عندما ألف الروائي البريطاني"جورج أورويل George Orwell "رواية " الأخ الكبير " عام 1949, التي تحدثت عن نظام شمولي عالمي يراقب كل صغيرة و كبيرة في العالم,لم يكن القراء على علم آنذاك بأن بعض القوى العالمية و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية,كانت قد انطلقت عمليا في تنفيذ هذا المشروع الثوري,قبل صدور رواية الأخ الكبير ببضع سنوات, و بالضبط في عام 1943.
و لم يكن أحد يُصدق إذاك بوجود نظام جاسوسي عالمي حديث يراقب كل المعلومات المتداولة عبر العالم, سواء عبر التلغراف, الهاتف, الفاكس و لاحقا عبر البريد الالكتروني, إلا عند اقتراب الحرب الباردة من نهايتها.
عندما نشر الصحفي البريطاني " دونكان كامبل Duncan Campbell " مقالة في عام 1988, أشار فيها إلى وجود نظام تجسسي غربي عملاق تحت مسمى "نظام إيشلون Echelon System", تقوده الأجهزة الأمنية الأمريكية و البريطانية, للتنصت و التجسس على جميع الرسائل و الاتصالات المتداولة عبر العالم, ليس لاعتبارات أمنية أو عسكرية فحسب, بل لأهداف سياسية و اقتصادية كذلك.
منذ ذلك الحين زاد يقين فئات من المجتمع بوجود مجتمع نخبوي سري حقيقيي, يقف خلف هذه الحكومات و يضم أقلية من أثرياء العالم المهوسين بنظريات السيطرة, يرغب في السعي الحثيث لتحويل مفهوم " العين التي ترى كل شيء " و الذي تتخذه هذه النخب شعارا لها إلى واقع ملموس و حقيقي, بعد أن بات عصر الرياضيات و التقنية يسمح بذلك.
وبعدما فتح السقوط المُبرمج للكتلة الشرقية الباب على مصراعيه للنخبة العالمية, من أجل الانفراد الكلي بقيادة مصائر قرّات و دول وشعوب, نحو ما بدا حينها عصر الانفتاح و التحرر الكلي من جميع أشكال القيود و الكبت و الاستعباد, التي مارستها الحكومات و الأنظمة السياسية و الاجتماعية القطرية, نحو مجتمع عالمي لا يحده أي نوع من الحدود, تم رسم معالمه تحت اسم النظام العالمي الجديد.
ووصولا إلى عقد التسعينات, فقد أحدثت الانطلاقة الصاروخية و غير المسبوقة للشبكة العالمية " انترنت", ارتدادات مست نمط عيش المجتمع البشري بشكل راديكالي, إذ عرف هذا المجتمع تغيرات فكرية و اجتماعية و ثقافية كبيرة في ظرف وجيز جدا.
بحيث أنه وعلى امتداد عقدين من الزمن, عرفت البشرية تغيرات أسرع و أعمق – اجتماعيا و ثقافيا – مما عرفته طيلة الفترة الممتدة ما بين قيام الثورة الصناعية في بريطانيا إلى انهيار جدار برلين.
الشيء الذي فرض على سعاة السيطرة إيجاد طرائق جديدة, للرقابة و ملاحظة و دراسة و فهم ديناميكية تطور المجتمعات في مختلف مناحي حياتها – خاصة الاقتصادية منها – على ضوء تأثر هذه المجتمعات بالحركية التي راحت الانترنت تمارسها عليها, و ذلك في سبيل صياغة الخطط و تبني الطرائق المناسبة للتعامل مع هذا المجتمع العالمي الجديد الذي أوجدته الانترنت, لوضعه تحت السيطرة دائما, لأهداف اقتصادية أساسا, تتبعها أخرى سياسية, اجتماعية, ثقافية....الخ.