وراء حجاب الطبيعة أفاض نوره تعالى على الهباء ثم على جسم العالم ثم شكله ثم فصّل سبحانه تلك الآيات تفصيلا ، فلا نطيل لوضوحه مِن المثل السابق و بالنظر إلى الدائرة يزداد وضوحا ، والأمر كذلك وما ثَمَّ إلا تجليه تعالى ، و هو عين التنزل فى المراتب المذكورة و التالية إلى مرتبة الإنسان الكامل الذى هو آخر التنزلات و أظهر التجليات و هو الخليفة ، وقد نص عليه تعالى فى حق والدنا فقال ( إنى جاعلٌ فى الأرض خليفة ) يعنى آدم عليه السلام .
ثم إن سلالته خرجت على صورته غير أنها لبست ملابسا حجبتها عن مشاهدة حقائقها ، فمن أراد منا معرفة الحق خلع ما لبس و تجرد عن جميع الأخلاق المذمومة والصفات و الأفعال حتى يشهد عينه فى مرآة الحق فيعرف نفسه ، و من عرف نفسه عرف ربه ، و قد بان مما ذكرنا أن كل مَن حُجب فقد حُجب بنفسه ، و متى غاب عنها ظهر له المجلى الذى رأى نفسه فيه ، و متى استغرق فى مشاهدة المجلى صار هو هو ، فارتقى ، فإن غاب عنه رقى مِن حيث نزل إلى أن يتجرد إلى مرتبة العقل الأول فيأخذ مِن الروح النونى ، وهو عين المِداد وحقيقة الإمداد ، و وراء ذلك ما لا ينقال ، فأوقفنا الحق تعالى على سر الروح النونى فى قوله ( ونفخنا فيه مِن روحنا ) و الأمر كما قال الشيخ الأكبر دورىّ ، و لا يكون ما رتبناه إلا بالتخلص مِن الأثقال العنصرية و الطبيعية أعنى بالعنصرية التراب ثم الماء ثم الهواء ثم النار ، و بالطبيعية ما عُلم ، فيصير السالك روحا فيُعرج به معراجا روحانيا ( والله يتوفى الأنفس ) إلى سماء الأسماء حيث تتلقاه الروح الآدمية .
فإن رفع الله له الحجاب الحائل بينه و بين الحقيقة الآدمية ، عَلِم مِن علم الأسماء على قدر سعته كما أشرنا ، و اطلع على ما أودع الله فى السماء الأولى مِن الأمر الموحى به فيها ( و أوحينا فى كل سماءٍ أمرها ) ( و فى السماء رزقكم و ما توعدون ) ، فإن كان ممن يطلب الحق تعالى لم يقف مع ما كُشف له فارتقى إلى السماء الثانية ، و هى سماء الروح و فيها روحانية عيسى عليه السلام رفعه الله إليها ، كما أخبر صلى الله عليه و سلم أنه قابل عيسى عليه السلم فى السماء الثانية ، و قد فصّل هذا المعراج الشيخ الأكبر رضى الله عنه و عنّا به ، و ليس الغرض مِن هذه الرسالة إيضاح الأمر على التفصيل إذ لكل شخصٍ معراجٌ خاص ، و سبحان من لا يتجلى بصورة مرتين و لا بصورةٍ واحدةٍ لشخصين ، و إنما غرضنا أن نشير إلى بعض ما ظهر فى الدائرة من أسرار الترقيات ، و ما يجدة السالك إذا فارق الخلان و غادر الأوطان طلبا لحضرة الرحمن ، ولا يكون ذلك إلا بما ذكره الشيخ الأكبر و أبسطه و هو ، طلب العِلم ، ثم العمل بما عُلم ، ثم الورع فيما يعمل ، ثم الزهد فىما كسب من عمله ، ثم التوكل على الله فيما يأتى حتى تتوالى الكرامات و المقامات بمنه وفضله .
فأنفع العلم ما يطهر صاحبه من كل رجس مادى و معنوى ، و أفضل عمل ما يترتب على ذلك العلم الشرعى الحِكمى مِن العبادات و تهذيب الأخلاق بالرياضات و المجاهدات ، وهذا المعراج موقوف على العمل بالشرع المنزَّل ، و غاية المتريض على غير ما شرّع الله التلقى من روحانيات الكواكب و الأفلاك ، والوقوف على أحداث الزمان كما ذكر الشيخ الأكبر.
أما المقلد لشرع الأنبياء ، فلا مطلب له إلا الحق ، فتتلقاه الملائكة ، و أرواح الأنبياء ، وتوصله إلى حضرة الحق فهو الآخذ عن الحق بواسطة و بلا واسطة ، ولا بد مِن الطريقين لكل سالك ، و الكل سالك ، ( و ما مِن دابةٍ إلا هو آخذٌ بناصيتها ) و الكل داب ( إن ربى على صراطٍ مستقيم ) و الحمد لله رب العالمين .
