مقاله اعجبتنى جدا
وضعت لها العنوان السابق
وعنوانها الاصلى هو
رئاسة أميركا كبيرة على أوباما
http://www.uragency.net/index.php/2012- ... 4-13-04-10
من حسن حظ مصر أن محمد مرسي حكمها لمدة سنة واحدة وأخيرة، فأدى لها خدمة جليلة. إذ إنه أعطى الشعب المصري برهاناً قاطعاً على أن حكم "الإخوان" باطل. باطل. باطل.
لا يتحمل مرسي وحده مسؤولية ما فعل وما حصل في سنة ذاق خلالها الشعب مرارة الخيبة فوق مرارة العيش مع الحرمان الذي طال أمده.
قد يكون محمد مرسي طيباً، وعفوياً، وبسيطاً. لكن هذه الصفات لا تصنع رئيساً لشعب من تسعين مليوناً يختزن في طبيعته، وطبعه، حضارة قديمة أعطت بلاد النيل عبقرية علم الفلك، والهندسة، والفن، والخصب، والفرح، والأمل الذي لا تخبو شمسه حتى يبزغ فجره من جديد. ثم إن قانون المسؤولية العامة مثل قانون الحق العام، لا يحمي "البسطاء".
محمد مرسي من عائلة فلاحين. وهو يفخر بذلك، والمصريون يفتخرون بالعمل الزراعي. وبعد انتخابه بيوم واحد رئيساً على مصر، ذهبت صحافية من مجلة "صباح الخير" إلى قرية مرسي في "الشرقية"، واهتدت إلى بيته الفلاّحي الصغير في زقاق ضيق أمامه "حوش". كانت هناك شقيقة مرسي وحيدة. فالعيال في الحقل. وسألت الصحافية الفلاحة أخت الرئيس "ماذا تقولين لأخيك الرئيس؟"
فأجابت المرأة ببساطة وعفوية باهرة: "قولوا لمحمد إحنا مش بتوع رئاسات يا خويا"!
كان مرسي رئيساً لمصر باللقب. لكنه بالكاد كان وكيلاً لقيادة جماعة "الأخوان المسلمين". بل كان شأنه أقل بكثير من شأن أي "مسؤول وحدة" يتبع الجماعة. وكانت مشكلته الشخصية أنه ليس خفيف الظل. أما مشكلته الثانية فهي أنه وجد نفسه بواباً على عمارة كبرى في حضور من يدعي أنه صاحب العمارة، وولي الأمر، وما على "البواب" إلا الطاعة وتحمّل المسؤولية.
أما مشكلة مرسي الكبرى فهي أن سكان العمارة (مصر) هم المالكون، وقد رفضوا البواب مرسي بأكثريتهم الساحقة. لقد صبر سكان "العمارة المصرية" الكبرى سنة كانت كافية ليقولوا للبواب: اطلع برّا. وإذ تدخل "ولي الأمر المرشد" حتى قال له الجيش: الزم حدك.. نحن هنا في الميدان لنحمي أمن الشعب وقراره.
من أجل سلامة الديموقراطية في مصر كان من الأفضل لو أن الجيش لم يتدخل. لكن إجماع الشعب المصري على رفض حكم "الإخوان" جعله يتحصن أولاً بلقاء نادر ضم شيخ الأزهر، وبابا الأقباط، وممثلي المجتمع المدني في ساعة تاريخية شكلت وثيقة حية على وحدة المصريين من أجل حماية الديموقراطية والحكم المدني. ولمرة نادرة أمام ذلك المجمع النادر تمّ تعيين رئيس المحكمة الدستورية رئيساً موقتاً لدولة مصر، وتكليف عالم مصري عالمي تشكيل حكومة من نخبة أهل العلم والاقتصاد والسياسة والثقافة والخبرة.
كل ذلك تحقق بفضل صمود الشعب المصري وشجاعته، وقد أثبت هذا الشعب سلامة فطرته المبنية على الطيبة، والصبر، والسماح، والسلام، والرحمة، والفرح، والإيمان بالله، والولاء لمصر. لقد تمّ كل ذلك بهدوء، لكن مصر لا تزال في بداية معركتها للخروج من أزمتها الطويلة الأمد مع جماعة "الإخوان". فهذه الجماعة التي نشأت قبل ثمانين عاماً على حلم حكم مصر، لم تذق طعم حلمها إلا في عهد رئيس أميركي اسمه باراك أوباما.
لو قدّر لأوباما أن يخنق ثورة مصر الثانية لكان خنقها. فحتى اللحظة الأخيرة ما قبل عزل محمد مرسي كانت تعليمات أوباما إلى السفيرة في القاهرة أن تحذر الجيش المصري من ترك ميدان التحرير للملايين من الشعب الذي استردّ الأمر.
