الأخ الفاضل (mohammed farghal)
بارك الله فيك أخي الكريم ، وحفظك من كل مكروه وسوء .
أخي الفاضل :
سؤالاتك في غاية الأهمية ، فاسمح لي بعد انتهاء حلقات ذلك الموضوع بأن أجيبك عنها على قدر الطاقة.
والله أسأل التوفيق والسداد .
إن الأسس البدائية التي كانت تعمل بها محركات البحث توحي بأن جمع تلك المعطيات كانت تتم وفق أسس إحصائية " كمية " لا تراعي كثيرا – إما عن غفلة أو عن عجز في التقنية – التوجهات و الخلفيات المتشعبة أو الأكثر تعقيدا للجماهير المتصلة بالشبكة.
فنحن نشعر بأن اعتماد المبدأ الثاني في طريقة عمل محرك البحث جاء ليسد هذه الطفرة, إذ يوحي بأنه مهما كانت أساليبه و أهدافه الإحصائية المتبعة, فقد صارت بشكل ما ذات طابع " نوعي ", وذلك بتحليل العلاقات بين المواقع المستهدفة في البحث, و ربطها بخلفيات الشخص أو الأشخاص الذين يقومون بعملية البحث .
وكلها تصب في بنوك المعلومات التي تشكل مستودعا حقيقيا للخطط الخام, ليس فقط ذات الطابع الاستخباراتي و الأمني, التي تهدف إلى الوصول إلى التهديدات ذات الأنماط التصاعدية أو التنبؤ بها, بل و تتعداه إلى وضع القوانين المنبثقة عن هذه العمليات المرتبطة أساسا بتقدير درجة وعي فئات المجتمع على اختلافها, تجاه مختلف المسائل السياسية, الاجتماعية, الاقتصادية.....الخ.
وهو ما يؤسس للقدرة على التنبؤ بسلوكياته وردود أفعاله تجاه مسائل أو أحداث معينة مستقبلا, مما يجعل التعامل معه أكثر سلاسة ومرونة.
إن هذا النوع من الاختراق غير المعلن, يسمح في حقيقة الأمر بتطوير مستويات وأنماط جديدة من عمليات التدخل عبر الشبكة, لمواجهة أنواع التهديد الجديدة, التي أوجدتها الطبيعة الهلامية والمفتوحة لعالم الويب, و لكي نبسط هذا الأمر, نورد مثال هذا المقال بالذات .
إذ أن البرمجيات التي تسير بها المدونات أو المنتديات التي سيظهر فيها مقالنا هذا, تحتوي في العادة على معاجم خاصة, فيها كل الكلمات أو العبارات التي تشير إلى المواضيع أو الأشياء, التي تدخل ضمن اهتمام و أهداف المؤسسات السرية التي تراقب الشبكة, و هذه المعاجم تتسم بتصنيفات معينة, منها ذات الطبيعة الأمنية مثلا, و التي في العادة ترصد كلمات او عبارات ذات مدلولات أمنية ككلمة " القاعدة " أو " الجماعة الفلانية المسلحة "....الخ.
ومنها ذات الطبيعة السياسية مثلا, و منها ما يدخل ضمن نظام مراقبة " وعي " الأشخاص و الجماعات تجاه الحقائق المرتبطة بما يُعرف بـ" نظرية المؤامرة ", فإن كان مقالنا هذا – على سبيل المثال لا الحصر – يدخل ضمن هذا التصنيف, فهو يضاف إلى مجموع كل المواد المنتشرة عبر الشبكة .
والتي تخدم نفس الهدف, بحيث تقوم معالجات البيانات بحساب نسبة هذه المواد بمختلف لغاتها عبر الشبكة, و تقدير أعداد الأشخاص الذين يطالعونها مع توزيعهم الجغرافي, بل و ربما حساب النسب التقريبية للذين يمكن أن تترك في أنفسهم آثارا معينة, قد تشكل متاعب مستقبلية لخطط النخب, أي حساب وتقدير نسبة ودرجات وعي المجتمعات تجاه مثل هذه المسائل وفق خصوصيات كل مجتمع و ظروفه الحالية و خلفياته المختلفة....الخ.
ولمواجهة هذه التهديدات المحتملة, لا يكون الرد عليها بالحذف أو التشويه أو ما شابه, بل بطرق اكثر سلاسة و هدوء, فببساطة, إن كان مقالنا هذا يحمل درجة تهديد معتبرة, إذ أنه يفتح أعين القراء على مسألة مثيرة لم يكونوا على دراية بها من قبل, و من ثم تشكيل نوع من الوعي بحقيقة الوجه الآخر للشبكة العنكبوتية .
فإن اللازم – من منظور إحصائي – هو مواجهة هذا النوع من المقالات بعشر مقالات أخرى تتحدث في نفس الموضوع, لكنها تتضمن قراءات و مضامين ذات طبيعة التباسية و مشوشة, تربك العقل الباحث عن الحقيقة, والذي قد يضيع في بحثه ذاك, إذ تتم زحزحته منهجيا عن الطرق الصحيحة و يتم تحييده في النهاية, فيجد نفسه على الهامش, و تكون محصِّلته هي معلومة واحدة صحيحة و تسع يلفهن التعتيم و اللبس, و هكذا يكون عقلا غير مؤثر.