و مثال الطريقين فى الأخذ ما سبق و أشرنا إليه مِن تلقى النفس الكلية التى هى لوح العالم عن العقل الأول الذى هو القلم ، فهذا هو الطرق العام ، والطريق الخاص طريق الإلهام ( فألهمها فجورها و تقواها ) و هو الوحى العام عند بعضهم ( و أوحينا فى كل سماءٍ أمرها ) .
و حكمة ذلك فى المثل المذكور أن يعلم العقل أنه لا يستقل بالعلم ، إذ يجد ما هو مكتوب فى لوح النفس مِن غير إفادته ، فيعلم فقره إلى الله تعالى ، وأنه لا يستقل بحكم على النفس و يعلم أن الأمر شورى ، كما وافق القرآنُ عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى مواضع مشهورة
.
و متى عَلم المقلد ما ذكرنا نظر إلى مراتب الوجود ، و طلب العروج عليها ، فقيل له حتى تؤدى الأمانات إلى أهلها ، فاستهلك نفسه فى الذكر عاملا بما علِم ، فرقى مِن مرتبته مِن غير مفارقةٍ إلى سابقتها مِن المراتب ، و من نظر إلى الدائرة علِم معنى قول الشيخ فأول ما يُكشف له عن عالم الحس يعنى الحس الحيوانى ، ثم المغيبات من الأرواح النارية و النورية ، ثم عالم النبات ثم المعادن ، فهذا طريق الرجوع ، ثم إن هذا السالك يتجرد عن شعوره بترابيته و هو متوكل على الله الذى يدبر الأمر يفصل الآيات ، وهكذا فمن نظر إلى الدائرة التى هى عبارة عن مفتاح نضد العالم وجد فيها من العلوم و الأسرار ما لا تسعه العبارة و يدق عن الإشارة ، نسأل الله أن يرزقنا الوقوف عليها ويعلمنا ما شاء مما أُودع فيها ، و العمل بما قدر لنا ، و لا يكون ذلك إلا بطهارة البدن كما ذكرنا ، و وراء ذلك سر أنبه عليه ، وما كنت أفعل لولا أننى وجدت بعض أشياخنا قد أشاروا إليه ، ولا زال الشارع ينبه على ما يؤدى إليه من طهارة الظاهر والباطن ، فأقول :-
اعلموا نفعنا الله بمحبتكم أن للروح تعشق بالبدن لا يوصف و لا يضاهيه تعشُّق ، و ذلك أنها مستهلكة فى ذوق ما تجده مِن اللذات بطريق البدن ، وهى محجوبة به عن إدراك نفسها و تذكّر ماضيها و استشراف مستقبلها ، حتى إذا تمكن الفساد مِن البدن و حدث الموت ، حُشرت الروح و هى لا تدرك نفسها إلا بصورة البدن و بحسب ما استفادته من العلوم و المعارف و الأذواق بطريقه ، فلا تزال محبوسة فى هذه الصورة فى برزخها ، وهذا عام فى البشر ، إلا أرواح الرسل و الأنبياء و الصديقيين والشهداء ، فإنها راضت أنفسها و أبدانها بالمجاهدات و الرياضات ، وغادرت أرضها إلى محال خروجها و عروجها بالعبادات ،فتحررت من قيود الجسمانية كما أمرها صلى الله عليه و سلم بقوله ( موتوا قبل أن تموتوا ) فوجدت لذة المشاهدات ، و سرحت فى رياض السبحات ، بأصناف العبادات ، فعلمت أسرار الاستحالات ، ورأت أنفسها فى جميع الحضرات بالصور المختلفات ، فلم تحكم عليها صورة دون صورة ، فإذا جاء أجلها لبست من الصور ما شاء الله مما أعطاها سلفا فى معارجها من الصور الملكية المناسبة لأسفارها و معارجها و هو الذى لا يسلب ما أعطى ، فهُم مِن حيث أرواحهم الطاهرة ( لهم ما يشاؤون عند ربهم ولدينا مزيد ) فصارت أرواحهم مطلقةٌ فى البرزخ ، والبرزخ لابد بين عالمين بذاته فهو فى العالمين فعوا ، فظهرت لهم من أسرار التصريف ما يبهر العقول ، لمعرفتها و ذوقها فى العروج و النزول ، و هذا ما يجده الصادق من العطاء عند آل بيت الرسول صلوات الله عليهم أجمعين ، ( و سبحان الله و ما أنا مِن المشركين )
فخُذ عن الحق مِنّى ... و غُضَّ طرفك عنَّى
و جُد بجدِّك يوما ..... و خلِّ عنك التمنى
ما الأمر إلا اصطبارى .. و ليتَ حسَّنتُ ظنّى
جزاك ما كنتَ ترجو .... لذاك أبرزتُ فنِّى
و السلام عليكم وعلى أحبتكم
والختام لنا و لكم بالحسنى إن شاء الله
_________________ أنا الذى سمتنى أمى حيدره
كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السندره
|
|