وقد ذهب أوباما في تحذيره إلى حدّ التهديد بقطع المعونات العسكرية والمالية والاقتصادية عن مصر إذا ما سقط حكم "الإخوان". بل إن إدارة أوباما كانت أول من بادر إلى إعلان تخصيص المليارات لدعم حكمهم، وهذا ما دعا حكومة قطر في عهد الأمير السابق إلى المبادرة لتوظيف المليارات في حساب "الإخوان"، وقد لبّت قطر الدعوة فمضت في تطلّعاتها إلى حدّ محاولة وضع يدها على شريان حياة مصر: قناة السويس.
ولم تعفِ إدارة أوباما حليفتها تركيا من إشراكها في عملية تعويم حكم "الإخوان". وقبل أوباما كانت الإدارة الأميركية قد سعت إلى جعل "تركيا الحديثة" نموذجاً لحكم الدول العربية والإسلامية. وكانت حجّتها أنها تبعد العسكر عن مراكز القرارات السياسية والعلاقات مع الدول. لكن تركيا "الحديثة" في عهد رجب طيب أردوغان قدمت مثالاً عن إرادة الإدارة الأميركية، لا عن إرادة الشعوب. فالرئيس أردوغان لا ينقصه إلا أن يضع عمامة السلطان على رأسه. ولم يكن ليأخذ هذا الاتجاه لو لم توصد دول أوروبا، وخصوصاً فرنسا، باب الاتحاد الأوروبي في وجهه. ولعله يفيض غضباً وحنقاً على كل أوروبا وهو يرى دولة كرواتيا القريبة منه تأخذ مقعدها في الاتحاد الأوروبي.
وعلى غرار تركيا لعبت إدارة أوباما دوراً في مصر حيث نجحت بالتخفي في عباءة "الإخوان المسلمين" للوصول إلى قصر الرئاسة في انتخابات ألقيت عليها صبغة الديموقراطية، فيما الديموقراطية ظلّت في الميادين لتصرخ "ارحل يا مرسي". وها هي إدارة أوباما تقف منذ نحو ثلاث سنوات مرتبكة أمام إدارة فلاديمير بوتين في الحرب على سورية.
خلال نحو سبعة عقود من الحكم الشيوعي كانت موسكو نصيرة الشعوب ضد الأنظمة، وكانت واشنطن نصيرة الأنظمة ضد الشعوب. وقد جاء فلاديمير بوتين وباراك أوباما لقلب الأدوار وتبادلها. كانت قوة أميركا العالمية، منذ عهد إيزنهاور بعد الحرب العالمية الثانية، أن لها حلفاء في آسيا، والشرق الأوسط، وأفريقيا. ومن تلك المناطق كانت تتغذى شرايين الاقتصاد الأميركي ولا تزال.
لقد خيّب هذا الرئيس الأميركي "الاستثنائي" الذي جاء من أصول العالم الثالث كل أحلام عالمه الفقير البائس، الطامح إلى الحياة بعدالة وحرية وكرامة. وها هو أوباما يرضخ أمام قيصر روسيا فلاديمير بوتين فيجدد محنة سورية سنة ثالثة، ويثبت أن رئاسة الولايات المتحدة الأميركية كبيرة عليه، كما كانت رئاسة مصر كبيرة على محمد مرسي.
لم يكن مطلوباً من أوباما، ولن يكون مطلوباً منه، أن يفعل في سورية ما فعله جورج بوش الأب، وجورج بوش الابن، في أفغانستان أو في العراق، إنما جلّ ما لا يزال مطلوباً منه أن يتّخذ قراراً حاسماً بدعم التحول الديموقراطي في سورية، لا أن ينصاع للرئيس الروسي بوتين الذي يطبق استراتيجية تطيل أمد الثورة، وتستهلك قواها، وتشرّع الأبواب أمام أعداء الحرية والديموقراطية والمدنية.
كان هناك أمل من "مؤتمر بلفاست" للدول الثماني الكبرى لعقد مؤتمر "جنيف 2" لكن رئيس روسيا أحبط الأمل فارتفع الخطر على مصير سورية، وعلى مصير لبنان، وعلى سواه أيضاً. فمن سيضبط رياح المنطقة العاصفة بالموت والدمار والفرار من الآن حتى ما بعد أيلول (سبتمبر) المقبل؟ وأي رقم سوف يبلغ "عداد" الضحايا، وقد فاق المئة وعشرين ألفاً، وفاق عدد النازحين رقم الثلاثة ملايين؟
مع أوباما تخسر أميركا هيبتها. وهو إذ يبرهن في خطبه وتصريحاته المرتجلة عن جدارته كأستاذ أكاديمي يبدو وكأنه ينسى أنه رئيس الولايات المتحدة، وإنه يتحمل مسؤولية المجازفة بمصير دول وشعوب.